فيلم ديفيد فينتشر زودياك يتعقّب قصة القاتل المحترف الذي ترك الجثث في كل مكان في كاليفورنيا في الستّينيات والسبعينيات أيضاً، وقصة الرجال الذي حاولوا منعه وإيقافه.. لقد تمت حياكة الحبكه الدرامية في الفيلم وبناؤها بإحكام.
ويُعتبر الفيلم من الأفلام الغامضة والمفصّلة بدقة شديدة، فهو يتعلق بجزء عن إجراءات الشرطة، وجزء عن أفلام الرعب، وفي النهاية هو تركيبة جيدة جعلت الفيلم ينال شهرة كبيرة.
ومن خلال الاطلاع على التاريخ فإن فيلم زودياك حافل بالأدب القصصي المثير، وهو فيلم من بطولة الثلاثي الجميل جايك جيلينهال، روبرت داوني الابن، ومارك روفالو كلّ في قمّة أدائه مع إضافة تأثيرات التكنولوجيا الرقمية من قبل المصوّر السينمائي هاريس سافيدز.. أما جيلينهال فهو النجم السري للفيلم من خلال تحول رسّام الكارتون الواقعي إلى الكاتب روبرت جرايسميث، ولو أنّه لا يظهر في فيلم حتى وقت متأخّر جداً، بعد برود حرارة الجثث والتحقيقات.
ويقوم السيد داوني بدور بول أفيري، المراسل الصحفي الذي يطارد القاتل في الصحافة، بينما يقوم السيد روفالو بأداء دور ديف توشي، مخبر في شرطة سان فرانسيسكو.
عينان واسعتان
كتب جيمس فاندربيلت المجهول نصّ لغز السيناريو السينمائي، ومن خلال التعامل مع تاريخ الجريمة الحقيقية للسيد جرايسميث والتحقيقات فيها قام بأداء دور جرايسميث، النجم جيلينهال على نحو خجول، حيث توافقت عيناه الواسعتان مع طموحاته الكبيرة للغاية.. بدأت زودياك بإرسال الحروف والأصفار إلى الصحيفة، والبوح بمعرفة عميقة عن الجرائم.
وصلت الرسائل الأولى في عام 1969، وهي السنة التي أصابت زودياك فيها شاباً وشابّة وطعنت آخرين في مقاطعات منفصلة في شمال كاليفورنيا قبل الانتقال إلى سان فرانسيسكو، حيث تم إطلاق رصاصة في رأس سائق أجرة.
الصفر الأول أو اللغز الأول أصاب عدداً من الوكالات القانونية، بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي، لكن تم اختراقه على يد معلم وزوجته يعيشان في كاليفورنيا.
كان الصفر الذي يتم فك شفرته يقول: (أحب قتل الناس لأن ذلك مرح أكثر منه لعبة برية قاتلة في الغابات).. واستمر إرسال الرسائل، مع أخطاء في التهجئة والترقيم المتساهل.
وككلب صيد دعاية وإعلان، زعم زودياك المسؤولية عن جرائم القتل من المحتمل ألا يكون هو الذي ارتكبها، وهي عادة تضيف إلى لغز وأسطورة boogey man والمؤرخين لجرائمه، بما في ذلك السيد جرايسميث.
مدخنون بلا حدود
لقد صنع السيد فينتشر اسمه في فيلم Seven، وهي قصة مثيرة تظهر فيها الجثث المشوّهة من ضحايا القتل لا لشيء، ولكن كنوع من الدعاية.
وبالرغم من أنه أكثر من قادر على الإضافة إلى سجلات الاستغلال، إلا أنه يقصد شيئاً مختلفاً بشكل كبير في هذا الفيلم، الذي يفتتح بإطلاق النار على شخصين توقّفا في طريق العاشقين أثناء الليل، وهو هجوم يتبعه بعد فترة قصيرة هجوم بسكين على زوجين في مكان واحد.
ومن خلال العنف، يجعل السيد فينتشر الأمر واضحاً فوراً حول نوع القاتل ويؤكد بأنّ جرائم القتل لن تصبح الدافع للقصّة، التنقلات الجغرافية، والتعقيد القصصي والعمل المحبط.
إنّ تركيب القصّة معقّد وذلك لأن رواية القصص مستمرة، مع فواصل متعددة للزمان والمكان تم تحديدها بعناية في جزأين متميزين.
يتعلّق الجزء الأول بجرائم القتل بشكل كبير والتحقيقات، والثاني، وهو أقصر بكثير يتضمّن قيام جرايسميث بتحويل جرائم القتل والتحقيقات الى قصة.
الجزء الأول، الذي يبدأ في 1969 ويستمر حتى منتصف السبعينيات يبدو كأنه موجه فني من خلال غرفة مليئة بالمدخنين بدون توقف.. وبشكل مظلم ومزاجي، مثل كلّ أعمال السيد فينتشر، فإن هذا الجزء خالٍ تقريباً من كلّ الألوان الفاتحة، باستثناء بقع من اللون الأصفر، وهو لون السلامة والحذر.
النينجا المحترم
أما بالنسبة للجزء الثاني، فهو ملوّن بشكل حيوي ويبدأ بجلوس جرايسميث في غرفة أخبار صحيفة الكرونيكل، وقد صبغت أعمدتها الصفراء باللون الأزرق الآن.
ويبدو لامعاً ومتعقّباً في هذا اليوم الذي قرأ فيه رسالة زودياك الأولى، ولو أنّه الآن لديه ثلاثة أطفال وزوجة.. لكن هناك الشياطين ما تزال طليقة، في الداخل والخارج، لهذا السبب يواجه جرايسميث زودياك بمفرده، ويقوم بتدفئة الحالة الحجرية الباردة.
الهدوء المحلي، واكتشاف الذات، إلى إكتشاف العالم? لهذا السبب، يُعتبر فيلم السيد فينتشر الفيلم الأكثر شخصية حتى تاريخه.. وفي جميع أجزاء الفيلم، يركز السيد فينتشر والشركة على جرائم زودياك وعلى نتائج أعماله، بدلاً من الدافع والطبيعة خلفها.
وليس هناك تطبيع علم نفس هنا، ولا رمزيّة عميقة أيضاً، ربما لأنه مولع جداً بالرموز، التي ينشرها في خطاباته، وللقيام بجريمة قتل واحدة، يتقمص أسلوب البطل الأعظم من خلال ارتداء بدلة مغطّاة للرأس سوداء تجعله يبدو مثل النينجا المحترم في قصة مختصرة سينمائية.. ولا عجب أن الضحايا لا يرون التهديد وراء هذا التنكّر حتى وقت متأخر جداً.
مشاهد تقطر دماً
علم النفس ليس مجال السيد فينتشر؛ فهو لا يهتم بالأسباب، لكن ما هو هناك بالضبط: الدليل المرئي.. فأسلوبه المنمق يستطيع تركك في حيرة من أمرك كما يستطيع لفت انتباهك للتفاصيل: حيطان المقشرة في بناية مهجورة في Fight Club، صفوف الرسائل بحجم النملة تسير عبر صفحات دفتر الملاحظات في (Seven)، الكدمات على ذراع امرأة في زودياك وهناك لغز في هذه التفصيلات التافهة، وليس فقط البراعة.. مثل مخبريه وصحفييه، يبدو السيد فينتشر ملتزماً بضرورة إعادة تكوين الحقيقة? الزيارة الثانية لمشهد الجريمة? جزء بجزأ.
وهناك لحظة مبكرة في الفيلم عندما يقف السيد داوني في غرفة أخبار صحيفة الكرونيكل مع انحناء ظهره قوس ورفع المؤخرة برفق، وهي طريقة الوقوف التي تستدعي للذاكرة جين كيلي كفارس تولوس لوتريك في An American in Parisوقد بدأ أفيري زلّته بالهبوط الطويل في النسيان، لكن كما يسير حول غرفة الأخبار, وتحركه الموهبة واحترام الذات، فهو رجل يريد كلّ شخص آخر أن يكون مثله.
ومثل مخبر السيد روفالو، الذي يترك كلّ شيء في صحوته السريعة، يملأ السيد داوني الشاشة بالحياة، التي تكون بطبيعتها، توبيخاً لدافع الموت المجسّد من قبل قاتل زودياك.. فمن النادر أن نجد فيلماً مليئاً بهذا الدمّ الكثير يصر على الحياة بشكل شديد هكذا.
فيلم زودياك
إخراج ديفيد فينتشر، تأليف جيمس فاندربيلت، مستند على قصص Zodiac وZodiac Unmasked من قبل روبرت جرايسميث، مدير التصوير الفوتوغرافي، هاريس سافيدز، مونتاج أنجس وال، موسيقى ديفيد شاير، مصمم إنتاج دونالد جراهام بورت، منتج من قبل السيد فاندربيلت، مايك ميدافوي، آرنولد دبليو.. ميسير، برادلي جي.. فيشير بطولة جايك جيلينهال (روبرت جرايسميث)، مارك روفالو (المفتش ديف توشي)، روبرت داوني الابن.. (بول أفيري)، أنتوني إدواردز (المفتش بيل آرمسترونغ)، براين كوكس (ميلفن بيلي)، إلياس كوتيس (العريف جاك مولاناكس) وكلوي سيفيني (ميلاني).