الطائف - د.نهاد البحيري:
انتشرت في الأعوام الأخيرة ظاهرة مستحدثة في مراكز التجميل ألا وهى تشقير الكثيرات لشعر الحاجبين باستخدام مادة من مواد صباغة الشعر تتكون من مركبات الأكسجين أو الأمونيا بغرض تفتيح لون الشعيرات الزائدة حول الحاجبين حتى تبدو الحاجبان أكثر تناسقاً دون اللجوء للنمص الذي يحرمه الشرع ويلعن الرسول صلى الله عليه وسلم كل من تفعله, ولكن الملحوظ مبالغة البعض الآخر في استخدام هذه الطريقة فنراها قد فتحت لون الحاجبين تماما حتى اقترب من اللون الأبيض حتى ترسم شكل الحاجب كما يحلو لها دون نمص أيضا.
ولكن هذه الظاهرة لا تتوقف أبعادها عند الناحية التجميلية فحسب بل تمتد إلى أبعاد أخرى مثل البعد الصحي ومدى تأثير مثل هذه المواد على البشرة في تلك المنطقة الحساسة أعلى العين, وكذلك البعد التربوي فضلاً عن البعد الشرعي وحكمة في هذا الأمر، بحيث يضع للأمر حدودا بين الخطأ والصواب.
ولكن انتشار تلك الظاهرة بهذه الكثافة ليس بين الشابات فحسب بل بين الكثيرات في سن ما فوق الأربعين والخمسين, والأكثر من ذلك انتشارها في مدارس البنات ليس في الصفوف الكبيرة كالمراحل الثانوية فحسب بل انتشرت بكثافة أقل بين طالبات المدارس المتوسطة ونادراً في المرحلة الابتدائية غالباً بين طالبات الصف السادس؛ لذا قد استعرضنا آراء متنوعة حول هذه الظاهرة بين خبيرات تجميل و تربويات وطبيبات ومواطنات كما سيتضح من التحقيق:
خبيرات التجميل
* تقول السيدة (أم أسامة) وهى خبيرة تجميل بأحد مراكز التجميل بالطائف وهي مغربية الجنسية وتعمل بالطائف منذ عامين وكانت عمل قبلها لمدة سبع سنوات بأحد مراكز التجميل بمكة المكرمة بأنها تقوم بها منذ أن أتت إلى المملكة منذ تسعة أعوام ولكن ليست بهذه الكثافة التي تطلبها النساء في هذه الأيام، وتقول بأن المادة المستخدمة في تشقير الحاجبين هي نفس المادة التي يفتح بها الشعر قبل صباغته لإعطائه اللون المطلوب وعندما سألناها عن سبب لجوء النساء؛ لذلك فقالت إنهن يخشين النمص وتطلب بعض زبوناتها تفتيح لون شعر الحاجبين كاملاً فتبدو كما لو أنها اختفت ليقمن برسم الحاجب حسب الموضة والبعض الآخر يطلبن فقط تشقير الشعيرات المحيطة بالحاجب حتى تبدو كأنها غير موجودة وتترك الحاجبين دون أي تفتيح ويفتح لون شعر الحاجبين كلما طالت المدة التي تترك فيها مادة التفتيح على الحاجبين، ولكن يراعى الدقة في وضع هذه المادة على الحاجبين وألا تترك أكثر من 10-15 دقيقة كون تلك المنطقة حساسة جداً ويفتح لون شعر الحاجبين أسرع، كذلك كلما كان أقل كثافة، كما أنه يجب أن يتم كل 10 أو 15 يوماً للاحتفاظ باللون الفاتح لشعر الحاجبين وعندما سألنها هل تطلب كل زبوناتها تشقير الحواجب قالت إن بعضهن قد يرفضن مسايرة مثل هذه التقاليع المستحدثة اقتناعا منهن بأن ذلك ما هو إلا تغيير من خلق الله وأن أي تغيير يعتبر حراماً ويشبه النمص في الفعل.
ولاحظنا أن السيدة أم أسامة كانت بالفعل تضع الصبغة لتشقير حاجبيها ولكنها تقول إنها لا تفعل هذا إلا عند وجودها في المملكة فقط أما عندما تقترب إجازتها عندما وسفرها إلى المغرب فهي لا تقوم به لمدة 3 أشهر حتى يختفي أي أثر للتشقير لأنه غير معتاد لديهم في المغرب.
* السيدة أ.ح مغربية . كانت موجودة بمركز التجميل نفسه من أجل تشقير الحاجبين وعندما سألناها لماذا قالت إنها ترى أنه سيناسبها لعدم كثافة الحاجين
* السيدة ع.ف. مغربية. تقول إنها لا تحب تشقير الحاجبين وغير مقتنعة به، ولا تعتقد أنها سوف تقوم به في يوم من الأيام.
* السيدة الغنية بالله كما رمزت لاسمها وهي مواطنة سعودية اعتادت حضور الندوات الدينية قالت بأن هذه الظاهرة جديدة منذ فترة حوالي 4 سنوات وأنها تنتشر كثيراً بين من هن في مجال عملها بصورة كبيرة وهى ترى أن هذا الأمر ليس إلا نوع من التحايل وأنه به شبهة حرام وتقول بأن النامصة لا تبالي بحديث رسول الله أما من تلجأ إلى تشقير الحواجب فتقوم بنوع من التحايل رغم عدم وقوعها في فعل النمص إلا أنها تتشبه بالنامصة وتبدو كما لو كانت تتمنى النمص ولكنها تخشى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يبدو أن هناك شيئاً من المراعاة على الرغم من التحايل وهى ترى بأن اتباعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحسم مثل هذا الأمر فقوله تعالى في الآية 31 في سورة آل عمران {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فمن أحب الله أحب رسوله واتبع لسنته، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (اتقوا الشبهات فمن وقع في شبهة وقع في حرام).
وأخيراً شبهت مثل هذا التحايل بقصة اليهود الذين تحايلوا على الله حين أمرهم بعدم الصيد يوم السبت فنصبوا شباكهم وتركوها يوم السبت واصطادوا بها يوم الأحد.
* الأستاذة داليا عطية محاضر لغة إنجليزية بالمعهد الصحي بحي قروي، وهي مقيمة بالمملكة منذ أكثر من عشر سنوات تقول إن هذه الظاهرة لم تكن موجودة في بداية قدومها للمملكة وأنها ظهرت منذ سنوات قليلة لا تزيد على ثلاث سنوات وهي ترى أن تشقير الحواجب انتشر في جميع الأوساط وبين طالباتها لدرجة أنه قد أصبح يتساوى مع المكياج، وهى ترى أنه لا يتناسب مع كل من تقوم به من الناحية الجمالية فأحيانا ما يقبح المنظر ولا يتمشى مع البشرة الداكنة وأنه قد يلائم البشرة الفاتحة إلى حد ما، وهي ترى أنها مجرد تقليعة مصيرها للزوال فإذا كانت الحكمة منه هي عدم النمص بالفعل فهو يبدو واضحاً جداً في النهار في ضوء الشمس؛ إذن لا فائدة منه وأن أخصائيي الأمراض الجلدية لا يحبذونه لضرره على البشرة حيث تعمل في وسط مليء بالطبيبات ويجاورها أيضاً الكثير من الطبيبات.
* الأستاذة ن.ر مصرية. تقول إنها كانت تعمل بالمملكة منذ 4 سنوات في المنطقة الجنوبية ولم تلحظ أي أثر لتلك الظاهرة في ذاك الوقت وأنها عندما أتت إلى المملكة منذ العام الماضي فقط رأت هذه الظاهرة كشيء غريب لم يوجد من قبل ففترة تركها للمملكة لم تزيد على عامين كما لاحظت أيضا انتشار صبغات الشعر والألوان الغريبة كاللون الأحمر الناري المعروف باللون البرغندي في مراكز التجميل وأن في الفترة السابقة كانت ترى الفتيات نادراً ما يستخدمون صبغات الشعر وكانت الغالبية العظمى تستخدم الحناء كمادة طبيعية كما قالت إنها تذكر تعليق إحدى زميلاتها على تشقير الحواجب بأنها كانت تعتقد أنه مرض أو ضعف في الصحة تعاني منه الفتيات في المنطقة لأنها لم تلحظه من قبل حين كانت تعمل منذ عدة سنوات بالمنطقة الشرقية.
* أما الأستاذة فاطمة سعد الغامدي مديرة التوجيه والإرشاد بتعليم البنات فهي كمسؤولة تربوية وأنها توصى المشرفات بأن تنهين عنه الطالبات من ناحية اتباع السلوكيات القويمة وعدم التحايل في الدين لكونه تشبهاً بالنمص وأنه نوع من الاحتيال على محرم كما أفتى كل من ابن عثيمين وابن باز وأنه لا يجوز لكونه من التقاليع الغربية المستحدثة في السنوات الأخيرة على نساء المملكة الذين هم بمثابة القدوة ولكنها ترى أن المشكلة تكمن في عدم إدراج عقوبة خاصة به في لائحة وحدة التوجيه والإرشاد نظراً لعدم المقدرة على تحريمه تحريماً تاماً لعدم كونه نمصاً حقيقياً إلا أنه يقع في مجال الشبهة التي تجعل من تفعله كما لو كانت نامصة.
وتقول كذلك بأن وحدة التوجيه والإرشاد تدرس إمكانية المطالبة بتوقيع العقوبة على الطالبات اللائي يفعلنه بخصم درجات من السلوك والمواظبة لانتشاره بين جميع الطالبات في الثانوي والمتوسط بل في بعض الطالبات في المرحلة الابتدائية أيضاً هذا لصالح الطالبات من الناحية التربوية والتوجيهية، وهي تتمنى أن يصدر القرار بالعقوبة على من تقوم بتشقير الحاجبين في أقرب وقت.
وهكذا استعرضنا الأمر من جميع جوانبه واتضح اختلاف الآراء حول تلك الظاهرة المستحدثة والواضح أن انتشار تلك الظاهرة يرجع إلى وقوع الأمر في مجال الشبهات فلا يأخذ حكم الحلال لاستنكار البعض له كنوع من الاحتيال على الحرام ولا هو حلال مائة بالمائة لكونه أيضاً يقع بينهما، وهو كأي موضة أو تقليعة غربية أصابت مجتمعنا من جراء الفضائيات وما تجلبه وما تزينه في النفوس وستأخذ وقتها وتذهب مع الريح فسيأتي اليوم الذي قد لا توجد فيه مثل هذه التقليعة مثل أي تقليعة مضت وعفا عليها الزمن.