* إعداد - د.نهاد ربيع البحيرى
يضطر الكثيرون منا إلى مغادرة البلاد الإسلامية لقضاء عدة سنوات بالخارج في إحدى الدول الأجنبية من أجل العمل أو لتحصيل العلم، وقد يتطلب الأمر اصطحاب الأسرة لطول المدة، مما يشكل نوعاً من التحدي لكل مسلم يرغب في صيانة تقاليد الإسلام والالتزام بأوامره ونواهيه، والنماذج لا تحصى ممن سافر للخارج من المسلمين واستطاعوا ممارسة شعائر الإسلام كما لو كانوا في بلادهم بل قد يكون الالتزام والتماسك بين المسلمين أكثر مما لو كانوا في بلادهم... ولكن المشكلة المؤرقة دائماً هي الأطفال الذين يجب أن نبذل المزيد من الجهد لإكسابهم نفس الروح الإسلامية مهما كان المجتمع من حولهم, ومن أكبر المشكلات التي تواجه المسلمين في الخارج هي تقديم صيام رمضان لأولادهم وكيفية تدريبهم على الدفاع عنه بين من لا يصوم والأهم من كل هذا إقناعهم بالحكمة من رمضان وضرورة الالتزام بالصيام في الخارج. فالحاجة ماسة إلى هذا الأمر بشكل يفوق أهميتها في بلادنا الإسلامية, فالحقيقة أن الإسلام يكثر انتشاره ويتزايد عدد المسلمين ولكن يقل فهم مثل هذه المجتمعات لحقيقة الإسلام، فالطفل فيها يعيش نوعا من التحدى؛ لذا فأهم ما في الأمر أن يساعد الآباء أبناءهم على عدم الشعور بأنهم غرباء.
لا تجعل طفلك يشعر بكونه غريباً
على النقيض من الأطفال في البلاد الإسلامية، فأطفال المسلمين الأمريكان يعانون من نوع من التحدى في رمضان ليس بسبب الجوع والعطش فحسب بل يكمن التحدى في محاولة توضيح قيم الصيام لزملائهم ومعلميهم، فالتفرد والاختلاف لا يعد من الأمور الهينة وخاصة بالنسبة لأطفال لا يدركون إمكانية التنوع بين بني البشر.
فنجد أكثرهم يفضل أن يصبح مثل زملائه خجلا من التصرف بشكل يبدو فيه الاختلاف والتفرد، فقد يكون من الصعب على الأطفال من حولهم أن يدركوا لماذا لا يأكل زميله المسلم - سواء كان أمريكيا أو عربياً - أو يشرب في وقت الفسحة، فقد يتولد لديهم الاعتقاد بأن الإسلام قاسٍ ويتعذب من يتبعه، وقد يرى البعض الآخر بأن استذكار الدروس والتركيز بل وممارسة الرياضة واللعب قد تكون من الأمور الصعبة في الصيام، وقد يحتاج الطفل لذلك إلى من يشجعه ويقوى إرادته بدلاً من أن يشعر بأنه حالة منفردة، فقد يعمد بعض الأطفال إلى تبرير عدم تناولهم للطعام بالتظاهر بأسباب أخرى صحية أو أنه في حمية أو غيرها من الأسباب بدلاً من أن يعلن أنه صائم وهذا اعتقاداً منه بأن إخفاء الصيام أسهل من مواجهة النقد.
ومن هنا تأتي أهمية دور الوالدين في مثل هذه الظروف في حياة أطفالهم المسلمين لمساعدتهم على مواجهة التحدى وتقبل الشعور بالتفرد والاختلاف فعلى الآباء أن يفهموا أن لأطفالهم في مثل هذه الظروف احتياجات خاصة تختلف عن احتياجاتهم عندما كانوا أطفالاً فكما اختلف الزمن وتغير اختلف أيضا المكان والبيئة والتحديات المحيطة بأطفالنا.
ويحتاج أطفالنا أن نكون معهم وأن نشعر بما يشعرون من تحديات وصراعات من أجل أن نحدد احتياجاتهم النفسية ونساعدهم على تخطى العقبات في أقرب وقت؛ لأن تلك الأمور البسيطة في الوقت الحاضر قد تؤدي إلى مشكلات غاية في الخطورة في المستقبل فأول ما نساعدهم به هو أن نخلق من حولهم بيئة تشعرهم بالثقة بالنفس.
كيف يتحقق ذلك؟؟؟
قد ينتهز الكثير من الآباء الفرصة التي تسمح بها بعض المدارس في تلك الدول لأولياء أمور الطلاب من الجنسيات الأخرى التحدث إلى هيئة المدرسين والطلاب عن عاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم ليسمحوا لأطفالهم بالتعرف على الثقافات الأخرى، ويبدأ في توضيح ما هو رمضان للمدرسة كلها حتى يشعر الطفل بنوع من الثقة بأن هناك من يفهمه، وقد يتحقق جزء من هذا الهدف، ولكن قد لا تبالى الغالبية العظمى ويبقى الوضع كما هو عليه فلا يكون هذا هو الحل الوحيد بل الأفضل أو بجانب هذا التصرف أن يبدأ الوالدان بطفلهم بتلقينه القيم الغالية الروحية والجسدية من الصيام ويمكن عرضها على الطفل كما يلي:
هدف الصيام والثواب الأعظم
يجب أن نعلم الطفل قيم الصيام والثواب والأجر العظيم الذي أعده الله لمن استطاع أن يقاوم رغباته ويمتنع عن الطعام والشراب لوجه الله، ومن أهم ما يجب أن يعلماه أن من ضمن السبعة الذين سوف يظلهم الله في ظلة يوم لا ظل إلا ظله هو شاب نشأ في طاعة الله وعبادته وأن الصيام ما هو إلا طاعة لله.
علينا كآباء أن نوضح لأطفالنا أن الهدف من الصيام ليس أن يتعذب الناس بعدم الطعام والشراب بل من أجل التدريب على تحكم الإنسان في الفعل والقول، وبذلك نصحح لهم السلوكيات الخاطئة أثناء الصيام خاصة عند التلفظ بما هو غير لائق أو التشاجر أو ما إلى ذلك فنذكرهم بأنهم صائمون وأن مثل هذه السلوكيات قد تؤثر في الأجر الذي نأخذه من الله.
ومن المهم أيضاً كلما شعر الطفل بالجوع أن نذكره بحال الفقراء والمساكين مما يرقق قلبه ويشجعه على الإحسان للفقراء والمحتاجين حتى يكسب المزيد من الرحمة من الله.
الفوائد الصحية للصيام...
وبما أن الطفل قد يستمع إلى عبارات معروفة مسبقاً ضد الصيام فمن المستحسن أن نوضح له أن الصيام مفيد جداً للصحة وأن الأطباء يوصون به لبعض المرضى لفترات قصيرة من الأجل الاستشفاء، ومع هذا يجب أن يقتنع أن الصيام لن يؤثر على نموه ولا صحته حتى وإن شعر ببعض الإرهاق والخمول أثناء الصيام.
أعطِ رمضان طابعاً خاصاً
في بيتك...
من الضرورى أن يعد الآباء أطفالهم لرمضان قبل قدومه وأن يوضحوا لهم كم ينتظر المسلمون هذا الشهر الكريم في جميع أنحاء العالم، وكم يحبونه ويتشوقون إليه، ولا يكون إعداد الطفل لرمضان فقط بتوضيح محاسنه فحسب بل ينصح بتزيين المنزل بالأنوار والزينة. فالمسلمون بكونهم أقلية في تلك البلاد فعليهم أن يشعروا أطفالهم بأنهم في مناسبة خاصة وأنهم يزينون بيتهم في مناسباتهم الإسلامية كما يزين زملاؤهم البيوت والمدارس في عيد الكريسماس.
من المستحسن أن نصطحب أطفالنا إلى صلاة التراويح ليدركوا الفرق بين هذا الشهر وغيره من شهور العام، وأن نوقظهم من أجل تناول السحور حتى تستعد أجسامهم لملاقاة يوم جديد من الصيام.
ينصح بترك الأطفال يذهبون للمسجد وقت المغرب لحضور الإفطار مع أكبر تجمع من المجتمع الإسلامى مما يساعدهم على ممارسة عظمة الصيام بأنفسهم وووحدة المسلمين في عبادة الله، كما يفيد ذلك في شعورهم بأنهم ليسوا الوحيدين في العالم الذين يصومون وأن هناك مسلمين آخرين يشاركونهم الصيام.
وبهذا عندما يفهم أطفالنا الحكمة من رمضان والقيم المستفادة من الصيام فالأحرى بهم ألا يتأثروا بما يردده الزملاء من حولهم من أمور سلبية عن الصيام، حيث ستسمح لهم معلوماتهم البسيطة مع ثقتهم بأنفسهم على التحدث مع زملائهم ومدرسيهم عن الصيام، وأن يجيبوا على تساؤلاتهم ويصححوا المفاهيم الخاطئة بأنفسهم.
وبالإضافة إلى ذلك يكسب الآباء والأمهات عظيم الأجر والثواب من الله على الوقت الثمين الذي قضوه مع أطفالهم لكي يفهموا الصيام والاستمتاع بالطابع المميز لهذا الشهر الكريم.