دون أي تخطيط أو ترتيب مسبق، وربما عن طريق المصادفة غير المتوقعة تنشأ عادة الصداقات بين الناس، وتنبني العلاقات الحميمة بينهم في أجواء صحية، تسودها شواهد لكل مظاهر الود، ودلات الانسجام، والتعاطي المشترك في كثير من الأشياء.
* * *
فالإنسان بطبعه يسعد بصحبة غيره من الأصدقاء، ويرتاح لحوار معهم، وتؤنسه مجالسهم، وبأن يكون رفيقه في سفره صديقاً عزيزاً عليه، لأن هناك لغة مشتركة فيما بينهم، وتناغماً ثنائياً بالأفكار والرؤى، وتوافقاً في المزاج، فضلاً عن أن مسافة التباين في وجهات النظر تضيق كلما امتد العمر والسنوات للعلاقات بين الأصدقاء.
* * *
وحين تتمتع العلاقة بين الأصدقاء بخصوصية محددة، إشارة إلى تفاوت درجات الصداقة بين الأصدقاء، فلأن العلاقات الإنسانية لا يمكن أن تكون بدرجة واحدة، وبمستوى واحد، أو أن هناك مواصفات محددة وبالقياس، ودون أي اختلافات تؤثر على ما تعتمد عليه الصداقات في أصالتها ونجاحاتها.
* * *
فهناك من تأنس لأحاديثه العذبة، وأفكاره المنظمة، فلا تمل مجلسه، ولا تشعر بضيق من طول رفقته، وكلما غاب عنك صديق تحبه شدك الشوق للسؤال عنه، وتنظيم وترتيب وتهيئة ما يعيده إلى ما كان عليه، وهكذا تتجدد بين الناس الأجواء الأخوية الصحية، بنظافتها وثقافتها وطرفتها، بما لا ملل أو سأم أو فراغ يمكن أن ينشأ بعد ذلك.
* * *
والصداقة الحقيقية لا تشترى بالمال، ولا بالجاه، ولا بالمصالح الأخرى، وهي لا تقوم على المنافع أيضاً، مثلما أنها لا تبنى على توقعات قد تأتي وقد لا تأتي، فهذه شروط غير جديرة بالاحترام، ولا يمكن بها وبمثلها أن تصمد أو أن تستقيم، بل إن مآلها إلى الفشل، ونهايتها إلى قطيعة وابتعاد.
* * *
ولحسن الحظ أن هناك مبادئ وقيماً تقوم عليها العلاقات الإنسانية الحقيقية - الصداقة نموذجاً - أهمها الصدق والإخلاص والأخلاق ضمن مسلمات أخرى، وإلا لما عُمّرت الكثير من الصداقات بين الناس، بل لما قامت أساساً، وإن قامت لما أمكنها الحياة في بيئة غير صالحة.
* * *
وأجمل الصداقات - بنظري - هي تلك التي تأتي مصادفة بين المحبين، أو كانت بداياتها من غير إعداد وترتيب لها، وأجملها ما كان لا ينشد منفعة، أو يسعى إلى مصلحة خاصة، وأجملها وأجملها وأجملها ما بنيت على الإيثار والإخلاص والصدق والأخلاق مثلما أشرنا إلى ذلك من قبل.
* * *
والحياة بلا أصدقاء، تبدو بلا روح، بلا طعم، حيث الفراغ، وعدم تلاقي الأفكار، والشعور بالوحدة الذهنية والفكرية، والجهل بشيء من تجارب الآخرين التي ينبغي أن نتعرف عليها، بما لا مجال للقول بأن هناك البديل الذي ربما يعوض عن الأصدقاء، فالحياة حلقات متواصلة إحداها الصديق الذي تحبه وترتاح له ويبادلك نفس الشعور والذي لا غنى للإنسان عنه.
* * *
فليكن مجتمعنا بكامله هو مجتمع الأصدقاء الأنقياء، المحبين بعضهم لبعض، الساعين أبداً إلى بناء أوثق العلاقات بين أفراده، حيث بانتظارهم بعد ذلك الهدوء وراحة البال، والبعد عما ينغص عليهم حياتهم، ويكدر ليلهم ونهارهم.
وبعد:
من منا من لا ينشد السعادة، مع صديق يرتاح له، بأن يأنس لمجلسه، ويحب رفقته؟!
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244