* إعداد - أشرف البربري
ما بين الشكوك في الولاء والشكوى من التمييز ضدهم ينظر عدد من المراقبين خارج إيران إلى أوضاع الأقلية اليهودية داخل إيران بكثير من الحذر والاهتمام خاصة مع تزايد احتمالات المواجهة بين إيران وإسرائيل.
وقد نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية تقريرا من داخل إيران عن أوضاع الجالية اليهودية التي يصل عددها إلى30 ألف نسمة قالت فيه:
إنه في كل يوم تتعمق مشاعر العداء بين إيران وإسرائيل. وهذه المواجهة (الباردة) حتى الآن تزيد صعوبة الحياة بالنسبة لآلاف اليهود الإيرانيين الذين يشكلون الجزء الأكبر من الجالية اليهودية التي تعيش خارج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط. ويشعر اليهود الإيرانيون بصدمة كبيرة من التصريحات الحماسية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بشأن (محو إسرائيل من الخريطة) وإنكاره حدوث المحرقة النازية (الهولوكوست) ضد اليهود.
كما يعانون من البيئة السياسية المشبعة بالاتهامات ضدهم لأنها تساوي بين اليهود وإسرائيل ويشاهدون باستمرار حرق (علم إسرائيل) عدو إيران.
ولكن رغم كل ما يبدو على السطح من قيود وصعوبات تواجهها الأقلية اليهودية في إيران فإنهم يعترفون بأن حياتهم في إيران حرة نسبيا وما زالوا يشعرون بالولاء للأرض التي ولدوا بها ويحرصون على ضرورة الفصل بين السياسة والدين.
كما أنهم يحذرون من المقارنة بين المواقف الرسمية الإيرانية المعارضة لقيام دولة إسرائيل والفكرة الصهيونية من ناحية والمواقف الرسمية تجاه اليهود واليهودية من ناحية أخرى.
يقول سايمك مورساديغ رئيس اللجنة اليهودية بطهران: (إذا تصورت أن اليهودية والصهيونية شيء واحد فستكون على خطأ بالتأكيد، هناك مشكلات عامة مشتركة لكل من اليهود والمسلمين في إيران. وإذا بدأت الحرب ضد إيران فسوف نكون أيضا اهدافا لها. وعندما تضرب الصواريخ الأراضي الإيرانية فإنها لن تسأل هل هذه أرض مسلمين أم أرض يهود).
ويعود الوجود اليهودي المتصل في إيران إلى ما قبل ظهور الإسلام بأكثر من ألف عام. وقد وصلت إحدى موجات الهجرة اليهودية إلى إيران عندما كان اليهود يفرون من الملك نبوخذ نصر الثاني ملك الدولة الأشورية بالعراق عام680 قبل الميلاد تقريبا. كما أن بعضهم جاء إلى إيران عندما نجح الملك كورش ملك فارس في تحريرهم من السبي البابلي بعد ذلك بحوالي140عاماً.
يقول زعماء اليهود في إيران: إن معاداة السامية من الناحية التاريخية أمر نادر في إيران وهو الأمر الذي لا يتحدث عنه غالبا المعارضون في الخارج وبخاصة في إسرائيل حيث يوجد عدد من اليهود الذين لهم أقارب في إيران. ورغم ذلك فما زال عدد أفراد الجالية اليهودية في إيران يتقلص منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وقد كان الخروج الكبير لهم في أعقاب الثورة وإعلان قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عندما ترك حوالي 25 ألف يهودي إيران بعيد الثورة مباشرة.
يقول أحد اليهود الإيرانيين الذي طلب عدم ذكر اسمه: مشكلتنا أن قضية فلسطين لم تحل وهذا يؤثر علينا هنا.
ولكن هذا لا يؤثر على كل يهودي في إيران. يقول الطبيب الإيراني هومايون مهابر: إن وطنيته الإيرانية تجري في دمه أو ما يربط بين الجالية اليهودية الصغيرة والدولة الإيرانية لا يمكن فصله.
وقد أجرى الجراح موهابر خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين أكثر من900 عملية جراحية في المستشفيات الميدانية على جبهة القتال حيث كان طبيب في الجيش الإيراني في ذلك الوقت. وقد تعرض هو نفسه للإصابة أثناء خدمته في صفوف القوات المسلحة. كما تبرع بالدم مرتين لإنقاذ جنود أثناء العمليات الجراحية.
واليوم يحتفظ داخل عيادته في طهران بقنينة مملوءة بالطلقات والشظايا التي أخرجها من أجسام الجنود المصابين خلال تلك الفترة.
يقول موهابر: إن العلاقة بين المسلمين واليهود في إيران جيدة للغاية على الرغم من أن عدد المسلمين يصل على70 مليون مسلم في حين لا يزيد عدد اليهود على30 ألف يهودي.
ويضيف: إن الموقف في إسرائيل من اليهود الإيرانيين ينطوي على سوء فهم كبير.
ويقول: نظام الحكم الإسلامي في إيران يظهر دائما احتراما كبيرا لي ولم يتوقف أبدا عند ديانتي بعد الثورة الإيرانية. ولم يشر الطبيب الإيراني اليهودي إلى عملية التطهير الواسعة التي قامت بها إيران ضد الضباط اليهود في صفوف الجيش الإيراني بعد الثورة.
كما أن الجالية اليهودية في إيران تعرضت للصدمة نتيجة بعض الأحداث التي وقعت خلال السنوات الماضية. ففي عام 1999 تم اتهام 13يهوديا إيرانيا بالتجسس لصالح إسرائيل في مدينتي شيراز وأصفهان الأمر الذي أدى إلى انتشار حالة من الفزع والخوف بين صفوف اليهود الإيرانيين من التعرض لعملية إبعاد جماعي جديدة.
وفي ظل انتقادات دولية للحكومة الإيرانية على خلفية تلك القضية فقد صدرت أحكام بالسجن تراوحت بين أربع سنوات و13 سنة على عشرة من المتهمين وتم تخفيف الأحكام فيما بعد.
ويقول موهابر: إن ما أثار خوف اليهود في طهران في ذلك الوقت هو إدراكهم أن المنظمات الصهيونية والولايات المتحدة أساءت إلى قضيتهم من خلال استغلال قضية التجسس من أجل مهاجمة نظام الحكم في إيران. وقد أطلق سراح اليهود الثلاثة عشر بالفعل وجميعهم ما زالوا يعيشون في إيران حتى اليوم.
ويتذكر موهابر تلك الأيام فيقول: إن تأثير قضية التجسس على اليهود كان سيئا للغاية ولكن اليهود استطاعوا استيعابه وأعتقد انها كانت قضية سياسية بين إسرائيل وإيران.
بين الدين والسياسة
هناك قضية جدلية يواجهها اليهود الإيرانيون باستمرار وهي ذلك الخيط الرفيع الذي يربط ويفصل في الوقت نفسه بين الدين والسياسة. يقول مورساديغ: في الخارج يتصورون أن أوضاعنا سيئة للغاية واننا نعيش كأقلية دينية في البلاد حيث تستند القوانين إلى الشريعة الإسلامية.
ويشير إلى أن هناك بالفعل بعض الصعوبات مثل القيود المفروضة على عمل اليهود في الدولة لكنه يضيف أن قضية موقف نجاد من الهولوكوست على الرغم من أنه غير مقبول إلا أنه لا يؤثر على الحياة اليومية لليهود في إيران.
كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد ألقى بتصريحات نارية ضد الصهيونية وإسراٍئيل خلال المؤتمر الدولي عن الهولوكوست الذي استضافته طهران في ديسمبر الماضي وقال: لقد أصبح واضحا تماما أن العصابة الصهيونية العنصرية هي المشكلة التي يواجهها العالم المعاصر اليوم.
وقال في رسالة بعث بها إلى صحيفة نيويورك تايمز في 21 مارس الماضي: إن هذه العصابة تريد استمرار العالم في حالة معاناة وفقر لتقوية قبضتهم على العالم. ولكن الدولة الإيرانية العظيمة تعارض هذا التوجه غير الإنساني.
وقد نظمت وزارة الخارجية الإيرانية مؤخرا جولة لمدة يوم كامل للبعثات الدبلوماسية شملت المواقع اليهودية الرئيسة في طهرن. وقال مسئولون إيرانيون في حواراتهم الخاصة: إن الهدف من هذه الجولة كان تخفيف قلق اليهود الإيرانيين بعد مؤتمر الهولوكوست في ديسمبر الماضي.
ويقدم زعماء اليهود الإيرانيون أنفسهم باعتبارهم مواطنين إيرانيين يواجهون نفس المشكلات التي تواجهها الدولة ويحملون نفس طموحاتها وأحلامها.
يقول موريس موتاميد أحد أقدم الأعضاء اليهود في البرلمان الإيراني الذي يوجد به عددا من المقاعد المخصصة لليهود وغيرهم من الأقليات الدينية: إن الجالية اليهودية ربما كانت واحدة من أولى الجماعات الأقلية الإيرانية التي انضمت إلى الثورة الإيرانية وقدمت شهداء في سبيلها. وبعد ذلك وأثناء الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات كان لليهود نصيبهم من الشهداء ومصابي العمليات في إيران.
ويقول موتاميد: كل ثورة يعقبها فرض قيود وظهور مشكلات على الأقليات ولحسن الحظ فإن كل تلك الآثار السلبية للثورة على اليهود تلاشت خلال السنوات العشر الأخيرة.
وقد زار الدبلوماسيون برفقة مسئولين من وزارة الخارجية الإيرانية إحدى المدارس اليهودية ومنزل لأحد اليهود المسنين ومركز للجالية اليهودية وواحد من100 معبد يهودي في إيران.
يقول أفشين سيليه وهو أستاذ للتراث اليهودي ويرتدي الزي التقليدي لليهود: من الواضح أن هناك هجرة يهودية من إيران. وعدد تلاميذي يتناقص بما يتراوح بين تلميذين وثلاثة تلاميذ سنويا. وقد تم رسم صورة زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية أية الله الخوميني على جدران المدرسة اليهودية إلى جانب صورة آية الله على خامينئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية حاليا.
يقول سيليه: من الواضح أن هناك مواقف متباينة داخل الحكومة وهذا ما يشعر الناس بعدم الأمان. ولكن وجودنا هنا ظل دائما بعيدا عن المواقف السياسية في إيران ونحن دائما نتعايش في سلام مع المسلمين.
وفي إشارة إلى التعايش السلمي بين اليهود والمسلمين في إيران تأتي مستشفى الدكتور سابير وهي مستشفى خيري يهودي أغلق أبوابه منذ سنوات ولكن بسبب نقص التبرعات من الداخل والخارج. ففي أثناء الثورة الإيرانية رفض المستشفى تسليم المصابين الذين سقطوا في المواجهات بين المتظاهرين وأجهزة الأمن إلى هذه الأجهزة الموالية للشاه رضا بهلوي الموالي للغرب في ذلك الوقت. وقد أرسل زعيم الثورة في ذلك الوقت آية الله الخوميني ممثلا شخصيا إلى المستشفى للإعراب عن شكره لهذا الموقف. كما أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد شخصيا تبرع لهذا المستشفى اليهودي بمبلغ 27 ألف دولار. ومع ذلك فما زال الصراع الإيراني - الإسرائيلي يؤثر بصورة أو بأخرى على حياة اليهود في إيران.
فهناك مشاعر معادية للصهيونية تنمو بقوة سواء في إيران أو في باقي دول الشرق الأوسط منذ قيام الدولة الإسرائيلية عام 1948وقد تزايدت هذه المشاعر في طهران بعد حرب الخامس من يونيو 1967 عندما نجحت إسرائيل في هزيمة الدول العربية واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان. فقد شكلت هذه الحرب نقطة تحول في موقف الإيرانيين من إسرائيل وربما من اليهود في إيران أيضا.
ففي نهائيات كأس الأمم الآسيوية عام 1968 واجهت إيران إسرائيل وانتهت المباراة بفوز إيران 2-1 ولكن الجماهير الإيرانية ظلوا يرددون شعارات معادية لوزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت موشيه ديان.
ووفقا للمذكرات المنشورة عن هذه الفترة فإن بعض منازل اليهود في طهران تعرضت للاعتداءات في ذلك الوقت وتم إشعال النيران فيها. وفي المباراة التي جمعت بين إيران وإسرائيل خلال دورة الألعاب الآسيوية في طهران 1974 أعدت مجموعة من الإيرانيين المناوئين لإسرائيل وكانوا أعضاء في تنظيم إسلامي يعمل في الظل، أعدت نفسها للاعتداء على الفريق الإسرائيلي.
وقال عزت شاهي الذي عرف نفسه بأنه (مقاتل ثوري) في مذكراته التي نشرت مؤخرا: إن هدفنا وحلمنا في ذلك الوقت هو القيام بعملية مماثلة لتلك التي تعرض لها الإسرائيليون في اولمبياد ميونيخ عام 1972عندما نجح مسلحون فلسطينيون في احتجاز البعثة الأولمبية الإسرائيلية المشاركة في الدورة بألمانيا كرهائن مما أسفر عن مقتل 11رياضيا إسرائيليا، وكان المسلحون الفلسطينيون أعضاء في منظمة اسمها أيلول الأسود.
ولكن الإجراءات الأمنية الإيرانية الصارمة أجبرت المحتجين على التراجع عن خطتهم ولكنهم أثاروا أعمال عنف في ليلة المباراة، وقال أحد شهود العيان الذي طلب عدم الكشف عن اسمه في تلك الليلة لم تتمكن السلطات من منع المحتجين من القيام بما يريدونه فما أن وسعت إسرائيل نفوذها بعد حرب 1967 وصعدت قمعها ضد الفلسطينيين حتى وجد أغلب الإيرانيين حتى الليبراليين منهم أنفسهم ضد إسرائيل وبدأوا يطلقون عليها الدولة الصهيونية. وقد قادت جماعات إسلامية تلك الاحتجاجات العنيفة منذ أكثر من 34 عاما وهي نفس الجماعات التي لعبت دورا رئيسا في الثورة الإسلامية الإيرانية بعد ذلك عام 1979. وكان واضحا من البداية أن الثورة الإسلامية في إيران معادية لإسرائيل ولكن ليس لليهود بالضرورة.
يقول موتاميد: هناك حديث مستمر خارج إيران عن تعرض الأقليات الدينية للقمع ومن المهم هنا القول بأن كل ما يقال عن قمع الأقليات في إيران خطأ تماما.
أما مورساديغ فيقول: إن اليهود لهم جذور إيرانية عميقة وهم يحبون إيران وبشكل شخصي أحب أن أعيش في إيران على الأبد وأنا أتحدث باللغة الإنجليزية وأصلي باللغة العبرية لكنني أفكر باللغة الفارسية.