أصبحت حقوق الإنسان في النطاق الدولي ذات طابع دولي، وقد تضمنتها وثائق دولية جعلتها تتمتع بحماية دولية وخاصة في نطاق المسئولية الجنائية الدولية المقررة لحقوق الإنسان وهو ما اصطلح عليه في فقه القانون الدولي (بالوثيقة الدولية لحقوق الإنسان).

وقد أعقب ذلك (الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان) وكان ذلك في شهر نوفمبر سنة 1966هـ ونفذ في شهر يوليو سنة 1978م، ثم تلا ذلك الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان الذي تم التوقيع عليه في نيروبي عام 1980م من خلال منظمة الوحدة الإفريقية.

وقد أقر الميثاق الإسلامي لحقوق الإنسان في عام 1987م من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي، كما تلت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العديد من الإعلانات التي تتناول مختلف حقوق الإنسان مثل حقوق الطفل الصادر من الجمعية العامة في نوفمبر 1959م وإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الصادر من الجمعية العامة عام 1960م، وإعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الصادر عام 1963م.

وفضلاً عن صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقد صدرت (الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان).

والهدف منها تقنين ما تم التوصل إليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكفالة حماية دولية لهذه الحقوق بشكل يجعلها التزاماً دولياً مباشراً، ولا تخرج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الاتفاقية عن تلك التي أوردها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهي: حق تقرير المصير، وحق العمل، والحق في أجر عادل، والحق في تكوين الاتحادات، والحق في الضمان الاجتماعي، وحق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، وحق كل فرد في التمتع بمنافع التقدّم العلمي وتطبيقاته وحرية البحث العلمي، وحق كل فرد في مستوى معيشي مناسب لنفسه ولعائلته بما في ذلك الغذاء المناسب والملبس والمسكن.

وهناك أيضاً الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي وقّعت بروما في نوفمبر 1950م ودخلت حيز التنفيذ في سبتمبر 1953م، ثم يأتي دور الحماية الإسلامية لحقوق الأجانب، الذين يطلق عليهم اصطلاحاً في الفقه (المستأمنين) فهناك تطور ملحوظ وتنظيم أكثر نحو مضمون ومفهوم الحماية الدولية لحقوق الأفراد على أرض دولة أخرى.

من ذلك استفادة الأجنبي من إجراءات التقاضي الداخلية في الدولة التي يوجد فيها، والقواعد القانونية التي تحمي حقوقه وعدم تعرضها للعبث والضياع، وعلى الرغم من القصور البادي في المجال في ظل التنظيم الدولي الحديث إلا أن الحماية الإسلامية لحقوق الإنسان على أرض دولة أخرى فاقت غيرها مما تضمنه التنظيم الدولي الحديث وقواعد القانون الدولي، وذلك أن الإسلام باعتباره ديناً عالمياً خاتماً ينظر إلى الإنسان على أساس من أحدية العقيدة وواحدية الأمة وإن تعددت أقاليمها، ويرجع النظر الإسلامي إلى أصل خلق الناس من نفس واحدة لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) (النساء 1). لذلك كان خطاب الله إلى الناس جميعاً بقوله (يا أيها الناس)، (يا بني آدم). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات 13)

هذا فضلاً عن تنظيم علاقة المسلمين بغير المسلمين على أرض الدولة الإسلامية، فالمستأمن هو من يحصل على أمان الدولة الإسلامية صراحة أو دلالة بحكم العرف والعادة على وجه الخصوص أو العموم أو الموادعة، والموادعة نوع من الأمان المؤقت بناءً على معاهدة أو مسالمة أو مهادنة.

فحرمة النفس والمال والمسكن والاعتقاد والعبادة مكفولة في الشريعة إلا الحرم فمعظم الفقهاء قالوا بأنه ليس لغير المسلم (المستأمن) أن يدخل الحرم لا مقيماً ولا ماراً به ... وحرية الرأي والتعليم والعمل مكفولة في المنهج الإسلامي وكذلك أحوالهم الشخصية مصونة.

وتأسيساً على ذلك فسوف لا يجد العالم نظاماً تضمن من القواعد والأحكام والتنظيمات ما يتسع لشعوب وقبائل الأرض قاطبة في صعيد متناسق لا يهدر حقاً أو يفرط في كرامة إنسان إلا في الإسلام.

ولذلك فإن العالم مقبل على الإسلام لا محالة لقدرته وإمكانية أحكامه على استيعاب الناس جميعاً حتى وإن اختلفت عقائدهم وألسنتهم وألوانهم، هنالك يفرح المؤمنون بنصر الله لدينهم، وصدق الله العظيم القائل: (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً).