لاحظت في الفترة الأخيرة كثرة الإعلانات من بعض المراكز الخاصة عن استقدام أحدث التقنيات وأحدث المستحضرات لتبييض الجلد ونظراً لكثرة الأسئلة التي تردني شخصياً عن حقيقة هذه الإعلانات أحب أن أوضح عن طريق جريدتكم الموقرة - إن أذنتم لي - وبحكم الاختصاص بعض الحقائق الهامة عن لون الجلد وعن إمكانية تغيير لونه إلى لون آخر أو تبييضه كما يشاع بين بعض المستفسرين وخاصة الأخوات فأقول مستعينا بالله:
أولاً : يتكون لون الجلد من الخلايا الصبغية أو القتامينية والتي تنتج صبغة الميلانين التي تضفي اللون البني المسمر على البشرة، وقد وهب الله الإنسان والكثير من المخلوقات الحية هذه الصبغة لفوائد عدة عرف منها ما عرف وما خفي ربما كان أعظم حيث تحمي هذه الصبغة جلد الإنسان من التأثير الضار للأشعة فوق البنفسجية - المسرطنة - والتي مصدرها الرئيسي أشعة الشمس لذلك يلاحظ كثرة الأورام الجلدية عند الشعوب ذات السحنة البيضاء وقلتها أو انعدامها عند ذوي البشرة السمراء وتدرجها فيما بين ذلك حسب لون الجلد.
ثانياً : يتحكم في اللون الطبيعي للجلد عاملان أساسيان هما:
أ - لون الجلد الأساسي: ويتحكم فيه العامل الوراثي وهو ناتج المورثات التي يكتسبها الشخص من لون جلد والديه، وهذا لا يمكن تغييره بأية طريقة حيث إنها مثل طول الشخص ولون شعره الأساسي ولون عينيه ولو فرضنا أن شخصا استعمل مبيضات لتغيير لونه فإنه سرعان ما يعود إلى طبيعته ولونه الأساسي حالما تترك الأدوية ولذلك ليس من الحكمة حتى التفكير باستعمال الأدوية أو الأجهزة المزعومة لتغيير هذا اللون لأنه محكوم بالفشل مع حدوث مضار الأدوية أو الأجهزة المستعملة.
ثانياً : لون الجلد المكتسب: وهو يتأثر بالكثير من العوامل المكتسبة ومن أهمها التعرض لأشعة الشمس أما بشكل حاد كما يلاحظ عند اسمرار الجلد في فصل الصيف وعند التعرض المفرط لأشعة الشمس مثل قضاء الإجازات عند السواحل أو في البراري أو بسبب التعرض التراكمي لأشعة الشمس كما يلاحظ عند العمال أو المزارعين, ومن يقتضي عمله اليومي الخروج للشمس ويعرف هذا اللون باسمرار الشمس ولذلك يلاحظ اسمرار اليدين والوجه عن باقي الجلد بسبب التعرض القسري لأشعة الشمس، وهذا الجزء من لون الجلد يمكن التقليل منه بتجنب التعرض للشمس أو باستخدام الواقيات الشمسية حيث انه لون غير ثابت بل متغير ومتناسب مع قدر التعرض للشمس.
ثالثاً : تميل البشرة القمحية والسمراء إلى الإفراط في إنتاج الصبغة بعد أي عامل مهيج كالحروق والالتهابات والأمراض المختلفة التي تصيب الجلد فيما يعرف بالتصبغات المرضية أو ما بعد الالتهاب أو عند التعرض للشمس كالكلف الشائع وهي تصبغات تميل إلى أن تكون مؤقتة وإن كانت تحتاج إلى عدة أسابيع وأحيانا أشهر لزوالها ولهذه التصبغات يستعمل أطباء الجلد أدوية لتخفيفها أو إزالتها ولهذا الاستعمال حصرياً يمكن استعمال الأدوية المبيضة والتي يمكن تقسيمها إلى عدة أنواع.
1 - الأدوية الممنوعة وهي ما كان يستعمل قبل عشرات السنين ثم منع استعماله لثبوت ضرره وسميته على الجسم وأصبح محرماً دولياً مثل أكسيد الزئبق.
2 - الأدوية المسموح بها تحت الإشراف الطبي وهي كثيرة وتعرف بوجودها في مستحضرات مقننة ومسجلة في وزارة الصحة.
3 - الأدوية المسموح بها لاستطبابات أخرى مفيدة ولكنها تؤدي إلى تبييض الجلد بشكل عرضي ومرضي ومؤقت في نفس الوقت ومن أشهرها مركبات الكورتزون الموضعية والتي يكثر استخدامها فيما يعرف بالخلطات المستعملة والمتداولة بين الناس والتي تنتشر للأسف بشكل مقلق بين الفتيات للرغبة في تبييض الجلد والتي تؤدي لأثار كثيرة غير محمودة على البشرة وعلى الجسم بشكل عام نتيجة أما للجهل بخطورتها أو رغبة من مروجيها بالكسب السريع دون وازع أخلاقي أو ديني.
مما سبق يتبين أنه يمكن التقليل من لون الجلد المكتسب وذلك باستعمال الواقيات الشمسية وطرق الوقاية من الشمس كما يمكن علاج الصبغة المرضية بالمبيضات المرخص لها ولكن من غير المجدي تفتيح لون البشرة الأساسي بالأدوية وأن أية وعود بذلك هي وعود زائفة تشطح بالمريض أو الزبون في هذه الحالة إلى أوهام لا وجود لها مع ما يصاحب ذلك من استنزاف للصحة والمال وإنتاج حالة من عدم الرضى النفسي عن واقع الحال مما يؤدي في مجمله إلى مضاعفات ومعاناة من جميع الأوجه.
وهنا أود أن أرسل ثلاث رسائل:
الأولى : إلى المرضى وعامة الناس بأن يحذروا من الإعلانات المملوءة بالوعود التي يصعب تصديقها من قبل العقل وأن يستشيروا من يثقوا به من أطبائهم قبل الانزلاق في أمور قد لا تحمد عقباها.
ثانياً : إلى المسؤولين في وزارة الصحة - وربما في ذلك هيئة الغذاء والدواء - للسرعة في مراقبة وتنظيم الإعلانات الطبية والتأكد من المزاعم الواردة فيها حماية للمرضى والضعفاء.
ثالثاً : إلى أصحاب تلك الإعلانات بأن يتقوا الله في زبائنهم وأن لا ينساقوا ويسوقوا أجهزة طبية بادعاءات علاجية غير مقرة من الأطباء وذوي الاختصاص.
والله من وراء القصد.
* استشاري أمراض الجلد وجراحة الليزر.