رغم الكساد الذي ساد قطاع العقار خلال السنوات الماضية فإن الانتعاش الذي حققه هذا السوق لم يتوقف عند حد انتعاش العقار وحسب، بل وصل إلى درجة جعلت المواطن يتهم أصحاب العقار بالجشع والطمع، وهو أمر لا نستطيع أن نتهم أحدا به باعتبار سوق العقار مثله مثل سوق التأمين والصناعات المختلفة يخضع لعملية العرض والطلب، ومستوى النجاح لدى صناع العقار يقاس بمدى المردود، ومدى إسهامه في الناتج المحلي، وهذه معادلات اقتصادية لا يهم المواطن العادي الدخول في تفاصيلها، بل يهمه انخفاض قيمة الإيجار، وسهولة الحصول على مسكن يؤويه، وهذا أمر صار صعب المنال بكل المقاييس .
الدولة -أيدها الله- تعمل ما بوسعها لتخفيف وطأة أزمة المساكن عن كاهل المواطن، وذلك عبر مختلف البرامج والخطط التي من أبرزها القروض ومشاريع الإسكان الخيري لذوي الدخول المحدودة، لكن الموظف أو العامل البسيط، ما زال يتعلق بأحلام صعبة التحقيق، حينما يفكر في اقتناء منزل له ولأسرته، من خلال واقعه الذي يدرك أبعاده جيداً، فالراتب لم يعد يفي بالاحتياجات الضرورية، فكيف يستطيع الموظف أن يدخر لشراء أرض، ثم إقامة مسكن عليها، أو شراء منزل جاهز، وحتى القروض العقارية لم تعد تكفي لبناء جزء يسير من منزل، في ظل ارتفاع مواد البناء وأسعار تكلفة البناء.
كثير من الناس كانوا يأملون أن تنامي شركات العقار وتنافسها سيؤدي إلى وفرة المساكن، وسهولة الحصول عليها، وإيجاد سبل تمليك ميسرة عبر شركات تطوير العقار التي نجد إعلاناتها ومشروعاتها في كل مكان، لكن الذي حدث هو عكس ذلك تماما، اذ أفضى التنافس فيما بينها الى تنافس حول الحصول على أكبر قدر من الحصص، وتسويق أكبر قدر من المخططات والمشاريع التي بدورها تصب في رصيد جهات هي ليست بحاجة الى سكن، إنما تسعى للتداول والبحث عن الربحية، وهذا الأمر يضاعف ويعمق جراح الأفراد محدودي الدخل الباحثين عن السكن .
وهذا يجعلني أقولها من واقع تجربة البحث عن مسكن ميسر منذ فترة إنه أصبح من الأمور الصعبة التحقيق، والأحلام بعيدة المنال، ما لم يتغير وضع سوق العقار الحالي، وفلسفته التي لم تعد مفهومة لأكثر الناس، بل ظل يحاكي أسواق الذهب والنفط، وغيرها من الأسواق الصاعدة إلى أعلى دوماً.