بعد خمس سنوات تقريبًا من هجمات الحادي عشر من سبتمبر بدأت الولايات المتحدة تفكر من جديد في استقطاب الطلاب من الدول حول العالم، بعد أن شهد التعليم الأمريكي انخفاضًا ملحوظًا في عدد الطلاب الأجانب بسبب التشديد على إجراءات الحصول على تأشيرات الدخول وبسبب إحجام الطلاب عن الدراسة في الولايات المتحدة بسبب العديد من القيود الأمنية.
واليوم بدأت الولايات المتحدة في التخفيف من قيود تأشيرات الطلاب، كما قامت الخارجية الأمريكية بالترويج إلى التعليم الأمريكي في الدول حول العالم بعد أن زادت حدة المنافسة بين الجامعات الدولية في استقطاب الطلاب الأجانب من الدول حول العالم.
وفي تقرير كتبه هاوارد لافرانشي لجريدة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية من واشنطن أكد أن الخارجية الأمريكية برعاية مستشارة الرئيس الأمريكي كارين هيوز بدأت حملة لتحسين صورة أمريكا في العالم لاستقطابها مزيد من الطلاب، وتشير الأرقام إلى زيادة عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة بعد فترة من الإحجام عن التعليم الأمريكي.
تقول كارينا أنطوني مدرسة التعليم الابتدائي من دولة سانتا لوتشيا بجزر الكاريبي أنها طالما أرادت أن تكمل تعليمها الجامعي بعد الدراسة الثانوية، ولكنها تقول إن فكرة حصولها على تلك الشهادة من الولايات المتحدة لم تكن مغرية لها على الإطلاق، وذلك بسبب تداعيات الحادي عشر من سبتمر عام 2001 على الحياة الأمريكية.
ولكن بعد انقشاغ غبار أحداث الحادي عشر من سبتمبر أعادت كارينا التفكير ثانية في التعلم بالولايات المتحدة، وهي تعمل مدرسة للصف الرابع بمدرسة كاثوليكية للأولاد، وقررت الحصول على درجة علمية من كلية (لينكبيرج) بفيرجينيا، وذلك في إطار برنامج تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد افتتحت الجامعة فرعًا لها في سانتا لوتشيا يدرس فيه 23 طالبًا أجنبيًا.
ويشير التقرير إلى أن السيدة كارينا هي واحدة من عدد متزايد من الطلاب الأجانب الذين بدأوا ينظرون من جديد إلى الجامعات الأمريكية، وهي زيادة تعد الأولى من نوعها بعد سنوات من الانخفاض في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ويأمل مسؤولو التعليم أن تعود أمريكا إلى منطقة جذب للطلاب الأجانب من جميع البلدان حول العالم، في حين يشيرون إلى أن ذلك سوف يتطلب منهم تنسيق الجهود بين الحكومة وبين معاهد التعليم العالي الأمريكي.
واليوم يدرس أقل من 565 ألف طالب أجنبي في الولايات المتحدة، ولكن بالرغم من ذلك لا تزال أمريكا أكبر دولة من حيث الشعبية بين الطلاب الباحثين عن تطوير تعليمهم في دولة أجنبية، ولكن ذلك الرقم لا يزال أقل من أعلى نقطة وصل إليها التعليم الأمريكي في الفترة الماضية وهي قدرته على استقطاب 584 ألف طالب أجنبي في الفترة ما بين عامي 2002 و2003.
ويشير التقرير إلى أن جهود الحكومة الأمريكية في تسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة دخول الطلاب الأجانب تعد من عوامل صعود أعداد الطلاب في العام الدراسي 2005-2006، بعد فترة ركود في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ويؤكد التقرير أن الولايات المتحدة باتت تشهد منافسة ضارية من السوق العالمية للتعليم، وبخاصة من دول مثل بريطانيا وأستراليا واليابان.
يقول فيكتور جونسون مدير السياسات العامة لرابطة المعلمين الدوليين بواشنطن: (إن الحقيقة هي أننا في مرتبة مختلفة الآن في سوق الطلاب العالمية، فالمنافسة من الدول الأخرى قد ازدادت، مما يعني أن الولايات المتحدة أصبحت تحصل فعليًا على حصة ضئيلة من هذه السوق).
وتلك المنافسة الساخنة تفسر زيارة وزيرة التعليم الأمريكي مارجريت سبيلينج في الصين وكوريا واليابان في الفترة الماضية مع مجموعة من رؤساء الجامعات، والتي كانت تعد الرحلة الأولى من نوعها، وذلك للترويج لمزايا التعليم العالي الأمريكي.
ويعد استقطاب الطلاب الأجانب إلى الدراسة في الولايات المتحدة مصدر دخل كبير للولايات المتحدة، فالطلاب الأجانب ضخوا ما يقرب من 13.5 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي العام الماضي وحده طبقًا لإحصاءات معهد التعليم الدولي، والذي أشار إحصاؤه المسمى (افتحوا الأبواب) إلى وجود زيادة في عدد الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة، وهذا يجعل التعليم العالي خامس أكبر قطاع خدمي يدر دخلاً للبلاد، طبقًا لوزارة التجارة الأمريكية.
ويقول المسؤولون عن التعليم في الولايات المتحدة هي أن هناك حاجة كبيرة للولايات المتحدة في استقطاب الطلاب الأجانب، وذلك بسبب تواصل الثقافات بين شعوب العالم، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
يقول بول هيمسترا مدير برامج التعليم العالمي بوزارة الخارجية: (إن كميات الأموال التي ينفقها الطلاب الدوليون هنا كبيرة للغاية، ولكن ما الأهم من ذلك هو وجود مزيد من الاتصال بين الأمريكيين والشعوب في المناطق المختلفة من العالم، وهذا الاتصال المباشر يكسر الصور النمطية وسوء الفهم الذي قد يتكون لدى البعض عن الولايات المتحدة).
وفي إطار جهود أمريكا لتحسين صورتها بالخارج أكدت وزارة الخارجية الأمريكية على وجود تبادل ثنائي بين الدول في كلا الاتجاهين، وذلك تحت رعاية كارين هيوز مستشارة الرئيس بوش، وتلك الجهود تشتمل على تسهيل حصول الطلاب على تأشيرات الدخول، وتوفير المزيد من المعلومات للطلاب المحتملين، وزيادة الاتصالات ما بين المعاهد العلمية الأمريكية للتعليم العالي والحكومات الأجنبية.
ويقول الخبراء أن تلك الجهود بسبب تفهم أمريكا لطبيعة العالم الجديد والذي تغير فيه دور التعليم العالمي. يقول آلان جودمان رئيس معهد التعليم الدولي: (إن التعليم العالي أصبح ناقصًا بدون وجود بعد دولي له)، ويضيف أن الطبيعة الدولية المنفتحة للعالم اليوم تحتم وجود طريق ثنائي الاتجاه بين دول العالم وأن ذلك الطريق يزداد اتساعًا كل يوم.
وقد أظهر إحصاء آخر منفصل أن عدد الأمريكيين الذين يدرسون في الخارج قد ازداد بنسبة 8% في العام الماضي، وهو ما يعادل أكثر من 200 ألف أمريكي ويتوقع الخبراء أن يرتفع عدد الطلاب الذين يدرسون خارج بلدانهم لاستكمال تعليمهم من 2.5 مليون اليوم إلى 7 ملايين في السنوات الخمس أو الست القادمة.
ويقول السيد جونسون من رابطة المعلمين الدوليين أن حصة الولايات المتحدة من تلك الكعكة سوف تزداد فقط إذا ما تعلمت الولايات المتحدة من منافسيها الدوليين وطورت خطة لتسويق تعليمها.
وقد بدأت بعض الجامعات الأمريكية بالفعل في اتخاذ مثل تلك الخطوات، والسيد يرلان شيلديبيكوف واحد من 30 من طلاب دولة كازاخستان الذين يدرسون في معهد روشستر للتقنية بولاية نيويورك، ويستفيد من اتفاقية تم توقيعها بين جامعته الجديدة وبين الحكومة الكازاخستانية، وقد استطاع الحصول على منحة من حكومته إضافة إلى مميزات مالية من معهد روشستر.
ويقول يرلان: (في غضون عام سوف أعود إلى بلادي بدرجة الماجستير في الهندسة الكهربائية، ولكنني أعيش هنا مع زملائي الأمريكيين، لذا أتمنى أن أزيد التفاهم بين أمريكا وبين بلادي).