|
العيد وقد مضى..!
|
مضى العيد وانتهى..
بمن لبّى نداء الله وحجّ..
مؤدياً ركناً من أركان الإسلام..
وشعيرة من شعائره..
في يسر وسهولة وأمان..
***
مضى هذا العيد بأفراحه وأتراحه..
حيث يزورنا بهيبته وفضائله كل عام..
هدية من الله خصَّ بها المسلمين دون سواهم..
في يوم خالد من أعمارنا التي لن تطول..
***
أجل، وقد مضى عيد هذا العام وانتهى..
مثلما مضت أعياد وأعياد..
وقد فقدنا الكثير من الأحبة ممن كانوا معنا عيد العام الماضي..
يشاركوننا الأفراح والأتراح يوم كانوا أحياء بيننا..
وقد أسِينا على فراقهم..
وتجددت فينا لوائع الحزن على فراقهم..
ولكن هذه هي الحياة..
أعمار لن تطول..
وحياة لن تمتدَّ..
فلهم الرحمة..
ولهم منا الدعاء..
***
وها نحن وقد ودعنا العيد..
وكلنا حزن على فراقه..
لا ندري مَنْ مِنّا سوف يعود إليه من جديد..
ويؤوب مرة أخرى إلى ومضاته وإشراقاته الجميلة..
مع الأحبة والأهل والأصدقاء..
بانتظار ما هو أجمل من كنوز هذه الأعياد..
ما عرفناه منها..
وما لم نكتشفه بعد..
***
عالم جميل إي والله..
حين نريد له أن يكون هكذا..
نأنس له وبه..
ونتباهى بصوره المبهجة..
حتى وإن تزامن ذلك مع طبول الحرب التي تقرع من حولنا..
في استعراض للقوة من الولايات المتحدة الأمريكية..
من خلال عمل عسكري تنوي القيام به دون مبرر..
فيما يمكن للجهود الدبلوماسية وهي التي لم تُستنفد بعد أن تحقق مطالبها..
دون إشعال فتيل هذه الحرب..
ودون سفك المزيد من دماء الأبرياء..
***
بقليل من الحكمة..
وقليل من تحكيم العقل..
ونحن نعيش أجواء هذا العيد..
يمكن أن تُمنع هذه الحرب..
ولكن أين هم الحكماء..
ذوو العقول الراجحة..
من تحكيم العقل..
ومن التصرف الحكيم..؟
نعم أين هؤلاء..؟
++
خالد المالك
++
|
|
|
الحياة عادية رغم الضربات الجوية والتلويح بالحرب
|
بغداد د. حميد عبد الله:
لا جدال، في أن مناخات الحرب التي عاشها العراق طيلة العقدين الماضيين قد تدخلت بنحو ملحوظ، في صياغة سيكولوجية المواطن العراقي، فبينما أصبح الشأن العراقي شغل العالم الشاغل، والقضية العراقية هي المتصدرة في جميع الأجندات السياسية، فضلا عن اهتمام كل وسائل الإعلام الدولية بها، نجد أن العراقيين أقل الناس اهتماما بما يحيط بهم من تهديدات، أو هكذا يجدهم المراقب الخارجي، على الأقل.
هذه اللامبالاة ليست هروبا من مواجهة المشكلة، ولا استسلاما لها، لكنها نوع من (الألفة) بين الإنسان العراقي والملمات التي واجه أصعبها وأقساها، فلم يعد يتصور أن هناك ما هو أشد مما رأى وعاش، لذلك نجد العراقيين يمارسون حياتهم وكأن الحرب غير واقعة أو لو وقعت فستكون كسابقتها، عاصفة ستهب وتزول مهما كانت عاتية.
الثقة التي يعمل بها العراقيون مستمدة من القول المأثور (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا.. واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) وهم يتعاملون مع الحرب وفق الشطر الأول.
مروان طالب في السنة السادسة بكلية الطب جامعة بغداد، لم يجد في ما يحيط به من ظروف وضنك العيش ما يمنعه من أن يخطب زميلته «حلا» فالاثنان يدرسان اختصاصا واحدا، وكلاهما يتمنى بناء حياة حلوة مليئة بالسعادة وتكوين أسرة سعيدة.
سألته ماذا عن ظرف العراق؟
أجاب.. ماذا نفعل هل نتوقف عن الحياة وننتظر متى نموت بفعل قنابل اليورانيوم المنضب الأمريكية أم ننتظر القوات الأمريكية وهي تحتل العراق لكي نستأذن من قائدها لإعلان زواجنا؟!!
إن العراقيين ليس أمامهم إلا مواصلة الحياة بإصرار وعناد ودون ذلك يفقدون هذه الميزة التي يختلفون بها عن غيرهم من الشعوب فهم لا يهابون الموت أما حلا فقالت ما نراه كل يوم من هذا الظرف العصيب الذي تتحدث عنه الكثير بما يفوق الوصف والتخيل وليس أمام العراقيين إلا المقاومة واتفاقنا على فتح صفحة جديدة في الحياة بإعلان خطوبتنا.
جلست في نادي الكلية أتناول الشاي، وفجاة جذبني حديث بعض الطلبة الجالسين بالقرب مني عن المراجع الطبية الحديثة وسألت أحدهم هل تحصلون على هذه المراجع قال «نحاول ذلك»، وقلت له ربما الإنترنت سهل عليكم هذا الأمر، فأجابني بعد أن قال إنه طالب «بورد» أي دراسات عليا، «إن البحوث والدراسات العلمية المنشورة على الإنترنت لا تقدم أية كفاية للطلبة سيما طلبة الدراسات العليا لأن الدراسات الحديثة محجوبة ولا ينشر منها إلا الخلاصات فقط».
فسألته إذن كيف تتعاطون مع التطورات في هذا العلم؟
قال المجلات يتم استيرادها بنسخة واحدة ويتم استنساخها وتوزيعها على مكتبات كليات الطب في العراق لكي تتاح للأساتذة والطلبة، أما الكتب المنهجية فبعضها توفره الكليات بنسخ أصلية والقسم الأكبر توفره الكليات عبرالاستنساخ، والمراجع الأخرى تقوم المكتبات الأهلية باستيراد آخر طبعاتها بنسخة واحدة ثم يجري استنساخها، وهكذا فالكتاب الذي سعره الأصلي (80) دولارا يصبح سعره ما يعادل (7) أو (10) دولارات.
وفي الواقع ان المثقفين العراقيين والمدمنين على القراءة تواصلوا مع إهمال الإصدارات الحديثة عبر ما بات يعرف في العراق ثقافة الاستنساخ.
الهم العراقي
ولأن الهم العراقي أنواع، أتوقف عند قضية يعيش بها نبض الشارع العراقي في ضوء ظرفه الحالي هي قضية تخزين المواد الغذائية وأدوية الأمراض المزمنة، فضلا عن مواجهة شتاء قارص ربما تنقطع فيه الطاقة الكهربائية لمدة ليست بالقصيرة.
القضية الأولى عالجتها المرأة العراقية بالعودة إلى الأساليب البدائية في حفظ الأطعمة فاليوم نشر الخضروات مثل الباقلاء والباذنجان والبامية على سطوح البيوت العراقية أخذ يصبح من المشاهد المعتادة في أحاديث ربات البيوت.
سألت السيدة أم أحمد عن أسباب هذه العودة إلى تجفيف الأطعمة بدلا من الحفاظ عليها بالتجميد.. فقالت أولاً هذا تراث عراقي معروف في خزن موؤنة الشتاء من خضروات الصيف وثانيا ليس أمام ربة البيت العراقية وهي تستمع إلى كل هذه التهديدات الأمريكية إلا وأن تأخذ احتياطاتها لمواجهة ظرف الحرب المقبلة وأشارت إلى أن أهل الموصل يحسنون التدبير منذ حصار الموصل في القرن الثامن عشر وكذلك هم أهل العراق ككل منذ حرب الخليج الثانية يتعاملون مع استمرار هذا الظرف بهذه الروحية من التكاتف بين عوائل المحلة الواحدة في دفع ضريبة التكاتف والتآزر في مواجهة ما لا يحمد عقباه.
وسألت السيدة أم خالد وهي امرأة تجاوزت الستين عن أبرز اهتماماتها في هذه الأيام أجابت بصوت متعثر أن لا هم لها أكثرمن المحافظة على نظامين لتسيير حياتها الأول نظام البطاقة الدوائية للأمراض المزمنة لكونها تشكو من مرض السكر وارتفاع ضغط الدم.
أما النظام الآخر فهو البطاقة التموينية التي تجهز العراقيين بالجزء المتيسر لديمومة حياتهم اليومية.
الحياة لن تتوقف
أما ابنتها الأم لطفلين (السيدة لطيفة) فأكدت بنبرة إصرار قائلة: «الحياة لم ولن تتوقف في العراق.
نعم الحياة صعبة ولا أحد باستطاعته أن ينكر هذه الصعوبات في تدبير سبل العيش الكريمة للإنسان في ظرف عصيب وربما يكون أصعب في المستقبل وعلى سبيل المثال فإن توفير كلف ومستلزمات الدراسة للتلاميذ والطلبة أصبح عبئا على العائلة العراقية مما اضطرنا إلى الاستعانة بالتدبير المنزلي وإعادة الحياة إلى الملابس التي كان يرتديها الأبناء الكبار لكي تكون صالحة للأصغر سنا وهذا ليس حالنا لوحدنا بل انه حال الكثير من العوائل العراقية.
كررت السؤال ماذا عن مستقبل أطفالك؟
ابتسمت وقالت {يٍدًرٌككٍَمٍ پًمّوًتٍ $ّلّوً كٍنتٍمً فٌي بٍرٍوجُ مٍَشّيَّدّةُ} فهل لنا غير قدرة رب العالمين ورحمته كي نودع أطفالنا عند قدرته وبسرعة أدلفت إلى داخل دارها وبصوت أجش نادت على والدتها كي تدخل الدار هي الأخرى.
ولعل من مظاهر الاستعداد بين العوائل العراقية لمواجهة الظرف العصيب الذي يمر به العراق تخزين البنزين والكازولين لوقود السيارات والسيد أبو محمد ابتكر طريقة جديدة تحافظ على البنزين من التبخر أولا وتبعده عن مخاطر الانفجار.
ويقول إن الحاجة هي أم الاختراع وليس في الأسلوب الذي اتبعه في تخزين الوقود اختراع مهم ولكن الوقاية تقي من الضرر.
بعض العراقيين اتجهوا أيضا إلى حفر آبار داخل منازلهم كانعكاس لحرب 1991 حيث تم تدمير محطات توليد الكهرباء وضخ وتصفية مياه الشرب فضلا عن شبكة المجاري.
الأجواء التي يعيشها العراقيون اليوم تشبه إلى حد كبير الأجواء التي سبقت حرب الخليج الثانية عام 1991، والفارق أن الاستعدادات هذه المرة أكبر، والهواجس أعمق، والتحسب للآتي تعكسه الوجوه مثلما تترجمه التصرفات.
حديث الحرب يطغى على كل حديث، في البيوت، والدوائر، وصالونات الحلاقة، والمقاهي وباصات نقل الركاب.
وقد سمعت اثنين من سائقي حافلة نقل الركاب يتحدثان عن تحرك فرقة المشاة الأمريكية إلى الخليج ويؤكدان أن الحرب واقعة.
أين تذهب؟
سألت محمد عبد الجبار (41عاما) وهو موظف حكومي أين ستذهب إذا نشبت الحرب؟
أجابني: إذا كلفت بواجب معين سأكون رهن ذلك الواجب وبعكس ذلك سألزم بيتي.
ألا تخشى القصف.. خاصة وأن بغداد ستكون مستهدفة أكثر من غيرها؟
إذا جاء أجلنا فليس له من راد، وإذا كتبت لنا الحياة فليس بمقدور (بوش) أن يميتنا، ما يجعل التحسب للحرب المقبلة أكبر لدى العراقيين هو طبيعة أهداف هذه الحرب، فحرب الخليج الثانية كانت تستهدف إخراج الجيش العراقي من الكويت، لكن الحرب هذه المرة تستهدف احتلال العراق، بما يعنيه ذلك من احتمالات توغل الجيوش الأمريكية والبريطانية إلى داخل المدن العراقية وهذا يفرض نوعا من المواجهة لا يستطيع أحد التحكم بما تؤول إليه من نتائج وما تسببه من خسائر. ولكن هناك إجماع عراقي على رفض الغزو الأمريكي مقترن بتصميم على مواجهة ذلك الغزو بغض النظر عن حجم التضحيات والخسائر.
في مستشفى الطب الذري ببغداد وهو المستشفى الوحيد لمعالجة الأمراض السرطانية في العراق، كان مئات المواطنين القادمين من جميع أنحاء العراق ينتظرون فرصتهم للعلاج بالأشعة ومن بينهم امرأة في الأربعين من العمر تسكن مدينة الناصرية (400 كم جنوب بغداد) تدعى رويده هاشم تحمل طفلا لا يتجاوز العاشرة من العمر اسمه (مهند)، وكان بين يديها، وقد هزل ولم يبق منه سوى أشلاء إنسان.
سألتها مم يعاني طفلك؟
انفجرت باكية: انه مصاب بسرطان الدم (اللوكيميا) وهل استجاب للعلاج؟
إن حالته من سيئ إلى أسوأ.
وكم مرة تأتين إلى بغداد؟
خمس مرات في الشهر، ثم أجهشت بالبكاء: لقد بعنا كل شيء لنحصل على العلاج الكيماوي لمهند حيث يصل سعر حقنة الدواء الواحدة إلى 50 ألف دينار وهو مورد الأسرة لشهرين !!
فكيف يتسنى لهذه الأم أن توفر لطفلها علاجا بهذه الكلفة إنها معادلة قاسية حقا أن يخير الإنسان بين فقدان فلذة كبده.. أو توفير علاج لا يقوى على شرائه.
وربما يكون الطفل (مهند) قد مات قبل أن ينشر هذا الموضوع، وسيلحق به آلاف الأطفال والشيوخ الذين فتك بهم المرض، بعد أن هد قواهم الجوع وتلك هي بعض نتائج الحرب الأولى ولا أحد يمكنه أن يتصور ما ستفعله الحرب القادمة.
هذه الصورة السوداوية عن آثار الحرب الأولى وما ستجلبه الحرب القادمة لم تغير كثيرا من إيقاع الحياة العراقية، فمهما علت جعجعة التهديدات فإنها لن تطفئ تنورا سجرته ربة بيت عراقية لإعداد الخبز لأبنائها، ولن توقف صخب المدارس التي تضج بأناشيد الأطفال وقهقهاتهم، ولن تخرس ضجيج الشوارع المكتظة بالناس وهم يكدحون من الفجر إلى الفجر من غير أن يفت لهم عضد، أو تضعف لهم إرادة.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|