|
الإفتتاحية
|
الجزيرة اسم..
والجزيرة تاريخ..
باسمها نباهي..
وبتاريخها نعتد..
بهما ومنهما تبقى الجزيرة في الذاكرة..
صحيفة عريقة..
وإصداراً مميزاً..
***
نقول هذا مع وثبة جديدة من وثباتها..
ونتحدث عنها بكلمات لا ندعيها، لأنها إيحاءات أخذناها من قراء الجزيرة في بعض ما كتبوه لنا عنها..
***
ونحن في كل هذا لا نمنّ على أحد من قرائنا بمنجز يأتي تحقيقه اليوم استجابة لرغبتهم..
وإنما نذكّر به بوصفه قناعة راسخة في أذهاننا بأن قراء الجزيرة هم لا غيرهم الذين أعطوها كل هذا التميز بعد زمن اعتقد البعض خطأ أن وهجها قد خبا وأنه لن يعود..!
***
اليوم نقدم لكم "مجلة الجزيرة" هدية من الجزيرة الصحيفة لقرائها..
مجلة أسبوعية جامعة ومتنوعة..
تصدر في مثل هذا اليوم من كل أسبوع..
بأربعين صفحة ملونة..
بإخراج جديد..
ومضمون متميز..
***
إنه بعض حقكم علينا..
وشيء من دور صحفي فاعل ينبغي أن نقوم به لبلوغ الهدف..
وسوف يستمر الزملاء بالعمل على هذا النحو في فضاءات رحبة لتقديم المزيد من الأعمال الصحفية الناجحة ودون توقف..
فالوقت يعمل لصالح مَنْ يعمل..
وهو معنا ولصالحنا..
مثلما هو معكم..
***
والجزيرة تكفيك..
شعارنا..
كما هو شعاركم أيضاً..
خالد المالك
|
|
|
تاريخ الصراع العربي الصهيوني من عام 1881 إلى عام 1991
|
المؤلف :benny morris
الناشر : knopf
يتناول هذا الكتاب الشامل قصة الصراع العربي الإسرائيلي منذ بداياته المبكرة من منظور أحد مفكري حركة المؤرخين الجدد التي تعيد صياغة الكثير من الوقائع وتفند العديد من القصص الزائفة وتكشف عن الكثير من الحقائق المدفونة في طيات الأكاذيب الإسرائيلية ويرجع بالصراع إلى جذوره الأولى بدءاً من عام 1881 واندلاع الحرب العالمية الأولى ووعد بلفور والانتداب البريطاني والانتفاضة العربية الأولى والحرب العالمية الثانية والحرب العربية الإسرائيلية الأولى (19391949) وحرب السويس (التي يطلق عليها العدوان الثلاثي1956) وحرب الأيام الستة (أو النكسة 1967) وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر1973 (أو حرب عيد الغفران) ومفاوضات ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل (19771979) وحرب لبنان (19821985) والانتفاضة الفلسطينية (1987).
ثم يتطرق المؤلف إلى مسيرة السلام العربية الإسرائيلية بدءاً من مدريد ثم أوسلو واتفاق واي ريفر ويعتمد الكتاب في تحليله للصراع على مصادر أولية من وثائق وكتابات صهيونية لم تكن متوافرة في مراحل سابقة (مثل وثائق وزارة الخارجية الإسرائيلية وأرشيف جيش الدفاع الإسرائيلي).
ويخصص بني موريس أستاذ التاريخ بجامعة بن جوريون ومؤلف أربعة كتب سابقة عن تاريخ إسرائيل وفلسطين، جانبا كبيرا من كتابه للعناصر المحورية في الصراع في دوائره السياسية والعسكرية مخصصا مساحة ضئيلة نسبيا للسياسة الداخلية.
كما يلقي الضوء على بعض القضايا الخاصة التي ثار حولها الكثير من الجدل فيقول على سبيل المثال إن دافيد بن جوريون والعديد من الزعماء الصهاينة الإسرائيليين الآخرين فضلوا نقل العرب إلى خارج فلسطين (ما يعرف بسياسة الترانسفير) فقد تم طرد عشرات وربما مئات الآلاف من العرب الفلسطينيين وذلك خلال حرب الاستقلال (أو النكبة) وحرب الأيام الستة (يونيو1967) كما يقوم موريس أيضا بإلقاء الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان والفظائع التي ارتكبت بحق العرب كما يشير إلى بعض الأعمال الفلسطينية والعربية القليلة في هذا المجال.
وفي تناوله لحقبة الثمانينات يتناول المؤلف مسألة انتهاء الحرب الباردة وأثر ذلك ميزان القوى العالمية والعوامل التي شجعت الرئيس الأمريكي جورج بوش على محاولة إيجاد حل فعلي لمشكلة الشرق الأوسط وتشتمل هذه العوامل على اشتعال الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة وتزايد معدلات هجرة اليهود السوفيت بأعداد ضخمة إلى إسرائيل الأمر الذي كان ينذر بتغير التركيبة السكانية للأراضي المحتلة كذلك أدى انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد أمريكا بإدارة شؤون العالم وخسارة العرب لدعم حليفهم الإستراتيجي التاريخي واستبعادهم خيار الحرب إلى تهيئة المناخ لحدوث عملية سلام شاملة على المستويين الفلسطيني الإسرائيلي والعربي الإسرائيلي وكان على الولايات المتحدة أن تحاول إقامة توازن بين التزامها بأمن إسرائيل والحفاظ على تحالفها الإستراتيجي مع الدولة اليهودية وفي الوقت نفسه تحقيق الحد الأدنى من تسوية الصراع بما يضمن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وإرضاء أصدقائها العرب المعقود بناصيتهم بعض من مصالحها الحيوية.
الضغط الامريكي
قام بوش بالضغط على الإسرائيليين وعلى الفلسطينيين على حد سواء من أجل ضمان إذعانهم للتصورات الأمريكية لعملية السلام فعلقت الولايات المتحدة اتصالاتها مع منظمة التحرير الفلسطينية وذلك للتعبير عن غضبها واحتجاجها على محاولة هجوم فاشلة قامت بها إحدى الفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل في مايو1989 وأعلنت أن إسرائيل يجب عليها أن تكف عن الحلم بإسرائيل الكبرى وأن تتخلى عن طموحاتها التوسعية وان تبدي استعدادها للتعاون مع جيرانها وأن تبرهن على حسن نيتها وأعلن جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت في2 مايو 1989 أنه من الممكن تحقيق تسوية سلمية للقضية الفلسطينية من خلال تطبيق القرار 242 وطالب الإسرائيليين بالتوقف عن أنشطة الاستيطان والنظر إلى الفلسطينيين كجيران يجب أن يحصلوا على حقوقهم السياسية. والمثير للدهشة أن الضغط الأمريكي على إسرائيل أدى إلى وصول حكومة يمينية بالغة التطرف إلى الحكم ألا وهي حكومة الليكود التي لم تفلح معها كل محاولات منظمة التحرير الفلسطينية لارتداء ثوب الاعتدال والتحدث بلغة منمقة ودفع الإحباط الفلسطيني الفلسطينيين إلى أتون الصراعات الداخلية والاغتيالات وكانوا على شفا الحرب الأهلية وبلغ عدد الفلسطينيين الذين قتلوا بأيد فلسطينية بتهمة التواطؤ مع إسرائيل 150 شخصا.
حرب تحرير الكويت
وكأنما كانت الأمور في حاجة إلى المزيد من التعقيد والارتباك فقام صدام حسين باجتياح الكويت في الثاني من أغسطس عام 1990 ومن أجل تحرير الكويت قامت الولايات المتحدة بقيادة تحالف ضم إلى جانبها العديد من البلدان ضمت مصر وسوريا والسعودية وفرنسا وبريطانيا وتم تحرير الكويت عبر عملية عسكرية (عاصفة الصحراء) لم يشهد مثلها التاريخ من قبل من حيث عدد البلدان التي شاركت فيها ونوعية الأسلحة المتقدمة والموجهة تكنولوجيا والتي كانت تصيب أهدافها بدقة بالغة ومن حيث الدور الهامشي الذي لعبته القوات البرية فيها على عكس الحروب التقليدية الماضية.
وكان لهذه الأحداث عواقبها وأصداؤها على المنطقة وعلى التحركات التي تسعى إلى تحقيق السلام فقد حاول العراق ربط انسحابه من الكويت بإيجاد حل عادل لمشكلة الشرق الأوسط كما قام بإطلاق الصواريخ من طراز سكود ولأول مرة في تاريخ الدولة اليهودية على قلب إسرائيل (تل أبيب) في محاولة يائسة لتفكيك عرا التحالف إذا قامت إسرائيل برد الصفعة ولكن أمسكت إسرائيل على مضض عن الرد بعد أن أقنعتها الولايات المتحدة بضبط النفس وأمدتها بصواريخ باتريوت المضادة للصواريخ ووعدتها بمكافأة سخية أما منظمة التحرير الفلسطينية فإنها راهنت على الجواد الخاسر فقام عرفات بزيارة صدام قبل أيام قليلة من بدء عملية عاصفة الصحراء لكي يعرب له عن مساندته له ووقوفه إلى جانبه. كما لم يخف الفلسطينيون ابتهاجهم بالهجوم الصاروخي العراقي على إسرائيل ونددت المظاهرات الفلسطينية بالولايات المتحدة وسياستها الظالمة والقهر الأمريكي للشعوب وانحيازها الأعمى لإسرائيل. كما شعروا بمدى الظلم الواقع عليهم بسبب تحرك الولايات المتحدة على وجه السرعة لتحرير الكويت الذي تم احتلاله منذ بضعة أيام وتجاهل احتلال إسرائيل لوطنهم زهاء ربع قرن. وعلى الرغم من الكثير من العراقيل التي خلقتها الظروف الجديدة لم تعدم الولايات المتحدة فيها مؤشرات إيجابية يمكن أن تدفع مسيرة السلام قدما. ورأت الولايات المتحدة أن عدم الوفاء بالوعد الذي قطعته على نفسها قبل حرب الخليج بحل مشكلة الشرق الأوسط يمكن أن يهدد بانفضاض التحالف الذي أثبت أنه ذو أهمية حيوية للمصالح الأمريكية.
كما أن الحسابات الخاطئة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تمثلت في وقوفها إلى جانب العراق في مغامرته الخاسرة جعلتها في وضع لا تحسد عليه حيث فقدت الدعم المالي والتأييد السياسي الذي كانت تحصل عليه من دول الخليج وكذلك تحويلات العاملين الفلسطينيين الذين تم طردهم من الكويت والتي كانت تبلغ ما يقرب من 400 مليون دولار وازدادت الأمور سوءاً مع إغلاق إسرائيل أراضيها في وجه العمال الفلسطينيين ولم يبق أمام الفلسطينيين سوى البحث عن تسوية مع الإسرائيليين بأي ثمن.
هجرة اليهود والاستيطان
كما أصبح من الواضح أن الوقت ليس في صالح الفلسطينيين وذلك لسببين الأول تدفق المهاجرين اليهود وخصوصا من الاتحاد السوفيت المتداعي الأركان ومن دول أخرى أما الثاني فهو سياسة الاستيطان التي برعت فيها حكومة الليكود فقام شارون وزير المستوطنات في ذلك الوقت في عام 1991 بالبدء في بناء 13 ألف وحدة سكنية مقارنة بعشرين ألف وحدة سكنية تم بناؤها في الفترة من 1978إلى 1990 كما زاد عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة بمقدار النصف في عامي 1990 و 1991 ليصل إلى 112 ألف نسمة كما أن إنشاء طرق التفافية للوصول إلى المستوطنات أبعد المستوطنين عن المتاعب وأصبحوا اكثر استقرارا.
وعلى ضوء كل هذه العوامل المختلفة وما جلبته من تطورات جديدة على المستويين المحلي والعالمي صرح بوش في خطابه أمام الكونجرس في السادس من مارس عام 1991بأن علينا أن نسعى بكل قوة من أجل رأب الصدع بين إسرائيل والعرب وبين الإسرائيليين والفلسطينيين فقد آن الآوان لوضع نهاية للصراع العربي الإسرائيلي. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها استأنف بوش مساعي السلام في الشرق الأوسط ولكنه لم يجد الوسيلة المناسبة لإقناع إسرائيل بالتفاوض مع الفلسطينيين ولكن هاهي الفرصة تأتيه على طبق من ذهب لكي يتحقق له ما أراد فقد كان من المقرر منح إسرائيل ضمانات تبلغ قيمتها عشرة مليارات دولار وذلك من أجل استيعاب المهاجرين اليهود القادمين من الاتحاد السوفيتي والذين بلغ عددهم 175 ألف شخص في عام1991 فقط.
مؤتمر مدريد للسلام
وقرر بوش وبيكر عدم تقديم تلك المنحة إلى إسرائيل إلا إذا تعهدت بعدم استخدامها بشكل مباشر أو غير مباشر في إقامة مستوطنات جديدة أو التوسع في المستوطنات الموجودة وذلك باعتبارها حجر عثرة على طريق السلام ولكن حكومة شامير رفضت هذا الشرط وأغلقت كل منافذ الهرب أمام شامير حينما قام بوش في يونيو من عام 1991 باستطلاع رأي زعماء الشرق الأوسط بشأن عقد مؤتمر دولي للسلام فوافق كل من مبارك وحسين والأسد فأبلغ بوش في أول أغسطس بموافقته على المشاركة في المؤتمر ولكن بشروط معينة استغرق الأمر شهرا ونصف من المباحثات من أجل تنفيذ الشرط الذي وضعته إسرائيل وهو تكوين قائمة من مفاوضين فلسطينيين لا ينتمون إلى منظمة التحرير الفلسطينية وقد وافقت المنظمة على القائمة على مضض بعد أن وجدت أنها لا تملك خيارا آخر وخشية أن يفوتها قطار السلام الذي ربما لن يمر بمحطتها مرة أخرى. وأخيرا تم عقد المؤتمر الدولي للسلام في أكتوبر 1991 في مدريد برئاسة الرئيسين الأمريكي والروسي بوش وجوربا تشوف وحضور كل من مصر وإسرائيل وسوريا ولبنان والوفد الأردني الفلسطيني المشترك من الناحية الشكلية حيث كان في الواقع عبارة عن وفدين منفصلين مستقلين أحدهما فلسطيني والآخر أردني.
وكان الوفد الفلسطيني يتلقى تعليماته من منظمة التحرير الفلسطينية في تونس وانفضت جلسات المؤتمر بعد اجتماع دام ثلاثة أيام دون تحقيق أي تقدم ملحوظ كما تواصلت المفاوضات الثنائية والمتعددة بين الأطراف في واشنطن وموسكو والعديد من العواصم الأوروبية وظل الحال كما هو عليه الكثير عن المفاوضات والقليل من النتائج.
التفاوض لعشر سنوات!
وعلى العكس أحرزت المحادثات الإسرائيلية الأردنية تقدما ملحوظا في الوقت الذي ظلت فيه المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية حسب وصف حنان عشراوي مصابة بالشلل والقصور الذاتي لافتقار الوفد الإسرائيلي إلى إدارة التفاوض الجدي والتظاهر بالمشاركة دون التصدي للقضايا الحقيقية وكانت التكتيكات الإسرائيلية تتمثل في التعلق بتوافه الأمور والزوغان من الأمور الجوهرية لتمييع المفاوضات. وقد أكد شامير على صحة ذلك حينما صرح لأحد الصحفيين بأنه لا يهدف إلى تحقيق أي تقديم حقيقي وإنما يرغب في إطالة التفاوض ولو استمر عشر سنوات ولكن على شرط عدم إحراز أي نتيجة ملموسة وتلبدت السماء الفلسطينية بسحب كثيفة من الخلافات الطاحنة والانشقاقات في الصف الفلسطيني بعد أن عارضت حماس والجهاد والجبهة الشعبية عملية السلام واعتبرتها خيانة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني الأمر الذي وصل إلى حافة الحرب الأهلية. ولكن حدثت المفاجأة على الجانب الإسرائيلي وفاز حزب العمل في الانتخابات التي أجريت في 23 يوليو عام 1992 الأمر الذي لم يحدث منذ عام 1977 والذي كان يعني تأييد الشعب الإسرائيلي لمسيرة السلام التي كان يدافع عنها الحزب كما فاز الرئيس كلينتون في الانتخابات الأمريكية إلا أنه كان يفتقر إلى أي خبرة بالصراع العربي الإسرائيلي وذلك في يناير من عام 1993.
وعلى الرغم من رفض حزب العمل مثله مثل حزب الليكود من قبله قيام دولة فلسطينية ومشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في عملية السلام فقد كان مستعدا للوصول إلى حل وسط بخصوص الأرض والاعتراف بأن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في الشرق الأوسط وأدى العديد من العوامل إلى جعل رابين يصل إلى قناعة بأنه من المستحيل بقاء الضفة العربية وغزة تحت السيطرة الإسرائيلية إلى الآن وبالإضافة إلى ذلك فإن المتغيرات الجديدة بالمنطقة مثل تفكيك الاتحاد السوفيتي وتخليه عن أصدقائه القدامى وانكماش دوره الدولي والخلافات العربية تجعل الفرصة سانحة لاستغلال الضعف العربي للحصول على مواقف أكثر مرونة ويمكن لروسيا أن تخرج من بين أنقاض الاتحاد السوفيتي المأسوف على شبابه كعملاق يخرج من القمقم يحقق رغبات العرب كما يمكن أن تحقق بعض الدول العربية الحلم الذي داعب جفونها طويلا مثل إيران أو العراق ألا وهو حلم حيازة السلاح النووي وتصبح صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في مسألة السلام المثيرة للجدل ولذلك كان لابد من اغتنام الفرصة في ظل هذه الظروف مضافة إليها انفراد الولايات المتحدة باتخاذ القرار واختفاء القوة العظمى الأخرى وتفوق إسرائيل على العرب نتيجة كل هذه العوامل.
نتائج وقناعات
ولكن المثير للدهشة أن القنوات الرسمية من الجانبين لم تحقق أي تقدم حقيقي بين الجانبين وتم التوصل إلى اتفاقيات أوسلو الشهيرة بعد مباحثات سرية بين أكاديميين إسرائيليين وفلسطينيين في النرويج وتم توقيع اتفاقيات السلام في الثالث عشر من سبتمبر 1993 برعاية كلينتون في البيت الأبيض.
ويتوصل بني موريس من خلال تتبع مجريات الصراع العربي الإسرائيلي من عام 1881 إلى عام 1999 إلى العديد من النتائج والقناعات أبرزها أن الصراع العربي الإسرائيلي ذو طابع سياسي منذ بدايته وهو ما صرح به بن جوريون أمام اللجنة السياسية لحزب العمل عام 1938 حينما قال حينما تقول إن العرب هم المعتدون ونحن ندافع عن أنفسنا فإننا نذكر نصف الحقيقة فقط فنحن ندافع عن أنفسنا فيما يتعلق بأمننا وحياتنا ولكن القتال مجرد جانب واحد من جوانب الصراع الذي هو صراع سياسي في جوهره فمن الناحية السياسية نحن المعتدون وهم الذين يدافعون عن أنفسهم.
وهو محق في قوله لأن الصهيونية حركة أيديولوجية استعمارية توسعية أنشأت واقعا جديدا بدءاً من أوائل العقد الثامن من القرن التاسع عشر من خلال شراء الأراضي وبناء المستوطنات في فلسطين وكانت في أول الأمر تستغل الأيدي العاملة الفلسطينية الزهيدة الأجر ثم استغنت عنها بعد ذلك ولهذا كانت الأيديولوجية الصهيونية وكذلك الممارسات الصهيونية تقوم على التوسع وعندما كان يتم بناء المستوطنة كان يتنامى الإحساس بمدى انعزالها وتعرضها للخطر الأمر الذي يحتم إنشاء مجموعة أخرى من المستوطنات حولها لحمايتها ولكن هذه المستوطنات الجديدة تحتاج أيضا إلى مستوطنات تحميها وهكذا دواليك وإلى الآن يحكم هذا المنطق سياسة المستوطنات الإسرائيلية وبعد حرب عام 1967 سعت إسرائيل بالمنطق نفسه إلى إقامة مستوطنات في الجولان بهدف حماية المستوطنات المنشئة في وادي الأردن من التهديد السوري لكي تعمل كخط دفاع أمامي عن القطاعات الشمالية والشرقية والجنوبية وكان الحلم الصهيوني منذ نعومة أظافره حلما توسعيا من الناحية السياسية حيث انصب هدفها منذ البداية على تحويل كل فلسطين بالإضافة إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن والمنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني إلى دولة يهودية كما يتجسد ذلك على الخرائط الصهيونية في عام 1921 وأدرك العرب من البداية اعتماد الحركة الصهيونية على التوسع واحتلال الأراضي فعملوا على مقاومة هذا التوسع وهذا الاحتلال والمثير للدهشة أن هذه النزعة التوسعية هي التي أيقظت الوعي القومي لدى الفلسطينيين ولجأ الصهاينة في المقابل إلى تجاهل وجود عرب فلسطين واعتبارهم غير موجودين وليس لهم أي حقوق مشروعة.
مزاعم صهيونية
كما اعتبرت الحركة الصهيونية أن الفلسطينيين مجرد جزء من الأمة العربية أو من سوريا الكبرى ولم يقبل الفلسطينيون أبدا بالمزاعم الصهيونية أو بأي حق مزعوم في أرض فلسطين واعتبروها باطلة ومحض أكاذيب تبرر لهم الاستيلاء على وطنهم ولم يبال اليهود بتمسك الفلسطينيين بوطنهم ولا بأهمية القدس والأماكن المقدسة من المنظور الإسلامي للفلسطينيين وللعرب على حد سواء ولم يعرفوا بوجود الشعب الفلسطيني إلا بعد الانتفاضة الفلسطينية التي تفجرت في عام 1987. ويشير موريس إلى أن العرب لم يواجهوا المستوطنين اليهود في ثمانينات القرن التاسع عشر ولم يعترضوا على وجودهم ولكنهم ساعدوهم على مد جذورهم في فلسطين من خلال بيع الأراضي لهم والعمل في حقولهم وأدى هذا التسامح والتعايش وكذلك ما تتميز به الحركة اليهودية من تنظيم وتخطيط ووعي إلى ميل الكفة لصالحهم على مدار الزمن وخلال الأربعين عاما الأولى لحركة الاستيطان اليهودي لم تكن هناك أي مقاومة مسلحة لهذا المشروع باستثناء حالات نادرة وعشوائية. وساعد على ذلك عدم وجود مؤسسات فلسطينية تقوم بتنظيم الصفوف وتعبئة الموارد وحشد الطاقات لمجابهة المشروع الصهيوني وإيقاظ الوعي القومي ومع توغل الحركة الصهيونية في فلسطين لم يشعر العرب إلا بعد فوات الآوان أي بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية ومجيء الانتداب البريطاني وصدور وعد بلفور واستغل المهاجرون اليهود فساد السلطات العثمانية وضعفها كما استظلوا بحماية القوى الأوروبية.
تقسيم فلسطين
ومع قبول الحركة الصهيونية على نحو تكتيكي ومع العديد من التحفظات لمبدأ تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب أدت حرب يونيو 1967 إلى إيقاظ الحلم اليهودي بإقامة الدولة اليهودية على كل أرض فلسطين مما أدى إلى زيادة تعقد الصراع العربي الإسرائيلي.
يخلص موريس أيضا إلى أن الفلسطينيين انطلقوا منذ قيام إسرائيل عبر منظور سياسي وإيديولوجي يرى أن الصراع مع الصهاينة هو صراع محتم ولا يمكن أن يحل محله أي حل وسط ولكنهم على الرغم من ذلك لم ينجحوا أبدا في تحويل أقوالهم إلى أفعال و أخفقوا على الدوام في كل مراحل الصراع في تنظيم أنفسهم وحشد مواردهم لخوض حرب التحرير الشاملة كما كانوا يتحركون بعد فوات الأوان وبشكل عشوائي غير منظم وبلا خطة محددة أو رؤية مستقبلية كما يرى الكاتب أيضا أنه رغم مساندة الدول العربية للفلسطينيين منذ أمد بعيد يرجع إلى ما قبل قيام إسرائيل فإن مجابهة إسرائيل لم تكن تمثل أولوية أولى لهم. وكانت الدول العربية تهتم بمشكلاتها الداخلية وترى في بعضها البعض تهديدا لها إلى جانب الأطماع العربية في البلدان العربية أي لم تكن تجمعها مصلحة واحدة ولم ينتبه العرب إلى ذلك إلا بعد حرب 1967 عندما أصبحت الحرب من أجل تحرير أراضيهم المحتلة وليس مجرد أرض فلسطين وفي عام1973 استعاد الجيشان المصري والسوري الشرف العربي بعد أن وجها صفعة قوية لإسرائيل. أيضا كانت القوة الإسرائيلية دائما منظمة وموحدة القيادة في حين كانت القوات العربية على مر الزمن مشتتة وغير منظمة مما أدى إلى هزيمة العرب لأنفسهم وتجلى هذا بشكل واضح في حرب 1948 التي كانت تعبر عن كل السلبيات العربية بدءاً من الاهتمام بالمصالح المحلية إلى عدم وجود قيادة موحدة وحتى الاستهانة باليهود واعتبارهم مجرد عصابات في الوقت الذي كان فيه اليهود يحشدون صفوفهم وينظمون طاقتهم ويتسلحون بأحدث السلاح ويقفون خلف قضية واحدة وكانت حرب1973 هي الاستثناء الوحيد حيث قامت مصر وسوريا بتلافي كل عيوب الحروب السابقة. وكان من الصعب على الجيش الإسرائيلي صد الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية في الوقت نفسه.
الحرب والسلام
والمثير للدهشة أن الحروب التي أدى الصراع إلى نشوبها كانت هي الحافز على دفع مسيرة السلام بعد الويلات والمآسي التي شهدتها الشعوب وكذلك حرب1973 بما أحدثته من تغيرات في الخريطة السياسية والجغرافية وكذلك أدى خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982 وفقدان الفلسطينيين القاعدة التي ينطلقون منها لشن عملياتهم على إسرائيل إلى جعل المنظمة أكثر مرونة في السعي نحو الحل السلمي. كما يخلص موريس إلى أنه على الرغم من أن الحلول التي تم التوصل إليها بين العرب وإسرائيل كان لها أثرها من حيث إقناع كافة الأطراف بضرورة الاعتدال فقد أدت على المدى البعيد إلى حقيقة مؤداها أن لغة القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الجميع وحتى الآن فإن الصهاينة هم من جنوا ثمار هذه اللغة ولكن هذا الانتصار ليس انتصارا نهائيا لأسباب عديدة كما أنه لم يتم تحقيق السلام على المسارين السوري واللبناني كما أن هناك العديد من الدول التي ترى أن محو إسرائيل من الوجود هو أولويتها الأولى كما أن المارد الروسي الذي أصابه بعض التوعك قد يشفى مما أصابه ويقف إلى جانب أصدقاء الأيام الخوالي.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|