|
مَنْ يُرْشِدُنِي؟!
|
أحاولُ أن أفهم ما الذي يجري حولنا أسبابه ودواعيه وسبل معالجته بشيء من الاستيعاب والفهم الواعي لهذه الظواهر المقلقة..
وتأتي محاولاتي دون جدوى في ظل ما تشكله التطورات الساخنة في العالم من تراكمات مؤذية، سببها الغموض الذي يُغيِّبُ الأسباب فتغيب معه المعالجة..
وأسأل نفسي من حين لآخر: لماذا تتفاقم المشكلات وتزداد بؤر المنغصات دون أن يلوح في الأفق ما يدل على التهدئة باتجاه المعالجة السليمة والنهائية لها؟.
***
فالعالم اليوم..
بدوله وقاراته وأممه وشعوبه..
بكل فئاته وألوانه وأعراقه وأنواع فصائل دم أفراده..
بالغني والفقير من هؤلاء..
دون أن يُستثنى أحدٌ..
يكتوي اليوم بنار هذا التباعد بين الدول وهذا التنافر بين الشعوب والأمم.
***
أحاول أن أقترب من المشكلة..
أستدني معلومة ولو صغيرة قد تمر سريعًا..
حتى لا أبقى على حيرتي وذهولي ونظرتي التشاؤمية لهذا الذي أراه وأعايشه صباح مساء..
فيقعدني ربما جهلي أو طيبتي أو استسلامي عن الالتصاق بالمعلومة العابرة التي قد تقودني إلى معرفة ما أريد.
***
فكل ما يجري حولنا أو بعيدًا عنا من المهم أن نتعرف عليه..
بأن نحاول أن نضع أيدينا وعقولنا وكل قدراتنا
بمسافة ليست بعيدة عنه..
لكن تظل المحاولة دون قامة طويلة..
بجسدها المنهك وأطرافها المشلولة..
حيث لا تتعدى المسافة بل تنحصر في حدود ما حدده لها مصطلح المحاولة.
***
فهل هناك عاقل بيننا يدعي معرفة حقيقة ما يجري اليوم في لبنان؟ وإلى أين سيكون المنتهى؟..
ومَنْ ذا الذي يملك عقلًا راجحًا، ويقول لنا بثقة شيئًا نتعرف من خلاله على حقيقة ما يُخطط للسودان؟..
ومثل ذلك أسأل: لماذا كل هذه الدماء في أرض الرافدين؟..
ومَنْ ذا الذي يريق دماء الأبرياء على النحو الذي نراه في عاصمة الرشيد؟.
***
في فلسطين وإسرائيل، وحيث تشعل هذه القضية عالمنا كلما مر بفترة هدوء وسكون..
هل هناك توجهٌ حقيقيٌّ وصادقٌ لحل المشكلة حلاً عادلاً يُنهي صراع أجيالٍ ويُوقفُ حمامات دمٍ كثيرة لا مبرر لها؟..
هل هناك مَنْ يدلنا على مخطط حقيقي وملزم لحل أو عدم حل لهذا الجزء الملتهب والساخن من العالم؟.
***
وماذا نقول عن سوريا وإيران وكوريا الشمالية وأفغانستان ودول أفريقية عديدة، وحالات أخرى مماثلة في دول آسيا، طالما أن ما هو مُبيتٌ يخفى علينا، ويغيب عنا، ولا يقول به وعنه إن قالوا الا ذوي النفوذ والسيطرة والقوة والجبروت، فيما عقولنا وأفكارنا وتصوراتنا وأحلامنا في حالة استرخاء وإجازة طويلة بدايتها معروفة والعودة منها مسجلة في القائمة المجهولة أو المنسية.. لا فرق!!.
خالد المالك
|
|
| width="68%" valign="top" align="center" dir="rtl">
الأبنودي في حوار أمام غرفة رشدي قبل رحيلة :
|
* لقاء خالد فؤاد :
حالة من الحزن الشديد تسيطر هذه الأيام على الشاعر الكبير والجميل عبد الرحمن الأبنودي بسبب وفاة صديق عمره المطرب الشعبي الكبير محمد رشدي. فعمر الصداقة بينهما تجاوز الأربعين عاماً عاشا خلالها ذكريات جميلة ومواقف رائعة وأعمالاً فنية مميزة لا تنسى . . لهذا لم نندهش كثيراً عندما كنا نرى شاعرنا الأبنودي يؤجل كافة مشاريعه وارتباطاته وسفرياته ليظل ملازماً لمحمد رشدي أثناء فترة مرضه رافضاً كافة المحاولات من قبل الأصدقاء والأطباء بل وأقارب (رشدي) أنفسهم بضرورة الراحة في منزله ومباشرة عمله.
ضرب الأبنودي مثالاً حياً ورائعاً لمعنى الصداقة والوفاء قلما نجد مثيلاً له هذه الأيام وهو ما دفعنا للاتصال بشاعرنا الكبير لتحديد موعد لإجراء حوار مطول معه عن ذكرياته ليس مع رشدي فحسب بل مع كل عمالقة الغناء والموسيقى العرب وبداياته مع شعر العامية وكيفية صعوده للقمة بصعوبة بالغة وبعد اتصالات متكررة من جانبنا وافق شاعرنا الكبير إلا أنه اشترط علينا إجراء الحوار بمستشفى السلام الدولي وهو المستشفى الذي كان يرقد فيه محمد رشدي بل أمام غرفته رقم 502 (الرعاية المتوسطة) وذلك حتى يكون الأبنودي كما قال مهيئاً للدخول على رشدي في أي لحظة إذا استدعت الحاجة لذلك فتوجهنا على الفور إلى المستشفى وكان هذا الحوار مع الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي قبيل وفاة صديق عمره بأيام قليلة:
***
قلب حياتي
* سألناه في البداية . . لنترك لك زمام الاختيار . . من أين تحب أن نبدأ معك حوارنا؟
أحب أن نبدأ من محطة هذا الرجل العظيم الذي نجلس بجوار غرفته (محمد رشدي).
* فليكن لك ما أردت . . ولكن لماذا؟
لأنه بلا مبالغة قطعة مني ويمثل منطقة خطيرة في قلب حياتي ولا أستطيع أن أتصور حياتي بدونه، ولهذا أدعو الله ليل نهار أن يشفيه ويعيده لنا جميعاً.
* يقودنا هذا للعودة معك لبداية الرحلة . . رحلتك ورحلته وسر الصداقة العميقة بينكما؟
عشقت الشعر والغناء الشعبي في قريتي (أبنود) وحفظت الكثير من الأغنيات وأنا في مستهل الشباب وما حفظته هو الذي قادني لكتابة (السيرة الهلالية) فيما بعد ومن ابنود بصعيد مصر جئت للقاهرة ومن (دسوق) مركز كفر الشيخ جاء محمد رشدي . . كنت أعرفه وهو لا يعرفني، فقد استمعت لصوته وأنا في (ابنود) وهو يغني (قولوا لمأذون البلد) و(يا أم طرحة معطرة) فشعرت أنه قريب من قلبي جداً واقترب مني بصوته أكثر وأكثر حينما استمعت إليه وهو يشدو (أدهم الشرقاوي) فاخترق بها صدري وصدور الجميع فكنا نلتف حول الراديو بالعشرات لنستمع له.
* وكيف كان أول لقاء جمع بينكما؟
قبل حضوري للقاهرة قمت بإرسال بعض المقطوعات الشعرية للشاعر الكبير صلاح جاهين (رحمه الله) بجريدة الأهرام والمفاجأة أن الرجل قام بنشرها وحينما حضرت للقاهرة وجدت هذه المقطوعات تتحول لأغنية تذاع في الراديو فاندهشت وتوجهت لصلاح جاهين فقال لي إن الأستاذ محمد حسن الشجاعي (مدير الإذاعة) يبحث عنك في كل مكان فتوجهت له وكلفني بكتابة ثلاث أغنيات، واحدة عن السد العالي وقام بغنائها الراحل محمد قنديل، والثانية تذاع حتى اليوم كل صباح بصوت نجاح سلام في برنامج (طريق السلامة) بالراديو وهي (بالسلامة ياحبيبي بالسلامة) والأغنية الثالثة هي أول عمل جمعني بمحمد رشدي (تحت الشجرة يا وهيبه) والتي حققت نجاحاً مدوياً في حينها.
وأذكر أن الأغنيات الثلاثة كتبتها في يوم واحد فقد كنت في هذا الوقت أسكن في عوامة (بالكيت كات) أنا ومجموعة من الأصدقاء ولأننا كنا على فيض الكريم ولا نملك شيئاً كان زميلنا الناقد الراحل سيد خميس يتطوع بدفع الإيجار وحينما توجهت لهم وأبلغتهم بتكليف مدير الإذاعة لي بكتابة ثلاثة أغنيات فرحوا بشدة وتركوا لي العوامة يوماً كاملاً لكي أكتب في مناخ هادئ تماماً، كانت صداقة رائعة.
* ولكننا نعرف أن أغنية (تحت الشجرة يا وهيبة) واجهتها ظروف صعبة ولم تخرج للنور بسهولة . . أليس كذلك؟
هذه حقيقة فأذكر أن الأستاذ الشجاعي لم يبد ارتياحاً لكلماتها وأعادها لي مؤكداً أن الموسيقار منير مراد وغيره من الملحنين رفضوها لكونهم لم يستوعبوا كلماتها فاقترحت عليه أن يعطيها للملحن الصعيدي عبد العظيم عبد الحق لأنه مثلي وسيفهم معناها فاستجاب الشجاعي لطلبي وبالفعل لحنها عبد العظيم عبد الحق ببراعة وأعجب بها الشجاعي وسألني: من الذي في رأيك يمكن أن يغنيها ؟ فأجبته على الفور قائلاً هو شخص واحد فقط الذي غنى أدهم الشرقاوي فقال لي الشجاعي ولكن هذا المطرب تعرض لحادث أتوبيس أثناء سفره للسويس لإحياء حفل هناك حيث أنقلب الاتوبيس وماتت في الحادث المطربة نادية فهمي ولا يستطيع الغناء الآن فقلت له: الحادثة كما أعرف كسرت ذراعه وساقه ولكن هل كسرت صوته؟ فقال لي إذاً عليك أن تذهب وتبحث عنه وتحضره طالما أنك مُصر عليه وعلى الفور توجهت لمعهد الموسيقى العربية لأحصل على تليفونه ولأنني كنت شخصاً مجهولاً أذاقوني الأمرين ورفضوا إعطائي رقم هاتفه وأمام إصراري طلبوه لي هو هاتفياً.
* وكيف كان أول انطباع له عند اتصالك به؟
شعر بملل شديد وعدم ارتياح ورفض إعطائي هاتفه وبعد إلحاح شديد مني أعطاني موعداً في مقهى التجارة الشهير بتجمع المطربين والموسيقيين في شارع محمد علي وحينما ذهبت إليه وجدته يعاملني بتعالٍ وأسلوب ضايقني جداً.
* ولماذا عاملك بهذه الطريقة؟
لقد كان جسدي نحيلا جداً وملابسي كانت متواضعة للغاية أي أن منظري ككل يوحي لمن يراني بأنني إنسان معدم فشعر هو أنني دخيل على الشعر وأسعى لفرض نفسي عليه. فما أكثر ما كان يلتقي بهم بهذا الشكل. وحينما شعرت بهذا التجاهل منه وعدم إبداء أي رغبة لديه في الاستماع لي، قلت له بحدة إنني قادم له من عند الأستاذ (الشجاعي) وكان معروفاً بلقب (بعبع الإذاعة) فاعتدل في جلسته وأجلسني واستمع لي وطار فرحاً بالكلمات وأذكر أنني قضيت هذه الليلة معه. حدثته عن نفسي ومعاناتي ولماذا أعجبت به وطلبت منه الهروب من لقب (مطرب الأفراح) الذي كان مشهوراً به ودون أن نشعر صارت بيننا صداقة واستمع للحن عبد العظيم عبد الحق وأعجب به بشدة . . وهكذا بدأنا مشوارنا سوياً حيث حققت الأغنية نجاحاً مدوياً وأصبح اسمانا على كل لسان، ووجدتني فجأة مؤلف أشهر أغنية في مصر كلها ثم تعرفت على الموسيقار الكبير بليغ حمدي في مكتب الشجاعي أيضاً وقدمنا سوياً مجموعة أغنيات لرشدي من تأليفي والحان بليغ حمدي أذكر منها (بلديات) و(وسع للنور) و(بيتنا الصغير) بينما تعاونت مع عبد العظيم عبد الحق في مجموعة الأغنيات التي غناها رشدي في المسلسلات الشهيرة التي أخرجها نور الدمرداش مثل (الرحيل) و(الضحية) و(النصيب) وغيرها.
شادية وفايزة
* وهل اقتصرت أعمالك في هذا الوقت على محمد رشدي فقط؟
لا بل انطلقت مع بليغ حمدي بمجموعة من الأغنيات للفنانة شادية أذكر منها (أبو العيون العسلية) و(آه يا أسمراني اللون)، و(زفة البرتقال) و(أسمر يا عنب بلدنا) أي أنني اتخذت خطة مغايرة لكل ما غنته شادية قبل ذلك وهكذا صار الأمر مع فايزة أحمد فكتبت لها (مال عليّ مال، قاعد معايا، يامة يا هوايا، بالي معاك) وحققت أغنياتي كلها مع كل المطربين والمطربات الذين تعاونت معهم نجاحاً وشهرة واسعة.
أنا وعبد الحليم والاعتقال
* جمعتك صداقة قوية بعبد الحليم حافظ وبسببك أتجه للغناء الشعبي كيف حدث هذا ؟
عبد الحليم رحمه الله كان إنساناً بمعنى الكلمة، و كانت بداية معرفتي به في عام 1965 وكانت مجرد معرفة جلسات فنية دون أن نلتقي في أي عمل، وبعد عام واحد من تعارفنا تم اعتقالي بسبب الأشعار السياسية التي كتبتها واعترضت فيها على أشياء عديدة وهاجمت بعض رجال الثورة وبعد الإفراج عني وجدت الجميع يهربون مني ويتهربون من لقائي خوفاً على أنفسهم، ولم أجد سوى محمد رشدي وعبد الحليم حافظ بجانبي، فقد كان طبيعياً لا يهرب مني رشدي أو يبتعد عني، بينما عبد الحليم لم تكن تجمعني به صداقة بنفس القوة وأثناء فترة سجني كان عبد الحليم يرسل لي السجائر والأطعمة رغم أن هذا كان ممنوعاً إلا أنه كان يتوسل من أجلي إلى الأجهزة والوزراء ورجال السلطة وساهم كثيراً في إخراجي من المعتقل وبدأنا بعد هذا رحلة التعاون.
* وكيف استجاب حليم للموجة الشعبية التي فرضتها أنت؟
حليم كان يسعى دائماً أن يكون الأول وبالتالي فإن موجة الغناء الشعبي التي أشعلنا نحن شرارتها من خلال أغاني رشدي وفايزة بالإضافة لما قدمته المطربة الكبيرة نجاة مثل (حمد لله على السلامة) لحن كمال الطويل و(عيون القلب) لحن محمد الموجي وغيرها كان ذلك شيئاً مزعجاً جداً بالنسبة لعبد الحليم ومن هنا قررت اختطافه من التقليدي والانتقال به للموجة الجديدة مع الاحتفاظ بصورته كحليم وعدم التورط (شعبياً) بصورة قوية فكتبت له (أنا كل ما أقول التوبة) وغيرها وحققنا نجاحاً مدوياً بها.
* وكيف نجح هو في دفعك لكتابة أغاني عاطفية له؟
حدث هذا على سبيل التحدي فكنا نجلس في منزله، وكان يقوم بتصوير فيلمه الأخير (أبي فوق الشجرة) ويسعى للعثور على أغنيات مناسبة فاستفزني بشدة بأنني لا أستطيع فتحديته، ودخلت إحدى الغرف في شقته وأغلقتها على نفسي ثلاث ساعات كاملة ثم خرجت له ب(الهوى هوايا) و(أحضان الحبايب) وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً وظلت الأغنيات باقية.
الأغاني الوطنية
* أيضاً قدمت لعبد الحليم مجموعة كبيرة من أهم أغنياته الوطنية حدثنا عن مناسباتها؟
عبد الحليم كان دائماً يقول: (لقد قام الابنودي بدفع رشوة لي متمثلة في أغاني شعبية وعاطفية ليبتزني وطنياً) فقد كان رحمه الله وطنياً لأقصى درجة، وقدمت معه نحو 15 أغنية وطنية مثل (موال النهار) و(ابنك يقول لك يا بطل هات لي النهار) و(صباح الخير ياسيناء) وغيرها.
* نعرف أنك تأثرت بشدة بهزيمة 1967 أكثر مما تأثرت بنصر 1973 بدليل أنك كتبت عشرات الأغنيات الوطنية بعد النكسة بينما لم تكتب سوى أغنية واحدة للنصر وتغنى بها عبد الحليم . . فما مبرراتك؟
نعم هذه حقيقة فمعظم أغنياتي الوطنية قمت بكتابتها في أوقات المحن والهزائم، فقد شعرت بعد وقوع نكسة 1967 بانكسار داخلي لا أستطيع وصفه، ولم أعد أطيق أي شيء حولي حتى أصدقائي وزملائي بل لم أحتمل القاهرة بكل ما فيها ولم أستطع السفر لمسقط رأسي (ابنود) فهربت إلى السويس وأقمت فيها وبدلاً من أن تهدأ نفسي تضاعفت آلامي وجراحي وأنا أرى بعيني ما حدث لهذه المدينة وبيوتها، فكتبت والدموع تنهمر من عيني (يا بيوت السويس) التي تغنى بها محمد حمام ولحنها إبراهيم رجب، ولم أكن أتخيل أنها ستحقق كل هذا النجاح الذي حققته وكتب بها حمام شهادة ميلاده.
* و متى عدت من السويس؟
حتى حضر لي عبد الحليم واستفزني بشدة بقوله: إن هروبك يؤكد أنك غير قادر على المواجهة، ولم أكن أعرف أنك ضعيف بهذا الشكل، وأثناء عودتي كتبت الأبيات الأولى لموال (النهار) واستكملتها في القاهرة وأرسلت لعبد الحليم وبليغ حمدي فاستمعا لها، ولأول مرة كنت أرى الدموع تنهمر من عين بليغ حمدي فكنت أشعر وأنا اكتبها بآثار الهزيمة والعار، وفي نفس التوقيت بدأت الصور البشعة تنهال علينا من أرض فلسطين وانعكاسات النكسة على الفلسطينيين، وما فعله اليهود بهم فكتبت اغنية لحنها بليغ حمدي وتوزيع علي إسماعيل وأصر عبد الحليم على أن يغنيها لأول مرة بمسرح البرت هول في لندن أمام آلاف البشر وكان لها صدى واسع للغاية.
أغاني التحريض
* بعض أغانيك أطلقت عليها لقب (أغاني التحريض) ماذا تقصد بهذا المصطلح ؟
مثلي مثل بقية أبناء الشعب لم نكن نستطيع تحمل آثار الهزيمة والهوان فكنا نستعجل الحرب والانتقام فلم يكن يشفي غليلنا ما نسمعه عن مكاسب في حرب الاستنزاف فقمت بجولة شاملة على كافة مدن مصر لايقاظ روح المقاومة والتمسك بأمل الانتصار فقدمت 450 أمسية شعرية، وقدمت ملحمة (وجوه على الشط) التي كان لها صدى واسع على شاطئ قناة السويس، وقدمت مشروع الـ30 أغنية بإذاعة صوت العرب، وكان المشروع يعتمد على التطوع والتبرع أي أننا جميعاً المؤلف والملحن والمطرب لا نتقاضى أي أجر وغنى في هذا المشروع معظم نجوم ونجمات الغناء المصريين والعرب، وظهر لأول مرة صوت عفاف راضي من خلال هذا المشروع وتعرف عليها بليغ حمدي وبدأت رحلتهما سوياً، وكان من أبرز أغاني التحريض التي قدمتها في هذه الفترة لعبد الحليم عام 68 وغيرها . . بينما لم أكتب بعد نصر 1973 سوى أغنية (صباح الخير ياسينا) لعبد الحليم لحن الموسيقار الراحل كمال الطويل، وبعد فترة شاركت في الاحتفاليات التي أقامتها وزارة الإعلام احتفالاً بالنصر مثل (أفراح النصر) و(إنشودة مصرية) وغيرهما.
حكاية عدوية
* نعود للتحدث عن علاقتك بمحمد رشدي والانطلاقة القوية التي حققتماها سوياً والنجاح الساحق الذي صادف مجموعة أعمالكما الأولى وأكدتماه بأغنيتكما الشهيرة (عدوية) فما سر نجاح هذه الأغنية؟
هذه الأغنية لها حكاية طريفة للغاية حيث رأيت فتاه تعمل خادمة في منزل الفنان عبد العظيم عبد الحق، وكانت صغيرة وعندها ضفائر جميلة فسألتها عن أسمها فقالت (عدوية) وهذه الفتاة هي التي أوحت لي بفكرة أغنية (عدوية) فكتبتها ثم أعطيتها لعبد العظيم عبد الحق ليلحنها وبعد فترة وجدته يرسل لي فذهبت لأجده يعيد لي نص الأغنية دون أن يلحنها وحينما سألته أجابني قائلاً: أنت تقول إن عدوية أهه ضحكتها نهار وانها شمس وأسرار . . وبصراحة كلما حاولت تلحين الكلمات وتدخل عليّ عدوية الحقيقية اصطدم بها فيضيع الخيال الموسيقي فأخذت منه الكلمات وأعطيتها لبليغ حمدي الذي طار بها فرحاً وحصلت على أجر 15 جنيهاً دفعة واحدة من محمد رشدي عنها وكان أجراً ضخماً جداً فكانت أجورنا لا تتجاوز الخمسة جنيهات من الإذاعة وبالفعل حققت الأغنية نجاحاً كبيراً للغاية فاق نجاح (تحت الشجرة يا وهيبة) فقد عبر بها رشدي العالم العربي وأوربا وأمريكا بعد أن كان نجاحه محلياً فقط واستمر بعد هذا مشوارنا سوياً بأغنيات (عرباوي) و(حسن يا مغنواتي) ثم قدمنا أفضل أغنيتين في مسيرتنا الطويلة (ياقمر ياسكندراني) و(أنت مين ياللي أنا مش عارفك). وظل الشارع المصري والعربي يردد ما كتبته له (دنيا غرورة وكدابة . . زي السواقي القلابة) وقدمنا بعد هذا (مجاريح) وتوالى مشوارنا بالعديد من الأغنيات الأخرى (يا ليلة ما جاني الغالي) و(شباكك العالي) و(فنجان قهوة) بالإضافة لأغنيات المسلسلات الناجحة مثل (الصبر في الملاحات) و(حارة المحروسة) وغيرها.
* هذا عن أعمالكما الفنية فماذا عن العلاقة الشخصية والإنسانية؟
طيلة الأربعين عاماً الماضية لم يمض يوم واحد إلا ونطمئن على بعضنا البعض ولم تتوقف زياراتنا سواء في المناسبات أو بدون، وحينما كنت أسافر للخارج دون أن أوصيه ببناتي وزوجتي كان يفعل الواجب وأكثر، والعكس صحيح من جانبي وحينما مررت بوعكة صحية قبل خمسة أعوام وقضيت بغرفة العناية المركزة بمستشفى قصر العيني الفرنسي أياماً عصيبة واستلزم الأمر سفري إلى أمريكا لإجراء جراحة في القلب بعد أن اهتم الرئيس مبارك واتصل بي وهو منزعج بشدة وطلب من رئيس الوزراء اتخاذ اللازم فسافرت، وخلال كل هذا لم يفارقني أبداً رشدي وظل بجانبي ومعي طيلة الوقت يجلس على سريري لهذا مهما فعلت معه اليوم لا أستطيع أبداً أن أرد له جميله وتتساقط الدموع من عين شاعرنا الكبير ويواصل فهو أهم إنسان دخل حياتي.
حكايتي مع عبد الوهاب
* تعاملت مع معظم المطربين والمطربات في العصر الذهبي للأغنية لكن يتردد أن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب أرسل لك إلا أنك رفضت التعامل معه. . لماذا ؟
هذا الكلام مبالغ فيه جداً وتم ترويجه على أسس غير صحيحة، وما حدث هو أن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أرسل لي مع الأستاذ مجدي العمروسي (رحم الله الجميع) فتوجهت له على الفور، وليس كما قيل أنني رفضت، وقضيت معه وقتاً طويلاً جداً واكتشفت في هذا اللقاء أننا شخصان مختلفان لا يمكننا قضاء الأوقات الطويلة التي يتطلبها العمل الفني معاً، فاعتذرت له وانسحبت في هدوء ويكمن السبب الرئيسي أنه كيان وأنا كيان مختلف تماماً فأنا (راجل) من طين له تركيبة تجدها في رجل الشارع البسيط بينما هو (محمد عبد الوهاب) ! !
كوكب الشرق
* وكوكب الشرق أم كلثوم قالت في أحد أحاديثها الشهيرة أنك رجل صعيدي (قفل) بعد أن اعترضت على أن تؤدي إحدى أغنياتك في الوقت الذي كان يتسابق كل الشعراء عليها ويحلمون بها . . فما سر اعتراضك ؟
هذه الحكاية مضى عليها 35 عاماً، حينما وجدت الأستاذ وجدي الحكيم يتصل بي ليبلغني أن الأستاذ عبد الحميد الحديدي (رئيس الإذاعة حينئذ) يريد لقائي فوراً وكنت قبل هذا بيومين فقط أجلس في منزل الأستاذ عبد العظيم عبد الحق وكتبت أغنيه قام هو بتلحينها وقمت بنشر الكلمات في صحيفة الأهرام، فقرأتها أم كلثوم، وأخذت الكلمات وأعطتها للموسيقار رياض السنباطي كل هذا دون أن أعرف أي شيء، وحينما ذهبت لرئيس الإذاعة أخبرني بما حدث وأن أم كلثوم تنتظر لتعديل إحدى الكلمات فقلت له إن الأمر بيد عبد العظيم عبد الحق فاتصل به فقال له عبد الحق إذا أرادت أم كلثوم الكلمات فيجب أن تغنيها بلحنه هو، وأيدته فيما قال، فجن جنون الرجل واندهشت أم كلثوم من موقفي الذي لم يحدث أبداً معها من قبل أي شاعر آخر فقالت جملتها هذه أنني صعيدي (قفل) لا أفهم في الإتيكيت وعجزت هي ومن معها عن فهم أنني إنسان ذو مبادئ لا أفرط فيها.
* حدث عداء عنيف بعد هذا بينك وبين أم كلثوم فهل كان سببه هذه الأغنية أم شيء آخر؟
لا كان هناك سبب آخر وهو الأغنية الوطنية (ابنك يقولك يا بطل هات لي النهار) التي تغنى بها عبد الحليم، فقد كنا نسجل أغنيات 67 بالإذاعة وكانت أم كلثوم تقف مع كمال الطويل واستمعت لصوت عبد الحليم يأتي من بعيد وهو يسجل هذه الكلمات فقالت لكمال الطويل انها تريد هذه الأغنية، وطلبت منه أن يحدثني بشأنها، فاقترب مني الطويل بعد انصرافها وأبلغني بما قالته فنظرت إليه ولم أعلق فأدرك ردي عليه، فأبلغها بما حدث فجن جنونها ولم أُبلغ عبد الحليم بهذه الواقعة أبداً.
* تعاونت مع معظم مطربي ومطربات الستينات والسبعينات ونحفظ لك جميعاً العديد من الأغنيات لشحرورة لبنان صباح مثل (ساعات ساعات) ولوردة (قبل النهار ده) و (طبعاً أحباب) فلماذا امتنعت عن التعاون مع مطربي ومطربات هذا الجيل؟
من قال هذا الكلام ؟ ! لقد كتبت لمحمد منير، ومحمد ثروت، وعلي الحجار، ومحمد الحلو، وهاني شاكر، ومدحت صالح، وميادة الحناوي، وغيرهم كثيرين، حتى اندلعت موجة ما يسمى بالأغنية الشبابية والكليبات الخليعة فآثرت الانسحاب.
اخاصمك آه
* هل انسحابك هذا يعني اعتراض على الأصوات الجديدة؟
المشكلة ليست في الأصوات وليس فيما تغنيه لكي استمع إليها وإنما في الصورة البشعة التي ترسخ في أذهان أبنائنا وهذه الأغنيات التي تفرقع ولا تأخذ وقتاً طويلاً للزوال . . هناك أغنيات احتلتنا ليلاً ونهاراً مثل (بحبك أه أخاصمك لا) لهذه الفتاه المسماة بنانسي عجرم ثم اختفت الأغنية وكأنها لم تُغن من قبل . . وهذا شيء عجيب لأن أقل أغنية قدمناها في السابق مازالت على قيد الحياة وغير قابلة للموت.
* ومتى يجب على الشاعر التوقف عن الكتابة ؟
هناك حالات كثيرة لشعراء توقفوا عن الكتابة،وأنا أرى أنه من الشرف عندما يفلس الشاعر أن ينزوي وينطوي على نفسه لا أن يمزق ملابس الآخرين ومؤكد أن إفلاس الشاعر يعود لمحطة الانطلاق في البداية من منطلق غير صادق . . فالصدق حالة دائمة لا يمكن أن تنتهي وهذا لا ينطبق على الشعر فقط بل على مستوى الإبداع بشكل عام.
قضية ضد زوجتي
* شاعرنا الكبير عبد الرحمن الأبنودي نرجو أن تسمح لنا بالابتعاد عن منطقة الغناء والإبداع والاقتراب من حياتك الخاصة وأسباب قيامك مؤخراً برفع دعوى قضائية ضد زوجتك السابقة المخرجة التسجيلية عطيات الابنودي؟
أولاً هناك عشرة طيبة جمعتني بهذه السيدة وقت زواجنا ولم أقف أبداً ضد طموحاتها في أن تكون مخرجة تسجيلية، وحينما طلبت مني أخذ اسمي واقرانه باسمها لم اعترض فأصبح الجميع بعرفها باسم عطيات الابنودي، وكان من المنطقي بعد انفصالنا أن تتخلى عن اللقب وتعود لاسمها الأصلي لا أن تسعى للنجاح على اسمي، أنا فأنذرتها مرة ومرتين وثلاثة دون جدوى وفي النهاية وأمام عنادها لم يكن هناك بديل عن اللجوء للقضاء لكي أجبرها على التخلي عن اسمي والعودة لاسمها الحقيقي.
* وهل تعتقد أنه من الممكن أن تحصل على حكم قضائي لصالحك؟
ما يهمني أولاً وأخيراً هو تعريف الناس بالحقيقة وأنه ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالأبنودي وليكن ما يكون بعد هذا.
زوجتي وأم بناتي
* فوجئنا بك بعد أن اقتربت من سن الخمسين تعلن عن زواجك من مذيعة التليفزيون نهال كمال التي تصغرك بأعوام عديدة بل وتنتمي لطبقة مختلفة عن طبقتك مما دفع الكثيرين للتأكيد على أن زواجكما لن يستمر طويلاً ورغم هذا ما شاء الله فقد مضى على زواجكما قرابة الـ15 عاماً . . كيف تم الزواج وكيف توافقت الطباع بينكما ؟
أنا نفسي لا أعرف كيف تم هذا، وكل ما أذكره أنها استضافتني في أحد برامجها وحكيت حكاية (فاطمة ومحلاج القطن) و(السيرة الهلالية) وصارت بيننا صداقة قوية ولم أكن أتخيل أننا سنصبح زوجين في بيت واحد وبصدق شديد رأيت معها حياة رائعة وجميلة وأعيش معها ومعنا ابنتينا تماماً مثل حزمة قمح يطوحها النسيم، نسافر للخارج ولداخل الوطن معاً وأحاول دائماً تعويضها عن فارق السن.
* مع نهال كمال عرفت طعم الأبوة على كبر بعد إنجابك منها لابنتيكما آية ونور صف لنا مشاعرك؟
دائماً كنت أتعجب كيف كنت سأغادر هذه الحياة بدون أن أعرف طعم الأبوة . . وأنا أدعي أنني شاعر يجيد التعامل مع المشاعر الإنسانية وظل هذا يثير لدي أسئلة مؤرقة عن شرعية أن تكون في سن الخمسين عاماً وتكون أبنتك في سن الخامسة ونحن لدينا اعتقاداً في أن نجعل أبناءنا صورة منا ولكن هذا يتطلب أن تكون معهم من البداية. أن تتزوج في سن الشباب وتستطيع أن تصنع علاقة مع أطفالك ولا يكون قلبك قد نال كل تلك الضربات أو أن تكون عرفت الدنيا ومفارقات الزمن إلى هذا الحد ويكون بقلبك حزن كبير.. حزن الخبرة والمعاناة . . فما ذنب الطفل هذه الزهرة الخارجة تبحث عن النور في الحياة.
ومن هنا ظلت كثير من الوساوس تشاغلني بعض الأحيان حول: هل كان من حقي أن أنجب وأنا في هذه السن ؟
ولكن إيمان زوجتي بأنها حققت العلاقة القوية التي تبني بيتاً قوياً، هي التي تعطينا جميعاً الأمل في الاستمرار.
* وهل تحرص على التعرف على رأيها في أشعارك وأغانيك ؟
هي تشعر بسعادة كلما وجدتني جالساً بين أوراقي مشغولاً بكتابة شيء فتقوم على الفور من تلقاء نفسها بتهيئة المناخ الذي أعشقه ويتمثل في الهدوء والسكينة ثم أجدها بعد اتجاهي للنوم تطالع ما كتبته وبعد استيقاظي تناقشني فيه.
* وهل بناتك يهوين الشعر؟
الشعر لا يورث . . وعلى الابن أن يبدأ من حيث هو لا من حيث انتهى أبوه وبالنسبة لابنتي (آية) فقد لاحظت أنها مهتمة بالأغنيات الحديثة العربية والغربية فناقشتها في ذلك فقالت لي: هل يعني ذلك أنني لا أعرف أشعارك فانطلقت تقول شعري في أكثر من مكان كما حدث في معرض القاهرة الدولي للكتاب وعندما فرح بها الناس ردت بأنها فعلت ذلك لتثبت لي أنها تعرف من هو عبد الرحمن الأبنودي ولكنها توقفت لأن لها طريقاً آخر قد لا تدركه الآن.
* وما رأيك فيمن يصرون على دفع أبنائهم للسير على دربهم سواء كانوا ممثلين أو مطربين أو غير هذا؟
من يسعون لتصنيع أبنائهم بداخل مصنع بمعنى أن يجعلوا منهم ممثلين أو موسيقيين أو شعراء فإن ذلك كله ينتهي إلى لا شيء، وأنظر حولك ستجد أمثلة كثيرة لذلك، ولهذا أنا لم أجبر بناتي على المشاهدة أو الاستماع لما أقوله في أحد البرامج، فأنا سعيد بهن وسعيد بأنني منحتهن الحرية عكس والدي الشيخ الأبنودي الذي أصر على أن أدرس تعليماً دينياً في الأزهر الشريف فهربت، وأصر أن أكتب أشعاراً بالفصحى فرفضت بل إنه مزّق أول ديوان شعر بالعامية لي فقاومت، وأنا لا أريد أن أعرض بناتي لتلك القسوة التي تعرضت لها.
* إلى هنا توقف شاعرنا الكبير عن الكلام بعد أن تجاوز حديثه معنا حاجز الثلاث ساعات توقف خلالها أربع مرات عن الحديث ليتوجه لغرفة محمد رشدي ليطمئن عليه ثم يتشاور مع الأطباء ويعود ليواصل الحديث إلا أنه هذه المرة طالبنا بالتوقف عند هذا الحد لرغبته في الجلوس إلى جانب صديقه وكأنه كان يشعر بقرب رحيله.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|