|
إسرائيل فقط..وغيرها إلى الطوفان!!
|
ليس بوسع المرء أمام المجازر الإسرائيلية في لبنان، إلا أن يقف شاهداً على ظُلم العالم، وعدم عدله، وأن يشعر بالصدمة أمام ما يجري أمام أنظاره دون أن تكون لديه حيلة أو قدرة للجم المعتدي وإيقاف هذا العدوان.
فإسرائيل تُعطى حماية لم تُعط لغيرها من الدول، وتُسلَّح بما لا يُسمح به من الأسلحة لغيرها بما في ذلك السلاح النووي، بل وتُعفى من كل القيود التي تُفرض على غيرها، مما يثير المزيد من الألم، والشعور بالأسى أمام هذه المعايير المتباينة في التعامل مع إسرائيل بخلاف ما يتم التّعامل به مع غيرها.
***
أفهم أن تتعاطف الدول الكبرى في الشرق والغرب مع إسرائيل، تعاطفاً يصل إلى حدّ إغراقها بالمال والسلاح، وأن يُمهّد لها الطريق للقبول بكل طلباتها - بل بكل إملاءاتها - من أمريكا وبريطانيا ومن كل دول العالم، واستثنائها من كل القوانين والأنظمة الدولية بما في ذلك قرارات الشرعية الدولية.
ولم أستغرب يوماً من أن يكون الإعلام العالمي إعلاماً إسرائيلياً لا ينطق ولا يتحدث ولا يُعبِّر إلا بما تريده إسرائيل، بل وعليه أن يُلبي رغبة ساستها وقادتها والمهيمنين على القرار والرأي فيها، وويل لهذا الإعلام المريض إن لم يفعل هذا أو لم يقل بما تريده إسرائيل.
وأفهم أن يكون مجلس الأمن في كل قراراته لا يقول بما يُغضب إسرائيل أو يستفزها أو يُكدِّر خواطر شعبها وقادتها، طالما هذا رأي الدول الكبرى التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حليفتها بريطانيا.
ولم أندهش يوماً من هذا الانحياز الأعمى لإسرائيل، والدعم غير المحدود لها، سواء بالمال أو العتاد العسكري أو بالمواقف السياسية في مجلس الأمن وخارج مجلس الأمن، في ظل هذا الدلال الذي تُحاط به والتبريرات التي تُصاحب كل عدوان جديد تُقْدم عليه.
***
كل هذا أتفهَّمه على مضض، وأقبل به مُكرهاً، واستوعبه رغم مرارته، وأرى فيه إمكانية القبول مع ما يثيره في النفس من أسى وألمٍ وشعورٍ بالظلم الساحق لمن يعادي أو يختلف مع إسرائيل.
لكن ما لا أفهمه أو أقتنع به حين يتجاوز هذا الدعم لإسرائيل، وهذا التعاطف معها، وهذه المساندة كل شيء وفوق كل شيء، وأن يكون لكل مواقفها الدعم والحماية والمساندة سواء أكانت ظالمة أو مظلومة، وهي بالتأكيد لم تكن في ذات يوم مظلومة، فهي التي تحتل الأرض وتعتدي على الغير، ثم تدَّعي بعد ذلك ودائماً بخلاف ذلك.
***
لسنا في حاجةٍ إلى العودة إلى التاريخ، ولا إلى الجغرافيا أيضاً، فكل شيء واضح ومفصَّل، ولا يحتاج من منصف وعادل إلى من يُعرّفه بحقيقة إسرائيل ونزعتها العدوانية منذ قيامها دولة في خاصرة الوطن العربي وعلى أرض فلسطين.
دعونا فقط نتأمَّل ما يجري الآن في لبنان، نلقي نظرة ولو سريعة على الجسور والمباني والطرق والمدارس والمستشفيات والموانئ والمطار وغيرها، لنرى كيف حوّلها العدو الإسرائيلي الأحمق في غضون أيام فقط إلى أنقاض وأطلال وأشباح، وما زالت آلته تواصل الهدم والتدمير لكل القرى والبلدات اللبنانية، فيما العالم يتفرَّج.
***
دعونا من المنشآت والبنية التحتية التي تحوَّلت إلى أنقاض، وانظروا إلى الأطفال والنساء وكبار السن من الرجال والنساء وإلى المعاقين، الذين لم ترحمهم الآلة العسكرية الإسرائيلية، فكان أكثرهم حظاً من نجا من الموت وبقي مشرَّداً هائماً في الصحراء أو بين أنقاض المباني المهدَّمة بانتظار مصيره المجهول، بينما مات مَنْ مات منهم ولم يتمكن أحدٌ حتى من الوصول إليهم لنقلهم إلى المقابر بانتظار رحمة الله وغفرانه.
لكن المأساة الأكبر أن هذا الجبروت الإسرائيلي، وهذا الطغيان من هذا العدو لم يجد من يردعه أو يثنيه، أو يقول له كفى عدواناً، وإنما وجد من يؤيده ويبرر له ويدافع عنه، في سابقة تاريخية تُنذر بما هو أسوأ، في زمن الدعوة إلى شرق أوسط جديد، وإلى الفوضى الخلاّقة، وإلى إحلال الديمقراطية في دولنا والتي لا تعدو أن تكون غطاءً لكل المآسي القادمة التي يخططون لها ومن ثم ينفِّذونها خطوة خطوة ودولة بعد دولة.
خالد المالك
|
|
|
كاتب بصحيفة (هآرتس) العبرية منتقداً الحرب في لبنان: خسائر إسرائيل الأخلاقية تفوق دمار صواريخ الكاتيوشا
|
* إعداد - أحمد عبداللطيف:
تثور في إسرائيل آراء متناقضة لمجرى الأحداث والوحشية التي تدار بها آلة الحرب في لبنان من جانب إسرائيل، وينتقد الكاتب جدعون ليفي في مقال نشر في صحيفة هآرتس، إحدى أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، التعتيم الذي تمارسه إسرائيل فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي للحرب والمجازر التي ترتكبها، قائلا: إن تكلفة الحرب ستشمل فيما تشمل الخسائر الأخلاقية، وهي في نظره تكلفة تهدد الوجود الإسرائيلي وسمعته أكثر مما تهددهما كاتيوشا حزب الله.
ويقول جدعون ليفي: في أيام الحرب، وكما هي حال الحروب، يسود الظلام وتغرق إسرائيل في أجواء حادة من المغالاة في الشعور الوطني وفي مثل هذه الأجواء (ينفلت عقالنا ويسيطر علينا عدم الإحساس تجاه الغير، وهو الشعور الذي ما انفك يتنامى في مجتمعنا طوال السنوات الماضية).
ويتابع قائلاً: وقد انقسمت جبهتنا الداخلية إزاء الحرب إلى قسمين، شمال يعاني ووسط هادئ، ولكن كلاهما يعاني طغيان المشاعر الوطنية وتصاعد الرغبة في الانتقام والشعور الوحشي وارتفاع الأصوات المتطرفة التي نفذت الآن إلى قلب إسرائيل بعد أن ظلت مهمشة طوال السنوات الماضية.
أما اليسار فقد تاه به الدليل، ولاذ بالصمت، أو أصبح يردد تعبيرات الاعتراف بالخطأ، في وقت سيطر فيه على إسرائيل جو من التوحد والشعور القومي.
وأردف قائلا: نحن لا نشعر بالتدمير الذي ألحقناه بلبنان لأن ذلك لا يعرض علينا، وعلى من يريد التعرف على التدمير الذي تتعرض له مدينة صور مثلا أن يتجه إلى القنوات الأجنبية، ومنها هيئة الإذاعة البريطانية التي أوردت صورا مخيفة من هناك، صورا لا نرى مثلها هنا.
لماذا إذن فقدنا الإحساس بمعاناة الآخرين على أيدينا مثلما نعاني نحن في الشمال؟ إن أحدا منا لا يشعر بالموت الذي نشرناه في قطاع غزة، حيث ارتفع عدد القتلى منذ اختطاف الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليت إلى120 شخصا، بينما اكتظت المستشفيات بالأطفال المصابين بالحروق، لا أحد يبالي بذلك كله بسبب الانشغال بما يحدث في الشمال.
ويقول جدعون ليفي: لأننا درجنا على التسليم بأن العقاب الجماعي سلاح مشروع فإن ما تسببنا فيه من قتل وتدمير في لبنان لم يثر نقاشا هنا، فما دام التدمير مسموحا به في نابلس، حسبما رسخ لدينا من اعتقاد، فلا غرابة أن يكون مسموحا به في بيروت أيضاً.
وقد تركز كل ما سمعناه من نقد حول هذه الحرب على التكتيكات فقط، وأصبح كل منا جنرالا يوجه الأوامر للجيش لتكثيف عملياته، بينما تسابق المعلقون والجنرالات السابقون والسياسيون في اتخاذ المواقف المتطرفة تجاه الأحداث.
فحاييم رامون، يقول الكاتب، على سبيل المثال، يبدي استغرابه لاستمرار التيار الكهربائي في بعلبك، في الوقت الذي يقترح فيه إيلي يشيع تحويل جنوب لبنان إلى صندوق رمل، ويقترح ياوف ليمور، وهو مراسل عسكري للقناة الأولى، إقامة معرض لجثث حزب الله وعرض الأسرى بملابسهم الداخلية في شكل صفوف في اليوم التالي (لرفع الروح المعنوية في الداخل).
ويتابع قائلا: ليس من الصعب توقع ما يمكن أن يثار هنا إذا قدمت قناة عربية معلقين يثيرون مثل هذه المقترحات، ولكن المؤكد هو أن مقترح ليمور يمكن أن يطبق إذا ما تعرض الجيش الإسرائيلي إلى أدنى قدر من الخسائر.
ويقول الكاتب: لقد بدأ الغلو في الشعور القومي يطل برأسه، كما استشرى فينا رغبة قوية في الانتقام. فقبل أسبوعين فقط كان الذين يتحدثون عن مسح أي قرية يطلق منها الكاتيوشا من الوجود، مثل سافيد رابي وشمويل إلياهو، يوصفون بالطيش.
أما الآن فإن ضابطا كبيرا في الجيش يتحدث بتلك اللهجة، وتنشر تصريحاته بالعناوين العريضة في (يديعوت أحرونوت).
إن القرى اللبنانية لم تمسح بعد من الوجود، ولكننا منذ مدة طويلة مسحنا من الوجود كل خطوطنا الحمراء.
ويتابع: لقد دفعت الرغبة في الانتقام رجلا مثل حاييم أفراهام، إلى قيامه بإطلاق قذيفة مدفعية تجاه مجموعة من المراسلين في لبنان، وهذه القذيفة التي حملت صورة الابن تعد من فضائح هذه الحرب.
وهي ليست الفضيحة الوحيدة بالطبع، بل وردت أنباء عن مجموعة من الفتيات اللواتي سمحن بأخذ صورهن لتزيين قذائف الجيش الإسرائيلي.
ويقول جدعون ليفي: تسود صحيفة (معاريف)، وهي الصحيفة الرئيسة في إسرائيل، شعارات ممعنة في الغلو تذكرنا بالعناوين المتطرفة التي تلجأ إليها عادة بعض وسائل الإعلام الوضيعة لترويج بضاعتها.
ومن هذه الشعارات، على سبيل المثال، شعار (إسرائيل قوية)، وهو شعار يدل على الضعف في الواقع، ومثله الدعوة إلى قصف محطة تلفزيونية، التي جاءت على لسان أحد المحللين بإحدى القنوات التلفزيونية.
ويشير الكاتب إلى أن لبنان التي لم تحارب إسرائيل، والتي تمتلك40 صحيفة يومية و42 كلية وجامعة، بالإضافة إلى مئات البنوك، تتعرض الآن للتدمير بفعل طائراتنا ومدافعنا ولا أحد يضع في اعتباره مقدار الكراهية التي بذرناها بهذه العمليات.
فقد تحولت إسرائيل في نظر الرأي العام العالمي إلى وحش، ولكننا نرفض أن نضع ذلك في قائمة الخسائر في هذه الحرب، وشوهت سمعتنا كثيراً، وهو تشوه أصاب قيمنا الأخلاقية ولا يمكن التخلص منه بسهولة، ونحن الوحيدون الذين عميت بصائرنا عن رؤية ذلك، ويوضح الكاتب ان الاسرائيليين يريدون النصر، ولا أحد يدري الثمن الذي سندفعه مقابل ذلك.
واتسمت مواقف اليسار الصهيوني باللامبالاة في هذه الحرب، وهي اللامبالاة التي كانت طابع اليسار في كل الظروف الصعبة التي مررنا بها في السابق.
فقد فشل اليسار هذه المرة، كما فشل في الانتفاضتين على سبيل المثال، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة إلى صوت يوازن التوجه الحاد نحو الحرب.
فما جدوى وجود اليسار إذا كانت ستنضم في كل مرة إلى الجوقة القومية؟ ويختم جدعون ليفي بالقول ان حزب السلام في السلام يقف الآن في حيرة، وكذلك حزب ميريتز، ونستثني من هذا الموقف زيهافا غال أون، عضوة الكنيست عن ميريتز، التي أعلنت آراءها المناهضة للحرب بشجاعة.
أما يهوشوا سوبول، فقد أقر بعد أيام قليلة من الحرب أنه كان على خطأ في كل مواقفه السابقة، وأن السلام كان شعاره في مرحلة طفولته الفكرية.
وحده اليسار المتطرف من يصر على إسماع صوته الآن، ولكنه صوت لا أحد يحب أن يستمع إليه.
وقبل أن تضع هذه الحرب أوزارها بوقت طويل نستطيع أن نقول إن تكلفة الحرب ستشمل فيما تشمل الخسائر الأخلاقية، وهي تكلفة تهدد وجودنا وسمعتنا أكثر مما يهددهما كاتيوشا حزب الله.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|