في عالم ما يسمى ثقافة الحرية الفردية، تبدو مفردة الالتزام غائبة أو مغيبة، فمجتمعاتنا المفتوحة على العولمة الثقافية والاقتصادية تعلي من شأن حرية الفرد وحقوقه في الحركة والتصرف الاختيار إلى مستوى القداسة، وأي حديث حول التنازل عن تلك الحقوق من أجل الالتزام تجاه شخص آخر أو الانتماء العضوي تجاه علاقة يجعل بعض الأشخاص يستشيطون غضباً، هذا ما يقوله الويس ماكبيرني في مقال له عن انعكاسات الثقافة الفردية على الأسرة والزواج.
لكن الحصول على الشيء وضده هو من شبه المستحيل؛ إذ كيف يمكن بناء علاقات زوجية على الانهيار، وفي الوقت نفسه التمسك بمسألة الحقوق الفردية على نحو متطرف كما يطرحها غلاة الحرية الفردية في عالمنا؟ ماكبيرني يرى أن المسألة لا تكمن في التضحية بأي من الخيارين، فليس المرغوب فيه هو التضحية بالحرية الشخصية من أجل تحصين الزواج، وإنما إعطاء الأولوية لموضوع الالتزام العائلي عندما يكون هناك تعارض بين الاثنين.
يكتسب الالتزام في موضوع العلاقات الزوجية بُعداً عاطفياً وإنسانياً مهما، فهو يعني في المقام الأول الاستعداد في بعض الأحيان لأن تضع مصلحة الطرف الآخر فوق مصلحتك، أو بالأحرى فوق نزواتك العابرة وغير العابرة، فالدراسات التي تتناول موضوع العلاقات السعيدة تشير إلى أن سعادتك في الزواج ترتبط بمدى احساسك بأن حاجاتك قد تمت تلبيتها من خلال ارتباطك بالشريك الزوجي. ويؤكد خبراء العلاقات الزوجية أن الأنانية الزوجية تمثل أكبر مقتل للوئام الزوجي، حين يعتقد أي من الزوجين أنه مركز الكون، وأن كل الأحداث يجب أن تتم لخدمة مركزه واحتياجاته ورغباته بالكيفية التي يريد وبالتوقيت الذي يشاؤه، فإنه بذلك يمسح الآخر من الوجود والشيء الذي سيذكره بوجود ذلك الآخر لن يكون شيئاً عادياً، بل سيكون سلسلة من المنغصات التي قد لا تنتهي إلا في ساحات المحاكم، بحيث يصدر القاضي في نهاية المطاف صك الفشل الصارخ معنوناً باسم وثيقة الطلاق.