منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 قفزت قضية الإسلام والموقف منه داخل مختلف المؤسسات وشرائح المجتمع الأمريكي إلى قمة الاهتمامات.
وبعد أن غاصت أقدام الأمريكيين (العسكرية) في مستنقعي العراق وأفغانستان أصبح استقطاب مجندين أمريكيين مسلمين مطلباً ملحاً للجيش الأمريكي.
وعن هذه القضية نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور تقريراً قالت فيه إنه، بمجرد أن سمع عبد السلام عبد السلام نبأ الهجوم الذي استهدف مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، سارع بالتوجه إلى المتجر الموجود في حي بروكلين الذي يعيش فيه واشترى عدداً كبيراً من زجاجات المياه وذهب إلى مقر الهجوم لتقديم المياه لكل من يحتاج إليها.
واليوم قرّر هذا الأمريكي المسلم من أصل مصري القيام بمغامرته الثانية مدفوعاً برغبته أيضاً في تقديم العون والمساعدة. فقد قرّر الالتحاق بالجيش الأمريكي للعمل كمترجم.
يقول عبد السلام: (أريد مساعدة الشعب العراقي في فهم السبب الذي يوجد من أجله الجنود الأمريكيون في العراق. أريد أن أظهر أمامهم كشخص ينتمي إلى نفس ثقافتهم وفي الوقت نفسه أمريكي يريد أن يفهمهم ويريد أن يساعدهم). فمنذ أن تورطت الولايات المتحدة في حربها المرفوضة شعبياً في العراق أصبح الجيش الأمريكي في أمس الحاجة إلى تجنيد أمريكيين مسلمين من أصول عربية للعمل كمترجمين. كما يحاول الجيش تجنيد مترجمين يجيدون لغة الباشتون التي يتحدث بها أغلب سكان أفغانستان وكذلك اللغة الفارسية التي يتحدث بها الإيرانيون.
وفي إطار سعي الجيش الأمريكي لجذب المسلمين إلى العمل في صفوفه فقد قام بتعيين مجموعة من رجال الدين المسلمين للعمل كأئمة بالإضافة إلى تخصيص أماكن لصلاة المسلمين في بعض القواعد والاحتفال بالأعياد الإسلامية من أجل توصيل رسالة إلى الأمريكيين المسلمين تقول إنهم موضع ترحيب في الجيش.
قرار معقد ولكن قرار الالتحاق بالجيش الأمريكي من جانب المسلمين مثل عبد السلام قرار معقد جداً وشخصي جداً في الوقت نفسه. فالأمر ينطوي على مزيج هائل من المعتقدات الدينية العميقة والرغبة في التكيّف والتعايش مع المجتمع الأمريكي وكذلك قيمه الموروثة من موطنه الأصلي ثم النظرة إلى طبيعة الحرب في العراق ودورها.
يقول جون زغبي رئيس مركز زغبي إنترناشيونال لدراسات الرأي العام إن هناك اهتماماً عاماً بين الأمريكيين المسلمين للالتحاق بالجيش الأمريكي لنفس الأسباب التقليدية التي تدفع العديد من الأمريكيين للالتحاق به مثل الحصول على وظيفة والاستفادة من المزايا المالية والاجتماعية التي يوفرها الجيش وأخيراً خدمة البلاد. وكان مركز زغبي قد أجرى سلسلة من المقابلات مع شباب أمريكي مسلم وسألهم عن رؤيتهم للخدمة في الجيش الأمريكي.
وأضاف زغبي أنه اكتشف أن السبب الرئيسي الذي يدفع أغلب المسلمين الأمريكيين للالتحاق بالجيش هو الرغبة في المساعدة.
فهم يعتقدون أنهم يستطيعون المساعدة في وقف تدهور الموقف في العراق من خلال القيام بدور الترجمة بشكل أساسي. ورغم أن الجيش الأمريكي لا يفرض على وحداته إعلان الانتماء الديني لأفرادها فإن التقديرات تشير إلى وجود حوالي عشرة آلاف مسلم في صفوف الجيش.
ويقول جون زغبي إن الكثير من المسلمين قرروا عدم الالتحاق بالجيش الأمريكي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر خوفاً من التمييز العنصري ضدهم وعدم حصولهم على فرص عادلة للترقي. ولكن حي بروكلين في نيويورك أثبت أنه مصدراً جيداً للمجندين وبخاصة المتحدثون باللغة العربية. فخلال عام واحد انضم أكثر من 20 مسلماً عربياً إلى الجيش من هذا الحي. ورغم الرفض الشعبي للحرب في العراق في هذا الحي كما هو الحال في أغلب مناطق الولايات المتحدة فإن مكاتب التجنيد في الحي تشير إلى وجود العديد من المهاجرين المقيمين في الحي يؤيّدون الحرب.
يقول الكابتن تاد كراسنسكي مسئول إدارة التجنيد في منطقة بروكلين إن العديد من الأشخاص الذي تعاملت معهم من أصول عربية وبخاصة هؤلاء الذين لهم أفراد من عائلاتهم في العراق يؤيّدون الحرب بشدة.
وتتضمن بيانات اللياقة البدينة الخاصة بعبد السلام أن طوله يبلغ ستة أقدام وبوصة واحدة ويزن 260 رطلاً وهو يدرك تماماً أنه سيتجه للخدمة في العراق وهو يقول إنه يتطلع إلى تقديم المساعدة للجانبين وعلى عكس الكثيرين من الأمريكيين العرب والمسلمين الذين يرون أن الولايات المتحدة مسئولة عن الفوضى الحالية التي تضرب العراق فإن عبد السلام يعتقد أن مسئولية الولايات المتحدة هي حفظ السلام في العراق. وهو مقتنع تماماً بأن هذه الرؤية لا تحظى بشعبية كبيرة بين العرب والمسلمين ولكنه لا يهتم بذلك. ويقول إنه نشأ في مصر عندما مد الرئيس الراحل أنور السادات يد السلام إلى إسرائيل ورأى كيف تعرض الرجل لانتقادات حادة. ويضيف (أعلم أن البعض قد يعتبرني خائناً اليوم ولكنني لن أهتم بذلك. فقد اعتبروا السادات خائناً في البداية ولكنهم اليوم يعتبرونه البطل الذي حقق السلام). وقد نشأ عبد السلام في أسرة من الطبقة الوسطى في قلب القاهرة.
وفي عام 1973 عندما كانت مصر تخوض الحرب ضد إسرائيل كان ينظر من النافذة ليشاهد وميض انفجارات القنابل في السماء. وكان والداه يحاولان إبقاءه نائماً لكنه كان يرفض وكان يقول: (أريد مشاهدة القنابل ساعتها أدركت أنني أريد أن أصبح جندياً). ولكن الحياة سارت به في اتجاه مختلف. فقد تخرّج من الأكاديمية البحرية العربية وعمل كبحار تجاري لعدة سنوات. وفي عام 1992 بدأ يبحث عن فرصة أفضل، حيث انتقل للحياة في الولايات المتحدة ليعمل في البداية كبواب. ثم بعد ذلك افتتح مطعمه الخاص. ولكن في أكتوبر الماضي أجبره اضطراب ظروف العمل على إغلاق المطعم.
وفي ذلك الوقت بدأ الموقف العسكري يتدهور في العراق فقرر العودة إلى هدفه الأصلي وهو الالتحاق بالخدمة العسكرية. وقد اتصل بمكتب التجنيد التابع للجيش في حي بروكلين ولكنه اكتشف أن سنه أكبر من الحد الأقصى المسموح به وهو 42 عاماً كما أن وزنه أكبر من الحد المسموح به. ولكن تم قبوله.
ويقول: (أنا فخور بكوني مصرياً وفخور بكوني أمريكياً وأنا فخور بما أقوم به) ولكن بعض الجنود السابقين المسلمين في الجيش الأمريكي يحذرون من التفاؤل المبالغ فيه من جانب عبد السلام. ويقولون إنه سوف يواجه العديد من الصعوبات منها كونه محل شك دائماً لمجرد أنه مسلم.
يقول الكابتن جيمس يي الذي درس في كلية ويست بوينت العسكرية الأمريكية واعتنق الإسلام إنه عانى من هذه المشكلات في البداية. فقد كان واحداً من أوائل العسكريين المسلمين الذين وصلوا إلى رتبة عالية كما عمل كإمام وخدم في معتقل جوانتانامو.
وفي عام 2003 وعندما كان في طريقه إلى المنزل في إجازة تم اعتقاله واتهم بالتخريب، وقد تم وضعه في حبس انفرادي لمدة 72 يوماً. ثم أطلق سراحه بعد ذلك وأسقطت كل التهم التي وجهت إليه فيما بعد. وعندما استقال حصل على شهادة تقدير من الجيش وميدالية الخدمة الحسنة.
يقول يي: (هناك حالة من الخوف المرضي من الإسلام في الولايات المتحدة بما في ذلك الجيش. ويجب على كل مسلم قبل التفكير في الالتحاق بالجيش أن يكون مستعداً لمواجهة هذه المشكلة) ويرى العديد من المسلمين الأمريكيين الذين خدموا في وقت سابق في الجيش الأمريكي إن اعتقال يي وسجنه بدون مبرر حقيقي أدى إلى عرقلة جهود جذب المزيد من المسلمين إلى صفوف الجيش الأمريكي. كما أن فضيحة معتقل أبو غريب في العراق والسجون السرية للمخابرات المركزية الأمريكية في الخارج وتعذيب سجناء جوانتانامو نسفت جهود تجنيد المسلمين. في الوقت نفسه يرى بعض الجنود المسلمين الأمريكيين القدامى أن الأوضاع في الجيش الأمريكي بالنسبة للمسلمين تحسنت بصورة ملحوظة وأنها لم تعد بنفس درجة السوء التي كانت عليها عندما التحق عبد العزيز شهيد مثلاً به عام 1965 على حد قوله. ويقول عبد العزيز شهيد مساعد مدير اتحاد المحاربين القدامى المسلمين الأمريكيين في واشنطن (في ذلك الوقت إذا لم تكن مسيحياً كاثوليكياً فلن تنال أي اهتمام). أما يي فيدو أكثر تشاؤماً، حيث يقول إن هذا التحسن الحالي هو مجرد تحسن شكلي في أفضل الظروف.
ولكن عبد السلام ما زال مقتنعاً بخطوته رغم اعترافه أنه قد يتعامل مع أشخاص لم يتعاملوا مع أمريكي عربي مسلم من قبل.
وأنه مستعد للتعامل مع أي شخص يشك فيه لمجرد أنه يصلي لله.
ويقول عبد السلام (سوف أؤكد لهم أننا جميعاً سواء. لا يهم أن تكون مسلماً أو مسيحياً فنحن جميعا أمريكيون نريد عالماً أفضل يعيش في سلام).