إعداد - تراجي فتحي:
إن الغيرة أو رغبة الاستحواذ على الاهتمام الكامل لأحد الوالدين، قد يكون تعبيراً طبيعياً من الطفل خلال مرحلة معينة من تطوره.
يوضح د. نبيل أحمد (طبيب نفسي بولاية فلوريدا) بعض الأسباب المحتملة التي قد تؤدي إلى هذا السلوك من الطفل؛ فيقول: رغبة الطفل الصغير في الاستحواذ على الاهتمام الكامل من أحد أبويه والتصاقه الشديد به قد يكون نتيجة خوفه من تركه والتخلي عنه أو قد يكون نتيجة شعوره بالقلق، وقد تنتج هذه المشاعر لديه بسبب مشاهدته لخلافات بين أبويه أو قد يكون نتيجة محاولة الطفل الاعتماد على نفسه بشكل أكبر، ولكن في نفس الوقت يكون بداخله صراع بين رغبته في الاستقلال ورغبته في الاعتماد على أحد أبويه، أو قد يكون الطفل من النوع الذي يحاول أن يفعل كل ما بوسعه لكي يحصل على ما يريد من أمه أو أبيه، أو قد يكون هذا السلوك ناتجاً عن مرور الطفل بظاهرة طبيعية وهي (الاختبار) وهي جزء من التطور الذي يحدث للطفل في هذه المرحلة والذي قد يظهر في صورة ازدياد تلاعب الطفل بأحد والديه.
يشرح د. نبيل: بشكل عام من المهم أن يضع الأبوان في الاعتبار سن الطفل وقدرته الإدراكية لكي تكون توقعاتهما بخصوص سلوكه واقعية ومنطقية بالنسبة للمرحلة التي يمر بها وبالنسبة لشخصيته وتكوينه. كيف إذن يمكن أن يريح الأبوان طفلهما خلال هذه المرحلة من حياته؟ النصائح الست الآتية ستساعدكما في هذا:
1- أهم شيء هو أن يتحدث الأبوان مع طفلهما لكي يتعرفا على المشكلة وراء التصاقه الشديد بأحدهما أو كليهما مع الاعتراف بقلقه وتوتره لكي يستطيعا أن يصلا إلى حل حقيقي للمشكلة. على سبيل المثال، إذا تعرض الطفل للمضايقة أو الاعتداء في المدرسة وافتقد شعوره بالأمان، يجب أن يبذل الأبوان كل ما في وسعهما لإيقاف هذه المشكلة، ويجب أن يُطَمئنا الطفل بشكل قاطع بقول: (نحن سنحل المشكلة، ولن يضايقك أحد مرة أخرى).
2- إذا التصق الطفل بأحد الوالدين لأنه هو دائماً الطرف الموجود معه، في هذه الحالة يجب على الأبوين معاً أن يعيدا توجيه سلوكه بأن يقولا له هما الاثنان معاً إن كليهما موجود من أجله في أي وقت. كلا الأبوان يجب أن يجلسا مع الطفل ويتحدثان معه ويحلان هذه المشكلة معاً؛ لأن الأطفال يحتاجون عادةً إلى أن يعرفوا أن كلا الأبوين (وليس طرفاً واحداً فقط) موجودان دائماً إذا احتاج إليهما. بمجرد أن يثق الطفل في ذلك سيشعر بالأمان الكافي لاكتشاف العالم من حوله، وهو ما يفعله عادةً الأطفال الصغار.
3- إذا حاول الطفل أن يتلاعب بأبويه باستخدام السلوك الذي يعبر عن استحواذه الكامل على اهتمام أحد أبويه (أي بمحاولة الإبعاد بينهما)، بالتصاقه الدائم بالطرف الذي ينفذ له ما يريد، يجب في هذه الحالة أن يتضامن الأبوان ويساند بعضهما بعضاً أمام الطفل وأن يتخذا معاً أي قرارات خاصة بتصرفات الطفل حتى يفهم الطفل أن القرار ليس في يد طرف واحد بل هو قرار أبويه معاً.
إذا كان طفلك من النوع الذي يحاول الالتصاق بك لأنك تنفذين له دائماً ما يريد، يمكنك أن تقولي له: (سأتحدث مع أبيك أولاً وسأرى ما سنقرره معاً).
4- أغلب الأطفال الصغار يميلون بشكل طبيعى للاستحواذ على كل اهتمام أمهاتهم لأنه في أغلب الحالات تكون الأم هي المسؤولة عن رعاية الطفل اليومية وتولي تفاصيل حياته. إذا كان هذا هو الحال فيجب ألا يُهمَل الأب أو يُترَك ليشعر بالغيرة بل يمكن للأم أن تحاول بالتدريج إشراك الأب لكي يشعر الطفل بارتياح في أن يذهب إليه ويطلب منه تلبية بعض احتياجاته.
5- في كل الأحوال فإن قضاء وقت مفيد وقيم مع الطفل بشكل منتظم مع قضائه كل يوم بعض الوقت مع كل من الأبوين بمفرده يؤتي بنتائج مذهلة؛ فلا يساعد ذلك فقط في زيادة الترابط والتقارب بين الطفل وأبويه (وبالتالى شعوره بالأمان)، لكن أيضاً يُظهر ذلك للطفل أن هناك أوقاتاً منتظمة ومحددة للتواصل مع أبويه؛ مما سيجعل الطفل يفهم مع الوقت أنه لا يستطيع الاستحواذ على أبويه تماماً طوال الوقت، مما سيساعده على التخلص من التصاقه المبالغ فيه ورغبته في الامتلاك.
6- يشرح د. نبيل أنه لو كان الطفل الذي يتسم سلوكه بالرغبة في الاستحواذ والالتصاق بأحد أبويه يعيش مع أحد الأبوين فقط - سواء بسبب الانفصال أو وفاة الطرف الآخر - في هذه الحالة قد تكون الأسباب وراء سلوكه مختلفة.
يقول د. نبيل: (الطرف الذي يعيش مع الطفل يقوم بالدورين معاً دور الأم ودور الأب. إذا كان الطفل في سن تسمح له بإدراك أنه قد كان هناك طرف آخر من قبل وفقده، فقد يكون بداخله خوف من أن يفقد الطرف الذي يعيش معه أيضاً).
مرة أخرى يجب أن يتحدث الطرف الذي يعيش مع الطفل عن المشكلة ويحاول أن يحلها لكي يشعر الطفل بالراحة والأمان. يمكن أيضاً أن يستعين هذا الطرف بأفراد الأسرة لكي يشعر الطفل أن هناك آخرين يهتمون به وعلى استعداد لرعايته، فسيساعد هذا الطفل على التخلص من مخاوفه.