لست متأكداً من نجاح دعوة الرئيس الأمريكي بوش إلى مؤتمر ترعاه أمريكا بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحضور أطراف عربية أخرى معنية بالمشكلة لمناقشة مشروع للسلام بين إسرائيل وفلسطين بما يمكن اعتباره الفرصة الأخيرة للرئيس بوش كي يضع يده على الجرح النازف قبل انتهاء فترة رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية، وصولاً إلى وضع علاج لهذا الجرح الدامي.

بل إني أشك في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على إحلال سلام لا ترضى عنه إسرائيل، حتى وإن فُرِّغ أي مشروع سوف يطرح على الأطراف المتنازعة من الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية المشروعة التي تعترف بها المواثيق الدولية وقرارات الشرعية الدولية ويطالب بها الطرف الفلسطيني منذ احتلال إسرائيل لأراضيه وإقامة الدولة اليهودية عليها.

* * *

ولست الوحيد ممن يحملون هذا القدر من التشاؤم، نسبة إلى ما عرف عن الكيان الإسرائيلي من مواقف متعنتة ومراوغة لإفشال أي مبادرة أو مشروع قد يقود في النهاية إلى السلام العادل بين إسرائيل وفلسطين، وبالتالي إلى السلام في المنطقة، فها هي وزير خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس تسارع مع وصولها إلى المنطقة بإطلاق بعض الكلمات التي يُشم منها بأن علينا ألا نعوِّل كثيراً على مؤتمر السلام القادم.

ومن الواضح أن إسرائيل لا ترغب بالسلام إلا وفق قناعاتها وبما يستجيب لأطماعها، مستندة في ذلك على دعم أمريكي وأوروبي ليساساتها، بما لم يعد أمام الطرف الفلسطيني المتضرر من خيار آخر غير الاستمرار في النضال المشروع، مع ما يكلفه انتظارهم لإقامة الدولة الفلسطينية من شهداء وتدمير لمدنهم وقراهم واقتصادهم.

* * *

وإذا علمنا بأن الفترة المتبقية للرئيس الأمريكي بوش في رئاسته الثانية للولايات المتحدة الأمريكية تزحف الآن نحو نهايتها، أدركنا بأنه لا يمكن للعرب أن يراهنوا على شيء كثير للوصول إلى نتائج حاسمة تضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة بإقامة دولتهم على أراضي عام 1967م وعاصمتها القدس مع عودة المهجرين إلى بلادهم ضمن تسوية تضمن بقاء دولة إسرائيل هي الأخرى بحدودها الآمنة إلى جانب دولة فلسطين.

على أن إفشال إسرائيل لكل مبادرة دولية أو عربية، وكل قرار يصدر من مجلس الأمن أو من الأمم المتحدة أو من الجامعة العربية لا يأتي إلا لأنها على يقين بأن المجتمع الدولي لن يلزمها إلا بما تراه وتقتنع به وتوافق عليه، حتى ولو استمر الشعب الفلسطيني سنين طويلة مكبلاً بالأغلال في سجونها وعلى مرمى حجر من نيران قواتها، فضلاً عن أن تستمر في حصارها لكل أراضيه للحيلولة دون وصول الماء والدواء والغذاء والكساء إلى الأهل هناك.

* * *

لا بأس أن تدعو الولايات المتحدة الأمريكية إلى مؤتمر للسلام، بعد أن رفضت إسرائيل المبادرة العربية وخارطة الطريق واتفاقات أوسلو واجتماعات البيت الأبيض ومباحثات مدريد وكل قرار صدر من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، حتى وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة عن إلزام إسرائيل بالقبول بما تقرره الشرعية الدولية.

ولا بأس أن يعود الفلسطينيون والإسرائيليون إلى طاولة المفاوضات من جديد برعاية أمريكية وحضور عربي فاعل، إذا كان مثل هذا الاجتماع سوف يهيئ المنطقة لمستقبل أفضل، بحيث ينعم به الجميع في ظل سلام عادل تقبل به كل الأطراف، ومن دون أن يفرط الفلسطينيون أو الإسرائيليون بحقوقهم ثمناً له، لأن أي تنازل عن حقوق مشروعة لأي من الجانبين لن يقود إلى السلام الشامل والدائم الذي ينادي به العقلاء في منطقتنا وفي العالم الحر.

* * *

إن القضية الفلسطينية ستظل هي مفتاح الحل الدائم للقضاء على الإرهاب وإحلال السلام، ليس في منطقتنا فحسب وإنما في العالم أجمع، وما لم يصل المجتمعون إلى حلول عملية عادلة وسريعة وغير مجزأة من حيث التنفيذ لقضايا الوضع النهائي للصراع العربي - الإسرائيلي، فإن مآل هذا المؤتمر كما آلت إليه اجتماعات ومؤتمرات سابقة هو الفشل الذريع الذي قد يؤجج الصراع ويوسع من دائرته إلى ما هو أخطر وأشد.

وحسبنا أن نذّكر - والذكرى تنفع المؤمنين - إن القول بأن العرب - الفلسطينيين تحديداً - سوف يقبلون بالحد الأدنى من حقوقهم مع مرور الوقت، وهو ما تراهن عليه إسرائيل وربما أمريكا، هو استنتاج خاطئ وقراءة غير صحيحة، بل إن بقاء إسرائيل محاصرة هي الأخرى ومصابة بالذعر دائماً، هو ما ينبغي أن يقود الزعماء الإسرائيليين إلى التفكير الجدي في الوصول إلى حلول عادلة تحفظ حقوق دولتهم وشعبهم ولكن ليس على حساب حقوق الشعب الآخر والدولة الأخرى القادمة التي ينتظر الفلسطينيون دون يأس مولدها اليوم أو غداً أو بعد حين.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244