على الرغم من الطفرة العلمية والثقافية التي يحياها مجتمعنا السعودي إلا أن هناك كثيراً من الزوايا التي ما زالت مظلمة أمام الكثيرين، على رأسها يأتي موضوع (التغذية) كمفهوم علمي أخذته كثير من الدول المتقدمة مأخذ الجد فأسهم علاجياً واحتياطياً من أجل إلقاء الضوء على التغذية ومفاهيمها وأمراض العصر التي بدأت تغزونا كالمسنة وغيرها. التقينا الأستاذة نهى الحربي أخصائية التغذية في المستشفى السعودي البريطاني لتضئ بعض تلك الزوايا وخصوصا ما يتعلق بالجوانب التغذوية.
* ماذا يعني مصطلح (أخصائية تغذية) وما هي الخدمة التي يمكن أن يقدمها أخصائي التغذية للمجتمع؟
- تندرج تحت التسمية عدة مفاهيم، كالتغذية العلاجية، لكن عمل أخصائي التغذية يقوم في المقام الأول على التوعية وهي الخدمة التي يقوم بها في المجتمع والدور الرئيسي الذي يضطلع به، وهذا بالفعل ما ينقص مجتمعنا.
* ما هو الدور الرئيسي الذي يقوم به أخصائيو التغذية داخل المستشفيات؟
- عملنا داخل المستشفيات موجه نحو ذوي الأمراض المستعصية أو لنقل أنهم أكثر المستفيدين منه كمرضى الكلى والقلب والسكري وأصحاب الأمراض الوراثية - فنحن نقوم بتحديد نوعيات الأكل وكمياته بناء على التاريخ الطبي للمريض medical story فإذا أخذنا مريض الكلى مثلاً فإنه يكون عرضة لتراكم النيتروجين داخل جسده نتيجة عمليات الغسيل المتكررة وقد تزيد عنده السوائل لذا فإننا نحرص على إيجاد معدلات مناسبة لديه وذلك يقوم على تحديد هذه الكميات اعتماداً على الكيلوجرامات ووزن الجسم أو على الوزن المثالي.
* وماذا عن الأمراض العادية؟
- عملنا يتعلق بالأمراض عامة حتى العادية قد يأتيك مريض وهو لا يشكو شيئاً وعندما نبحث نجد مثلاً أنه يعاني من هبوط في الغدة الدرقية وذلك من أسباب السمنة التي يتبعها الكثير، وهنا لابد من مراجعة تاريخ المريض الطبي والذي أصابه من قبل؟ وماذا عن أمه وأبيه فلابد من مراجعة كل ذلك حتى نعرف ما الذي يعانيه بالتحديد.
* بصفتك أخصائية تغذية ما هي الأمراض التغذوية التي نواجهها كسعوديين؟
- لنتناول الموضوع بتفصيل أكثر، فإذا أخذنا فئة الأطفال نجد أنهم أكثر من يعاني أمراضاً تغذوية، فقد ارتفعت معدلات السمنة بشكل كبير لدى أطفالنا وعلى الرغم من أنه لا توجد دراسات تمكننا من إيراد أرقام، إلا أن هناك دراسات أخرى ذات علاقة فقد أجريت دراسات حول مرض السرطان وثبت أن للتغذية دوراً في أسباب الإصابة بالمرض بنسبة كبيرة بلغت الـ70%.
* كيف تساهم أساليب التغذية في الإصابة بالسرطان؟ - في رأيي أن أهم الأسباب هي عادات الطبخ وعدم مراعاة النواحي التغذوية المثالية فهناك إفراط في استخدام الزيوت دون الحاجة، الإفراط في تناول الحلويات، وعلى مستوى آخر يتعلق بالسمنة قلت الحركة استجابة لمعطيات العصر وكثر الجلوس أمام التلفزيون والكمبيوتر وما إليها، كذلك لم يعد هناك اهتمام كافٍ بالرياضة في المدارس كل هذا أدى إلى ارتفاع معدلات السمنة بدرجة كبيرة.
* هل هناك آثار مباشرة للتجميد وإعادة الطبخ والتسخين والابتعاد بصورة عامة عن مصادر الغذاء الطبيعية؟
- بالنسبة للسرطان فكما قلت أن الطب لم يستطع حتى الآن اكتشاف مسبباته، لكن للسمنة دور فيه كما أثبتت الدراسات، ما أريد أن أقوله أننا بصفة عامة نعاني جهلاً تغذوياً يظهر في طرائق شرائنا للمواد الغذائية نتجاهل تماماً جدول الغذاء وهذا ما يجعلنا نتجنب كثيراً من المواد المسرطنة، التي أصبحت تقريباً معروفة فقبل عامين اكتشف الدكتور أمجد خان في إدارة التغذية الفرنسية المواد المسرطنة ووجدها في مصادر كثيرة بلغت حتى معاجين الأسنان فالأغذية المصنعة مليئة بهذه المواد يضاف إلى ذلك أننا نحضرها في المنزل بطريقة تزيد المواد المسرطنة عن طريق تكرار قلي الزيوت غير نوعية التخزين السيئة أصلاً في البقالات.
* ماذا عن السرطان؟
- المواد المعلبة والمواد الحافظة التي توضع عليها هي أهم الأسباب حتى الخضروات والمنتجات الطبيعية دخلت فيها المواد الكيماوية والأسمدة بصورة جعلتها غير طبيعية هذا عدا تأثيرات مواد أخرى فقد اكتشفوا بعد حرب الخليج أن هناك مواد كثيرة أثرت في مواردنا الطبيعية وهناك أسباب أخرى متعددة.
* أما السمنة فقد أصبحت مشكلة مؤرقة وازدادت بين الجنسين والأطفال بصورة كبيرة، وأصبحنا ضمن أكثر عشر دول تعاني شعوبها السمنة؟
- حتى وإن لم نصل إلى المستويات التي بلغتها بعض الدول كالولايات المتحدة إلا أن وضعنا في هذا التصنيف يحتم علينا أن نأخذ الأمر مأخذ الجد، أما بالنسبة للأسباب فأهمها عاداتنا الغذائية الخاطئة فقد أصبحت تعتمد على الوجبات السريعة بصورة كبيرة وما أريد أن أؤكد عليه أن الأكل في حد ذاته ليس خطيراً لكن تبقى الكيفية هي السبب.
* مثل ماذا؟
- ضعف الإرادة، فلماذا لا نراعي ما نأكل، لماذا لا نقلل من تناول نوعيات معينة.
* وماذا عن عاداتنا وسلوكياتنا ثمل الولائم والذبائح والإفراط أثناءها في الأكل؟
- فعلاً ويتضح ذلك إذا قارنا معدلات السمنة الآن بما كانت عليه قبل ثلاثين سنة مثلاً حين كنا نعتمد على الأكلات الشعبية.
* هل الأكثر بدانة هو الأكثر تعرضاً للسرطان؟
- الأمر لا يقاس هكذا فليس الأكثر بدانة أكثر عرضة لكن العلاقة المباشرة بكمية الدهون لا يمكن إنكارها فالبيئة الخصبة للخلية السرطانية هي الدهون. يتضح ذلك أكثر في سرطان الثدي الذي غالباً يصيب النساء أكثر بدانة ويلاحظ أننا في حالة الاستئصال تستأصل الأنسجة كاملة لأنها كلها دهنية.
* عندما نقرأ عن منتج معين أو شركة معينة تحوي منتجاتها مواد سرطانية ما هي الأساليب المثلى للتعامل مع هذا الوضع؟
هناك شركات موثوقة يجب على الإنسان اعتماد التعامل معها هذا على مستوى الفرد أما على مستوى الدولة فلله الحمد أن الجهات المسؤولة تقوم بمراقبة كل المنتجات بصورة جيدة على مستويات الشركات والمنتجات مثلاً مادة برومات البوتاسيوم المستعملة كانت منذ العام 1923م وحتى 1994 قامت المملكة بإيقاف التعامل به وهو مادة توضع مع الدقيق لتسريع نضجه.
* هل هناك أمراض يجب العناية تغذوياً بأصحابها أكثر من غيرها؟
- نعم مثل أمراض الكبد والكلى، خصوصاً الأخيرة فمريضها يعتمد على إخراج السموم وأجهزة الإخراج لديه شبه متعطلة ما يتطلب تركيزاً عالياً عليها فهناك بعض العناصر كالبروتين الفسفور البوتاسيوم الكالسيوم طريقة هضمها تحولها إلى سموم قد تتراكم في جسد المريض حتى تصل به إلى درجات الغيبوبة هذه المواد نحاول أن نحد من تناوله لها، والفسفور والبوتاسيوم إذا زادا قد يصلان بالقلب إلى التوقف نهائياً كنتاج تراكمهما.
* بالنسبة للمصابين بأمراض أخرى خفيفة كالقولون مثلاً؟
- فمرضى القولون مثلاً تكون الأنظمة المتبعة مهم احتياطية في أكثر جوانبها كأن نطلب منهم التقليل من البهارات واتباع نظام غذائي وفقاً لمعيار RDA الذي وضعته أمريكا في العام 1989م.
* كيف تنظرين إلى عمليات شفط الدهون التي يقوم الكثيرون باللجوء إليها؟
- هناك بعض المصابين بالسمنة غير الطبيعية، وفي الغالب لا تكون ناتجة عن الأكل فهي نتيجة تناول أدوية معينة مثل الكورتيزون الذي يستعمل مهدئاً نفسياً أو نتيجة عوامل وراثية وهي أصبحت من صفات المصاب وليس من السهل التعامل معها وهذه الحالة هي التي تتطلب شفطاً للدهون يتبع بعدها المصاب حمية تستمر معه بقية عمره وبصفة عامة هي عملية أرى أنها مناسبة في الحالات المستعصية.
* وما ذا عن تدبيس المعدة وربط عنق المعدة؟
- ربط المعدة لا أراه مفيداً وقد ينشأ ما يسمى بالمعدة الثانية وهي اتساع المريء ليستوعب كميات الأكل الزائدة عن قدرة المعدة.
* بصفتك تعملين الآن بمستشفى خاص بالنساء والولادة ماذا تحتاج المرأة الحامل تحديداً؟
- هناك مفاهيم خاطئة أولها أن المرأة تحرص على زيادة كميات أكلها بحجة أنها توفر مزيداً من الغذاء لمولودها وأنها لا تتمشى بسبب فهمنا الخاطئ لإمكانية الحركة بالنسبة للحامل فكثيراًِ ما يقولون أن الحامل يجب ألا تتمشى، فتراكم الدهون عند الرحم قد يؤدي إلى وفاة الطفل عند الولادة بل إن احتمالات حملها تكون بالأساس ضعيفة فلابد للمرأة أن تراعي أساليبها الغذائية محافظة على نفسها وجنينها وشكلها بعد الولادة، فهي إن أفرطت في الأكل في هذه المرحلة تزداد عندها الخلايا الدهنية فتحتاج بعدها لكميات أكل أكبر تؤثر على وزنها.
* هل هناك أسباب علمية تتيح للحامل أن تأكل كميات أكبر لتغذية جنينها؟
- بالعكس فالكميات الزائدة قد تؤثر على الجنين، وهناك أنواع من الأكل يمكن أن تغذي جنينها وتحافظ على وزنها.
* أخصائيو الاجتماع يقولون إن السمنة أحد أسباب الطلاق ما رأيك، وما أسباب زيادة أوزان النساء بعد الزواج؟
- على الرغم من أن هذا ليس اختصاصي إلا أنني أوافقهم فالمرأة لا تهتم بنفسها بعد الزواج ما يعرضها لزيادة الوزن، وألاحظ أن هناك مستويات مناسبة من الوعي لدى النساء بالأمر، فقد قابلتني أثناء عملي حالات متعددة لنساء في الخمسين ومازلن يهتممن بأوزانهن.