يمضي الوقت سريعاً، واللبنانيون ما زالوا إلى اليوم غير قادرين على تسمية رئيسهم القادم بتوافق بين كل الفرقاء، وكأنهم لا يدركون أن البديل في حال فشلهم بتأمين هذا الاستحقاق سيكون بملء الفراغ برئيس للموالاة ورئيس آخر للمعارضة، ومجلس وزراء لكل من الجانبين، فضلاً عن تلويح الرئيس الحالي بأنه سوف يسلّم مهامه الرئاسية لقائد الجيش إن لم يتفق الجميع على رئيس يتم انتخابه وفقاً للدستور، بمعنى أن نية الفريقين تتجه نحو خلط الأوراق بأكثر مما هي عليه الآن، وبالتالي إقفال أي فرصة يمكن أن تكون متاحة للخروج من هذا النفق المظلم.
* * *
وبذلك لن يكون أمام الأشقاء اللبنانيين - وقد ضاقت الفرص أمامهم - المزيد من المهل لمعالجة أوضاعهم بعد أن فرطوا في كل المبادرات النزيهة، وبخاصة أن التهديد والتهديد المضاد من طرفي النزاع، إنما يعقِّد المشكلة بأكثر من أن يسمح باختراقها بحلول تكون مقبولة ومفيدة وغير ضارة، وهو ما لا يجهله من يرفضون التجاوب مع الآراء البناءة لإنقاذ لبنان مما يمر به من غليان يؤذن بأخطر وأفدح المشكلات التي لن يكون بمقدورهم مواجهتها والخروج سالمين منها.
* * *
ومن غير شك، ودون أدنى تردد، فإن قول هذا الجانب أو ذاك بأنه يسعى بمواقفه المتشددة لحماية لبنان والدفاع عن حقوقه المشروعة، ورمي المسؤولية من كل طرف على الطرف الآخر بما كان سبباً بما آل إليه الوضع في لبنان، فإن مثل هذا القول لأي من الطرفين إنما يحتاج إلى دليل بالأفعال لا بالأقوال، وأولها التوجه نحو خيار اتفاق الأطراف على صيغ حقيقية للحل لا يكون فيه غالب أو مغلوب، فالغلبة ينبغي أن تكون أولاً وأخيراً لما يعزّز وحدة واستقرار لبنان ويوفر الأمن والسلام لمواطنيه.
* * *
والذي يتابع التطورات الخطيرة المتسارعة في لبنان، وبخاصة بعد استشهاد رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، يدرك أن أعداء لبنان في الداخل والخارج لا يسعون في الحقيقة إلى تأمين الأمن والسلام والاستقرار للبنان وشعبه، وإنما هم بممارساتهم ومواقفهم إنما يضمرون الشر له ويبيِّتون ما يمحق استقرار هذا البلد الجميل ويلحق أشد الضرر بمواطنيه، وإلا لو كانوا بغير هذه الصورة لما مارسوا هذا العناد ورفضوا كل الحلول المتاحة للخروج بلبنان من أزمته المستحكمة.
* * *
ولطالما نادى الغيورون على لبنان، المتعاطفون مع مواطنيه، جميع اللبنانيين إلى التفاهم على قواسم مشتركة تخدم الجميع ولا تستثني أحداً منهم وفي طليعة هؤلاء المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين التي تمثَّل جهدهما بالوساطات، وعقد الاجتماعات، وندب الوسطاء، وتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي، والوقوف بمسافة واحدة من جميع الفرقاء، إلا أن اللبنانيين - مع شديد الأسف - لم يصغوا إلى الموقف السعودي الذي يتميز عادة بالحكمة والعقل والحرص على مصلحة اللبنانيين، وإلا لما كان حال لبنان واللبنانيين كما هو عليه الآن.
* * *
ولعله من باب التذكير ليس إلا، أن نقول للبنانيين بمحبة صادقة، إن الأيام القليلة المتبقية التي تسبق موعد الاستحقاق الرئاسي الأول في لبنان، تتطلب من جميع اللبنانيين مسيحيين ومسلمين موقفاً شجاعاً يغلِّب المصلحة العليا للبنان على ما عداها، حتى ولو تطلب ذلك شيئاً من التنازلات والتضحيات، وبمثل هذا الموقف يكون الانتصار لا الهزيمة للجميع ومن دون استثناء، فالجرح بهذا النزيف الدامي المستمر لن يسلم منه أحد، ولن يكون أي من الفرقاء قد تجنب آثاره المدمرة.
* * *
إن أمام لبنان إذا ما تم اختيار الرئيس الجديد بحسب ما ينص عليه الدستور، وهو ما نتمناه، فرصة الانتقال الهادئ إلى التشكيل الوزاري الجديد الذي ليس للمجلس الحالي من بديل بتشكيل وزارة جديدة قبل أن يكون رئيساً لبنانياً جديداً قد تم انتخابه حسب الدستور أو بالتوافق والرضا والقبول من جميع الأحزاب اللبنانية سواء ما كان منها منضوياً في 14 آذار أو 8 آذار، وإذا لم يتم ذلك فإن الخيارات المطروحة من الطرفين ستكون مفتوحة، وبالتالي فإنها سوف تحمل المزيد من التكريس لحالة التمزّق التي يمر بها لبنان، بل وربما بمضاعفات أكثر خطورة وأصعب على الحل مستقبلاً.
* * *
فلعل الأشقاء اللبنانيين يضعون أيديهم هذه المرة على الجرح النازف، ويتصرفون بحكمة وعقل، ويتعاملون مع المتغيِّرات الدولية والإقليمية والمحلية بما يملي عليهم أخذ الموقف الصحيح والسليم، وبهذا يجنبون لبنان الجريح ما هو موعود به من دمار وفوضى وعدم استقرار إن استمر التجاذب والاختلاف على ما هو عليه فيما بينهم.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244