تشهد حلب ثاني أكبر المدن السورية وأحد أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم نهضة لتجديد العاصمة التجارية القديمة التي كانت مبانيها الرائعة تنافس ذات يوم تلك الموجودة في إسطنبول في العهد العثماني. وترصع التحف المعمارية الخلابة والحمامات والمدارس والقصور والكنائس والمساجد شوارع حلب لتجعلها أحد أكثر المواقع التاريخية ثراء في الشرق الأوسط. ويجلجل صوت الأذان في الجامع الكبير الذي تم تجديده حديثاً كما كان يجلجل في القرن الثامن.
وتباع في الأسواق المسقوفة المتشعبة التي يرجع تاريخها لأربع آلاف سنة البهارات وصابون الغار الشهير الذي يعد من العلامات المميزة للمدينة والمنسوجات العتيقة التي كانت أوروبا تهيم بها دوماً لكن الحال لم يكن هكذا دائماً.
عندما عاد المهندس المعماري عدلي قدسي إلى مدينته حلب في سبعينيات القرن الماضي راعه منظر الجرافات التي تسوي مناطق بأكملها بالأرض داخل جدران المدينة القديمة لتشييد طرق جديدة.
وقال قدسي (منازل قديمة جميلة بشكل مذهل عمرها 700 عام دمرت. من أجل السيارات أقاموا شوارع مما أدى إلى تدمير قطاعات كبيرة من العمارة القديمة).
وكان رد فعل قدسي هو تشكيل مجموعة من النشطاء لوقف خطط تدمير مزيد من المباني في المدينة القديمة. وقال قدسي (كان أمراً كارثياً لكننا أوقفناه).
وبعد مضي ثلاثة عقود لا يزال التمويل الدولي يتدفق على حلب وأعلنت أحد مواقع التراث العالمي من قبل اليونسكو. لكن لا يزال هناك الكثير من العمل يتعين إنجازه. فهناك أجزاء قديمة في حلب فقدت طابعها العالمي الذي كان يميزها ذات يوم بسبب التوسع الاقتصادي في سبعينيات القرن الماضي. ودمر نحو خمس المدينة القديمة لإفساح المجال لإقامة الطرق.
وسكان الأحياء التاريخية غادروها عندما وجدوا أن بنايات جديدة شاهقة أصبحت تطل على أفنية منازلهم.
خرائط
على الكمبيوتر
ويستعرض قدسي خرائط على الكمبيوتر لخطة أساسية تحدد ما يصل إلى 2000 منزل من بين عشرة آلاف منزل عربي الطراز تحتاج إلى إصلاح عاجل. ولن يسمح بسير السيارات في أجزاء من المدينة القديمة مثل الطريق الدائري حول القلعة الأيوبية حيث اكتشف معبد للحيثيين في الآونة الأخيرة.
وقال قدسي إن الأولوية حالياً هي استكمال تجديد أنظمة الصرف الصحي والمياه وما يشوبها من تسرب التي أقامها العثمانيون والفرنسيون في مسعى للحيلولة دون إلحاق مزيد من الضرر بالمنازل والأماكن الأثرية القديمة.
وتشهد البنية الأساسية أعمال تجديد وإعادة بناء حيث تم إصلاح أكثر من 60 بالمئة من نظام المياه والصرف الصحي وتحديث خدمات الهاتف والكهرباء في بعض المناطق.
التجديد في المباني القديمة
ويشرف خبراء ألمان على تجديد دير الشيباني الكاثوليكي الذي يرجع إلى القرن التاسع عشر وأوشكت مشروعات لتجديد القلعة المشيدة على طراز العصور الوسطى على الانتهاء.
ويأتي التمويل الأجنبي من ألمانيا ومؤسسة أغا خان للثقافة في لندن والصندو ق العربي الاقتصادي الاجتماعي، كما تبنت الحكومة السورية قضية الحفاظ على المدينة القديمة.
وقال المهندس الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة (الإنجاز الأكبر لسنوات من الكفاح والكدح هو حقيقة أن تحويل حلب القديمة والحفاظ عليها أصبح عملاً روتينياً للحكومة المحلية. هناك تحول بنحو 180 درجة).
ويستمتع السياح بجمال مدينة حلب الواقعة في السهول الشمالية التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد. والمدينة التي استولى عليها الإسكندر الأكبر والقائد الأسطوري صلاح الدين الأيوبي تغلبت على محن مثل الكوليرا والزلازل.
ومن المتوقع أن يجتذب هذا العمل السكان للعودة مرة أخرى إلى المدينة القديمة التي كان يقطنها 300 ألف شخص في الأربعينيات من القرن الماضي ولا يقطنها حالياً سوى ثلث هذا العدد.
أسعار العقار
ويقول محمد فوزي وهو مهندس مصري إنه اشترى منزلاً بفناء قرب القلعة يعود عمره إلى 700 أو 800 عام مضت مقابل 50 ألف دولار منذ سنوات وقام بتجديده.
وقال فوزي: (متى عشت في منزل عربي لا تريد العيش في أي مكان آخر على الرغم من المعاناة للعثور على الحرفيين القادرين على القيام بأعمال الترميم والتجديد). وتابع: (الأسعار تضاعفت منذ ذلك الحين لكنها (المنازل) لا تزال تمثل صفقة. وأعمال الترميم والتجديد معقدة).
بعض المنازل استخدم فيها الكثير من الأسمنت ليحل محل الأسطح القديمة الطيعة المصنوعة من الحجر الجيري التي مكنت حلب من تجاوز زلازل بسلام.
وقال فوزي: (لا توجد مساعدة فنية كافية للمساعدة في تجديد المنازل القديمة. لكن ما من شك أن هناك شعوراً بالتحسينات في حلب).
وشهد الحي المسيحي خارج أسوار المدينة أيضاً نهضة وتمتزج فيه الفنادق والمطاعم في إطار أحياء شملها التجديد. وأحد المنازل تم تحويله إلى مكتب فني تابع لقدسي ويفد إليه مهندسون سوريون وغربيون من الراغبين في التخصص في عملية ترميم القديم والحفاظ عليه من أجل التدريب.