* هوليود - محمد رضا
في سعيه للبحث عن نفسه في إطار الدراما والابتعاد، ولو جزئياً، عن تلك الهزليات التي يقوم بها، ارتطم أدام ساندلر بهذا الفيلم ووجد فيه ضالّته. ليس لأنها المرّة الأولى التي يمثّل فيها ساندلر دوراً درامياً. بعضنا قد يتذكّره في فيلم Punch- Drunk Love آخر أفلام بول توماس أندرسُن الروائية الطويلة لليوم 2002) حيث لعب شخصية رجل وقع في حب امرأة غريبة الأطوار ما يقوده إلى مجابهة مؤسسة أفلام بورنو. لكن أحكمني (والعنوان مأخوذ عن أغنية بنفس الاسم لبيت تاونسند نسمعها قبل نحو نصف ساعة من نهاية الفيلم) هو أقصى الدراما بالنسبة إليه، وشكله فيه جديد مختلف عن شكله في الفيلمين المذكورين.
مع العناوين نرى شبح رجل على درّاجة وقوف (إلكترونية بلا مقعد يقودها راكبها وقوفاً) يجول بها في المدينة. بعض المشاهد نهارية وبعضها الآخر ليلية كما لو أنه لا ينام بقدر ما يتهادى فوق شوارع مدينة. نيويورك، لكنها لا تبدو بنفس ملامحها كما يراها دائماً وودي ألن ومارتن سكورسيزي. نيويورك مايك بِندر قريبة من نيويورك جون كازايتيز. حزينة (ولو ملوّنة عكس نصف أفلام كازايتز عنها). وما يجعلها حزينة في مطلع الفيلم هو تصوير رائع من رَس ألسوبروك (دجيتال متحوّل إلى 53) ولاحقاً شخصيات الفيلم التي تبدو كما لو كانت تعيش في صناديق زجاجية تتكسّر سريعاً عند أي شرخ، كما أن حقيقة الفيلم يدور في سماء ما بعد مأساة 11 سبتمبر مختاراً نموذجاً مختلفاً من الضحايا. الضحايا التي بقيت حيّة مع ذكرياتها بعد المأساة.
مشاكل عائلية
الرجل على الدرّاجة هو تشارلي فاينمان (ساندلر)، يهودي ماتت زوجته وبناته الثلاث بين من مات في مأساة إحدى طائرات 11-9 فانغلق على نفسه وكوّن عالماً صغيراً لنفسه لا يخالط أحداً فيه. ذات يوم يراه طبيب الأسنان جونسون (دون شيدل) وكانا قد اشتركا في الغرفة خلال دراستهما الجامعية قبل أكثر من ثلاثة عشر عاماً. تشارلي لا يتذكّره في البداية ويحاول العودة سريعاً إلى عالمه. بعد قليل يتّسع هذا العالم لهما معاً. في عيادته يواجه جونسون، وهو أفرو أمريكي مشكلة زبونة بيضاء جميلة (سافران بوروز) تنشأ علاقة بينهما، وفي البيت تزداد الفجوة التي أحدثها انشغاله بصديقه تشارلي بينه وبين زوجته (جادا بينكت سميث) اتساعاً.
جونسون يحاول فعلياً إخراج صديقه من عزلته متحمّلاً عدم ثقته به وحدّة طباعه، لذا يعرّفه على الطبيبة النفسية أنجيلا (لِف تايلر) التي تحاول مساعدته هي الأخرى. كل ذلك لا يمنع دخول تشارلي في متاهة جديدة تدفعه لمحاولة الانتحار. حين لا يجد رصاصاً لحشو مسدّسه، يهدد رجل بوليس على أمل أن يطلق عليه هذا النار. بعد ذلك، يسقط الفيلم في زلاّت البحث عن النهاية المناسبة ولا يجدها. ما يفعله هو محاولة استخراج وضع سعيد، أو على الأقل، متفائل، من وضع ساد معظم الفيلم كان المخرج أسسه بنجاح والتقط فيه لحظات حميمة وأحياناً مؤثرة من حياة شخصيات عادية.
استبعاد الحدث عن الذاكرة
علاقة الفيلم بـ11-9 لا تخلو من بعض الغرابة. هناك حرص على عدم ربط مأساة تشارلي بمأساة 11-9 إلى أن يتم ذكر ذلك التاريخ مرّة واحدة في منتصف الفيلم. بل وفي احد المشاهد يكتفي جونسون، وهو يشرح حالة تشارلي للطبيبة بقوله: (لقد خسر عائلته بحادث طيّارة). لِمَ لم يقل مثلاً: (لقد خسر عائلته في الطائرة التي سقطت في 11-9؟ هل هي محاولة المخرج تعميم الخسارة الفردية بحيث أن فعل الخسارة هو الأهم، أم أن القصد هو القول ان النيويوركيين إنما باتوا أكثر رغبة اليوم في تحاشي ذكر ذلك اليوم في محاولة لاستبعاده من الذاكرة؟
علي أن أعترف أن هذه هي المرّة الأولى التي أتابع فيها تمثيل ساندلر بإمعان، وأحياناً بإعجاب. ليس لديه ما هو باطني لكن ما يبديه جيّد ومناسب. لكن التمثيل الأفضل لا يزال آت من دون شيدل الذي يثير الإعجاب أساساً بسبب قدرته على هضم الحدث داخلياً ثم ترجمته توتّراً منطقياً ومحسوباً على السطح. أما الشخصيات النسائية فأفضل ممثلاتها جادا بينكت سميث وهي ذات الحجم الأكبر بين ممثلات الفيلم الرئيسيات الثلاث. المخرج ليس لديه وقت حقيقي يوفّره لسافرون بوروز ولِ.تايلر فيبقيان في الخلفية حتى حين يطلب منهما تفعيل الحدث إلى الأمام.
أدام ساندلر
ولد أدام ساندلر في التاسع من أيلول سنة 1966 في بروكلين، نيويورك وأصبح كوميدياً على منصّات المسارح المتخصصة وهو في السابعة عشرة من عمره. في العام 1991 تخرّج من جامعة نيويورك وانضم إلى برنامج استعراض ثم إلى برنامج (سترداي نايت لاي) الذي تخرّج منه عدد كبير من الكوميديين الذين انتقلوا إلى السينما ومنهم إيدي مورفي، وجاك بلاك وِل فارل وكريس قطّان، من بين آخرين. باشر التمثيل للسينما بأدوار مساندة في مطلع التسعينات، ثم بأدوار بطولة بدءاً من (غيل مور السعيد) إنتاج عام 1996 وبالساقي عام 1998. أما أنجح أفلامه تجارياً إلى اليوم فهو (الأب الكبير) ومن أفلامه الأخرى أطول ملعب وبإدارة الغضب وبمستر ديدز.
دول شيدل
هذا الممثل الأفرو أمريكي من مواليد كانساس سيتي بتاريخ 29-11-1964. لديه شهادة في الفنون العالية وفي السينما منذ الثمانينات حين لعب دوراً رئيسياً في همبرغر هيل، أحد الأفلام التي دارت حول الحرب في فيتنام. في تلك الآونة، وحتى منتصف التسعينات، كانت أدواره دائماً ثانوية وصغيرة فهو في عداد ممثلين الشيطان في ثياب زرقاء الذي قام دنزل واشنطن ببطولته ومن عداد ممثلي روزوود الذي تقاسم بطولته جون فويت وفينغ رامز ومع وورن بيتي في بولوورث. طابع دون شيدل الخاص أخذ يتأكد من العام 2001 مع فيلم أوشن 11 وبعده في أوشن 12. لكن الدور الأهم له إلى الآن كان في هوتيل رواندا قبل عامين حين لعب شخصية مدير الفندق الذي يأوي إليه هاربين من المذبحة خلال الحرب الأهلية.