|
مجلة الجزيرة كما هي وكما نخطط لها
|
أما وأنَّ هذا العدد هو الرابع من "مجلة الجزيرة" التي أطلَّت عليكم دون أن يكون هناك إسناد تسويقي مسبق لصدورها..
وأنها صدرت دون كلمة عن هويتها، وبلا إفصاح عن الهدف من إصدارها فضلاً عن عدم معرفتكم ربما لما نخططه لمستقبلها..
***
في ضوء ذلك فإن عليَّ أن أسرع لأقول لكم..
لقد ملَّ القراء من الادعاء الذي تمارسه الكثير من الصحف مع كل خطوة هامشية من خطواتها..
ولا نريد للجزيرة الصحيفة أو المجلة أن تصنف ضمن منظومة هذه الصحف فيما لو قامت بمثل هذا التوجه..
***
وأننا لهذا آثرنا إصدارها دون أن يسبق ذلك ما اعتيد عليه من عمل دعائي مسبوق لمثل هذا الإصدار..
وفضلنا أن تكون المجلة بمضمونها وشكلها بمثابة الإعلان عنها والمسوق لها وأن يقتصر التنويه عن إشهارها على الأهم وفي أضيق الحدود..
ولا بأس أن أشير الآن مع صدور العدد الرابع من مجلة الجزيرة إلى:
أنَّ فكرة المجلة أن تكون منوعة ورشيقة وذات طابع علمي توثيقي..
وأن تجمع مادتها بين الجديَّة والإثارة معاً.. مع التزام بالصدق والموضوعية.. وأن يصاحب ذلك التقاط الغريب والتفتيش عن النادر والتنقيب عن الجواهر من بين هذا الكم الهائل من المواد الصحفية..
مع التأكيد على أن تكون مجلتكم جديدة في فكرتها ومواضيعها.. مختلفة عن غيرها من حيث الإخراج وتصميم الغلاف وحتى في صياغة المادة وكتابة العناوين..
وأن تبتعد مجلة الجزيرة عن القضايا والموضوعات المحلية مما هي مادة يومية مستهلكة ومكررة في صحفنا المحلية.. ومن ذلك تلك التي لا تمثل جديداً أو انفراداً للمجلة فيما لو نشرت فيها..
***
هذه بعض ملامح مجلة الجزيرة وليس كلها..
نحاول من خلال إصدارنا لها أن نرسخ قواعد وأصول المهنة...
وبالتالي تقديم أفضل خدمة صحفية لقرائنا..
ضمن تخطيط مستقبلي أفضل لهذه المجلة..
إنه هاجس الزملاء وهاجسي أيضاً..
***
وبكم..
ومعكم..
ومن أجلكم..
سيظلُّ شعارُنا:
الجزيرةُ تكفيك..
+
خالد المالك
|
|
|
شعوب 16 دولة يطرحون تصوراتهم حول سياستها أمريكا في عيون العالم "22" يسبّونها في المظاهرات ثم يصطفون أمام سفاراتها للحصول على تأشيرات دخول
|
لماذا يكرهوننا ؟ تساؤل طرحه رئيس الولايات المتحدة الامريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر وتدمير برجي مركز التجارة العالمي. والتساؤل نفسه ردده كتاب ومفكرون وسياسيون امريكيون.
ولكن كيف أجابوا عن السؤال ؟
يرى كثير من المراقبين ان إجابة الامريكيين على هذا التساؤل الكبير جاءت برؤية أحادية ومتيسرة تختزل قضايا مركبة ومعقدة وتضعها في عبارات بسيطة.
فالرئيس بوش مثلا اختزل الأمر في جملة عاطفية فقال: "إنني مندهش، هؤلاء الناس يكرهوننا، ولكنني مثل معظم الامريكيين لا أستطيع تصديق ذلك لانني أعلم إلى أي مدى نحن طيبون!!
فعلى الرغم من ان المشاعر السلبية في العالم تجاه الولايات المتحدة لم تكن وليدة المعالجات المغلوطة في حرب ضد ما يسمى "الإرهاب" الا ان الساسة الامريكيين والإعلام الامريكي يصرون على ان كل شيء يبدأ من صبيحة الحادي عشر من سبتمبر، وان كل ما تفعله امريكا له مسوغات، وان واشنطن لا ترى للعالم الا ما تراه، ما يعني تغييب الآخر، والتراجع عن القيم والمبادئ والمصطلحات التي ظلت امريكا تروج لها وتسوقها .. من ديموقراطية، وتعددية، وليبرالية، وحقوق الانسان والنظام العالمي الجديد الذي تستطيع الشعوب المظلومة ان تنال في ظله حقوقها المشروعة.
لقد كانت أحداث 11 سبتمبر فادحة ومفجعة،غير ان المراقبين يرون ان انعكاسات الحرب المستمرة المترتبة على تلك الأحداث وعدم وضوح أبعاد هذه الحرب ولا مداها، تحرك في نفس شعوب كثيرة (رواكد) فتشحذ مرارات لا تأخذها الدوائرالامريكية في الحسبان عبر محاولة الاجابة على تساؤل : لماذا يكرهوننا ؟
هذا الاستطلاع البانورامي الذي أجرته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور يقدم آراء ونماذج مختلفة من مجتمعات تمتد من كولومبيا إلى الفلبين ومن أوربا إلى الشرق الأوسط . ربما كان هذا أكثر الاستطلاعات الصحفية شفافية لأن الآراء التي طرحت غطت زوايا عديدة ودافع البعض عن النموذج الامريكي وأسلوب الولايات المتحدة في ادارة العالم.
تفصل جويس نجيري رأيها في الأمريكان قائلة: الأمريكيون يعرفون ما يريدون ولا يستطيع الآخرون أن يعلموهم الكثير في هذا الصدد. إنهم يريدون الحدالأدنى. فهم لديهم القدرة على التصرف كما أنهم يمتلكون أفكارا كبيرة وجيدة. وتعتقد نجيري أن أمريكا كدولة على نفس الشاكلة إلى حد كبير. وتضيف: ولكن لدي سؤال: إذا كان الأمريكان يمتلكون مثل تلك الأفكار الجيدة. لماذا يقومون بقصف غيرهم كما تم قصفهم هم أنفسهم من قبل؟
أما ناميزي خبير الكمبيوتر فهو أقل تحمسا إذ يقول: أعتقد بلا شك أن الولايات المتحدة دولة مستبدة على الضعفاء، فهي تنظر إلينا بازدراء. وهي تعتقد أن الطريق الذي تسلكه هو الطريق الأوحد.
ها هي استراحة الغداء قد انتهت وتسير ريسلي على أرضية المصنع تلوح بيديها يمنة ويسرة. ويقول ناميزي صحيح أن جاكى أمريكية وصحيح أنها تمتلك أمارات الرئاسة ولكننا وقّعنا بالموافقة على العمل معها بما يعني أننا قبلنا ذلك. ولكن لا كينيا ولا أي دولة أخرى وقَّعت بالموافقة على العمل لدى الولايات المتحدة وهذا أمر مختلف.
تناقض الأحاسيس
وفي مكان آخر من العالم أيضا يتفق الناس حول أمريكا فعندما أراد السياسي الهندي جاريم راميش وضع عنوان لحديثه الذي ألقاه منذ ثلاث سنوات في تجمع آسيوي بنيويورك أسماه: يانكي عد لبلدك ولكن خذني معك.
الطلاب الصينيون لا يخجلون من الاحتجاج على سياسات الولايات المتحدة ولكن في الشهر قبل الماضي شهدت بكين مظاهرة خارج السفارة الأمريكية كانت تجرجر أذيال التهكم: فخريجو الجامعات كانوا يطالبون بتأشيرات أمريكية.
إن الدور الدولي للولايات المتحدة دور بدائي، فهو دور سلبي جدا.. هذا ما قالته فينج ما المرأة المتظاهرة الشابة التي فازت بمنحة دراسية كاملة للدراسة بجامعة فلوريدا بعد فترة إعداد لها دامت خمس سنوات. وتضيف: ولكني أرى الأفراد على نحو منفصل. فأصدقائي يعيشون حياة ميسورة الحال في ميتشيجن فهم يعملون بجد وحققوا في سنة واحدة ما يستغرق تحقيقه هنا ثلاث سنوات.
وتضيف: ربما نكره الولايات المتحدة عندما تبدو غير مهذبة مع الصين ولكننا مع ذلك نتوق إلى الذهاب إلى هناك.
وليس من الصعب العثور على أناس في أي مكان في العالم لديهم الاستعداد للتعبيرعن إعجابهم بالقيم والمثل خاصة في الدول التي تكون مثل تلك القيم فيها غيرموجودة رسميا.
نعم أمريكا ترغب في عمل أشياء جيدة للعالم وترغب في نشر الديموقراطية.
هكذا تحدث يانج تشو بائع البرمجيات و هو يقرأ جرائد السبت أثناء احتسائه لفنجان من القهوة في محل ستاربيوكس في قلب العاصمة الصينية بكين. ويضيف: آمل أن تتحلى الصين بالمزيد من الديموقراطية على النسق الأمريكي.
أدراج الرياح
في أوروبا الشرقية أيضا هناك الكثير من الأفراد من متوسطي العمر الذين خبروا الحياة في ظل الشيوعية ممتنون للولايات المتحدة لدورها في إسقاط الامبراطورية السوفييتية. ولكن هذا الامتنان آخذ في التراجع والانحسار.
يقول فلاستيسلاف فيسريليك المراقب الجوي السابق الذي مر بأوقات عصيبة وضع نهاية لها فقدان وظيفته بعد ثورة فيلفيت التشيكوسلوفاكية: لقد اعتدت أن أنظر إلى أمريكا في إجلال ولكن مؤخرا أصبحت غاضباً على السياسات الأمريكية.
ويشكو قائلا لقد وعدونا بجنة الدنيا على حد تعبيرهم ولكن بدلا من الجنة لم نحصل سوى على الفتات لقد كنا نعتقد أن أمريكا تختلف عن الاتحاد السوفييتي ولكن الحقيقة أن كل القوى العظمى متشابهة.
أثناء زحف مياه الفيضان الرمادية نحو باب مطعمه الكائن ببراغ ألقى الجرسون جيري كولار باللائمة على أمريكا. حيث قرر: ان الفيضانات التي تعد الأسوأ في تاريخ المدينة ناتجة بشكل واضح عن ارتفاع حرارة الكوكب والكل يعلم ذلك.
وتوقع قائلا: إذا لم تكف الولايات المتحدة عن عاداتها السيئة الملوثة للبيئة فسوف تحل علينا جميعا الكوارث. إنني غاضب جدا من جورج بوش بسبب رفضه اتفاقية كيوتو. إن الأمريكان يفكرون في أنفسهم فحسب.
المسافة بين الكراهية والحسد
هذا النوع من التعليقات لا يجدي نفعا مع جان أربان المعلق بالخدمة التشيكية براديو أوروبا الحرة الذي تموله الولايات المتحدة. وهو يسخر قائلا: هناك أناس الآن في هذه الدولة يعتقدون أن أي شيء تفعله الولايات المتحدة يجب أن يكون شرا. ولكن عندما يحتاج نفس هؤلاء الناس إلى مساعدة فسوف يطلبونها من الولايات المتحدة.
ويضيف: إن النزعة المعادية لأمريكا هنا لا تتخذ شكل الكراهية بقدر ما تتخذ شكل الحسد، إنها علاقة الأب بطفله، الطفل يريد أن يكون مسموع والأب دائما مشغول.
وعلى هذا يقرر أربان أن العالم أحيانا ما يستشعر الحاجة إلى القيادة الأمريكية. كما يستشعر التعلق بالمنتجات الأمريكية.
طيبة عبد الرحمن أم خليجية شابة تقضي عطلة هذا الصيف هي وعائلتها في تركيا بدلا من أمريكا التي غالبا ما كانت تقضي فيها عطلة الصيف من قبل تقول طيبة وهي تتناول طعام غداءها بمطعم في أكميركيز ذلك السوق التجاري الكبير في أسطنبول الذي يجتذب الطبقات الغنية و الميسورة من جميع أنحاء العالم الإسلامي لن أذهب إلى أمريكا الآن لا أريد أن أعامل كما لو كنت مجرمة. ونتيجة للإحباط من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والقلق من الطريقة التي تصم بها أمريكا المسلمين بالشر منذ أحداث سبتمبر أصبح كل من طيبة وزوجها محمد جزءا من الحملة الشعبية في وطنهما لمقاطعة البضائع الأمريكية.
وعلى الرغم من أنهم قد تخطوا سلاسل المطاعم الأمريكية الخمسة إلى الغداء في مطعم أكمركيز الشاسع مفضلين بذلك الطعام الشرق أوسطي إلا أنهما قالا إنهما يأسفان لعدم نجاحهما في الإقلاع عن شرب المشروبات الغازية الأمريكية التي يشربها أطفالهما مع الأرز والباذنجان المطبوخ.
سمات وخصائص
المثير للسخرية في الأمر أن الأمريكيين أنفسهم هم الأكثر ارتيابا في سمات وخصائص دولتهم بينما يرى الأجانب أن هذه السمات أفلامها فضلا عن سلعها وبضائعها الاستهلاكية وثقافتها على أنها الأفضل. لقد كشف استطلاع المونيتورالسابق الإشارة إليه أن الأمريكيين يشعرون بمشاعر غامرة بأن الولايات المتحدة كان لها تأثير إيجابي على الحرب ضد الإرهاب أو أنها قد رفعت من شأن الاقتصاد العالمي، ولكنهم اختلفوا حول تأثيرها الثقافي العالمي، فقد اعتبر 47 بالمائة أن هذا التأثير كان تأثيرا إيجابيا، في مقابل 44 بالمائة يعتقدون أن هذا الأثر كان سلبيا.
ويعد السيد عبد الرحمن واحدا من المندهشين الكثيرين في الشرق الأوسط والذين لايصدقون أن أسامة بن لادن هو المسؤول عن الهجوم على البرجين فهو يعتقد أن إسرائيل والحكومة الأمريكية قد دبرتا هذه الكارثة بغرض إيجاد المبرر لشن الحرب على العالم الإسلامي.
وعلى الرغم من هذا الضرب من النقد المصوب إلى الولايات المتحدة يمكن القول إن عدد الدول الصديقة لحكومة الولايات المتحدة قد زاد عما كان عليه الوضع أثناء الحرب الباردة كما أن الكثير من هذه الدول قد تبنى عقيدة الرأسمالية الديمقراطية المتحررة التي كانت تعمل أمريكا بكامل طاقتها على تصديرها للعالم.
لكن تأتي الرياح دائما بما لاتشتهي السفن. خاصة عندما تقوم واشنطن نفسها بالتخلي عن المبادىء التي تسعى لفرضها على الآخرين مثل تحرير التجارة.
أكثر من مكيال
على هدير الريح الثائرة في مصنع سيفرستال للصب في تشيروبوفيتس الواقعة شمالي موسكو بحوالي 25 ميلا أعطى جينادي بوريسوف سيلا من الكلمات حول هذا الموضوع. في مارس الماضي أعلن بوش عن رفع التعريفة الجمركية على واردات الصلب 30% بهدف حماية المنتجين الأمريكيين من المنافسة، وهو ما أدى إلى الإضرار بكل شيء في تشيروبوفيتس بدءا من الشيكات القابلة للدفع للسيد بوريسوف حتى رياض الأطفال المحلية.
وبينما كان اللهب والدخان يتصاعدان من فوهة واحدة من أكبر مصاهر الصلب في العالم كان بوريسوف يمسح العرق المتصبب من على جبينه بكم قميصه المتسخ ثم شكا قائلا: إن أمريكا تريد أن تملي شروطها على العالم أجمع، فالأمريكان يعتقدون أنفسهم قوة عظمى وأن اقتصادهم يسمح لهم أن يقوموا بذلك.
ويلاحظ أن الروسيين الذين اعتادوا من واشنطن إلقاء الخطب و المواعظ المملة حول قيمة الأسواق الحرة وتحرير التجارة يرجعون الإجراءات الحمائية التي فرضتها الولايات المتحدة على واردات الصلب إلى عدم اكتراث أمريكا بالقواعد الدولية ويستشعر الروسيون أن حالة عدم الاكتراث هذه قد تنامت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وعلى سيفرستال الآن أن تسعى إلى إيجاد أسواق جديدة للصلب الذي كانت تخطط لبيعه إلى الولايات المتحدة. وكانت سيفرستال قد تعهدت من جانبها بعدم تسريح أي عامل ولكن في ضوء الخسائر المتوقعة في الأرباح تغاضت عن خططها بشأن رفع الأجور.
وتستشعر المدينة بأكملها التأثيرات الناتجة عن التحول الذي أصاب صناعة الصلب حيث يعمل بهذه الصناعة 45 ألف عامل يشكلون 15 بالمائة من تعداد سكان المدينة لذا كان من الطبيعي أن تشكل الضرائب التي يدفعها العاملون بشركة سيفرستال 80 بالمائة من ميزانية المدينة ولكن بسبب الهبوط في الأرباح هبط عدد دافعي الضرائب من الشركة إلى النصف وذلك حتى النصف الأول من عام 2002 مقارنة بما كان عليه الحال في العام الماضي.
هذا يعني أن البرنامج الذي وضعته المدينة لفطام الناس بشكل بطيء عن العصرالسوفييتي بما ارتبط به من الحصول على المياه والكهرباء مجانا سوف يشهد تسارعا كبيرا، فمثلا نجد أن ثلاثين روضة أطفال كانت تمول من قبل سيفرستال تدار الآن من قبل سلطات المدينة.
تقول أولجا إيزهوفا المتحدثة باسم سيفرستال: نتيجة كل ذلك ينتاب المواطنين شعور بأنهم يدفعون المزيد من النقود للوفاء باحتياجات حياتهم وهي كلها آلام أصابتنا من جراء القرار الأمريكي.
والأمر الوحيد الذي يجعل من الصعب تحمل هذه الآلام هو أن روسيا كانت شريكا متحمسا لحرب واشنطن ضد الإرهاب.إذ تقول الآنسة إيزهوفا: لقد كنا مسحورين في الحادي عشر من سبتمبر. ولكن صدمتنا كانت كبيرة فبعد تلك المأساة وبعد رد الفعل الذي أبديناه تجاهها عندما مد الرئيس فلاديمير بوتين يده إلى أمريكا، اعتقدنا أن ذلك سوف ينتج رد فعل ملائم لقد كان لدينا دواع مشتركة.
وتضيف: وبالطبع تعد التعريفة الجمركية بمثابة شيء صغير مقارنة بأشياء أخرى ولكن ما سمعناه في مارس لم يكن على مستوى موقفنا نحو أمريكا.
ظلال الفضائح
حتى بالنسبة إلى تلك الدول التي ترسخت فيها الرأسمالية فإن بعض الهالة التي كانت تحيط بالطريقة الأمريكية لممارسة التجارة قد انمحت في أعقاب فضائح شركتي إنرون وورلد كوم.
في اليابان على سبيل المثال كان على اليابانيين منذ عشرة أعوام أن ينصتوا إلى أمريكا وهي تقول: نحن نعرف كيف نتقن عمل الأشياء بينما أنتم لا تتقنون ذلك، وذلك على حد تعبير رونالد بافاكو خبير الأسواق المالية بنيويورك الذي عاش في طوكيو لعدة عقود. ويضيف: عندما تفجرت أسواق الأوراق المالية وخرجت هذه الفضائح إلى الوجود اكتشفنا أن أمريكا لم تكن أحسن حالا من اليابان منذ 10 سنوات. واكتشفنا أن كل المبادىء التي كانت أمريكا تعظ بها الآخرين زائفة.
تغيير قواعد اللعبة
من مكتبه الفخم الذي يشرف على إشارة المرور التي تتوسط شوارع بوجوتا أخذ مدير شركة أمريكية للنفط يرقب من خلال زجاج نافذته توجه دورية من جنود الجيش الكولومبي إلى منطقة سكنية غنية قريبة.
كان هذا المنظر يصيبه بالتوتر وهو توتر يكفي لجعله لا يشعر بأي قدر من الأمن، إنه يعلم أنه هدف ثمين للعصابات اليسارية المسلحة خاصة منذ أحداث11 سبتمبر التي وضعته على الخطوط الأمامية لحرب أمريكا ضد الإرهاب.
ويذكر أن كولومبيا قد وقعت في شراك العنف السياسي لأكثر من نصف قرن ويعتبرالثوار اليساريون شركات النفط الأمريكية مجرد لصوص ينهبون موارد الأمة، ولكن أحداث 11 سبتمبر زادت من خطورة الأمر لان الولايات المتحدة أدرجت كولومبيا في إطار حربها الشاملة ضد الإرهاب.
ويرى مدير إحدى شركات النفط في كولومبيا رفض ذكر اسمه أن الهجمات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن قد غيَّرت من قواعد اللعبة، فلم تعد حكومة الولايات المتحدة تشعر بأي تردد في مساعدة الحكومة الكولومبية في حربها ضد المتمردين.
ومن هذا المنطلق قامت وزارة الخارجية الأمريكية بوضع أكبر جماعتين كولومبيتين متمردتين بالإضافة إلى المليشيا العسكرية للجناح اليميني والتي غالبا ما تتعاون مع الجيش على قائمة الجماعات الإرهابية. وفي مطلع هذا الصيف وافق الكونجرس على المساعدة في قتال المتمردين وليس مجرد مساعدة الحكومة الكولومبية في القضاء على تجارة المخدرات التي يربحون منها.
كل ذلك رفع حدة الضغوط وأوجد الحاجة إلى توفيرالأمن ضد المخاطر التي تحيق بالعاملين الأجانب في شركات النفط بكولومبيا، لذا فالمدير الأمريكي يحتاج الآن إلى استخدام سيارة ضد الرصاص يقودها سائق سيارة مدرب على أساليب المراوغة، وعلى هذا المدير ألا يغادر العاصمة إلا نادرا.
ويضيف مدير شركة النفط قائلا: ينتابني شعور بأني محل تقدير من جانب الكولومبيين على ما أفعله، بل أعتقد أن هناك تقديراً أكبر الآن لان الناس هنا ينظرون إليك ويقولون: أنت مازلت هنا على الرغم من كونك أكثر تعرضا للخطر عن ذي قبل.
وحول صورة أمريكا لدى الشعب الكولومبي يقول: أعتقد أن أمريكا في عقول أغلب الكولومبيين تشكل الفتى الطيب، فهي الأخ الأكبر الذي يمكن أن يقدم يد المساعدة لهم عندما تجرحهم أيدي المستبدين.
وعلى الجانب الآخر من العالم، في دولة أخرى سحقها العنف تلقى الحرب التي تشنها أمريكا ضد الإرهاب ترحيبا، ففي الفلبين التي أمضت قوات الولايات المتحدة فيها ستة أشهر من العام الحالي في تدريب القوات الفلبينية المحلية على قتال جماعة أبو سياف. تلك الجماعة المسلحة، كشفت استطلاعات الرأي أن هناك تأييدا شعبيا جارفا للمساعدة التي تقدمها أمريكا للفلبين.
ويؤكد ريتشارد أبتون الأمريكي المقيم في العاصمة الفلبينية منذ فترة طويلة أنه لا يوجد على الإطلاق أي موقف سلبي تجاه تلك المساعدة، فالموقف السلبي تجاه أمريكا في الفلبين يساوي صفرا. فالفلبينيون كانوا ناضجين جدا تجاه هذا الأمر لدرجة مكنتهم من أن يروا أنهم كانوا يحتاجون إلى العون ثم أتت الولايات المتحدة من أجل تقديم هذا العون.
غضب أوربي
أما في الدول التي لم تعان من التعرض مباشرة للإرهاب، والتي تثور فيها شكوك بأن أمريكا تجري وراء مصالحها الذاتية في كل بقاع العالم، نجد أن حجم التأييد للولايات المتحدة فيها يشهد تراجعا وانحسارا واضحا.
ففي أوروبا على سبيل المثال أدى مواصلة واشنطن لحربها ضد الإرهاب في أفغانستان بشكل منفرد، واستعدادها الواضح لشن حرب وقائية ضد العراق بمفردها أيضا إلى وجود شعور بالضيق في جميع أنحاء أوروبا، وهو ما تعكسه كلمات المحلل الفرنسي دومنيك مواسي إذ يقول: إننا لم نعد موضع أهمية على الإطلاق. ويقرر دومنيك أنه يجب على أمريكا أن تعطي ولو انطباعا بأنها في حاجة إلى أصدقائها وذلك بأن تظهر مشاعر التواضع هذا في حالة ما إذا كانت ترغب بالفعل في الحصول على التأييد.
في أبريل الماضي أجرى مركز بو للأبحاث استطلاعا للرأي شمل أوروبا كلها، وقد كشف هذا الاستطلاع عن أن 85% من الألمان و80% من الفرنسيين و73% من البريطانيين و63% من الإيطاليين يشعرون بأن واشنطن تتصرف في حربها ضد الإرهاب لمصالحها الخاصة في الأساس، بينما يعتقد أقل من 20% من الأوربيين أن الولايات المتحدة كانت تأخذ في اعتبارها آراء حلفائها. وتعليقا على نتائج هذا الاستطلاع كتب كينيث بولاك مدير دراسات الأمن القومي بمجلس العلاقات الخارجية قائلا: إن الرؤية الصادرة عن أوروبا تظهر أن ما يبدو للأوروبيين هو أن الحرب الدائرة هي حرب أمريكية ضد أعداء أمريكا وليست كفاحا ضد الشر العالمي.
رؤية ضبابية
وبالإضافة إلى هذه الرؤية والتي تشيع أيضا خارج أوروبا، هناك إحساس سائد بأن بوش لم يقدم للعالم رؤية واضحة حول ما يريد من كل فرد أن يقوم به، بل إن كل ما فعله هو أنه طلب من العالم القتال ضد الشر.
ويشكو ويلفردو فيللاكورتا أستاذ العلاقات الدولية بجامعة دي لاسال بمانيلا من أن الولايات المتحدة خلال مطاردتها لفلول الإرهابيين في كل بقاع العالم، غاب عن ناظريها دورها الأكبر، ألا وهو دورها كزعيمة للعالم. ويقرر ويلفردو أن على الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة تحمل على عاتقها مسؤولية عالمية أن تستخدم منصبها القيادي هذا في مواجهة المشكلات الملحة والتصدي لها من قبيل مشكلات الفقر والتدهور البيئي بالإضافة إلى قيامها بتشجيع تحرير التجارة.
... وللمسلمين أسبابهم
وفي العالم العربي والإسلامي هناك سبب رئيسي هو الذي يجعل الشعوب العربية والإسلامية تريد من الولايات المتحدة أن تلتزم بمتطلبات قيادتها للعالم هو أن تنهي مأزق الفلسطينيين. والقليل من الناس هناك ليس لديهم أي أمل في الإدارة الأمريكية الحالية في هذا الصدد، كما يرى الكثيرون منهم في الحرب ضد الإرهاب حربا ضد الإسلام، بالإضافة إلى أن أي عدوان على العراق سوف يؤدي إلى تعميق الاستياء ضد الولايات المتحدة، وسيكون لهذا الهجوم أثر سلبي، وذلك على حد تعبير الرئيس الباكستاني برفيز مشرف في تصريحاته التي أدلى بها لصحيفة المونيتور .
وفي البلدان العربية والإسلامية أيضا تعتبر فكرة أن أمريكا تمثل الفتى الطيب فكرة مثيرة للضحك، وذلك في ضوء دعم واشنطن القوي لإسرائيل، العدو التقليدي للعرب.
هذا هو حال سيلكوك يلمظ الذي يدير متجرا للتليفون الخلوي بميدان تاكيزم بإسطنبول، إذ يقول: إذا ما تعرض أي مسلم للضرر فإن غيره من المسلمين يصبحون معه في نفس المشكلة وهو يعتقد أن السياسة الحالية للولايات المتحدة تقوم على شن الحرب ضد الشعوب المسلمة.
حان وقت الإصغاء
معربا عن قلقه بشأن هذا التصور الذي يراه خطيرا يقول مصطفى الفقي رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان المصري: على الأمريكيين أن يتحدثوا أكثر إلى العالم كما عليهم أن يتحدثوا أكثر إلى العرب والمسلمين. نحن نريد أن يعرف رجل الشارع العادي في العالم الإسلامي أن الأمريكان ليسوا ضد دينه.
ويشعر ديفيد ويلش أن المسلمين غاضبون من الأساس، ففي عام 1979 كان ديفيد ويلش يعمل دبلوماسيا في سفارة الولايات المتحدة في إسلام آباد، ويشير إلى أن مجموعة من الباكستانيين قاموا بالاعتداء على مجمع السفارة الأمريكية فأضرموا فيه النار باستخدام جازولين أتوا به من حوض أحد المحركات. ولمدة 6 ساعات كان ديفيد ويلش ومائة من زملائه يرتعدون خوفا في سرداب مصفح كان موجودا بالسفارة وفي النهاية تم إنقاذه.
ويتذكر ويلش الذي يعمل الآن سفيرا للولايات المتحدة في مصر قائلا: في تلك الليلة حملت بحارا ميتا وصعدت به إلى أعلى السفارة، واليوم يجد ويلش نفسه يتعامل مع مشاعر أخرى غامرة بالعداء للأمريكان، ولو أنها أقل تهديداً للحياة، ولكن لم يؤد كل من حريق السفارة في إسلام آباد أو أحداث 11 سبتمبر إلى الإحساس بالأسف على دور أمريكا في العالم، ويقول: حان الوقت لكي تصغي أمريكا..
ويسمع ويلش الكثير من الشكاوى حول ازدراء أمريكا لتطلعات الفلسطينيين وتأييدها المطلق لإسرائيل. ويشير ويلش في هذا الصدد إلى أن بوش قد أوضح رؤيته حول الدولة الفلسطينية، ويضيف ويلش قائلا: يجب على المنتقدين للموقف الأمريكي أن يدركوا أن الأمريكيين لا يرضون بقتل الأبرياء لدوافع سياسية. وهم لا يستطيعون أن يقفوا صامتين أمام ذلك خاصة بعد أحداث 11سبتمبر.
إعادة ترويج
وسوف يكون بمقدور العالم في الأشهر القليلة القادمة توقع سماع المزيد من أمريكا، وذلك لان الإدارة الأمريكية تدعم بحماس جهودا دبلوماسية حكومية بدأت في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، إذ سيعلن بوش عما قريب عن إنشاء مكتب الاتصالات العالمية ككيان ثابت تابع للبيت الأبيض، ففي العام الماضي عينت وزارة الخارجية الأمريكية تشارلوت بييرز رئيسة والتر طومسون كوكيلة لوزارة الخارجية للدبلوماسية الحكومية بحيث تكون مهمتها إعادة الترويج لأمريكا على مستوى العالم. وكان من بين ثمار هذه السياسة الجديدة ظهور محطة راديو سوا، تلك المحطة الإذاعية الناطقة باللغة العربية والتي حلت محل إذاعة صوت أمريكا في الشرق الأوسط منذ أبريل الماضي، وهي تقوم بتقديم الأغنيات العربية والغربية يتخللها10 دقائق من الأخبار كل ساعة، وهي بالتأكيد تصل إلى جمهور عريض حتى إن الأمر يبدو كما لو أن كل سائق تاكسي في عمان بالأردن قد ثبت مؤشر الراديو عليها ولكن المنتقدين يتساءلون كيف يمكن لهذه المحطة الإذاعية أن تؤدي وظيفتها المنوطة بها وتقوم بشرح السياسة الأمريكية في ضوء الطابع الخفيف الذي تتبناه.
ويشير شبلي تلحمي خبير الشرق الأوسط بجامعة ميريلاند إلى أن أقصى الجهود الدبلوماسية الحكومية التي يمكن أن تبذل سوف تصطدم في النهاية بالسياسات التي تفتقر إلى التأييد الشعبي، فلم يكن هناك أي تمييز من جانب بوش عندما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي آريل شارون بأنه رجل سلام، في الوقت الذي كانت قواته تعيد احتلال الضفة الغربية. ويضيف شبلي تلحمي قائلا: إن كلمة واحدة من الرئيس الأمريكي قد تفوق في أهميتها ملايين الدولارات التي ستنفق على استمالة القلوب والعقول.
أما كريستوفر روس فهو دبلوماسي أمريكي له خبرة طويلة بالشرق الأوسط وبعد تقاعده أحضر لكي يساعد الآنسة بييرز، وقد قام برحلتين إلى منطقة الشرق الأوسط للاستماع إلى ما يضايق الرجل العادي في تلك المنطقة، ويسترجع روس الانطباعات التي خرج بها من هاتين الرحلتين قائلا: الانطباع الذي خرجت به هو أن جهدنا كان محل تقدير كبير ولكن وصلنا بعد ذلك إلى السؤال التالي: لقد أخبرناك بكل شيء، فما هو الأثر الذي سينجم عن ذلك؟ فأخبرتهم أنني سأنقل وجهات نظرهم للمسؤولين الأمريكيين، ولكن تدبير السياسة يعتمد على أشياء كثيرة ولا يعتمد فقط على رد الفعل الخارجي.
عالم واحد وأصوات متعددة
وفي النهاية ربما كان على أمريكا الآن أن تكيِّف نفسها على أنها كائن غير محبوب و أن تنهي عمل بعض موظفيها في الداخل والخارج، إن قوة الولايات المتحدة وثروتها وإصرارها على جعل العالم أجمع على نفس صورتها قد ولَّد الحسد والاستياء منها.
* خدمة كريستيان ساينس مونيتور خاص ب"مجلة الجزيرة"
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|