|
شيء من حقيقة.. أم شيء من حلم..؟!
|
في حياة كل منا..
محطات يتوقف المرء عندها..
ليأخذ زاده من هذه الحياة..
ليأخذ نصيبه من هذا العالم العجيب..
من هذا الكون المليء بالأسرار...
وكل منا سيأخذ بالتأكيد بما كسبت يداه..
وإن كان كل شيء بمقدار...
بل وبما قدمه من أعمال..
***
أشياء كثيرة..
نتوقف عندها..
في هذه المحطة أو تلك..
نتأملها..
نراجع فيها أنفسنا..
عن تجارب مرت بنا..
وعن حقول زرعنا أعمالنا فيها..
بعضها لم نجد ما نحصده فيها..
وأخرى قطوفها دانية ومبهجة..
***
نَسأل أنفسنا أحياناً..
ونُسأل من آخرين في أحايين أخرى..
عن هذا الزمن الذي مرّ من جانبنا...
عن حدود استثمارنا لكل ثانية فيه..
عن المطلوب منا..
فإذا بالإجابة غالباً مفرغة من المضمون..
وخالية من المعلومة التي استحضرت واختصرت كل الأسئلة بالسؤال إياه..
***
المجتمع مع شديد الأسف لا يواجه واقعه بصدق..
ولا يتعامل مع الحالة التي يمر بها بصراحة..
إنه يغلف حياته بما يخفي معالم إصلاحها..
ويفتقر إلى الشجاعة في التعامل مع كل طارىء وجديد..
وبالتالي فإن هذا السلوك قد يحول دون إزالة البثور من هذا الجسم العليل..
***
أسألكم بعد كل هذا...
هل في هذا الكلام معلومة ولو صغيرة لم تسجل في دفتر الحضور لمشاكل يعاني منها المجتمع..
أم هي حقيقة غابت مع غيابنا..
وحقائق أخفيناها من حياتنا لنختفي معها..
ربما إلى حين..
وقد يكون ذلك إلى الأبد...
***
هل هذا شيء من حلم..
تشخيص لحالة افتراضية..
غوص وسباحة بلا ماء..
هل هذه كل الأسئلة..
بعض الأسئلة..
وهل بقي الكثير منها؟
أعتذر، فالمساحة لهذه الزاوية لا تتسع لمزيد من القول.
خالد المالك
|
|
|
أفرزته الحرب على العراق للحد من الأحادية الأمريكية عالم اأقطاب في طور التشكل التضامن العالمي مع الولايات المتحدة تلاشى بعد اندلاع الحرب على العراق التقارب الروسي الأوروبي الحالي لم يحدث منذ ثمانين عاماً
|
* إعداد محمد الزواوي
في العقد الماضي وفي ظل اختفاء الاتحاد السوفييتي وتدهور الوضع الروسي، رأينا عالماً أحادياً تحكمه السياسات الأمريكية، وقد أصبح ذلك التوجه أكثر وضوحاً في ظل الدعم العالمي للولايات المتحدة وتضامن دول العالم معها بعد أحداث سبتمبر، ولكن بعد الحرب على العراق والتي سوف تؤدي إلى تقسيم الرأي العام العالمي لعقود قادمة، ومع انبعاث روح جديدة تتطلع إلى المجد وإلى القوة. فإن «أوروبا القديمة» أصبحت تبحث من جديد عن مكان لها على المسرح الدولي كما كانت في السابق، وسوف تقف أوروبا بدعم روسي والى حد ما صيني ضد الولايات المتحدة عندما ترى ذلك ضروريا وطبقا لمبادئها وقناعاتها، إن العالم الذي توحد على طاعة الولايات المتحدة قد انتهى مع انطلاق اول رصاصة في الحرب على العراق، وبدأت أوروبا تعمل بشكل حثيث لحشد طاقاتها الهائلة ليكون لها مكان تحت الشمس لا يقل في تأثيره عن المكانة التي تتبوأها الولايات المتحدة حاليا.
يقول رونييل أليدو في دراسة تحليلية هامة نشرت بصحيفة «البرافدا» الروسية: لقد تغيرت العلاقات الدولية الحالية بين الدول، ولم تعد مثل تلك التي كانت منذ عام مضى، فالتكتلات الدولية الجديدة قد خلقت مناخا جديدا من التعددية القطبية في العلاقات الدولية، وما حدث على أرض الواقع هو أن حرب العراق قد أدت إلى إفساد نواح كثيرة، ليس فقط العلاقة بين الحكومة الاشتراكية في ألمانيا وبين إدارة الرئيس بوش، ولكن نشأ موقف دولي جديد له توجه مخالف تماما كنتيجة لتلك الحرب، كما ولدت تكتلات دولية جديدة معارضة للخطط الأمريكية ضمت إليها كل تلك القوى المختلفة مثل الحكومة المحافظة من يمين الوسط في فرنسا، والحكومتين الاشتراكيتين في كل من ألمانيا وبلجيكا، وقد انضمت الى هذا التكتل أيضا روسيا إلى حد ما، بالإضافة إلى الصين الشيوعية وبعض دول العالم الإسلامي.
وهذه البانوراما الدولية الجديدة قد أدت إلى تكرار ما قام به الرئيس الأمريكي نيكسون بزيارته إلى الصين في أوائل السبعينيات: خلق مناخ متعدد الأقطاب ومتعدد الخيارات.
وربما أن أفضل ما يمكن أن نصف به تلك التكتلات المناهضة للحرب يتابع اليدو هو ما أدلى به الرئيس جورباتشوف آخر رئيس سوفييتي، والذي تحدث بصراحة ضد التحركات الأمريكية، قائلا: «لقد فعل الأمريكيون كل ما أرادوا فعله، وتلك سابقة مخيفة»، وقد أشار الرئيس السابق الشهير إلى الاختلافات بين حرب العراق وحرب أفغانستان قائلا: لقد كانت الحملة ضد أفغانستان مقبولة عالميا، لأن الوضع كان أوضح، أما في العراق فقد قامت الولايات المتحدة بنشر قواتها في الوقت الذي كان لا يزال فيه مفتشو الأمم المتحدة يعملون داخل العراق، وأضاف غورباتشوف: لقد أدوا إلى تفريق مجلس الأمن والعالم كله، كما ازدروا الرأي العام العالمي، ويجب على روسيا أن تستمر في الاحتجاج بصوت عال ضد تلك القوة العظمى التي أصبحت القوة الوحيدة الآن، ولكنها في المقابل فشلت سياسيا ودبلوماسيا وأخلاقيا.
الشيء المستحيل
ويقول اليدو: بصرف النظر عن مبررات الولايات المتحدة، وبعيدا عن قضية شرعية تلك الحرب، فإن الواقع يقول إن العديد من الدول قد فعلت الشيء الذي كان يعد مستحيلا في السابق: الوقوف بقوة ضد السياسات الأمريكية ونواياها، والعالم في مجمله يدعو إلى التضامن مع الولايات المتحدة بسبب الموقف الذي أدت إليه أحداث 11 سبتمبر، ووقف العالم كله في خندق واحد مؤيدا تلك الحرب العادلة التي خاضتها الولايات المتحدة ضد أفغانستان وضد بن لادن، ولكن ذلك التضامن اختفى وتلاشى في أثناء حرب العراق، وهذا دليل على أنه لا يمكن مقارنة المنظمات الإرهابية المتطرفة الواضحة المعالم بدولة لديها عشرات الممثلين الدبلوماسيين حول العالم.
ويتابع قائلا: أما منتقدو الولايات المتحدة فقد كانوا يرون أن حربها على العراق كانت فقط من أجل النفط والهيمنة على الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الانتقام لكبرياء عائلة رئيس الولايات المتحدة، لذا كانت المحصلة النهائية هي عدم ثقة تامة تجاه الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط، ومزيدا من الاقتراب الروسي إلى الدول الأوروبية التي كانت ضد الموقف الأمريكي، أما في الشرق الأوسط فقد حذر الرئيس المصري منذ وقت ليس ببعيد من وجود مائة بن لادن في المستقبل القريب بسبب سياسات الولايات المتحدة.
محور جديد
أما الفروقات التي حدثت في الموقف الحالي، يضيف اليدو.، فهي كالتالي: منذ عام مضى كان هناك نظام عالمي واحد مهيمناً: نظام الولايات المتحدة، في حين التزمت كل الدول الأخرى الصمت واكتفت بالمراقبة من بعيد، ولكن الآن أصبح هناك اختلاف وتفرق في وجهات النظر بصورة لم يرها العالم منذ ثلاثة أجيال، فقد ظهر افتراق واضح في المواقف بين كل من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين التقليديين، ولكن الأهم من ذلك هو أننا يمكن أن نرى الآن في العلاقات الدولية ولادة ما يمكن أن نسميه محورا أوروبيا جديدا بين موسكو وبرلين وباريس، هذا المحور الأوروبي الجديد يعد بمنزلة قوة موازنة ضد السلوك الأحادي الأمريكي في السياسات الدولية، ويقول جورباتشوف واصفا ذلك الوضع الجديد الذي أصبحت فيه روسيا أقرب ما تكون إلى الدول الأوروبية المناهضة للولايات المتحدة: إن روسيا تعد جزءا من الثقافة الأوروبية، وبالطبع سوف يؤدي هذا التعاون الروسي الجديد مع فرنسا وألمانيا إلى تعاون أوثق في المستقبل القريب، وبدون روسيا ربما لن يكون لهذا التحالف الأوروبي وجود.
وقد رأينا اقتراب روسيا من أوروبا كما لم يحدث من قبل في الثمانين عاما الأخيرة، وقد قامت روسيا بدعم حرب أمريكا ضد أفغانستان دعما مفتوحا، أملا منها في أن تنال دعما مماثلا لتحركاتها في الشيشان، ولكن روسيا رأت نفسها وحيدة ثانية بعد فترة قصيرة من صمت الرأي العام العالمي، وقد حاولت روسيا أن تدرج تحركاتها في الشيشان ضمن دعمها للحرب الأمريكية ضد الإرهاب، ولكن بدون نتائج واضحة، لذا بعدما انتهى «الغطاء» الذي كان يوفره لها الرأي العام العالمي، وأصبح العالم يعترض ثانية على سياساتها في القوقاز جنحت روسيا ثانية إلى معارضة أجندة الحرب الأمريكية، وقد كان من الواضح أن تعارض روسيا حرب الولايات المتحدة على العراق بسبب ضياع المصالح الروسية هناك، بالإضافة إلى أن قصف يوغوسلافيا السابقة لا يزال غضا في ذاكرة المتشددين الروس وأيضا بالنسبة للرئيس بوتن، وعلى الجانب الآخر كانت فرنسا لديها هي الأخرى رغبة في الاعتراف بها كقوة دولية، وأن تصبح على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، مما جعل فرنسا تجتمع مع روسيا في ذلك الوضع السياسي المتقارب، كما أن فرنسا أيضا كانت لديها علاقاتها القديمة مع العراق، ومع وجود الجالية العربية الكبيرة ذات النفوذ في مرسيليا وجميع أنحاء فرنسا، فقد أرادت الحكومة الفرنسية أن تنال الدعم العربي ودعم مستعمراتها القديمة.
الحب والسلام
ويتابع اليدو قائلا : وإلى جانب ذلك التحالف الروسي الفرنسي كانت هناك الحكومة الاشتراكية الخضراء في ألمانيا التي لا تزال متمسكة بسياسة «الحب والسلام» التي ينتهجها التحالف الحكومي بين شرودر وفيشر، أما الحكومة البلجيكية من أقصى اليسار فقد كان من الطبيعي لها أن تنحاز إلى محور موسكو باريس برلين.
وكصورة من صور الدعم الإضافي، حظي ذلك المحور الجديد بدعم ضمني من الحكومة الصينية التي طالما كانت خارج نطاق التحكم في السياسات الدولية، كما حظي بدعم العديد من الدول الفقيرة والتي بلا نفوذ (من غير الدول التي تعتمد على المساعدات الأمريكية) حول العالم.
وهذا المحور الجديد يتحرك داخل المناطق التي لا يوجد فيها نفوذ أمريكي، فعلى الرغم من مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم، فإنها لا تزال لها حدود واضحة، وعجز الولايات المتحدة على أن تحظى بالموافقة على قرار ثان داخل مجلس الأمن لغزو العراق لهو دليل واضح على تلك الحدود، كما برهنت حالات رفض كل من شيلي والمكسيك وتركيا للطلبات الأمريكية على أن الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تمارسها الولايات المتحدة على الدول ليست دائما بتلك القوة، وعلى الرغم من أن الدول التي تعتمد على المساعدات الأمريكية ربما تتراجع دائما أمام جميع المواقف الأمريكية، فمن الصحيح أيضا أن الدول حتى الفقيرة في أمريكا اللاتينية يمكن أن تقف بثبات ضد مواقف الحروب الأمريكية عندما يعضدها اقتناع فكري وأيديولوجي قوي.
وأردف الكاتب قائلا: وقد بدا ذلك واضحا في الموقف التركي، فعلى الرغم من المنح والقروض الأمريكية التي عرضتها الولايات المتحدة على تركيا في مقابل نشر قواتها من الفرقة الرابعة مشاة على الأراضي التركية، فقد رفضت تركيا في النهاية ذلك العرض، وقد حدث ذلك بسبب الدوافع الأيديولوجية التركية القوية وإن أكثر من 80% من الشعب التركي كان يعارض المخططات الأمريكية، أما في حالة المكسيك وشيلي فقد علمت الدولتان جيدا أن رفضهما لدعم الموقف الأمريكي في مجلس الأمن ربما يجلب عليهما عقوبات وتداعيات اقتصادية، وعلى الرغم من تلك المخاطرة الكبيرة وقفت تلك الدول اللاتينية الفقيرة بثبات يدعمه اقتناعها بموقفها ورفضها أن تؤيد الولايات المتحدة.
معاقبة الكبار
ويقول اليدو: لذا فإنه على الرغم من النفوذ الاقتصادي الأمريكي فإن دول العالم تستطيع معارضة ذلك النفوذ عندما يكون لديهم دوافع أيديولوجية قوية وشعور قوي بشيء اسمه «الكرامة»، أما بالنسبة للمحور الجديد فإن إمكانية فرض عقوبات اقتصادية على دول كبيرة مثل فرنسا وألمانيا معدومة تماما، فهما لا يعتمدان على المساعدات ولكنهما في المقابل دولتان قويتان اقتصاديا في أوروبا والعالم.كما أنهما لهما دور رئيسي في الاتحاد الأوروبي، وبذلك يستطيعان التأثير في كل السياسات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.
وإذا ما قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية بصورة علنية وواضحة على فرنسا أو ألمانيا، فإن بإمكانهما أن يفعلا الشيء ذاته ضد الولايات المتحدة، كما أن لديهما القدرة على تحريك عمالقة الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي ضد الولايات المتحدة، والولايات المتحدة لا تستطيع المغامرة بشيء من ذلك في ظل حالة الركود الاقتصادي التي تمر بها، إضافة إلى الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى العام القادم.
أوروبا الجديدة
ولكن الوضع الحالي للاتحاد الأوروبي وبتوسعه، يضيف الكاتب.. فإنه يمثل تحديا للمحور الأوروبي الجديد؛ فالدول الفقيرة من شرق أوروبا التي تعتمد على المساعدات تريد إرضاء الولايات المتحدة وبالتالي تأييد سياساتها، وهي مدفوعة بالطبع بإغراء عقد معاهدات ثنائية مع أمريكا وبريق المنح والمساعدات، وتكمن المشكلة في أن الدول مثل فرنسا وألمانيا ترى ذلك على أنه بمنزلة الخيانة من تلك الدول؛ فلماذا تريد تلك الدول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (وأخذ أموالنا) إذا لم يدعموا مواقفنا الأوروبية ويسيروا في المقابل وراء المال الأمريكي، وهذا هو ما يفكر فيه قادة دول المحور الجديد.
وقد صرح الرئيس شيراك مؤخرا بأنه ستكون هناك عواقب وخيمة على تلك الدول التي تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تأخير انضمامهم، وقد ردت الدول الصغيرة بغضب عارم على الموقف الفرنسي، والذي تجاهله الرئيس شيراك بلا مبالاة، وتلك الدول الصغيرة التي كانت تكافح بلا أمل في السابق للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سوف تواجه الآن معاملة باردة من الدولتين الرئيسيتين في تلك المنظمة: فرنسا وألمانيا، وسوف يتم استقبال تلك الدول في ظل ظروف باردة للغاية في تلك المنظمة الأوروبية التي كانت في السابق الرابطة الأوروبية للفحم والصلب ثم تحولت إلى الرابطة الاقتصادية الأوروبية، ثم أخيرا الاتحاد الأوروبي.
شيراك وبلير
أما على الصعيد الداخلي بالنسبة للرئيس شيراك فهو يحلق عاليا في سماء الشعبية داخل المجتمع الفرنسي بسبب مواقفه الراسخة ضد حرب بوش، وقد أدت المشاعر المناهضة لفرنسا من يمين الوسط الأمريكي الراديكالي بسبب الموقف الفرنسي من حرب العراق، بالإضافة إلى الحرب الأمريكية المشابهة ضد المقليات الفرنسية French Fries، كل ذلك أدى إلى تصاعد الشعور القومي الفرنسي والوطنية التي تحولت إلى تأييد مفتوح لموقف الرئيس شيراك.
أما بالنسبة لبريطانيا فإنها الآن تواجه موقفاً صعباً يجب عليها الاختيار فيه؛ إما بالبقاء على دعمها اللامحدود للولايات المتحدة مهما تكلف الأمر وإما التحول ناحية دعم الدول الأوروبية، أما انعزال بريطانيا عن أوروبا فله وضع خاص يتعلق بالناحية الفلسفية، فبريطانيا مفصولة جغرافيا؛ فهي جزيرة تعزلها المياه عن دول أوروبا، كما أن البريطانيين بعيدون عن الاتحاد الأوروبي ككتلة سياسية، أما من الناحية الاقتصادية فهم بعيدون أيضا عن الاندماج المالي المتمثل في اليورو، وأيضا بعيدون عن الاندماج في السياسات الأوروبية، مما رسخ لديهم الشعور بالاستقلالية والانعزالية.
ولم يتأثر بلير داخليا على الصعيد السياسي على الرغم من المظاهرات الحاشدة ضد تورطه في الحرب ضد العراق، وتوني بلير يمثل تيار يسار الوسط بالنسبة للسياسات البريطانية، وهو السبب الذي أدى إلى ابتعاد العديد من أعضاء حزبه المقربين.والتصويت المضاد لأكثر من مائة عضو من حزب العمال الذي ينتمي إليه بلير ضد تلك الحرب، وعلى الرغم من تلك «المعارضة» الضئيلة من أعضاء حزبه، فلا ينبغي على بلير أن يشعر بالقلق كثيرا، وذلك لأن الخيار الكبير الآخر هو تيار المحافظين من اتجاه رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتشر، لذا فإن ما سيحدث هو أن بلير ربما سيفقد بعض الأصوات، والتي كانت ستذهب بالفعل إلى الأحزاب اليسارية، ولكن موقفه سوف يظل ثابتا.
ورطة اثنار
أما بالنسبة لموقف بريطانيا، فمن الواضح أنه آجلا أم عاجلا يجب على بلير أن يختار: إما أمريكا وإما أوروبا، ومن المحتمل على الرغم من أنه مستبعد أن يحدث تغير في البيت الأبيض يترك بريطانيا وحيدة منعزلة مع كل من أسبانيا وإيطاليا، أما إيطاليا فلن تخسر كثيرا من جراء دعمها للولايات المتحدة في حين أن اسبانيا في ورطة حقيقية؛ فإيطاليا سوف تظل مخلصة لأستاذ فن الهروب وهو رئيس وزرائها بيرلوسكوني؛ فقدرته الفائقة على النجاة وصرف انتباه الرأي العام والإعلام (بسبب العدد الوافر من وسائل الإعلام التي يمتلكها أو يتحكم فيها) سوف تبقيه في السلطة بدون مشاكل سياسية كبيرة تتعلق بمسألة العراق.
وعلى عكس إيطاليا فإن اسبانيا بقيادة خوزيه ماريا أثنار فهي في ورطة كبيرة، وذلك لأن الشعب الاسباني اعترض بوضوح على الدعم اللامحدود للولايات المتحدة في تلك الحرب، والحزب الذي ينتمي إليه أثنار من تيار يمين الوسط المحافظ، والذي جاء إلى السلطة لأول مرة عن طريق الانتخابات الديموقراطية منذ بضع سنوات، وعندما أصبح أثنار رئيسا للوزراء حاول بشتى الطرق أن يفصل نفسه عن التيار المحافظ الحقيقي، أو أي شيء يمكن أن يربطه برئيس الوزراء السابق الديكتاتورالجنرال فرانكو الذي كان ينتمي إلى التيار الكاثوليكي المتشدد والتيار المحافظ، ولم يختم أثنار خطبة من خطبه بدون أن يمتدح الديموقراطية والحرية وفضائلهما، وكان من الواضح أنه يريد أن ينأى بنفسه بعيدا عن تركة الجنرال فرانكو، ولكن أثنار تخلى عن تقاليده وأظهر نفسه في صورة الداعم بلا حدود للإجراءات العسكرية الأمريكية، وأظهر علامات على أنه ذو توجه يميني حقيقي، وكنتيجة لذلك واجه أثنار غضب قطاعات عريضة من الشعب الاسباني، والتي لا تزال تخشى من الحكم السابق للجنرال فرانكو، كما حدثت عدة استقالات من أعضاء حزبه الذين كانوا يتبعون خطى البابا يوحنا بولس الثاني، وقد واجه الآن أثنار هزيمة واضحة في الانتخابات المحلية الأسبانية التي جرت في الخامس والعشرين من مايو الماضي، وسوف تعني تلك الهزيمة مكاسب كبيرة للحزب الاشتراكي، وأمل أثنار الوحيد هو أن ينقذه عامل الزمن؛ وأن ينسى الناس الحرب عندما يحين موعد انتخابات منصب رئيس الوزراء مستقبلا.
مضامين عسكرية
لقد مثلت حرب العراق أكثر من مجرد ظهور وضع سياسي جديد، فتلك الحرب قد مثلت أيضا عرضا حقيقيا لما يمكن اعتباره على أنه مذهب عسكري جديد في القرن الحادي والعشرين، فالنصر السريع والحاسم للولايات المتحدة قد خلق معاني ضمنية عديدة بالنسبة للمحللين والمدارس العسكرية حول العالم، فقد تحول المذهب العسكري الجديد للولايات المتحدة والذي ولد في حرب الخليج، ثم تطور الآن في الحرب الأخيرة إلى نسخة رهيبة من مذهب الحرب الخاطفة الذي كان ينتهجه الرايخ الثالث الألماني في الحرب العالمية الثانية، فقد استطاع التفوق الجوي الأمريكي الهائل تدمير كل ما كان يقف في طريق قوات المشاة الأمريكية، ثم قامت بعد ذلك الدبابات من طراز M1A3 وبرادلي ب «التنظيف» النهائي لأنقاض الجيش العراقي الذي كان قد سحق بالفعل.
وفي النسخة القديمة من الحرب الخاطفة للرايخ الألماني كانت قوات المشاة هي التي تدعم القوات الجوية، أما في تلك النسخة الجديدة فإن قوات المشاة هي التي في حماية ودعم القوة الجوية الهائلة، والتي كانت القاتل الحقيقي في المعارك، وتلك الاستراتيجية الجديدة هي التي يمكن أن تجعلنا نفهم كيف تقوم قوات أرضية قليلة العدد بهزيمة قوات أرضية تفوقها خمسة أضعاف، فبدلا من الانتظار لمدة شهر كامل حتى تنتهي القوات الجوية من القضاء على قوات العدو الأرضية، ثم بعد ذلك تتقدم قوات المشاة كما حدث في حرب الخليج، شاهدنا في هذه المرة تحركات القوات الأرضية منذ البداية، وقبل ساعات قليلة من التحام القوات الأرضية مع مشاة العدو كانت القوة الجوية الهائلة تأتي لتقوم بتصفية جميع القوات الأرضية، وعندما تصل الدبابات والمدرعات إلى ساحة القتال لاتجد شيئا قد بقي من قوات العدو من جراء القصف، فيقومون فقط بعملية التنظيف النهائي.
وقد ساعد عدم كفاءة القوات العراقية في نجاح تلك الاستراتيجية، فقد وقع العراقيون في خطأ فادح عندما حركوا لواءاتهم العسكرية المدرعة وأسلحتهم الثقيلة وقوات الحرس الجمهوري خارج العاصمة العراقية بغداد ليواجهوا ويوقفوا زحف القوات الأمريكية في الصحراء المفتوحة، فقد أدى ذلك الخطأ الفادح إلى تدمير الدفاعات الحقيقية الوحيدة التي كانت موجودة للدفاع عن العاصمة العراقية، ففي الصحراء المفتوحة لم يكن العراقيون أكثر من مجرد أهداف مثالية للقوات الجوية الأمريكية الهائلة، وبعدما أبيدت كل الدبابات والمدرعات والمدفعية الثقيلة العراقية، لم يكن هناك شيء اسمه «حرب المدن» على أرض الواقع، وكان هذا هو العامل الأساسي الذي أدى إلى ذلك النصر المدوي والأرقام القليلة من الخسائر بين قوات التحالف التي لا يصدقها عقل؛ فقد كانت الصحراء العراقية على عكس التلال الكورية أفضل مكان لتنفيذ حكم الإعدام في تلك الاستراتيجية العراقية المهلكة.
الدفاعات الجوية
وقد حدثت التداعيات العسكرية المباشرة وغير المباشرة لحرب العراق على الفور بدون أي تأخير؛ فبعد تلك الأمثلة الواضحة التي دللت على القوة الهائلة واستخدام القوات الجوية الأمريكية، بدأت تتحرك العقيدة العسكرية الروسية نحو صب اهتمامها الخالص على الدفاعات الجوية وعلى تطوير الصواريخ أرض جو، فبدأ الروس على الفور في تعديل عقيدتهم العسكرية، ووضعوا كافة جهودهم في تطوير أسلحة تستطيع مقاومة القوة الجوية الأمريكية الهائلة، وعلى الرغم من حالة الجيش الروسي المتدنية، فقد تم وضع كافة المصادر المتاحة تحت تصرف القوات الروسية لتحديث دفاعاتها الجوية.
وكما أشارت جريدة نيزافيسمايا جازيتا الروسية في تقرير لها، فإن القوات المسلحة الروسية تعد الآن لتدريبات غير عادية سوف تعتمد فيها على الدروس التي تعلمتها من حرب العراق؛ وهذه التدريبات سوف تشمل قاذفات القنابل الاستراتيجية من طراز Tu160 وTu95MC، والقاذفات من طراز Tu22m3 الطويلة المدى وسفن التزود بالوقود من طراز I178، والهدف الرئيسي من تلك التدريبات سيكون الانقضاض على قمر تجسس أمريكي وهمي في الفضاء يعتمد على نظام التوجيه الكوني من طراز NAVSTAR، وعلى أقمار التجسس المزودة بالتكنولوجيات البصرية الإليكترونية على أقمار LaCross، وبدون شك أن روسيا تنقل نفسها الآن إلى موضع الحيطة والحذر بسبب ما رآه الروس من العرض غير العادي للقوة الذي أظهره الأمريكيون في العراق.
ناتو مصغر
الآن يتحرك المحور الجديد بسرعة في اتجاه المجال العسكري، وذلك لأن معظم دول أوروبا الغربية هم أعضاء في حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، ومن الواضح أن الناتو تقوده السياسات والرؤى الأمريكية، لذا فإن أعضاء المحور الجديد يتحركون بسرعة من أجل إنشاء مجلسهم الخاص بالشؤون العسكرية، وهذا الإجراء غير العادي لم تره أوروبا منذ عشرات السنين، ويعد علامة واضحة على مدى الرغبة العميقة في إيجاد توازن من دول المحور الجديد ضد التوجه الأحادي الأمريكي، وقد بدأ دول المحور الجديد في تطوير ناتو مصغر تحت غطاء رغبتهم في وجود تعاون بين كتلة أوروبية خالصة، وذلك بين دول بلجيكا ولوكسمبورج وفرنسا وألمانيا، والأهداف الواضحة لذلك التوجه هو أن تنتمي الدول الأوروبية إلى منظمة عسكرية جديدة لا يكون للولايات المتحدة صوت فيها، ولا حتى تكون عضوا فيه، وعلى الرغم من الانتقادات الحادة التي وجهتها كل من أمريكا وبريطانيا إلى هذا التوجه، فقد بدأت كل من ألمانيا وبلجيكا وفرنسا في الدعم بقوة لهذا الناتو المصغر الذي يريدونه أن يخرج إلى النور.
ويختم الكاتب اليدو دراسته التحليلية في البرافدا بالتأكيد على ان ما فعله الرئيس نيكسون في السبعينيات بنجاح بفتحه جبهة ثالثة لعمل توازن مع الصين ولدفع الاتحاد السوفييتي السابق إلى توقيع معاهدات يحدث الآن ثانية، ولكن في وضع جديد من وجود قوى أوروبية تقول «لا» للدعم غير المشروط للولايات المتحدة، وقد نهضت أوروبا ثانية بصوتها العالي وإرادتها وكرامتها، ومع بداية هذا القرن الجديد سوف نرى تكرارا لما حدث في الماضي، عندما كان لأوروبا أيضا دور أساسي في تشكيل العلاقات الدولية.
وبصرف النظر عن الطريق الذي سوف تسير فيه كل من فرنسا المعتدة بذاتها، وألمانيا الثائرة.. فإن القضية الأساسية هي أن هذا العالم «السهل» غير المعارض للولايات المتحدة، والذي لا يوجد فيه أي معارضة للسياسات الأمريكية قد انتهى.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|