|
اليمن السعيد |
ما إن تزور اليمن سائحاً أو في مهمة رسمية..
ويأخذك التجوال إلى معالمها الكثيرة واللافتة للنظر..
حيث ينتصب التاريخ ببهاء وكبرياء واعتزاز ليقول لك: أنا هنا..
وحيث الحديث والحوار مع رجالاته يعزز ما تناقله الرواة، أو قيل وكتب عن هذا البلد الشقيق.
***
ما إن يأخذك المسير نحو جزء غالٍ من عالمنا العربي ثري بالمعالم التاريخية والإنسانية والاجتماعية والثقافية..
حيث يحتفظ هذا البلد بشخصيته ومعالم كثيرة من التاريخ القديم الذي يشكل اليمن جزءاً من أحداثه وصناعته، وتأثيره على مجريات الكثير مما ترويه لنا كتب التاريخ..
وحيث يشعر الزائر لليمن بزخات من مطر الإعجاب تلامسه وتداعبه وتشعره بالزهو والاعتداد ممايراه.
***
في اليمن الشقيق..
يرسل الزائر نظراته إلى نمط العمران فيها..
المباني والطرق ورسم الأحياء وتخطيط المدن واستخدام الألوان والمواد..
فإذا به يكتشف دون عناء أن اليمن قد مزج بين القديم والحديث في بناء مدنه وأحيائه وشوارعه..
وأنه وإن أخذ بالتحديث في كثير من المنشآت وأوجه الحياة فإنه لم يتخل عن شخصيته التراثية والتاريخية حيث أبقى النمط العمراني القديم وحافظ عليه.
***
وفي كل لقاء يجمعك بمسؤول..
أو مناسبة تضمك بقاعدة من المثقفين..
فإن الحديث في هذه المناسبات..
والكلام في مثل هذه اللقاءات..
يتركز عادة وغالباً على ما يضيف إلى معارفك الكثير من المعلومات والصور واللمحات عن القديم والحديث من التاريخ والتراث والمعارف الأخرى.
***
وإن بلداً كاليمن..
بمساحاته الواسعة...
وبحدوده التي تمتد إلى آلاف الكيلوات..
مع أكثر من دولة..
وبطبيعته الجبلية المعقَّدة..
وبالتركيبة القبلية الصارمة في سلوكها وتوجهاتها هناك..
مع دخل قومي محدود لسكان يتجاوز عددهم العشرين مليوناً..
يواجه ولاشك تحدياً كبيراً لا تكفيه ميزانية سنوية لاتتجاوز أربعة بلايين دولار.
***
ومع هذا
فإن الرجال في اليمن..
قد واجهوا التحدي بالتحدي..
وهم اليوم يتصدون وبقوة لمعالجة الأوضاع القاهرة, وذلك ما ميز مسؤوليه بالقدرة على معالجة الدَّيْن العام وترتيب أمور الصرف على الحاجات المُلِحَّة والفعلية..
ضمن سياسة تقوم على الترشيد في الصرف دون الإخلال بمتطلبات واحتياجات المواطن والوطن..
هكذا قالوا لنا..
وهذا ما تأكد لنا ورأيناه.
خالد المالك
|
|
|
لماذا انقلبت أمريكا على فتاها الذهبي سابقاً؟! الجلبي.. الصعود إلى الهاوية! |
* إعداد إسلام السعدني
وانقلب السحر على الساحر.. هكذا علقت مختلف وسائل الإعلام العالمية على الأزمة المفاجئة التي نشبت بين الولايات المتحدة و(أحمد الجلبي) زعيم حزب المؤتمر الوطني العراقي، الذي كان يعد في السابق الفتى المدلل للعم سام في العراق..
وتباينت وجهات النظر بشأن أسباب هذه الأزمة التي بدت بوادرها الأولى بعد قطع الدعم المالي الذي كان يحصل عليه (الجلبي) من الإدارة الأمريكية، مقابل معلومات استخباراتية كان يقدمها حزبه لواشنطن حول عناصر المقاومة العراقية.. وبلغت الأزمة ذروتها مع عملية المداهمة التي قامت بها القوات الأمريكية مؤخراً لمنزل ذلك السياسي العراقي وعدد من المقار التابعة له في العاصمة بغداد، وهو ما أعقبته تصريحات غاضبة أدلى بها الرجل وأعلن فيها أنه لم تعد له أية علاقة بسلطة التحالف التي تقودها أمريكا في بلاده.
وفي هذا الصدد، استعرض الصحفي (أندرو كوكبورن) في مقال له يحمل عنوان :(الحقيقة حول أحمد الجلبي.. لماذا انقلبت الولايات المتحدة على فتاها الذهبي سابقا؟! أبعاد الأزمة الأخيرة بين الجلبي وإدارة الرئيس جورج بوش).
يعرض الكاتب في مستهل مقاله للملابسات التي أحاطت بعملية مداهمة مقار السياسي العراقي ومنزله والتي جرت فجراً، ليشير إلى أنها شهدت موقفاً فريداً من نوعه عندما صوب الجنود الأمريكيون أسلحتهم لرأس (الجلبي)، واعتقلوا اثنين من مساعديه وصادروا كميات من الوثائق.
ويلفت (كوكبورن) النظر إلى أنه قبل أشهر قلائل من هذه الغارة كان (الجلبي) يحل ضيفاً فوق العادة على البيت الأبيض، وأنه منذ خمسة أشهر بالتحديد كان الرجل يجلس خلف (لورا بوش) السيدة الأولى في الولايات المتحدة خلال إلقاء الرئيس (بوش) خطاب حالة الاتحاد، ومن ثم يتساءل الكاتب عن الأسباب التي أدت إلى هذا السقوط المدوي ل (الجلبي) الذي أمد الولايات المتحدة بالمعلومات الخاصة بأسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، تلك المعلومات التي بررت الإدارة الأمريكية من خلالها حربها على العراق.
ويقول (كوكبورن) إن الإجابة على هذا التساؤل تكمن في الحدة التي اتسم بها رد فعل (الجلبي) على تضاؤل مكانته بشكل تدريجي لدى الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية بعد إدراكه أنه سيتم استبعاده من المشاركة في الحكومة الانتقالية التي يعمل على تشكيلها حالياً (الأخضر الإبراهيمي) مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق لتتسلم السلطة في البلاد بحلول الثلاثين من يونيو.
واوضح الكاتب أن تحركات (الجلبي) رداً على هذه التطورات كانت تمهد الطريق بشكل فعلي نحو القيام بانقلاب في العراق من خلال حشد القوى السياسية الشيعية من أجل تقويض عمل الحكومة الجديدة حتى قبل أن تتولى مقاليد الأمور.
وينقل (كوكبورن) عن أحد المصادر العراقية وثيقة الاطلاع بمجريات الأمور في البلاد والتي ترتبط بعلاقات قوية مع الجلبي نفسه قولها إن (الجلبي) كان يسعى لحشد مختلف التيارات لضمان فشل مهمة (الإبراهيمي)، وأضاف المصدر أن السياسي العراقي كان يبلغ زعماء القوى الشيعية بأن مبعوث الأمم المتحدة يشكل جزءاً من مؤامرة ضد الشيعة.
ويعقب الكاتب على تصريحات هذا المصدر بالقول إنه ليس من المستبعد أن يكون (الجلبي) قد عمل على تنفيذ مثل هذا المخطط بالفعل، مشيراً إلى أن الرجل سعى إلى إقناع عدد من الزعامات الشيعية البارزة بوجهة نظره هذه بشأن الحكومة الانتقالية، ومن بين هذه الزعامات (آية الله محمد بحر العلوم) أحد أهم أعضاء مجلس الحكم الانتقالي، إلى جانب عضوين آخرين أقل شأناً.
ويوضح (كوكبورن) أن من بين القوى الرئيسية التي تقدم الدعم ل (الجلبي) حالياً حزب الدعوة الشيعي الذي استبعدته سلطة الاحتلال من العملية السياسية في البلاد برمتها، وهو الحزب الذي يساند (مقتدى الصدر)، مضيفاً أن من بين التيارات التي أعربت مؤخراً عن دعمها لل (الجلبي) حزب الله العراقي.
ويعود الكاتب لينقل عن مصدره العراقي وثيق الاطلاع قوله إن (مقتدى الصدر سيقتل آجلاً أو عاجلاً وهذا سيترك أنصاره الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف في حيرة يبحثون لهم عن زعيم جديد، وإذا استطاع أحمد الجلبي لعب دور الضحية بإتقان فسيكون بمقدوره في هذه الحالة أن يصبح ذلك الزعيم الجديد ليحقق حلماً طالما راوده بأن يكون أحد زعماء الطائفة الشيعية).
وأكد أندرو كوكبورن في مقاله (أن سلطة الاحتلال في العراق أدركت مع اقتراب حلول موعد تنفيذ اتفاق نقل السلطة المخاطرة الكامنة في تحركات (الجلبي) خاصة وأنه يمتلك الموارد والمقومات اللازمة لتقويض كل الترتيبات المعدة لوضع هذا الاتفاق موضع التطبيق).
وأضاف أن من بين ما ترامى إلى مسامعه خلال الأيام الماضية في بغداد أن مسئولي سلطة التحالف يعلمون أن (الجلبي) مقامر بطبعه وأنه لن يتورع عن قلب المائدة على رؤوس الجميع إذا ما رأى الأمور لا تسير في الاتجاه الذي يلائمه.
التحرر من الوهم
وأشار الكاتب إلى أن الشهور القليلة الماضية شهدت تلاحق الخطى الأمريكية الرامية للتحرر من وهم ذلك السياسي العراقي الذي حصل على قرابة 27 مليون دولار أمريكي من أموال دافعي الضرائب في السنوات الماضية.
من جهة أخرى، أكد (كوكبورن) أن الفترة الماضية شهدت أيضاً صعود نجم السياسي العراقي المخضرم (عدنان الباجه جي) الذي كان وزيراً لخارجية العراق في عهد حكومة الثورة بقيادة الجنرال عبد الكريم قاسم قبل نحو أربعين عاماً.
وأوضح أن نجم هذا السياسي الذي يزيد عمره حالياً عن ثمانين عاماً، والذي كان يعد أحد المرشحين الرئيسيين لمنصب رئيس البلاد فيما بعد الثلاثين من يونيو بدأ يعلو بشكل متصاعد، مشيراً إلى التوتر الذي يسود علاقته بالجلبي، والذي يدلل عليه الكاتب من خلال ذكر تصريحات متبادلة يحاول كل منهما فيها التقليل من شأن الآخر والسخرية منه.
ويتحدث (كوكبورن) هنا عن نظرة العراقيين للجلبي، مشيراً إلى أنهم متشككون في قدرة هذا الرجل على أن يحفظ لنفسه مكاناً في المشهد السياسي العراقي خلال السنوات المقبلة، على الرغم من أنه يردف قائلاً إن (الجلبي) سعى منذ عودته إلى بلاده خلال العام الماضي لتثبيت قدميه في المجالين السياسي والاقتصادي في العراق سواء بسواء.
وأضاف الكاتب أن نجاح (الجلبي) في الاستيلاء على الملفات السرية التي كان يمتلكها جهاز المخابرات العراقي في عهد صدام حسين مكنه من امتلاك أداة فعالة في إرهاب خصومه السياسيين، مشيراً إلى أنه يعمل على الاضطلاع بدور في إثارة النعرة الطائفية في صفوف الشيعة.
وشدد على أن هذا السياسي العراقي نجح في الوقت نفسه في الحفاظ على علاقاته بحلفائه في الخارج، مشيراً إلى أن هؤلاء الحلفاء لا يتمثلون فقط في مفكري تيار (المحافظون الجدد) في (البنتاجون)، إلى جانب المؤسسات البحثية اليمينية في واشنطن التي لا تزال ترى أنه كان من المفترض تنصيب هذا الرجل على قمة السلطة في بغداد قبل أكثر من عام بقليل، وإنما يشمل هؤلاء الحلفاء عدداً من العناصر الأكثر تشدداً في دولة جارة للعراق.
إرث الثروة والسلطة
ويمضي (كوكبورن) قائلاً إن التزاوج ما بين السياسة والاقتصاد أمر يعد من بين تقاليد العائلة التي ينتمي إليها (أحمد الجلبي)، مستعرضاً في هذا الصدد تاريخ تلك العائلة التي كان لها شأن كبير في عراق ما قبل قيام ثورة عام 1958، الذي كان يخضع لنظام ملكي تحت السيطرة البريطانية منذ العشرينيات من القرن الماضي.
وقال الكاتب إن هذه العائلة ربما كانت تعد الأكثر ثراء في العراق خلال تلك الحقبة حيث إن عميدها وهو جد (الجلبي) الحالي كان يعمل في بلدة (الكاظمية) القريبة من بغداد في مجال جمع الضرائب من المزارعين مقابل الحصول على نسبة من الضريبة، ويستعين (كوكبورن) في هذا المضمار بما أورده المؤرخ العراقي (حنا بطاطو) حول ذلك الرجل الذي يصفه بأنه كان قاسي القلب وكان لا يتحرك إلا ومعه حراس شاهرو السلاح.
ويضيف بطاطو n كما ينقل عنه كاتب المقال أنه كان لدى (الجلبي) الكبير سجن خاص به يديره هو بنفسه، وهذا كله جعل من وفاته حدثاً ساراً بالنسبة لسكان (الكاظمية).
ويواصل (بطاطو) استعراض مسيرة هذه العائلة قائلاً إن والد (أحمد الجلبي) عرف طريق النجاح والازدهار بعدما تمكن من تسوية مشكلة ديون كانت مستحقة على أحد الأفراد المهمين في العائلة المالكة في العراق، وهو ما جعله يتولى منصباً رسمياً رفيع المستوى فيما بعد، وكذلك مكنه أيضاً من تعزيز مكانته في الساحة الاقتصادية، فيما كان شقيقه أي عم الجلبي قد أصبح أكثر رجال البنوك نفوذاً في البلاد.
وخلص المؤرخ العراقي n الذي يورد الكاتب الأمريكي آراءه قائلاً إن نجاح أفراد عائلة (الجلبي) في المزج بمهارة ما بين النفوذ السياسي والنجاح الاقتصادي والاستفادة من كل جانب في تدعيم الجانب الآخر ساعدهم على زيادة ثروة الأسرة بشكل كبير في فترة وجيزة.
وبقيام ثورة 1958 في العراق فقدت تلك الأسرة كل ما كان لها من نفوذ هناك فانتقلت إلى لبنان حيث حرص أبناؤها على نطق لقبها بال(شين) وليس
بال(جيم) لتصبح (الشلبي) وليست (الجلبي) حسبما ينقل الكاتب عن أحد الزعماء العراقيين ممن كانوا في المنفى وكان هذا التغيير يرمي إلى إنجاح محاولات أبناء الأسرة للاندماج الكامل في المجتمع اللبناني وذلك بالنظر لأن اسم (شلبي ) مألوف أكثر هناك، وتوجت هذه الجهود بزواج (أحمد الجلبي) وأشقائه من بنات عدد من الأسر اللبنانية البارزة في أوساط الشيعة.
وأشار (كوكبورن) إلى أن (الجلبي) بدا في هذه الفترة كما لو كان قد قرر المضي قدماً على طريق العمل في السلك الجامعي، خاصة في ضوء تميزه الدراسي غير المنكور، حيث يكشف أحد أبناء عمومته أنه كان حريصاً على التفوق والتميز منذ حداثته إلى درجة أنه كان يغضب غضباً عارماً إذا ما تفوق عليه أحد في المدرسة الابتدائية .
وأوضح الكاتب أن (الجلبي) تخرج في عام 1970 من معهد (ماساتشيوستس) للتقنية في الولايات المتحدة، كما حصل على درجة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة شيكاغو، ثم عاد ليعمل مدرساً في الجامعة الأمريكية ببيروت حيث جذب الأنظار إليه في تلك الفترة بعد أن رآه الكثيرون (موسوعة متحركة).
ويواصل (كوكبورن) حديثه عن مشوار (الجلبي) بالقول إنه انتقل عام 1977 للعيش في الأردن حيث أسس بنك (البتراء) الذي أصبح في غضون عشر سنوات ثاني أكبر البنوك في البلاد وباتت لديه صلات بمشروعات وشركات واستثمارات عائلة (الجلبي) في بيروت وجنيف وواشنطن.
وأشار الكاتب إلى أن هذا البنك كان له قصب السبق في إدخال نظام بطاقات الائتمان وغيرها من التقنيات المصرفية الحديثة إلى الأردن.
وهكذا أصبح (أحمد الجلبي) كما يوضح الكاتب واحداً من أكثر رجال الأعمال ذوي التأثير في الأردن وأصبحت له صلات وثيقة مع العائلة المالكة في البلاد، وبدا الأمر للناظر من بعيد كما لو كان كل شيء على ما يرام.
فضيحة البتراء
ويصل بنا (كوكبورن) إلى الثاني من أغسطس عام 1989 وهو اليوم الذي تفجرت فيه فضيحة بنك البتراء عندما فرضت السلطات المصرفية الأردنية سيطرتها عليه بعد أن فشل في تنفيذ تعليماتها بشأن إيداع 30% من حصيلة النقد الأجنبي الموجودة لديه في البنك المركزي الأردني كما فعلت باقي البنوك الموجودة في الأردن حينذاك.
وبعد أسبوعين كاملين من اتخاذ السلطات الأردنية هذا الإجراء تمكن (الجلبي) من مغادرة البلاد معلناً أنه ذاهب ليقضي إجازة، وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه البنوك التي يمتلكها أشقاؤه في سويسرا ولبنان إفلاسها.
وبعد ثلاث سنوات كما يخبرنا (أندرو كوكبورن) كان الموعد في الأردن مع محاكمة (الجلبي) غيابياً مع 47 من شركائه في فضيحة البتراء، ومن ثم صدر عليه حكم بالسجن المؤبد لمدة اثنتين وعشرين عاماً بعد أن أدين بواحد وثلاثين اتهاماً من بينها الاختلاس والسرقة وإساءة استخدام أموال المودعين والمضاربة بالعملة.
ولكن ما جرى في الأردن لم يكن نهاية المطاف بالنسبة لهذا السياسي العراقي المثير للجدل، حيث سرعان ما نفض عنه غبار ما لحق به في عمّان بغية استنشاق عبير فرص جديدة في واشنطن، وينقل عنه (أندرو كوكبورن) ما قاله لأحد نشطاء المعارضة العراقية في المنفى عقب حرب الخليج الأولى عام 1991 من أن الإدارة الأمريكية تستعد لتخصيص أموال ضخمة لجماعات المعارضة العراقية مؤكداً ضرورة العمل من أجل الحصول على هذه الأموال.
وأضاف (كوكبورن) انه لم يمض وقت طويل حتى كان الجلبي قد نجح في الحصول على تمويل من المخابرات المركزية الأمريكية لإقامة تنظيم جديد يعارض نظام صدام حسين تحت اسم المؤتمر الوطني العراقي.
وأوضح الكاتب أنه على الرغم من أن قيادة هذا التنظيم كانت جماعية على المستوى النظري إلا أن الجلبي استأثر بكل شيء ولم يكن هذا مستغرباً في ضوء إدراك كل من تعاملوا معه عن قرب أنه يهوى دائماً أن يكون في كرسي السلطة.
وجه الجلبي وقلب صدام
وينقل كوكبورن عن سياسي عراقي بارز قوله إنه يتذكر في هذا الصدد أن قيادياً بعثياً كان قد هرب من العراق وفر إلى الخارج للانضمام للمعارضة قد قال للجلبي في أحد المؤتمرات التي عقدت بالعاصمة البريطانية لندن: ( يوجد في قلبك أيها الرجل صدام صغير).
وقال الكاتب إن من بين الإيجابيات التي وجدها رجال المخابرات الأمريكية في الجلبي أنه كان دون أي قواعد للقوة سواء داخل أو خارج العراق وهو ما جعله مقبولاً من الجميع لأنه لم يكن يمثل تهديداً لأحد وهكذا صار ضعفه أحد نقاط قوته على حد قول فرانك أندرسون الذي كان المسئول عن إدارة عمليات السي آي إيه في الشرق الأدنى.
ومن بين نقاط قوة الجلبي لدى الأمريكيين أيضا كانت أمواله، وفي هذا السياق أكد أحد عملاء المخابرات الأمريكية ل (أندرو كوكبورن) أن جميع من حضروا حفل تدشين المؤتمر الوطني العراقي في العاصمة النمساوية فيينا كانوا يظنون أنه تم تمويل هذا الحفل من خلال الأموال التي اختلسها الجلبي من بنك البتراء ولم يتصور أحد أن ال (سي.آي.أيه) هي التي تولت الإنفاق على الحفل..
ويقول الكاتب إنه سأل ذات مرة أحد من تولوا إجراء تحقيقات في قضية انهيار بنك البتراء عما إذا كانت الإدارة الأمريكية قد اهتمت بالتعرف على الملابسات الحقيقية لهذه القضية وما أثير حول الجلبي من اتهامات بالاحتيال فكانت إجابة هذا المحقق بالنفي.
وانتقل (كوكبورن) بعد ذلك للحديث عن تلك الخطة التي وضعها (الجلبي) عام 1995 لاستخدام المناطق الكردية في شمال العراق كنقطة انطلاق لإسقاط نظام صدام حسين وذلك من خلال دفع رشاوى لزعماء العشائر حول وبداخل مدينة الموصل للتمرد على نظام صدام، وهي الخطة التي أعادت للأذهان الخبرة السياسية التي اكتسبها الرجل خلال سنوات حياته الطويلة في بيروت والتي تعلم خلالها قواعد اللعبة السياسية.
ولكن الخطة فشلت في نهاية الأمر ويرجع ذلك كما يوضح الكاتب إلى أن زعماء العشائر تقاضوا الرشاوى ولم يحركوا ساكناً كما أن ضباط الاستخبارات الإيرانيين الذين حلو ضيوفاً على الجلبي في كردستان لم يلتزموا بتعهداتهم بشأن شن هجوم على النظام العراقي من الجنوب في نفس الوقت الذي تندلع فيه الثورة في الشمال، وهذا كله أدى إلى هزيمة التمرد الذي شاركت فيه ميليشيات تابعة للجلبي بالتعاون مع ميلشيات كردية خلال يومين فحسب.
وأوضح كوكبورن أن المخابرات الأمريكية شعرت بحنق شديد إزاء قيام أحمد الجلبي بتنفيذ مثل هذا المخطط دون الحصول على موافقتها، وهو ما دفع مسئولي المخابرات إلى تسريب أنباء تكشف عن أن الرجل يعد من بين عملائها بين العراقيين وهو ما أثار غضباً عارماً في شمال العراق.
ويضيف أنه بعد عام واحد من هذه الواقعة نشب خلاف بين الفصيلين الكرديين الرئيسيين في شمال العراق، واتسع الخلاف للدرجة التي دفعت أحد هذين الفصيلين لطلب العون من الرئيس العراقي السابق وهو ما أتاح الفرصة للقوات العراقية لدخول مدينة (أربيل) الكردية حيث قامت هذه القوات بتعقب أنصار المؤتمر الوطني العراقي والقضاء عليهم،أما أولئك الذين استطاعوا الهرب فقد تم جلبهم إلى واشنطن.
ويشير كوكبورن إلى أن السياسي العراقي سعى بعد أن شعر أنه بات منبوذاً من قبل مسانديه القدامى في ال(سي.آي.إيه) إلى توطيد صلاته مع حلفائه الجدد من تيار (المحافظون الجدد) الذين بدا واضحاً في منتصف التسعينيات أن من بين أهدافهم الرئيسية الإطاحة بنظام صدام حسين واحتلال العراق من أجل إعادة تشكيل ملامح منطقة الشرق الأوسط.
عداء غريب للعرب!
وهنا يستعين الكاتب بأحد قيادات المعارضة العراقية التي كانت سابقاً في المنفى قبل أن تعود إلى بغداد بعد سقوط نظام (صدام حسين) حيث يقول هذا القيادي إن (الجلبي) لاقى إعجاباً واضحاً في واشنطن لأنه (كان يمثل نموذجاًً مثالياً للعداء للعرب ولكل ما يؤمن به العالم العربي، لقد كانت له قدرة فريدة لم تتوافر للكثيرين من الساسة العرب فيما يتعلق بطلب الدعم والمساندة من إسرائيل وهو ما ساعده بعد ذلك في تدعيم موقفه في أروقة الإدارة الأمريكية).
وبعد أن يعيد كوكبورن إلقاء الضوء على عمق العلاقات التي تربط بين الجلبي وبين العديد من قيادات إحدى الدول التي على خلاف مع واشنطن تلك العلاقات التي يشير إلى أنها لم تحل دون نجاحه في إقامة علاقات لا تقل عنها قوة مع أقطاب تيار (المحافظون الجدد) في واشنطن ممن لا يزالون يرون أن الخطأ الأكبر لسلطات الاحتلال في العراق كان عدم تسليم هذا السياسي العراقي زمام الأمور في البلاد منذ البداية، بعد كل ذلك يختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى المساعي الحثيثة التي يبذلها أحمد الجلبي لتوطيد مكانته بين الشيعة لافتاً النظر في هذا الشأن إلى الهجوم الضاري الذي تشنه الصحيفة التابعة لحزبه على عدنان الباجه جي بزعم أن ذلك الأخير عمل على استبعاد مقتدى الصدر من عضوية مجلس الحكم الانتقالي، وأخيراً يبدو أن (أندرو كوكبورن) قد آثر أن ينهي مقاله بعبارة نسبها إلى مصدر عراقي واسع الاطلاع، يشير فيها هذا المصدر إلى أن الجلبي (يسعى لاستغلال ورقة بعض تيارات التطرف الشيعي بأقصى قدر ممكن وأنه لن يتورع عن تمزيق العراق أشلاء إذا كان ذلك سيصب في مصالحه وهو ما يجعله شديد الخطورة بالفعل).
أما صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) فقد نشرت تقريراً لمراسلتها في بغداد (آنيا سيزادلو) تناولت فيه بدورها الانقلاب الأمريكي على الجلبي، ذلك الرجل الذي كان أحد العوامل الرئيسية التي دفعت الإدارة الأمريكية لشن الحرب على العراق من خلال المعلومات التي قدمها لصناع القرار في واشنطن بشأن أسلحة الدمار التي كان يتهم النظام العراقي السابق بامتلاكها.
وأكدت (سيزادلو ) أنه لا يعد من قبيل المبالغة القول إن الجلبي أسهم في تغيير دفة التاريخ العراقي الحديث من خلال هذه المعلومات التي اعتبرت حجر الزاوية في اتخاذ القرار الأمريكي بشن الحرب للإطاحة بنظام صدام حسين.
وأشارت الكاتبة إلى أن تكشف عدم صحة هذه المعلومات ربما يكون قد جلب الوبال على رأس الجلبي، وذلك بعد أن أثار عدم العثور على أي دليل يثبت صحتها العديد من المشكلات للإدارة الأمريكية وخاصة مسئولي وزارة الدفاع الذين كان يرتبط معهم هذا الرجل بصلات وثيقة.
سبب آخر تقول ( سيزادلو) إنه قد يكون من بين الدوافع التي حدت بواشنطن لاتخاذ إجراءات صارمة بحق الجلبي خلال الفترة الماضية ألا وهو اتهامات المسئولين الأمريكيين له بعرقلة التحقيقات الجارية في المخالفات المالية المتعلقة ببرنامج النفط مقابل الغذاء الذي كان سارياً خلال عهد صدام، وهي الاتهامات التي قابلها الجلبي بالتأكيد على أن دوره في فتح التحقيق حول هذه القضية كان من بين أسباب المداهمة التي تعرض لها منزله وعدد من مقار حزبه مؤخراً.
الزعيم الجديد!
وتواصل سيزادلو مقالها قائلة إن العراقيين ينظرون باستخفاف وازدراء للجلبي ويحملونه مسئولية كافة السلبيات التي يعانون منها في حياتهم اليومية من عمليات اختطاف إلى ظاهرة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربي!.
وتشير إلى أن (أحمد الجلبي) نفسه بدأ منذ عدة اشهر في اتخاذ مواقف مغايرة لمواقف الإدارة الأمريكية، وهو ما تعزوه (سيزادلو ) إلى إدراك الرجل أنه مستبعد من كافة الترتيبات الخاصة بالحكومة الانتقالية التي يتولى الأخضر الإبراهيمي مهمة تشكيلها بالتشاور مع الولايات المتحدة وبريطانيا وأعضاء مجلس الحكم.
وأشارت إلى أنه بينما تتسارع وتيرة الجهود الرامية لتشكيل هذه الحكومة تصاعدت الانتقادات التي يوجهها الجلبي للإدارة الأمريكية وللأمم المتحدة مطالباً بدور أكبر للقوى الممثلة في مجلس الحكم، وهو ما تزامن مع هجمات حادة شنها السياسي العراقي ضد المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي.
وتورد سيزادلو في هذا الصدد فقرات من مقال نشر في الصحيفة الناطقة بلسان الحزب الذي يتزعمه الجلبي وهو مقال يتضمن هجوماً لاذعاً وقاسياً على الإبراهيمي من خلال اتهام موظفي الأمم المتحدة بأنهم (عملاء مزدوجون يتقاضون رشاوى من الإدارة الأمريكية وفلول النظام العراقي السابق) سواء بسواء، ويمضي المقال متهماً الإبراهيمي بالتآمر مع (سادته الأمريكيين) للحيلولة دون تنظيم انتخابات عامة في العراق.
وقد اتهم حزب المؤتمر الذي يتزعمه الجلبي المبعوث الدولي بكافة التهم الممكنة بدءاً من التصرف بوقاحة وصولاً إلى تدبير مؤامرة بالمشاركة مع الحكومة الأردنية.
وتؤكد سيزادلو أن اعتراضات الجلبي على خطة نقل السلطة ليست مفاجئة خاصة أنها تفقده كل تأثير كان يتمتع به، إلا أن تحوله فجأة إلى زعيم يناصب الأمريكيين العداء أمر لن ينطلي سوى على عدد محدود من العراقيين، بينما يرى الكثيرون منهم أن ما تعرض له الجلبي من عملية مداهمة ليست سوى محاولة للفت أنظار العراقيين بعيداً عن الأحداث التي تجرى في بلادهم وهو ما أكد عليه (سعد جواد) أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد.
ويطرح جواد رؤية مغايرة للأسباب التي دفعت القوات الأمريكية للإغارة على منزل الجلبي ألا وهو محاولة إدارة بوش إنقاذ مكانة ومصداقية هذا الرجل في العراق باعتباره صار ضحية لممارسات القوات الأمريكية، وإقناع العراقيين بأنه صار لديهم زعيم جديد يرفع راية العداء للولايات المتحدة.
ولكن وفي ختام المقال تنقل (آنيا سيزادلو) عن الخبير السياسي (سعد جواد) تأكيده على أن (العراقيين ليسوا سذجاً) حتى يقتنعوا بمثل هذا التحول المفاجئ من النقيض إلى النقيض.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|