|
الافتتاحية من يداوي هذا الجرح..؟!
|
وجوه شاحبة..
وأجسام أنهكها التعب..
يتسكعون في الشوارع..
وأمام إشارات المرور..
بأثيابهم الرثة..
ومظهرهم المثير للشفقة والحزن..
***
سحنات بعضهم لا توحي بأنهم من السعوديين.. وهناك على ما يبدو تآخٍ فيما بينهم لممارسة التسول على نحو ما نراه عند إشارات المرور..
دون وجود رقيب أو حسيب..
أو سلطة تحول بينهم وبين هذا التعود غير المستحب للبحث عن لقمة العيش..
***
لا توجد عندي إحصاءات بأعدادهم..
ولا تتوافر بين يديَّ معلومات عن جنسياتهم..
وأكاد أجزم أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ليست هي الأخرى بأحسن حالاً مني..
وأنه قد أعياها التعب من ملاحقتهم..
ودب بمسؤوليها اليأس من جدوى الاستمرار في مطاردتهم..
فتوقف جهدها حيث هو الآن..
ومن ثم تكاثر المتسولون بشكل لافت ومخيف..
***
هل توجد دراسات لتطويق هذه الحالة المسيئة للوطن؟..
وهل هناك جهود تبذل للحيلولة دون استفحال هذه الظاهرة؟..
هل كل هؤلاء الذين يمدون أيديهم لنا لهم الحق في زكوات القادرين منا ومساعداتهم؟..
وهل هذا البؤس الذي نراه على وجوه هؤلاء المتسولين ومظهرهم حقيقة أم مصطنع وادعاء؟..
لا أدري..
وأكاد أجزم أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مثلها مثلي!!..
***
وأسأل بعد كل هذا :
بماذا نفسر هذا الذي نراه في طفل لم يبلغ العاشرة من عمره وهو يمد يده مستجدياً ومتوسلاً لكل منا؟..
ومن مسن قد تجاوز السبعين من عمره ويخطو نحو الثمانين وقد اضطر أن يذل نفسه بفعل حاجته ربما إلى شيء من نقودنا؟..
وماذا نقول عن فتاة في مقتبل العمر وهي تقضي ليلها عند إشارات المرور مع رضيعها بأمل أن نجود لها بشيء يعالج مأساتها ويساعدها وصغارها في هذه الحياة؟..
***
شهر رمضان على الأبواب..
ومعه تزداد أعداد هؤلاء..
ولابد من نفرة لمعالجة الفقر ومساعدة الفقراء..
والتصدي لآثاره المدمرة..
وذلك بتلمس متطلبات البؤساء في مجتمعنا ومن ثم تحقيقها لهم..
وبمثل هذه المعالجة لن نرى بحول الله ظاهرة التسول في شوارعنا..
وستختفي هذه الوجوه الشاحبة..
وستغيب مشاهد الألم عن أنظارنا..
وعندئذٍ سنحتفظ لهؤلاء بكراماتهم وآدميتهم وإنسانيتهم..
ونبقي الوطن نظيفاً من تشويه مصطنع ومفتعل في جزء منه..
***
والسؤال:
أليس هؤلاء هم الأحق بمساعداتنا وزكواتنا؟
بلى والله!!.
خالد المالك
|
|
|
وهكذا دواليك ساردين عبدالباسط شاطرابي
|
السيد «لهفان» حالة عجيبة من البشر!!
هو شخص كثير التشهّي للأشياء.. ولكن في غير زمانها ومكانها!
يطلب لبن العصفور في وقت هجرة العصافير فلا عصفور يمكن حلبه!
يتشهى برتقال أبوصُرّة في عز الصيف، فإذا جاء الشتاء تراه يبحث لاهثاً عن البطيخ!
عنده رغبات جامحة تجاه الأشياء في غير أوانها.. فإذا جاء أوانها انصرف عنها إلى تلك التي ذهب أوانها!!
عرفت عن «لهفان» تشهيه العجيب للأشياء، وعرفت عنه كذلك ميزة أخرى تختلف عن تقلباته المعهودة، وهي تعلقه الغريب بالساردين!
طول العام ولهفان متعلق بالساردين، يأكله صيفاً وشتاءً وربيعاً وخريفاً. جميع وجباته لابد أن تحوي قدراً من الساردين، تفرز غدده الموجودة أسفل لسانه عشرات اللترات من اللعاب الصافي بمجرد ورود اسم الساردين، وجوده في أي حي سكني معناه حدوث نقص في كميات الساردين المعروضة في البقالات، ف«لهفان» لا يشتري الساردين بالعلبة والعلبتين، انه يحصده بالدرزن، وكثيراً ما يطلب كل الكمية الموجودة على رف البقالة فلا تفي بحاجته فيذهب إلى البقالة المجاورة.. وهكذا..
كان ذلك منذ سنوات طويلة خلت.. ولأن دوام الحال من المحال، ولأن السيد لهفان شأن كل حي يتغير مع الزمن، فقد حدث انقلاب في حياته.
صار الرجل العدو الأول للساردين. يطلق ساقيه للريح كلما سمع كلمة ساردين، لا يمر من أمام أي بقالة إلا ويجفل إذا رآها تعرض الساردين أو حتى الفسيخ والأسماك المجففة بأنواعها.
يقول العارفون ببواطن الأمور، وكذلك المحللون الصحفيون والاستخباراتيون ومراسلو القنوات الفضائية وخبراء الاستراتيجيات: إن السر في تحول «لهفان» لم يكن القناعة بمضار المعلبات والمواد الحافظة، ولا هو انحياز لمريم نور في العودة إلى الطبيعة.
لقد كان السبب هو رسالة وصلته من احد الخبثاء المجهولين يقول فيها ان صاحبنا سيتعرض إلى كارثة بسبب علبة ساردين ملغومة، وأن نوع التلغيم سيكون جديداً بحيث تكون الكارثة فريدة من نوعها، وأن لهفان سيتحول إلى هباء منثور بعد تعامله مع تلك العلبة.. وأنه سيندم على اليوم الذي تعلق قلبه فيه بحب الساردين.
.. هكذا آثر الرجل السلامة.. وتاب من الساردين توبة نصوحاً.
وتحول حبه الأوحد إلى كراهية.. وقطع العهد على النفس بمعاداة «الساردينية» إلى أبد الآبدين!!
shatrabi@aljazirah.com.sa
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|