في الواقع يوضح لنا فيلم (بعد التعديل) للمخرج دي بالما ميشاندلس الكثير من دراما جرائم الحرب. حيث اتخذت الأفلام التي تم إنتاجها عن العراق شكلين أساسيين: الشكل الأول منها وثائقي شديد الحساسية، أما الآخر فهو تصويري حقق نجاحاً مذهلاً. وقد استطاع برايان دي بالما أن يوظف الشكلين معاً في توليفة واحدة في فيلم عن الاحتلال العسكري كان له صدى قوي.
تم تقديم فيلم (بعد التعديل) وكأنه تسجيل لكاميرا فيديو لأحد العسكريين الأمريكيين. وكانت فرصة عظيمة لإثارة موضوع سياسي على شاشة التليفزيون بلغة العصر. يأخذك الفيلم أيضاً في جولة وحشية لمواقع إرهابية على شبكة الإنترنت، ومذكرات الجنود وسجلات أمنية مصورة بالفيديو. وعلى كل حال، نجد أن خلف الكاميرا نفس الرجل الذي سبق أن قدم لنا فيلم (المنبوذين) و(غطاء الوجه) و(مهمة مستحيلة).
عملية اغتصاب حقيقية
هذا العمل العظيم، اعتمد على عملية اغتصاب حقيقية وقتل فتاة عراقية في سن المراهقة على أيدي جنود أمريكيين في 2006، وجذب القليل من التعليق السياسي والمحتوى الدرامي. ولكن الفيلم لا يضيف لنا شيئاً يذكر، فهو لم يكشف لنا عن آفاق جديدة بقدر ما يعكس تجربة الحرب كما نعرفها بالفعل.
تم تصوير فيلم (بعد التعديل) بكاميرات فيديو ذات حساسية عالية، حيث يقوم أنجيل سالازار (إيزى دياز)، وهو مراسل حربي، له وجه طفل برّاق والذي اعتقد أن فيلمه الفيديو سيتحول إلى فيلم واقعي في المستقبل, وحوله مجموعة من الأصدقاء ونماذج من خمسة أفراد إباحيين يحاولون البقاء أحياء كل يوم عند نقاط التفتيش العسكرية. وعندما يظهر فلاك (باتريك كارول) متظاهراً بالقليل من القوة أثناء زيارة بشعة لأحد المنازل، حيث يبدأ سلسلة من عمليات الإرهاب وهو الحدث الرئيسي الذي يقوم عليه الفيلم. يقود أنجيل سيارته، وتقوم الكاميرا بالتصوير، بينما نعيش نحن في سلسلة من التكهنات المروعة.
يمزج الفيلم بين ما سجله أنجيل في مفكرته ومقتطفات من وثيقة فرنسية لموقع إرهابي على شبكة الإنترنت من خلال كاميرات أمنية، حيث يصل إلى حد محاكاة عادية لبعض أحداث حرب فيتنام والتي سبق عرضها في أفلام العام الماضي.
نظرات ماكرة
يظهر رش (دانيال ستيوارت شيرمان) ذو النظرات الماكرة ويبدو وكأنه من أصل (فنسنت دونوفريو) لقصر قامته وبدانته، بينما يظهر بال في سترة معدنية كاملة مثل ستانلي كوبريك. ثم تبدأ معركة ضمير بين فلاك ومكوي (روب ديفاني) المحامي وهو قناص ماهر، حيث تتشابه مع المواجهة التي تمت بين ويليام دافوى وتوم برنجر في فيلم (العصبة) لأوليفر ستون. من الصعب أن تتعاطف مع مثل هذه المخلوقات؛ فهم أشبه بمجرد لعبة X/O في فيلم ثقيل التكتيكات.
الأسباب التي دفعت دي بالما لإخراج فيلم (بعد التعديل)، كما ذكر في أحاديث من قبل، يرجع إلى رغبته في تنبيه الجمهور إلى التجاوزات الأمريكية، والتي لأسباب قانونية، لا يستطيع أن يكشفها في فيلم وثائقي. كما أنه يريد إلقاء الضوء على الأقوال المغلوطة حول حقيقة ما بعد تحديث العراق، مستخدماً المدونات والتسجيلات التصويرية على الإنترنت الخاصة بجنود في الميدان بالإضافة إلى أشياء أخرى.
سخرية محبطة
لا يضيف فيلم (بعد التعديل) شيئاً إلى ما شاهدناه في الأفلام الوثائقية الأخرى مثل (قصر الرامي) و(العراق في كلمات) و(بلادي بلادي) أو ما رأيناه في وسائل الإعلام الأخرى بما في ذلك الإنترنت. وكما هو الحال في فيلم (ضحايا الحرب) الذي أخرجه دي بالما عام 1989، تكمن سخرية محبطة بين أهداف المخرج وما يعرضه الفيلم بصراحة. ففي فيلم (الضحايا) يختطف أربعة جنود أمريكيين سيدة فيتنامية شابة ويغتصبونها ثم يقتلونها، بينما يعترض الجندي الخامس أخلاقياً عما يفعله زملاؤه. ولكننا نشعر بالتقزز من تلك المشاهد، فمن الصعب الاعتقاد أنها تضيف شيئاً يستحق المشاهدة. ونفس الشعور ينتابك في فيلم (بعد التعديل). فهل يوجد سبب وجيه يجعلنا نشاهد مثل تلك الفتاة العراقية البائسة وأسرتها وهم يواجهون مصيرهم المحتوم؟ من المؤكد أنها ليست مسألة عدم القدرة على الانتظار، بينما ينتهي سالازار إلى أن تصوير ما لا يمكن قوله، يمكنه جذب انتباه المشاهد. وبدلاً من شعور الغضب الذي ينتظره دي بالما من الجمهور، نشعر بمجرد الخوف والرعب من أحداث شاء القدر أن تحدث بالفعل.