|
حقوق الإنسان بين أمريكا وبريطانيا |
ما رأيناه من صور عن الممارسات الوحشية..
ومن لقطات مصورة عن العدوان الأمريكي الآثم..
حيث يجري تعذيب العراقيين بلا رحمة أو رأفة..
بمثل ذلك الأسلوب الذي يندي له الجبين..
وبهذا العمل المشين الذي تقشعر له الأبدان..
حيث لا التزام بمبادئ حقوق الإنسان..
أو رحمة بمن لا حول لهم ولا قوة للدفاع عن أنفسهم وهم قابعون في سجون الاحتلال المظلمة في العراق الجريح..
أقول إن ما رأيناه وما عرض علينا من مشاهد دامية، ليس بالضرورة أن يكون كل ما جرى ويجري من تعذيب للسجناء داخل السجون هناك..
فقد يكون هناك من يمارس ما هو أكثر قوة وأشد تنكيلاً في سلطة الاحتلال مما كان يمارسه صدام حسين قبل زواله وزوال حكمه..
***
لكن ماذا تفيد في مثل هذا الموقف وأمام تلك المشاهد دموع الرئيس بوش والسيد بلير..
وتأكيدهما على أن من قام بهذا العمل المشين سوف تتم محاسبته..
وكم من صور أخرى أخفاها الرقيب حتى لا تُظهر صورة الاحتلال البغيض على حقيقتها أمام عدسات المصورين..
وأين هي مزاعم الدولتين بالترويج لحقوق الإنسان والانتصار لشعب العراق ضد حُكْمٍ وحاكم فاسد..
وكيف يمكن بعد كل الذي رأيناه من إهانة لكرامة الإنسان أن تُجمَّل صورة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ويُحسَّن وجه تعامل الدولتين مع الأسرى والمساجين..
***
بعض أسئلة قاتلة..
تنتصب أمامنا حول ما يجري هناك..
بمثل هذا الخزي..
وفي مثل هذا التعامل القبيح..
لتعيد إلينا صورة الاستعمار من جديد..
بظلمه وظلامه وتاريخه الملطخ بالدماء..
ليذكّرنا ذلك كما لو أن هذا التاريخ القبيح يعيد نفسه بماضيه الأسود حين كانت الشعوب تحت العبودية وسطوة الاستعمار..
***
ما رأيناه يعد صورة لمرحلة قاتمة في تاريخ الإنسانية ليعزز بذلك ويؤصل الكراهية والحقد بين الدول وعلى مستوى الأفراد..
فضلاً عن أنه لا يساعد كما كنا نتمنى على استتباب الأمن في العالم، وإنما يوفر بيئة صالحة لتفريخ ما هو ضده في فترة زمنية يواجه فيها العقلاء الحرب مع الإرهاب..
وعلى أمريكا بعد ذلك ومثلها بريطانيا في ضوء ما رأيناه أن يفتحا السجون العراقية دون إبطاء أمام لجان حقوق الإنسان للتثبت من حقيقة أوضاع من أودعوا فيها من العراقيين..
وأن يُقتص عاجلاً لا آجلاً ممن عذب العراقيين بلا رحمة وبما يعيد لهم حقهم وكرامتهم ضمن تطبيق سيادة القانون على الجميع..
***
فهل تسمح أمريكا ومثلها بريطانيا لجهة مستقلة بالوقوف على حقيقة الأوضاع في السجون المكتظة بالعراقيين، لإجراء تحقيق أمين ونزيه بديلاً للدموع وإبداء مشاعر الحزن على ما عرض عن سوء المعاملة والتنكيل بأبناء العراق من قبل أفراد من عناصر الاحتلال يفتقدون الى الحس الإنساني ويتصرفون كما تتصرف الوحوش؟
هذا أقل ما يجب أن تفعله أمريكا..
أقل ما يجب أن تلتزم به بريطانيا..
إن كان قد بقي شيء من الحياء.
خالد المالك
|
|
|
تصدع التحالف الذى تقوده امريكا ضربة ثاباتيرو القاصمة تقوض جهود بوش لتوريط الناتو في العراق |
* إعداد إسلام السعدني
جاء القرار الذي اتخذته الحكومة الجديدة في مدريد برئاسة (خوسيه لويس ثاباتيرو) بسحب القوات الإسبانية المنتشرة حاليا في العراق، والذي أعقبه البدء الفعلي لسحب هذه القوات بمثابة ضربة قاصمة لمحاولات الإدارة الأمريكية الحفاظ على تماسك التحالف الذي تقوده حاليا في عراق ما بعد صدام حسين، وهو التحالف الذي يزداد تفككه يوما بعد يوم..
وكان من الطبيعي أن تفرض هذه القضية نفسها على مختلف الصحف العالمية خلال الأيام الماضية، ومن بين المقالات التي نشرت في هذا الصدد، مقال نشرته صحيفة (كريستيان ساينس مونيتورز) للكاتب (ديفيد فورد)، والذي يتمحور حول محاولة الحصول على إجابة لتساؤل مهم مفاده: هل ستسير باقي دول التحالف على ذات الدرب الإسباني وترحل عن العراق؟.
ويستهل (فورد) مقاله قائلا إنه (على الرغم من أن أحدا لن يلاحظ اختفاء القوات الإسبانية من شوارع المدن العراقية التي كانت ترابط فيها، خاصة وأن حجم هذه القوات لا يتجاوز 1% من حجم قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، إلا أن قرار الانسحاب الذي اتخذه رئيس الوزراء الإسباني الجديد سيثير عواصف من الشك ويهدد بنيان هذا التحالف حيث سيدفع هذا القرار حكومات البلدان المشاركة فيه إلى إعادة النظر في التزاماتها إزائه في ضوء موجة العنف الحالية في الأراضي العراقية والمستقبل المبهم الذي ينتظر البلاد).
ويكشف الكاتب النقاب عن أن أحد أهم تداعيات قرار مدريد الأخير أنه بدد تقريبا آمال الإدارة الأمريكية في حمل حلف شمال الأطلنطي (الناتو) على الاضطلاع بدور في جنوب العراق.
وفي هذا الإطار ينقل (فورد) عن (جاري سامور) أحد مستشاري البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي السابق (بيل كلينتون) قوله إن (استمرار الاضطرابات في العراق سيزيد من تحفظات الدول التي تشارك بصورة رمزية) في قوات التحالف.
ويضيف (سامور) الذي يعمل حاليا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن أن هذه التحفظات ستتصاعد بصفة خاصة حال تعرض قوات هذه الدول لأي هجوم.
الانسحاب الإسباني
وفيما يعد تأكيدا على رؤيته الخاصة بأن الانسحاب الإسباني سيكون له تأثير حتمي من الوجهة السياسية على باقي الدول التي شاركت في الحرب الأنجلو أمريكية على العراق يشير (بيتر فورد) إلى ذلك التصريح الذي أدلت به (كوندليزا رايس) مستشارة الأمن القومي الأمريكي غداة الخطوة الإسبانية الأخيرة، والذي اعترفت فيه (رايس) بأن واشنطن تدرك أن هناك دولا أخرى غير إسبانيا ستبدأ في إعادة تقييم الموقف في العراق، لبحث المخاطر التي تواجه قواتها هناك، مضيفة أن الإدارة الأمريكية تعلم أنه من الممكن أن يطرأ بعض التغيير على قوات التحالف.
ومن هنا يشير الكاتب إلى ما أكده عدد من المحللين من أنه بالرغم من التأثير العسكري المحدود الذي قد تخلفه أي عمليات انسحاب أخرى من العراق، إلا أن مثل هذه العمليات ستشكل رسالة مدمرة من الناحية السياسية وخاصة فيما يتعلق بالطريقة التي تتبعها القوات الأمريكية لمواجهة العمليات المسلحة المناهضة لقوات التحالف، وينقل (فورد) عن هؤلاء المحللين قولهم إن حدوث مثل هذه الانسحابات سيعد مؤشرا على انعدام ثقة العديد من الدول في صحة الرؤية التي تتبناها إدارة بوش بشأن مستقبل العراق السياسي.
ويلقي (فورد) الضوء في مقاله على الأجواء التي أحاطت بقرار (ثاباتيرو) وخاصة المفاجأة التي أعدها رئيس الوزراء الإسباني الجديد لكافة المراقبين من خلال إعلانه في اليوم التالي مباشرة لتسلمه مقاليد السلطة في مدريد اعتزامه الانسحاب من العراق في أسرع وقت ممكن، حتى دون انتظار صدور قرار دولي جديد حول الملف العراقي، وهو القرار الذي كانت تأمل الولايات المتحدة في أنه سيمنح الشرعية للخطط التي وضعتها بشأن عراق ما بعد الحرب.
ويشير (فورد) في هذا الصدد إلى الآراء التي طرحها المراقبون السياسيون في إسبانيا حول أسباب السرعة التي تم بها إعلان القرار، حيث يوضح هؤلاء أن هذه السرعة كانت مقصودة من جانب (ثاباتيرو) حتى يؤكد أنه أوفى بالتعهدات التي قطعها على نفسه أمام مواطنيه خلال الحملة الانتخابية، وكذلك للحصول على دعم سياسي قبل خوض انتخابات البرلمان الأوروبي.
ومن بين هؤلاء المراقبين والمحللين كان (فلورينتينو بورتيرو) الباحث في مجموعة الدراسات الاستراتيجية المستقلة في مدريد والذي يقول إن المرء يمكنه أن يستنتج أن (ثاباتيرو) أدرك من خلال الاتصالات التي أجراها مع الرئيس الأمريكي (بوش) ووزير خارجيته (باول) خلال الفترة الأخيرة أن صدور قرار دولي جديد حول العراق يتضمن البنود التي كان يرغب فيها رئيس الوزراء الإسباني الجديد يعد أمرا مستحيلا ولذا فقد رأى أن انتظار صدور مثل هذا القرار قبل القيام بخطوة سحب القوات يعتبر انتظارا لا طائل من ورائه.
المعروف أن (ثاباتيرو) كان قد أعلن أمام البرلمان الإسباني أنه يرغب في أن يتم استصدار قرار من الأمم المتحدة يجيز للمنظمة الدولية تولي قيادة قوة دولية تنتشر في العراق، وهو ما يبدو مستحيلا في ضوء رفض الأمم المتحدة التورط في منطقة حرب لا تزال مشتعلة، ومعارضتها السعي من أجل حفظ السلام في مكان يفتقر لكل مقومات صنع السلام.
في الوقت نفسه، يوضح (فورد) أن مطلب إسناد دور أكبر للأمم المتحدة في عراق ما بعد الحرب لم يقتصر على الدول غير المشاركة في التحالف فحسب، بل امتد إلى الدول المشاركة فيه، وحتى بريطانيا أقرب حلفاء الولايات المتحدة على الإطلاق في الفترة الراهنة، دعت على لسان رئيس وزرائها (توني بلير) إلى اضطلاع المنظمة الدولية بمثل هذا الدور.
وفي هذا الشأن، ينقل (فورد) عن (فرانسوا هيسبورج) مدير مؤسسة الدراسات الاستراتيجية في باريس قوله إنه (على الرغم من أن ما فعلته إسبانيا يعد حالة خاصة، إلا أن العديد من الدول ستتابع عن كثب مجريات الأمور في الأمم المتحدة وإمكانية إجراء عملية متماسكة ومترابطة لنقل السلطة في العراق من أجل تسليم السيادة إلى حكومة انتقالية هناك بحلول الأول من يوليو القادم.. وهذا سيعد عاملا حاسما في المسألة برمتها).
ويشير الكاتب في مقاله إلى أن (الأخضر الإبراهيمي) المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى العراق حصل على موافقة مبدئية من قبل الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية على خطته الخاصة بحل مجلس الحكم الانتقالي العراقي الذي عين من قبل الولايات المتحدة في الأول من يوليو لتحل محله حكومة انتقالية تحظى بتفويض من جانب المنظمة الدولية وتتكون من وزراء من التكنوقراط، وتتولى هذه الحكومة مهمة الإعداد لإجراء انتخابات عامة في البلاد أوائل العام القادم.
مأزق الأمم المتحدة
ويوضح (فورد) أن السؤال المحوري الذي يشغل بال أغلب الدول المشاركة في التحالف الذي تقوده أمريكا في العراق هو ما إذا كانت الأمم المتحدة قادرة على انتقاء شخصيات تحظى بالقبول من الزعامات السياسية الرئيسية في العراق حتى يمكن أن تضطلع هذه الشخصيات بدور في الحكومة الانتقالية التي سيتم تشكيلها لتسلم السلطة في بغداد أم لا؟.. وفي هذا الشأن، يحذر (فرانسوا هيسبورج) من أنه إذا فشلت الأمم المتحدة في التعامل بكفاءة مع الوضع الراهن في العراق، وبدا الأمر كما لو كانت البلاد على شفا اندلاع حرب أهلية فإن ذلك سيؤدي إلى أن تسارع القوات الأجنبية بالخروج من العراق.
ويضيف من جهة أخرى، أن الولايات المتحدة ستظل على الرغم من نقل السلطة المرتقب في العراق صاحبة اليد العليا فيما يتعلق بالأوضاع الأمنية هناك، موضحا في الوقت نفسه أن واشنطن تبذل حاليا جهودا مكثفة من وراء الكواليس لإقناع مسؤولي حلف (الناتو) في بروكسل بالمشاركة في العمليات الجارية في الأراضي العراقية بغية تخفيف العبء الملقى على عاتق القوات الأمريكية، إلا أن هذه الجهود منيت بانتكاسة كبيرة على ما يبدو بفعل القرار الإسباني الأخير.
ويعود (فورد) للاستعانة بآراء (جاري سامور) في هذا الشأن، حيث يقول (سامور) إن (ما قامت به إسبانيا سيجعل من المتعذر الحصول على موافقة (الناتو) على المشاركة في العمليات الجارية في العراق، وخاصة إذا ما وضع المرء في اعتباره التحفظات الفرنسية والألمانية المبدئية على هذا الأمر).
وينتقل الكاتب بعد ذلك للحديث عن أن بريطانيا وبولندا اللتين تشكل قواتهما الحجم الأكبر في قوات التحالف بعد الولايات المتحدة لا تزالان تعتزمان البقاء في العراق، مشيرا إلى أن إيطاليا أعلنت التزامها بموقف مماثل.
ويمضي (فورد) قائلا إن الدول الأوروبية الصغيرة المشاركة في التحالف أعلنت بدورها اعتزامها إبقاء قواتها في العراق، إلا أن هذه الدول تحرص في الوقت نفسه على أن تظل قواتها بعيدة بقدر الإمكان عن المناطق المحفوفة بالخطر في الأراضي العراقية.
ويضرب مثالا على ذلك بالمجر التي أعلن (أندراس بالو) أحد كبار مستشاري رئيس وزرائها أن بودابست ليست لديها أي نية للانسحاب من العراق، إلا أن (بالو) أشار في الوقت نفسه إلى أن بلاده حصرت المهام التي تضطلع بها قواتها البالغ قوامها ثلاثمائة عنصر في مجال النقل فحسب وذلك لأن (الظروف الأمنية لا تسمح لهذه القوات بالقيام بمهام أكبر في الوقت الحالي).
وتناول الكاتب في مقاله تلك المخاوف التي تهيمن على قوات العديد من الدول المشاركة في التحالف إزاء الطريقة العنيفة التي تتبعها القوات الأمريكية في التعامل مع الاضطرابات الحالية في العراق، مشيرا في هذا الصدد إلى ما قاله (هيسبورج) من أن الدول التي تنشر قواتها في الأراضي العراقية ستسعى بمرور الوقت إلى النأي بنفسها عن أن تعمل بشكل مباشر وفقا للقرارات الميدانية التي يتخذها المسؤولون العسكريون الأمريكيون.
ويضيف (هيسبورج) أن المسؤولين الإسبان لم يكونوا سعداء بالتأكيد وهم يرون قواتهم تواصل التعرض للمخاطر في عمليات يتخذ القرارات الخاصة بها ويقودها أمريكيون.
ويختتم (بيتر فورد) مقاله مشيرا إلى أن هناك مخاوف أخرى تلقي بظلالها حاليا على قوات التحالف في العراق إزاء العديد من التساؤلات التي لم تجد لها إجابة بعد، فيقول في هذا الصدد إن هناك شكوكا جدية ظهرت خلال الأيام الماضية بشأن مدى استعداد كوريا الجنوبية للوفاء بتعهدها الخاص بإرسال تعزيزات عسكرية يبلغ قوامها 3600 جندي إلى الأراضي العراقية، وهي التعزيزات التي ستجعل القوات الكورية الجنوبية ثالث أكبر قوة مرابطة في العراق بعد أمريكا وبريطانيا.
ويوضح الكاتب أن المخاوف المثارة في هذا الصدد نجمت عن تلك التصريحات التي أدلى بها مسئولو حزب (يوري) الليبرالي الذي فاز في الانتخابات التشريعية التي جرت في سول مؤخرا، حيث أكد هؤلاء المسؤولون ضرورة التعامل مع العمليات الجارية في عراق ما بعد الحرب بمنتهى الحرص تبعا لتطورات الوضع على الأرض هناك.
ولا يغفل (فورد) الإشارة إلى أن كوريا الجنوبية كانت قد رفضت من الأصل أن تتمركز قواتها في مدينة (الموصل) واصفة الوضع في المدينة بأنه شديد الخطورة.
مخاوف أخرى يتناولها (فورد) في ختام مقاله وهي تلك المتعلقة بوضع قوات دول أمريكا الوسطى مثل السلفادور بعد انسحاب القوات الإسبانية التي كانت قوات هذه الدول تعمل تحت إمرتها وتعتمد عليها فيما يتصل بمسألة الدعم اللوجيستي..
بوش.. ودش ساخن لثاباتيرو
أما الكاتب (تيم هاربر) فقد تناول في مقاله الذي نشرته صحيفة (تورنتو ستار) الكندية تلك المحاولات المكثفة التي تقوم بها إدارة الرئيس (بوش) حاليا لاحتواء تداعيات الخطوة الإسبانية وذلك من خلال السعي لاستخدام نفوذها على كافة الأصعدة للحيلولة دون قيام دول أخرى من تلك المشاركة في التحالف بالسير على الدرب الذي سارت عليه حكومة مدريد خاصة بعد أن ألمحت كل من هندوراس وجمهورية الدومنيكان أنها ستحذو حذو إسبانيا بطرق مختلفة.
ويشير (هاربر) إلى أن المخاوف التي تنتاب البيت الأبيض في هذا الصدد بدت واضحة من خلال اللهجة الفظة التي استخدمها الرئيس الأمريكي للإعراب عن خيبة أمله إزاء قرار إسبانيا خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بينه وبين رئيس الوزراء الإسباني قبل عدة أيام.
وقد أبلغ بوش ثاباتيرو خلال هذا الاتصال أن قرار مدريد بسحب عسكرييها البالغ عددهم 1300 عنصر من العراق يعطي (دعما غير مطلوب وغير صحيح للإرهابيين وأعداء الحرية في الأراضي العراقية).
ولم يكلف (سكوت ماكليلان) المتحدث باسم البيت الأبيض نفسه الكثير من العناء لصياغة ما دار في هذا الاتصال الذي لم يدم أكثر من خمس دقائق بعبارات دبلوماسية كما تجرى العادة بشأن التصريحات الخاصة بما يدور في المشاورات التي تجرى بين قادة الدول المختلفة.
وإلى جانب ذلك الاتصال الهاتفي، تحدث الرئيس الأمريكي في خطاب ألقاه لاحقا عن الهجمات التي استهدفت عددا من القطارات في العاصمة الإسبانية مدريد في الحادي عشر من الشهر الماضي قبل الانتخابات التشريعية التي فاز فيها (ثاباتيرو) بثلاثة أيام فحسب.
وقال (بوش) في معرض حديثه عن تلك الهجمات التي أودت بحياة 191 شخصا (إن الإرهابيين استخدموا العنف من أجل نشر مشاعر الخوف بيننا ومن أجل إفساد الانتخابات)، وأضاف قائلا (وهذا ما كانوا يسعون إليه.. فقد كانوا يريدون نشر الرعب في العالم المتحضر، لكي يدب الشقاق بين الدول المتحضرة وتبدأ هذه الدول في الجدل حول طبيعة المهمة) التي يتعين القيام بها ضد الإرهاب.
وتعهد الرئيس الأمريكي في ذلك الخطاب بألا تتردد الولايات المتحدة أو تهتز عزيمتها في مواجهة أي عمل إرهابي من هذا القبيل، كما أعلن الرئيس الأمريكي في هذا الخطاب تعيين (جون نجربونتي) مندوب أمريكا في الأمم المتحدة سفيرا لواشنطن في بغداد، حيث ستحل السفارة الأمريكية هناك التي ستكون الأضخم من نوعها في العالم محل سلطة التحالف المؤقتة التي يرأسها حاليا (بول بريمر) بحلول الثلاثين من يونيو القادم وهو الموعد المقرر لنقل السلطة للعراقيين.
من ناحية أخرى، يؤكد الصحفي الكندي أن وزارة الخارجية الأمريكية بدت وكأنها تقبلت بشكل مستسلم قرار هندوراس الخاص بسحب جنودها المنتشرين في الأراضي العراقية والبالغ عددهم 370 عسكريا في أقرب وقت ممكن، إلا أنه أشار في الوقت نفسه إلى التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول)، وأعرب فيه عن اعتقاده بأن دولة أو اثنتين فقط من بين الدول المشاركة في التحالف سوف تسير على درب إسبانيا وتسحب قواتها من العراق.
كما يلفت (هاربر) في مقاله الانتباه إلى ما تردد من خلال وكالات الأنباء خلال الأيام الماضية حول الاتصالات الهاتفية المكثفة التي أجرتها (كوندليزا رايس) مستشارة الأمن القومي الأمريكي مع عدد من وزراء خارجية دول التحالف للتحقق من مدى التزام دولهم بتعهداتها تجاه هذا التحالف.
وفي إطار استعراض الكاتب لردود أفعال مسؤولي الإدارة الأمريكية تجاه قرار إسبانيا، ينقل عن (ريتشارد باوتشر) المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قوله إنه أصيب بالدهشة إزاء الانسحاب الإسباني المفاجئ الذي ذكرت التقارير الواردة من مدريد أنه سيستكمل في غضون ستة أسابيع، إلا أنه يشير إلى أن (باوتشر) أقر في الوقت نفسه بأن لكل دولة الحق في إعادة النظر في الالتزامات التي سبق وأن قطعتها على نفسها في أي وقت تشاء .
وأكد (باوتشر) حسبما ينقل عنه الكاتب أنه من المؤكد أن تكون هندوراس قد تأثرت بالقرار الإسباني، ولكن المسؤول الأمريكي عاد ليحذر العراقيين الذين (صاروا يرون أن الوقت قد حان لرفع راية التحدي ضد قوات التحالف)، مشيرا إلى أنهم لن يجدوا أي وهن في القدرات العسكرية التي تمتلكها هذه القوات والتي تستخدمها في التصدي للمناهضين للوجود الأنجلو أمريكي.
وكان وزير خارجية هندوراس (ليونيداس روسا باوتيستاس) قد أعلن قبل اتخاذ قرار الانسحاب من العراق أن حكومته تعتزم إجراء عملية إعادة تقييم عاجلة للوضع الراهن في العراق.
أما (خوان أورلاندو هيرنانديز) النائب عن الحزب الحاكم فقد أشار إلى أنه على الرغم من أن القوات التي أرسلتها هندوراس إلى الأراضي العراقية قد ذهبت في مهمة لحفظ السلام وإعادة البناء، إلا أن الأوضاع هناك تموج حاليا باضطرابات مسلحة وهو ما يشكل خطرا على هذه القوات.
الباقون في العراق
وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى الحديث عن الوجه الآخر للعملة أي تلك المواقف التي اتخذتها الدول التي أعربت عن مساندتها للولايات المتحدة، ويستهل جولته في هذا الإطار من إيطاليا، التي أعلن رئيس وزرائها (سيلفيو برلسكوني) أنها لن تتردد في مواصلة القيام بمهامها في العراق قائلا إنه (من زاوية ما يمكن للمرء إدراك أن روما يمكنها أن تستفيد من كونها لا تزال تعتبر وعلى الرغم من كل ما يحدث في العراق الحليف الأوروبي الأقرب للولايات المتحدة التي تعد القوة العظمى الأولى في عالمنا اليوم)، وأشار (هاربر) إلى أن هذه التصريحات تأتي على الرغم من معارضة الرأي العام الإيطالي لبقاء الجنود الإيطاليين البالغ عددهم 2700 جندي في العراق إضافة إلى استمرار أزمة الرهائن الإيطاليين الثلاثة المحتجزين هناك.
ومن روما إلى وارسو، حيث يتناول (هاربر) موقفا آخر داعما لأمريكا ولكنه أقل صلابة عبّر عنه الرئيس البولندي (ألكسندر كفاشنيفسكي) قائلا إن بلاده التي تنشر 2400 عسكري في عراق ما بعد الحرب ستظل ثابتة على موقفها، إلا أنه أضاف أن بولندا لا تعتزم إرسال مزيد من قواتها إلى العراق لتعويض النقص الناجم عن الانسحاب الاسباني.
واعترف (كفاشنيفسكي) في الوقت نفسه بأن قرار مدريد بسحب قواتها ليس من شأنه تسهيل مهمة قوات التحالف في العراق.
ويستطرد الكاتب الكندي موضحا أن بولندا تتولى قيادة القوات متعددة الجنسيات المنتشرة في وسط وجنوب العراق والتي كانت القوات الإسبانية جزءا منها.
وفي السياق نفسه يلقي الكاتب الضوء على موقف ألبانيا التي أعلنت بدورها عزمها الإبقاء على قواتها المرابطة في العراق، مشيرا إلى أن تيرانا التي تشارك بشكل رمزي من خلال 71 عسكريا فقط أعربت عن استعدادها لنشر المزيد من هؤلاء العسكريين هناك.
حليفة آخرى للولايات المتحدة أعربت عن دعمها لواشنطن في تلك الظروف العصيبة وجاء على ذكرها (تيم هاربر) في مقاله ألا وهي استراليا التي يشير (هاربر) إلى التصريحات التي أدلى بها رئيس وزرائها (جون هوارد) ولم يستبعد فيها أن تعزز كانبيرا وجودها العسكري في العراق والذي يبلغ قوامه حاليا 300 جندي، كما يشير (هاربر) أيضا إلى الانتقادات الحادة التي وجهها (هوارد) للقرار الإسباني بسحب القوات حيث أعرب عن أسفه إزائه واصفا إياه ب(إنه يعد دعما لهؤلاء ممن يحاولون عرقلة ظهور عراق حر وديموقراطي).
ويطير الكاتب إلى القارة الآسيوية وبالتحديد إلى اليابان ليستعرض نتائج استطلاع للرأي أجرى مؤخرا في البلاد وأظهر أن هناك تزايدا في نسبة مؤيدي وجود طوكيو العسكري في العراق وذلك بعد النهاية السلمية التي آلت إليها أزمة الرهائن اليابانيين الثلاثة الذين احتجزوا لبعض الوقت في الأراضي العراقية قبل أن يطلق سراحهم بعد ذلك.
ويستعرض الكاتب بعد ذلك رد فعل السلطات العسكرية الأمريكية في العراق على إنهاء مدريد وجودها العسكري هناك، حيث أكد المسؤولون العسكريون في الأراضي العراقية أن انسحاب القوات الإسبانية التي تعد سادس أكبر قوة مشاركة في قوات التحالف لن يؤدي إلى حدوث مشكلات أمنية.
ويعلق (هاربر) على هذه التصريحات قائلا إن القرار بالتأكيد له آثار مدمرة على الولايات المتحدة من الناحية السياسية وبالأخص عندما يلحظ المرء أنه لا توجد أي دولة أعربت عن استعدادها لملء الفراغ الناجم عن عودة الجنود الإسبان إلى وطنهم.
وفي هذا الإطار ينقل الكاتب الكندي عن (جيمس فيليب) الباحث في مؤسسة (هيرتيتج) ذات الاتجاه المحافظ قوله (إنه من المشكوك فيه للغاية حتى في حالة صدور قرار جديد من الأمم المتحدة أن يتوقع المرء أن تقدم أي دولة من خارج أعضاء التحالف على إرسال قوات إلى العراق).
ويمضي (فيليب) قائلا إن هذا الأمر من شأنه بالتأكيد (إضعاف مفهوم وحدة وتماسك التحالف كما أنه سيضر بالجهود المبذولة من أجل إقامة حكومة عراقية مستقلة.. وسيكون العراقيون هم الخاسر الأكبر في نهاية المطاف).
وفي النهاية يقول (هاربر) إن الصدع في التحالف قد بدا جليا في نهاية أحد أكثر الشهور خطورة ودموية بالنسبة للحرب في العراق.
وبعد هذه الجولة التي قام بها الكاتب بين العديد من عواصم الدول المشاركة في التحالف سواء المؤيدة منها للقرار الإسباني أو المعارضة له، ينتقل إلى أمر آخر وهو ذاك المتعلق بالأوضاع في مدينة الفلوجة العراقية بعد اتفاق الهدنة الذي تم التوصل إليه هناك بين القوات الأمريكية والمقاتلين العراقيين.
ويتطرق في هذا الصدد إلى تصريحات (دان سينور) كبير المتحدثين باسم سلطة التحالف والتي أكد فيها أن الوسطاء بين الجانبين يعملون بهدف التوصل إلى وقف إطلاق نار حقيقي ودائم.
ولكن الكاتب يعود ليقول إنه ليس من الواضح بعد مدى النفوذ الذي يتمتع به هؤلاء الوسطاء على المسلحين المتحصنين في الفلوجة والذين يقدر عددهم بما يتراوح ما بين ألف إلى ألفين مقاتل.
ويشير (هاربر) في هذا السياق أيضا إلى تصريحات الجنرال (مارك كيميت) نائب قائد العمليات العسكرية لقوات التحالف في العراق والتي يحذر فيها بشكل ضمني من أن قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) على أهبة الاستعداد لشن هجوم كاسح على الفلوجة ما لم يتم وضع اتفاق إطلاق النار في المدينة موضع التنفيذ.
ثم يختتم الكاتب الكندي مقاله بالإشارة إلى أن الحملة العسكرية التي تنفذها القوات الأمريكية ضد الفلوجة أعقبت سلسلة من الهجمات تضمنت قتل أربعة من حراس الأمن الأمريكيين والتمثيل بجثثهم في شوارع المدينة.
أمريكا الوسطى..
ترحيب واستياء وتذمر
انسحاب قوات هندوراس من العراق كأحد تداعيات الانسحاب الإسباني من هناك كان محور اهتمام الكاتب (دييجو سيفالوس) الذي تناول في مقاله الترحيب الذي قابلت به منظمات المجتمع المدني في هندوراس قرار الحكومة بإنهاء الوجود العسكري في الأراضي العراقية، ويوضح أن هذه الخطوة دفعت الكثيرين في السلفادور إلى مطالبة حكومة بلادهم باتخاذ قرار مماثل.
ويشير (سيفالوس) بشكل مفصل إلى التصريحات التي أدلى بها في هذا الصدد (خوان باراهونا) منسق (الكتلة الشعبية) في هندوراس والتي تضم واحدا وعشرين منظمة من بين المنظمات الاجتماعية والعمالية في البلاد.
حيث قال (باراهونا) إن قرار الحكومة بسحب القوات من العراق كان مفاجأة هائلة للجميع لأن الكثيرين ظنوا أن هذه القوات ستبقى في الأراضي العراقية لمدة أطول.
وأشاد (باراهونا) بهذا القرار، مشيرا إلى أنه جاء ردا على التذمر الشعبي الذي ساد في هندوراس إزاء بقاء قواتها في العراق وكذلك الضغط الذي نجم عن هذا الاستياء والتذمر.
وأكد أن هندوراس لم تحقق أية فائدة من الإقدام على إرسال قواتها إلى الأراضي العراقية، معربا عن ترحيبه وسعادته ومساندته لقرار عودة القوات إلى بلادها.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|