|
من صومعة الأحزان!!
|
حين يموت منّا مَنْ نحبه ونغليه، ممن لنا به صلة قربى أو معرفة..
فيشيع خبر وفاته بين الناس..
سواء أكانت وفاته عن كبر..
أو لأن أجله قد حلَّ بسبب حادث عارض..
أو لأن مرضاً مفاجئاً قد داهمه وألمَّ به، فلم يمهله طويلاً ليبقيه حياً بيننا أكثر مما مضى وانقضى من عمره.
***
مع كل حزن يمسنا ويوجعنا ويؤلمنا بسبب رحيل من رحل من دنيانا الفانية، أباً كان أو أماً، زوجاً أو ابناً وبنتاً، أخاً أو أختاً، وهكذا هو حالنا مع كل الأقرباء والرفاق والأصدقاء والزملاء وكل المحبين..
مع كل أسى يكون مصدره الموت الذي غيّب هذا الإنسان أو ذاك عن مسرح الحياة، فيما كان قبل أيام أو شهور أو سنوات قليلة شعلة من الحيوية والنشاط..
في هذا الجو المشحون بألم لا يستثني أحداً من الناس، وقلق مزعج لا يعفي أياً منا مما هو قادم اليوم أو غداً، أو أنه ينتظر ولو بعد حين.
***
أقول ذلك وأنا أتفحص الوجوه مع كلِّ مناسبة تطلُّ علينا بأحزانها، وأحاول أن أتعرف على التغير الذي طرأ عليها في هذا الجو المسكون بالحزن..
فتثيرني دمعة في هذا، أو مسحة حزن تغطي ملامح وقسمات وجه ذاك..
دون أن أحتاج إلى معرفة السبب، أو البحث عن تفسير أو تأويل يدلني عليه..
فالحزن رفيق درب للجميع..
وصديق عمر لكل منا..
وهو معنا كما لو أنه ذلك الزائر الثقيل الذي لا يغيب، ويفضل أن يسرق السعادة منا..
وكما لو أنه يأتي إلينا متكئاً على ما يغضبنا ومعتمداً على ما يثير قلقنا وحزننا.
***
هذه خواطر أو سمِّها ما شئت..
أوحتها إليّ وتوحيها دائماً مشاهد مواكب الأحزان التي تمر أمامنا، أو نشارك مع من يشارك فيها أو نكون فريسة لها..
حيث تبوح وتنطق بها كلمات جموع الناس التي تترحم وتدعو وتتألم على من رحل من الحياة وتركها لنا من دونه..
من نعرفهم من هؤلاء المغادرين والراحلين عنا، من نسمع عنهم، ومن لنا صلة أو علاقة بهم.
***
وهذه الخواطر..
يؤطِّرها عادة حب عكَّر مزاجه هذا النوع من الأحزان..
ويخفق لها كل قلب ملتاع أدماه كما أدمى غيره غياب ورحيل من هو أثير وحبيب وعزيز علينا..
من عذبه ألم فراق كل هؤلاء الأحباب..
وخاصة حين يعيش الإنسان وتتكرر أمامه مثل هذه المواقف عن قرب، ثم تعود هذه المشاهد أمامه مرة وأخرى وثالثة وبلا نهاية..
بل وحين يتذكر كل منا مآسي كان قد مر بها وغيره كذلك، أو مشاهد أحزنته وأحزنت غيره، أو صور تعذبه مشاهدتها مثلما هي مصدر عذاب للآخرين.
***
ومع هذه الأحزان المؤثرة لكل منا..
يأتي غسيلها لحسن الحظ..
من هذا التراحم والتواد والتآلف والتكاتف والتعاطف بين من هم أحياء بيننا..
حيث التسابق على المواساة، وعلى الصلاة على الأموات، والتوجه نحو المقابر، ومن ثم المشاركة في تقديم العزاء لذوي المتوفين في أماكن سكناهم.
***
لوعة الحزن قاسية وصعبة بلا أدنى شك..
وعلاجها أننا أمة مسلمة، يعلمنا ديننا الصبر على المكاره، وتسليم أمرنا لله الواحد الأحد الذي لا إله غيره، فهو من بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو من يحيي ويميت، وهو لا غيره مَنْ إذا أراد شيئاً قال له كنْ فيكون.
خالد المالك
|
|
|
المهن اليدوية في سورية .. صناعة عمرها مئات السنين
|
* دمشق / تحقيق - باسمة حامد
تمثل الصناعات اليدوية في سورية جزءاً من الثقافة الجمالية الشرقية في تاريخ الحضارة الإنسانية.. وفي سوق المهن اليدوية في مبنى التكية الصغرى بدمشق يجد الزائر حقاً متعة تأمل الصناعات الزجاجية والفخارية والخشبية والعاجية والصدفية والحلي والنسيج والبروكار الدمشقي والموزاييك والأرابيسك والقاشاني التي تبهر الألباب لكونها تعبّر عن موروث فذ للفن الإسلامي الثري ورؤية الصُنّاع الفنيين الذين يبدعون روائعهم بأدواتهم البسيطة التي تترك في النفس ذكريات خالدة، باعتبار أنها صناعات قديمة مستمرة تمكن الزائر من الحصول على مصنوعات محلية وفريدة ومتميزة بنكهتها التاريخية والإبداعية الرائعة فضلا عن كونها قطعا عملية يفيد منها باستمرار وتشيع في بيته نكهة البيئة السورية الخاصة، وكان من الطبيعي أن تزدهر الصناعات اليدوية في ظل الرخاء الاجتماعي والاستقرار السياسي.
ومن أهم المصنوعات التي يقبل عليها عادة زوار سورية:
***
النحاسيات
اشتهرت المدن السورية بتصنيع مستلزمات المطبخ العربي من صوان وصحون وقدور وكؤوس ومصاف وأطباق غسيل وما إلى ذلك.. وهذه الأدوات كلها مصنوعة من مادة النحاس التي تفنن فيها أصحاب هذه المهنة في طريقة صناعتها ولا يزال عدد غير قليل من أبناء المدن السورية يمارس هذه المهنة حتى اليوم نظرا لإقبال السياح على شراء نماذج متعددة من منتوجاتهم النحاسية الفاخرة التي نقشت عليها أجمل الرسوم بواسطة أزميل صغير..حيث يقوم هؤلاء بالتفنن في صناعتهم وابتكار لمسات جمالية تضفي عليها بريقا خاصا يسحر الألباب ويغري المتفرج بالشراء.. ومن الأساليب التي يعتمدها صناع النحاسيات في سورية تطعيم الأواني النحاسية بالذهب أو بالفضة أو طلائها بمادة لامعة اسمها الميناء لتدوم تحفة جميلة مهما أكل الدهر عليها وشرب.. وقد عرضت -ضمن خزانة زجاجية - الكثير من القطع النحاسية الجميلة في قاعة الأزياء الشعبية في قصر العظم الشهير الذي يقصده يوميا عشرات الزوار العرب والأجانب.. ومن تلك القطع نذكر قربة عرقسوس وطاسات وصناديق ومزهريات وزبادي وكؤوس بالإضافة إلى أباريق أجاصية الشكل مع صحون رسم عليها أشخاص أو حيوانات أو كتابات، وهي منزلة بالفضة، ومعظمها تعود إلى العهدين المملوكي والعثماني. وتتفنن اليد السورية الماهرة بطريقة صناعة المشغولات النحاسية وتهتم بجمالية هذه المهنة ومراعاة الجانب الإبداعي فيها رغم قلة أعداد المشتغلين بهذه الصناعة النادرة بسبب توافر الآلات، حيث تُصنع القطع بطرق عدة منها الدق والحفر, والحفر والتنزيل, والمخرم والمفرغ.. فالدق: هو نوع من الأعمال الفنية التي تتم على النحاس بطريقة دقه بمطارق وأزاميل خاصة طبقا لرسوم مصممة تمثل قصصا ذات موضوعات تاريخية تمثل العصور الإسلامية والرموز الفارسية والبيزنطية مثال ذلك قصة زواج النبي إسحاق ولوحات عن الخليفة العباسي هارون الرشيد وهو جالس على عرشه وإلى يمينه الساقي وعلى يساره مسرور السياف وأمامه الجواري والمغنيات.
***
النجارة والحفر والتنزيل
يقال لصناعة الحفر والتنزيل (الأبلق) وهي من أجمل الصناعات التي عرف بها النجارون الشاميون في العالم نظرا لاعتنائهم بها وتفننهم فيها، وقد يستغرق حفر القطعة الواحدة أشهرا طويلة بين يدي النجار لتظهر في النهاية تحفة فنية رائعة الجمال والتصميم قد تكون مصنوعة من خشب الحور والجوز والزيتون والشربين والميص والعرعر والدردار والصندل والصنوبر والسرو، ولا يكتفي النجار السوري بالاعتماد على أخشاب الشام فقط بل يستورد الأخشاب من مناطق أخرى أيضا مثل قلقيلية ورومانيا وغيرها.. وتعالج هذه الأخشاب عند النشر بوسائل قديمة أو آلية.. ثم تصنع منها أشياء كثيرة مثل المناضد والمقاعد والمغاسل والكراسي والصناديق وبعض الآلات الموسيقية كالعود والدف والإيقاع. وقد ازدهرت هذه الصناعة في القرنين الماضيين في دمشق وحلب اللتين كانتا تستأثران بتجهيز الدور والقصور.. أما صناعة التنزيل فكانت مزدهرة في خشب الخزائن والمقاعد والكراسي وتزدان بمصنوعاتها الردهات والأندية ويباع منها اليوم كميات كبيرة في أمريكا وأوروبا. وقد مرت فترات صعبة على هذه الصناعة خاصة في أواخر القرن التاسع عشر.
***
البروكار
عرفت المدن السورية صناعة النسيج منذ القدم، وأنتجت الكتان والقطن والصوف والشعر والحرير بسبب وفرة المواد الخام النباتية والحيوانية وبراعة حرفييها، وقد اشتهرت دمشق بنسيج الأقمشة الفاخرة كالبروكار والدامسكو والأغباني والكشمير والعبي والتربيط والشراشف والشالات ومعظمها من القطن أو الحرير البلدي، وفي خزائن قاعة الأزياء الشعبية بقصر العظم الدمشقي الشهير تعرض الكثير من النماذج المتنوعة من التطريز اليدوي على أثواب وسراويل وصدريات ومحارم وقبعات وأكياس تبغ ونقود وكل هذه النماذج أخذت من مناطق مختلفة من سورية. وتعود صناعة البروكار إلى نحو ثلاثة قرون في دمشق وحلب كبرى المدن السورية اللتين تخصصتا بالبروكار الحريري ذي الخيوط الذهبية والفضية والمقصبة وذي الرسوم والتزيينات الفريدة وقد أتت على هذه الصناعة فترات انقرضت فيها لعدم توفر المواد الأولية أو لعدم توفر اليد العاملة الخبيرة بسبب الحروب والأزمات التي كانت تلم بهذه البلاد فتأخذ عمالها للحرب فتموت أسواقها... وقد جددت هذه الصناعة منذ حوالي عام 1935م.
ومن المعروف أن الملكة إليزابيث الثانية الإنكليزية ارتدت سنة 1954 فستانا عربيا من البروكار السوري اسمه (لوف بيرد ديزايم) قامت الحكومة السورية آنذاك بإهدائه لبريطانيا بمناسبة تتويج الملكة.
وتختلف أنواع البروكار باختلاف العناصر المستعملة مع الحرير فمنها ما هو عادي إلا أنه ملون، وتختلف الألوان حسب الأذواق وبالتالي حسب الطلب وهذا الطلب يختلف من دولة لأخرى، فالألمان مثلا يفضلون اللون الأزرق البروسي بينما يفضل السويديون الزهر الفاتح, أما الأمريكان فيميلون إلى الألوان الرمادية.. ومن البروكار ما هو مقصب بخيوط ذهبية أو فضية تستخدم في تحديد الرسوم والأشكال التزيينية للثوب. وتتنوع المواضيع المرسومة التي يبتكرها الحرفيون على أقمشة البروكار حيث يرسمون بعض الصور الآدمية أو النباتية أو الحيوانية، وتبدو عملية تنفيذ الرسم على البروكار معقدة إذ ترتكز على أعمال دقيقة, حيث يرسم الشكل أولا على ورق ميليمتري على أن لا يتجاوز عرضه 5 سم في حالة نسجه على نول الـ400 سنارة ويتكرر الشكل كل 5 سم, ويطبق هذا الرسم - كما يقول الحرفي الدمشقي أبو محمد - على :(ألواح كرتونية تكون على أعلى النول وهذا ما يسمّى الجاكار, وهي متحركة بصورة أن حركتها مرتبطة بسنانير, والمهم هو معرفة عدد الثقوب التي تشغل السنتمتر مربع, فعندما يدار النول فإن المكوك الخاص بالخيوط العادية يمر كالمعتاد بين الطيقان على اختلاف أنواعها, أما المكوك الخاص بالخيوط الذهبية فإن مروره يرفع سنارات لعدد الثقوب وهكذا حتى يتم الشكل ثم يتكرر العمل كلما تكرر الشكل).
***
السيوف الدمشقية
لا زالت صناعة تطريق الحديد متوارثة منذ قبل الإسلام في دمشق التي ظلت تفاخر لوقت طويل بما تصنع من السيوف والخناجر والرماح المحلاة البراقة والمزخرفة التي تكتب عليها آيات وأشعار بماء الذهب.وقد عرف الصليبيون هذه الصناعات ونسبوها إلى دمشق كما كان العرب قد نقلوها إلى الأندلس فنسبت إلى دمشق ويقال الآن لصناعات تنزيل الذهب والفضة في الفولاذ (دامسكيناج ودامسكينزي) كما عرف أبناء دمشق تطبيق الحبال العربية المستعملة في الخشب, عرفوا تطبيقها على الحديد, بنفس الطراز والأسلوب الفاطمي.
***
العطور
عرف العطارون السوريون بابتكارهم لأجمل العطور الزيتية الشرقية والقوارير المتميزة المشغولة يدوياً للتمتع بروائح الطبيعة طوال الوقت..ومن أشهر العطور التي تصنع يدويا في سورية منذ عقود طويلة: الورد الجوري- الياسمين العراتلي- البنفسج- النرجس- الكاردينيا- زهر الليمون- زهر النارنج- الزنبق- البخور- العنبر- الخزامى - الصندل - الفواكه- الصنوبر- الفانيلا - الفل -المسك..
***
الفسيفساء
يعتبر فن الفسيفساء واحدا من أقدم الفنون التزيينية في منطقتنا إذ تمتد جذوره بحسب الاكتشافات الحديثة إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وقد أثرت كل الحضارات التي تتابعت على هذه المنطقة تأثيرا كبيرا في الفسيفساء حيث أضافت إليها أشكالا وأنماطا مختلفة أكسبتها شهرة عالمية واسعة،خصوصا بعد أن اكتشف علماء الآثار عددا كبيرا من لوحات الفسيفساء الرائعة في مدن سورية قديمة مثل ماري وشهبا وإنطاكية والسويداء وتدمر وحماة وحلب وقد نقل بعض منها إلى المتاحف المحلية بعد ترميمها لتبقى شاهدة على عظمة الفنون والحضارة في سورية.
***
الزجاج
برع الفنانون الشعبيون في صناعة الزجاج اليدوي ونفخه وتكييفه قبالة أفران الطين والآجر ذات البلّور السائل ووضعوا على الكؤوس والصحون والمصابيح والأواني الملونة صور أبطال الملاحم والسير الشعبية مثل عنترة بن شداد والزير سالم وغيرهم.. كما لا ننسى الزخارف التي تلعب دوراً مهماً في الصناعة اليدوية التقليدية السورية، وهي من أبرز الصناعات القديمة في سورية وما تزال هذه الصناعة التي ابتكرها المسلمون قائمة حتى الآن منذ (القرن الرابع عشر والخامس عشر) وتتميز هذه الصناعة بالدقة والبراعة في التلوين أو التزجيج، بالإضافة إلى تنوع أشكالها وجمال زخرفتها، وتعدد ألوان دهانها، ومن أشهر أنواع الخزفيات ما هو معروف باسم الخزف المحلي بالزخارف ذات البريق المعدني وقد اشتهرت مدينة الرقة بوصفها مركزاً هاماً لهذه الصناعة وخصوصا في مدينة الرصافة الواقعة في الصحراء على مقربة من الرقة حيث وصلت صناعة الخزف في هذه المدينة إلى مرحلة من التطور والازدهار ولاسيما في القرنين الثامن والتاسع الميلادي.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|