لا أحد له الحق في التدخل بتوجه أكثرية من المواطنين وعزمهم إلى مغادرة المملكة صيفاً لقضاء فترة الإجازة هناك؛ لأن هذا من الخصوصيات التي ينبغي احترامها.
ولم ألحظ أن أحداً فكر بمثل هذا، فضلاً عن أن يكون قد لجأ إلى أساليب تدخل ضمن المحذور الذي يتعارض مع خصوصيات الناس التي اعتدنا على احترامها.
* * *
لكنّ نفرة المواطنين بهذا العدد الكبير، وفي فترة زمنية محددة إلى خارج المملكة، وإنفاق البلايين من الريالات في مصروفات عليها، يثير الانتباه، وتبدو هذه السفريات كما لو أنها ظاهرة غير مقبولة، وهو ما يعني أن دراسات علمية جادة ينبغي أن تتم لوضع تصور يحمي الوطن والمواطن من آثارها السلبية، ولكن دون تدخل بخصوصيات الناس وحقهم في السفر متى شاؤوا أو أرادوا.
ولا بد أن دراسات كهذه - لو تمت - ستساعد المختصين والمخططين إلى قناعات وبرامج ووضع تصورات مناسبة ومقبولة لعلاج هذه الظاهرة على النحو الذي يحمي ما يسمى بالخصوصية للناس، مع مزيد من الحيطة لحماية هذا الحق دون أن يثير أضراراً تلحق بالمواطن والوطن على حد سواء.
* * *
ولعل التفكير بالتوسع في مجالات الترفيه البريء للطفل والأم والأب، ثم للشباب والشابات في كل مراحل الأعمار، ولو في فترة الصيف تحديداً، يساعد على التقليل من زحف المواطنين إلى المطارات باتجاه الشرق أو الغرب، وإغراقها ببلايين الريالات التي يصرفها المواطنون هناك.
وحيث إن المهرجانات التي تقام في مناطق المملكة، لم تصل بعد إلى المستوى المقنع الذي يبقي للوطن حصة مناسبة ممن اعتاد من المواطنين قضاء إجازته خارج المملكة كل عام؛ فلا بد من التفتيش عن أوجه القصور في هذه المهرجانات، أو لنقل المتطلبات التي لم تلبِّها هذه المهرجانات الصيفية.
* * *
وليس المطلوب أن نحاكي الغرب أو الشرق بما لديه من فرص تحفيزية للسياحة، أو أن نقلده بكل ما يوفره للسائح من أجواء ترغيبية، فنحن لنا تقاليدنا وقيمنا وثوابتنا التي قد لا تنسجم ولا تلتقي مع كثير من المسلمات لديهم.
غير أن هناك كثيراً مما قد تكتشف الجهات المعنية والمخططون أن مهرجاناتنا تفتقر إليه، وهو لو وجد لكان له القبول الحسن، بحكم أنه يحقق بعض تطلعات المواطنين ولا يتعارض مع قناعاتنا وتوجهاتنا.
* * *
ومن المؤكد أن أحداً لا يطالب بمحاصرة الراغبين بالسفر إلى الخارج، أو بتطويق هذه الهجمة على حجوزات شركات الطيران، ولكن الدعوة إلى تبني إستراتيجية لهذه الظاهرة، إنما يهدف إلى وضع المواطن أمام خيارات كثيرة يقرر بعدها البقاء في المملكة أو السفر إلى الخارج.
وبين هذه الخيارات للدخول في منافسة مع الآخر على استقطاب المواطن للتمتع بما سيجده في المملكة من متعة لا تكلفه كثيراً من المال مثلما يكلفه ويحتاج إليه السفر للخارج أن يعاد النظر في تنظيم المهرجانات الصيفية بحيث تلبي اهتمامات الراغبين في ارتيادها، وبما يجعل لها شيئاً من البريق، وهذا يتحقق باستكمال نواقصها حتى لا يستمر العزوف الجماعي عن ارتيادها، وفي هذا فائدة كبيرة للوطن والمواطن.
* * *
أعرف أن هناك جهوداً تبذل، وقرارات تتواصل، وهاجساً مقلقاً للمسؤولين، غير أننا لم نلامس الجرح بعد، وبالتالي فإن الإنجازات التي تمت على هذا الطريق، لم يعالج مبضع الجراح هذا الجرح الذي يئن منه الوطن والمواطن على حد سواء.
ومن هنا، فإن التذكير من جانبنا بهذه المشكلة السنوية مع حلول مناسبتها وإن كان لا يقدم الحلول، ولا يسهم في العلاج، ولا يضيف جديداً، إلاّ أنه تكرار لأمل جميل يعاد طرحه، لثقتنا بأن علاجه ممكن بتطوير المهرجانات، وتوفير الخدمات، وإشراك القطاع الخاص مع الدولة في تقديم المساندة المفيدة لكل الأطراف، للوصول في النهاية إلى ما يحقق آمال مجتمعنا الطيب الذي يسعى إلى البذل والعطاء من أجل أن يرى وطنه في أبهى حلله مع هذا الصيف وكل صيف، وحيثما كانت هناك إجازات للمواطنين.
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244