* إعداد - أشرف البربري
تعددت الأسماء والصفات التي أطلقها الخبراء والمراقبون على دول جنوب شرق آسيا بصفة خاصة بعد المعجزة الاقتصادية التي حققتها فكان منها (النمور الآسيوية) وكان منها (القادمون) في إشارة إلى انطلاق هذه الدول بقوة لاحتلال مكانة متميزة بين القوى الاقتصادية.
وعلى رأس نمور آسيا تأتي كوريا الجنوبية التي تتمتع بمكانة خاصة اقتصاديا وسياسيا بل وحتى تاريخيا، فنظرة واحدة على تاريخ وجغرافية كوريا الجنوبية تؤكد أنها دولة ذات طبيعة خاصة، وتعود نشأة الدولة الكورية إلى سنة 2233 قبل الميلاد عندما تأسست أول مملكة في شبه الجزيرة الكورية وهي مملكة شون سون. وقد غلب الطابع القبلي على الممالك القديمة في كوريا الجنوبية حتى عام 923 عندما تأسست مملكة كوه ريو التي اشتق منها اسم الدولة بعد ذلك حيث نجحت هذه المملكة في إقامة كيان سياسي قابل للتطور حتى عام 1392عندما أعقبتها مملكة شون سون الجديدة وهي المملكة التي أحكمت قبضتها على البلاد حتى عام 1910 عندما انهارت تحت أقدام قوات الغزو اليابانية.
وقد دخلت كوريا الموحدة التاريخ الحديث عبر بوابة الغزو الياباني الذي استمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وكانت فترة الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية واحدة من أسوأ الفترات التي مرت على الشعب الكوري بسبب الطبيعة القاسية والاستنزافية للاحتلال الياباني
بدأت المأساة الكورية مع الاحتلال الياباني في العصر الحديث عندما أعلنت اليابان الحرب على الامبراطورية الروسية عام 1904حيث كانت شبه الجزيرة الكورية هي مسرح الحرب بالكامل التي كانت تهدف في المقام الأول إلى انفراد إحدى الدولتين بالسيطرة عليها.
وعندما انتهت الحرب بين اليابان والصين نجحت الامبراطورية اليابانية في فرض سيطرتها على شبه الجزيرة الكورية بالكامل، ولم تكتف اليابان بفرض سطوتها السياسية على كوريا وإنما سعت إلى طمس الهوية الكورية تماما حيث ألغت وجود كوريا كدولة مستقلة وأنشأت مكتب الحاكم العام في سول ليتولى ليس فقط العلاقات الخارجية لكوريا وإنما الشؤون الداخلية أيضا عام 1906م.
في الوقت نفسه لجأت إدارة الاحتلال اليابانية إلى القوة العسكرية والقمع من أجل القضاء على جذوة الوطنية في قلوب الكوريين.
استمرت معاناة الكوريين مع الاحتلال الياباني حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة اليابان التي انسحبت من شبه الجزيرة الكورية في عام 1945م. ولكن اكتشف الكوريون أن حلم الاستقلال ما زال بعيدا حيث تقاسم الأمريكيون والسوفييت السيطرة على شبه الجزيرة الكورية حيث سيطرت القوات الأمريكية على الجنوب وسيطرت قوات الاتحاد السوفيتي على الشمال. وكان هذا التقسيم هو نقطة البداية لظهور كوريا الجنوبية كدولة تتبع النهج الغربي وتتمتع بالحماية الأمريكية وكوريا الشمالية كدولة شيوعية تتمتع بحماية الاتحاد السوفيتي. وعانت شبه الجزيرة الكورية من حرب ضارية بين الشمال والجنوب شاركت فيها دول عديدة مثل الولايات المتحدة والصين وانتهت عام 1953بتثبيت خط الهدنة الذي يشطر شبه الجزيرة إلى جزأين.
بعد انتهاء الحرب الكورية أدرك الكوريون في الجنوب أن التقسيم أصبح قدرا وبدأوا يتعاملون مع الموقف باعتبار الشطر الجنوبي دولة مستقلة ترتبط باتفاق دفاع مع الولايات المتحدة التي احتفظت بعشرات الآلاف من الجنود على أراضيها.
وبعد توقيع اتفاق الهدنة بدأت حكومة جمهورية كوريا (كوريا الجنوبية) إعادة بناء ما دمرته الحرب بمساعدة من الولايات المتحدة.
واتسم حكم أول رئيس لكوريا الجنوبية روه سينج مان بالديكتاتورية والاستبداد الأمر الذي جعل أي تطور ديمقراطي مستحيلا. في الوقت نفسه لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للدخول في نزاع مع هذا الديكتاتور الحليف لها تحت أي ظرف حتى لو كان يضرب الديمقراطية وحقوق الإنسان في مقتل.
وعندما اقتربت فترة رئاسة روه سينج مان من نهايتها قام الحزب الليبرالي الذي يتزعمه بتعديل الدستور حتى يستمر في الحكم. ولكن الاستبداد والفساد وصل درجة لا يمكن للشعب تحملها فاشتعلت ثورة شعبية في التاسع عشر من إبريل عام 1960ولكن قبل ان يتمكن الحزب الديمقراطي الجديد من إحكام قبضته على السلطة تحرك مجموعة من الجنود والضباط بقيادة الجنرال بارك شونج للاستيلاء على السلطة في السادس عشر من مايو عام 1961 وتمكنت الطغمة العسكرية من تعديل الدستور بحيث تتركز السلطة في قبضة الرئيس. وتحت شعار (تحديث كوريا) أطلق الجنرال بارك حملة شاملة للتنمية الاقتصادية في جمهورية كوريا وهي الحملة التي حظيت بدعم شعبي واسع.
وبفضل نجاح جهود التنمية الاقتصادية في عهد الرئيس بارك حتى أطلق عليها اسم (معجزة على نهر هان كانج) ارتفع مستوى معيشة الكوريين الجنوبيين وتزايدت التطلعات نحو نظام سياسي ديمقراطي يواكب التطور الاقتصادي. واستمرت الحركة المطالبة بالديمقراطية في كوريا الجنوبية في ظل الحكومة العسكرية الجديدة حتى تمكنت من إعادة تعديل الدستور عام 1987 بحيث يصبح من حق الشعب الكوري انتخاب الرئيس في اقتراع مباشر.
وفاز الجنرال روه تاي ووه بالرئاسة في الانتخابات التي أجريت في العام نفسه ليصبح أول رئيس منتخب في كوريا الجنوبية.
وشهدت سنوات حكم روه تاي ووه اضطرابات سياسية واجتماعية شديدة خاصة من جانب العمال الذين أرادوا الاستفادة من الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد فتعددت الإضرابات العمالية المطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. ولجأ نظام ووه إلى العنف لقمع هذه الاحتجاجات وهو ما جاء بنتائج عكسية.
وفي عام 1992 انتهت فترة حكم روه تاي ووه لتشهد البلاد أول انتقال سلمي للسلطة وفقا لصناديق الانتخابات واستمر هذا التوجه الى اليوم.