|
الإفتتاحية مجلة الجزيرة في عددها الثالث
|
هذا هو العدد الثالث من مجلة "الجزيرة"..
الإصدار الذي استقبلتموه بحفاوة..
وأشدتم به كإصدار مميز..
وقلتم فيه من الثناء ما لا نستطيع نحن أسرة التحرير أن نقوله عنه..
* * *
إنه العدد الجديد والثالث من مجلة الجزيرة..
بمضمونه وإخراجه وما استجد فيه..
يحاول الزملاء أن يكون مستوى المجلة مواكباً مع ما يتقد من طموح في كل واحد منهم..
وأن يكون هذا الإبهار في عمل صحفي كهذا متواصلاً ومستمراً وصولاً إلى ما هو أفضل..
* * *
المجلة لا تزال في بداياتها..
وهذه قناعة كل الزملاء..
وهم يعدونكم بمشروع صحفي أكثر تميزاً مما هي عليه مجلة الجزيرة الآن..
إنهم باختصار يتجهون إلى الابتكار لا إلى المحاكاة في إصدار مجلة الجزيرة وهذا هو التحدي..
ويقولون: إن العدد الأول ثم الثاني وهذا العدد الذي بين أيديكم لا تعدو أن تكون البداية لهذا المشروع الصحفي الكبير..
* * *
اطمئنوا إذاً..
فمجلة الجزيرة لن تكون محاكاة لمثيلاتها..
وبالتأكيد لن تكون مثل غيرها..
وملامحها ومظهرها وموادها تنطق بما لم نقله عنها..
* * *
المهم أن يستمر الزملاء على هذا المستوى من الحماس والتصميم.. وأن تكونوا كقراء العين التي تراقب وتكشف لنا مكامن الخلل إن وجد لنعمل على تلافيه..
* * *
بقي أن أذكِّركم بأن شعارنا وشعاركم..
الجزيرة تكفيك..
خالد المالك
|
|
|
شعوب 16 دولة يطرحون تصوراتهم حول سياستها أمريكا في عيون العالم "12" آسيويون يقولون: يانكي عد إلى بلدك ولكن خذني معك مدرعة أمريكية دهست فتاتين كوريتين أيقظت المشاعر المضادة
|
لماذا يكرهوننا ؟ تساؤل طرحه رئيس الولايات المتحدة الامريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر وتدمير برجي مركز التجارة العالمي. والتساؤل نفسه ردده كتاب ومفكرون وسياسيون امريكيون.
ولكن كيف أجابوا عن السؤال ؟
يرى كثير من المراقبين ان إجابة الامريكيين على هذا التساؤل الكبير جاءت برؤية أحادية ومتيسرة تختزل قضايا مركبة ومعقدة وتضعها في عبارات بسيطة.
فالرئيس بوش مثلا اختزل الأمر في جملة عاطفية فقال: "إنني مندهش، هؤلاء الناس يكرهوننا، ولكنني مثل معظم الامريكيين لا أستطيع تصديق ذلك لانني أعلم إلى أي مدى نحن طيبون!!
فعلى الرغم من ان المشاعر السلبية في العالم تجاه الولايات المتحدة لم تكن وليدة المعالجات المغلوطة في حرب ضد ما يسمى "الإرهاب" الا ان الساسة الامريكيين والإعلام الامريكي يصرون على ان كل شيء يبدأ من صبيحة الحادي عشر من سبتمبر، وان كل ما تفعله امريكا له مسوغات، وان واشنطن لا ترى للعالم الا ما تراه، ما يعني تغييب الآخر، والتراجع عن القيم والمبادئ والمصطلحات التي ظلت امريكا تروج لها وتسوقها .. من ديموقراطية، وتعددية، وليبرالية، وحقوق الانسان والنظام العالمي الجديد الذي تستطيع الشعوب المظلومة ان تنال في ظله حقوقها المشروعة.
لقد كانت أحداث 11 سبتمبر فادحة ومفجعة،غير ان المراقبين يرون ان انعكاسات الحرب المستمرة المترتبة على تلك الأحداث وعدم وضوح أبعاد هذه الحرب ولا مداها، تحرك في نفس شعوب كثيرة (رواكد) فتشحذ مرارات لا تأخذها الدوائرالامريكية في الحسبان عبر محاولة الاجابة على تساؤل : لماذا يكرهوننا ؟
هذا الاستطلاع البانورامي الذي أجرته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور يقدم آراء ونماذج مختلفة من مجتمعات تمتد من كولومبيا إلى الفلبين ومن أوربا إلى الشرق الأوسط . ربما كان هذا أكثر الاستطلاعات الصحفية شفافية لأن الآراء التي طرحت غطت زوايا عديدة ودافع البعض عن النموذج الامريكي وأسلوب الولايات المتحدة في ادارة العالم.
في مكتب صغير بسيط فوق محل للبقالة بقلب مدينة سول كان هناك ثمانية من الشباب قابعون خلف منضدة تراصت عليها أجهزة الكمبيوتر، هؤلاء الشباب لم يكونوا يصممون برنامجا من برامج الحاسب أو يلعبون ألعاب الفيديو ، بل هم في مكتب يعد مركز القيادة الخاص بحركة الاحتجاج ضد الجنود الأمريكيين في كوريا. وكان كل منهم يرتدى وشاحا أسود كتب عليه: "الجنود الأمريكان .. انسحبوا " .
وتعد هذه الجماعة واحدة من عشرات الجماعات التي نشأت بعد أن دهمت إحدى المركبات المدرعة الأمريكية فتاتين كوريتين أثناء سيرهما في أحد الطرقات فأردتهما قتيلتين . وقد أثار هذا الحادث و ما زال يثير المشاعر المعادية للأمريكيين في جميع أنحاء كوريا . ويقوم أعضاء هذه الجماعة بتجنيد آخرين غيرهم من الأحياء المجاورة من خلال إطلاق حملات بالبريد الإلكتروني تتناول تفاصيل الجرائم المتهم فيها جنود أمريكيون، كما تقوم الجماعة بالمساعدة في تنظيم مسيرات صامتة خارج القصر الرئاسي بشكل مستمر .
خطأ تاريخي
يقول زعيم هذه الجماعة والذي يعرف فقط بالسيد كيم، "ما نقوم به يشبه عملية عسكرية، إذ نعد وجود القوات الأمريكية هنا على أراضينا خطأ من أخطاء التاريخ، ولن يكون بمقدورنا أن نصبح دولة واحدة ما لم تغادر هذه القوات الأمريكية أراضينا أما عن أحداث الحادى عشر من سبتمبر فهي لا تعنينا".
وقد أظهر أحد استطلاعات الرأي أنه بينما يعتقد معظم الأمريكيين أنهم يضحون من أجل حماية كوريا الجنوبية من هجمة شيوعية محتملة "يوجد في كوريا قاعدة عسكرية أمريكية تضم 38 ألف جندي"، يرى أغلب الكوريين في الوقت نفسه أن القوات الأمريكية موجودة في كوريا من أجل المصالح الأمريكية. ويلاحظ أحدالأمريكيين المغتربين الذي يعمل في إحدى الشركات الأمريكية في سول أنه "منذ 11/9 باتت هناك نزعة غريبة ومتنامية بالعداء للولايات المتحدة تسيطر على كوريا الجنوبية".
ويضيف هذا الأمريكي قائلا : "السبب الرئيس الذي يجعل من وجود العم سام في كوريا بمثابة كارثة هو أن النموذج الأمريكي قد تبدل في عقول الجيل الجديد من الكوريين الجنوبيين"، الذين أصبحوا يعتبرون وجود القوات الأمريكية على أراضيهم يمثل وجودا استعماريا .
كوريا الجنوبية مثل اليابان تعد أحد الشركاء الاستراتيجيين الرئيسيين لأمريكا في منطقة الباسيفيك، ولكنك لن تقتنع بذلك عند مشاهدة العروض الموسيقية المصورة لفريق "إس إي إس" المكون بكاملة من فتيات كوريات ويصور رعاة بقر أمريكيين يُوسعون ضربا ويلقى بهم خارج المباني .
وتقدم كوريا الجنوبية اليوم واحدا من أكثر النماذج حدة على الغضب من الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة على مستوى العالم منذ 11 سبتمبر . وقد ساعد على تنامي هذا الغضب وفاة الفتاتين الكوريتين وشيوع الإحساس بأن سلطات الولايات المتحدة قد عالجت هذا الأمر و تعاملت معه بشكل غير متقن ويفتقر إلى الكياسة.
ولكن هناك المزيد من الأسباب لهذا الغضب، إذ يبدو أن هذا الغضب تغذيه أحقاد قديمة وفزع عميق من أمريكا التي تتصرف اليوم من جانب واحد، ولا سيما مع شيوع مبدأ "إما معنا أو ضدنا".
تلاشي التعاطف
منذ عام مضى و في أعقاب أحداث 11 سبتمبر أعلن الجميع حتى أكثر منتقدي واشنطن عنفا تعاطفهم قائلين : "كلنا أمريكيون"، بيد أن هذه المشاعر أخذت في التلاشي بعد القصف الأمريكي غير المتعمد للمدنيين في أفغانستان . واليوم حتى أصدقاء أمريكا المقربين يحذرونها من العزوف عن أن تأخذ رؤى ووجهات نظر الدول الأخرى في حسبانها عند التصدي لمختلف القضايا بدءا من قضايا البيئة وحتى مسألة التعامل مع العراق . وقد عمدت الولايات المتحدة بوصفها قوة عظمى وحيدة طيلة العقد الماضي وحتى قبل11 سبتمبر إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع بقية أجزاء العالم، فقد انسحبت من اتفاقية كيوتو للتغير المناخي، وهي خطوة أثارت حنق الكثيرين واستياءهم .
ولكن الهجوم على أمريكا عمل على إسراع هذا التغيير في شكل علاقاتها . فعندما شعرت الولايات المتحدة بأنها مهددة من قبل تنظيم القاعدة وشعرت كذلك بما حققته من تفوق عسكري و سياسي سرى في أوصالها نشاط وحيوية غير مسبوقة فأرسلت جنودها إلى دول وسط آسيا وجورجيا والفلبين .
وكان لهذا تأثيره، فقد أظهرت نتائج المقابلات التي أجريت مع المسؤولين الحكوميين والمحللين السياسيين ومع المواطنيين العاديين في مختلف جهات العالم أن الولايات المتحدة ينظر إليها اليوم على أنها كيان متغطرس وربما دولة متهورة وذلك على النحو الذي أظهرته مسألة الحرب ضد العراق .
يمكنك أن تسمع هذا الهاجس في أصوات عمال الصلب الروسيين الذين أضيروا من قرار واشنطن الذي صدر هذا العام، والذي يتجاهل تماما مبادئ تحرير التجارة ويرفع التعرفة الجمركية للاستيراد . يمكنك أن ترى تلك الهواجس أيضا في الامتياز الذي منح لمحلات "ماكدونالدز" في جاكارتا والذى عمل على إخفاء صلته بأمريكا.
وفى كوريا الجنوبية، ولأول مرة لم تعد النزعة المعادية لأمريكا مجرد مشاعر هامشية أو مجرد تقليعة متطرفة سياسيا، بل لقد أصبحت هذه النزعة تيارا رئيسيا له رأي موضع احترام .
فرق تسد
كما أصبحت الخطايا التي وقعت فيها أمريكا والتي تنتقد من أجلها بمثابة سبيل للتضامن الوطني، خاصة بين الشباب صغيري السن مثل هام تشانج الطالب بجامعة يونسي والذي يعتقد أن الجيل الأقدم الذي قاتل إلى جانب القوات الأمريكية تعرض لعملية "غسيل مخ" . ويضيف هام الذي يدرس الأدب قائلا : "إن أصدقائي يشعرون أن الولايات المتحدة تتصرف كما لو أنها رئيس العالم. لا جدال أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت أمرا فظيعا ... ولكن الولايات المتحدة استخدمت هذه الهجمات ذريعة لكي تفعل ما تريد، والولايات المتحدة موجودة في كوريا من أجل تقسمينا، فالولايات المتحدة تريدنا ضعفاء منقسين، وهم ليسوا هنا من أجل تحقيق أمننا".
وعلى غير العادة يقر الرئيس كيم داي جونج صراحة في تصريحات للصحفيين أنه قلق بشأن ما أطلق عليه "تنامي مشاعر العداء نحو الأمريكيين".
ويحلل دبلوماسي كوري كبير السن عمل في فترة من فترات حياته في واشنطن سبب عداء الجيل الجديد في كوريا للوجود الأمريكي قائلا : "ربما يكون من الصعب علينا تحمل نفس الحالة النفسية التي نشأنا عليها، نحن نعلم أن الولايات المتحدة قد ساعدتنا، ولكن أولئك المواطنين الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة لا يعتقدون نفس ما نعتقده، ومن ثم فهم بطبيعتهم معادون للولايات المتحدة".
لماذا يكرهوننا؟
مازالت القيم الأمريكية من قبيل الحرية والديموقراطية موضع تقدير واحترام بالإضافة إلى أن الازدهارالذي تنعم به المؤسسة الأمريكية الحرة مازال مثار إعجاب هو الآخر، فكل هذه الأمور لازالت أشياء جديرة بالاحترام، و لكن نتيجة للطريقة التي استخدمت بها الولايات المتحدة نفوذها العسكري والسياسي أكثر مما عولت على هيمنتها الثقافية أصبح هذا الإعجاب مغلفا بقدر كبير من إنعدام الثقة وسوء الفهم والاستياء بل وحتى بالعداء الذي ساد بين طائفة كبيرة من الدول والمواطنيين .
وقد كشف تقرير وضعته مؤخرا لجنة الدبلوماسية الحكومية التي شكلها مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك أن "التصورات القائمة عن الولايات المتحدة على المستوي الخارجي ليست جميعها على نسق واحد".
ففي حين يحظى الجنود الأمريكيون في أفغانستان والفلبين على سبيل المثال بصورة جيدة"، يلاحظ أن هناك تصور شائع ومنتشر ومتأصل يرى الولايات المتحدة بوصفها دولة متغطرسة، مكتفية بذاتها، تتمتع بالغفلة، غير راغبة في الانخراط في حوار ثقافي .
وفي المقابل هناك صيحة تعكس تصور المواطن الأمريكي العادي لبلاده، فطبقا لاستطلاع للرأي أجرته المونيتور تبين أن 66 بالمائة من الأمريكيين يعتبرون تصرفات دولتهم في العادة أو دائما تصرفات مفيدة للعالم .
في أكتوبر الماضي صرح الرئيس جورج بوش قائلا "إنني مندهش ... هؤلاء الناس يكرهوننا، ولكني مثل معظم الأمريكيين لا أستطيع تصديق ذلك، لإننى أعلم إلى أي مدى نحن طيبون".
يقول لويس مانيلو الدبلوماسي المحنك المتخصص الذي عارض ما جاء بالتقرير: "المسيطر الغني عادة ما يكون غير محبوب . سواء أكان يستحق ذلك أم لا. الولايات المتحدة تريد أن تكون محبوبة، ولكن أليس الأكثر أهمية أن نجعل العالم يعلم أننا صامدون وأن عليهم أن يتبعوننا بعمل مناسب".
جدلية القوة والزعامة
من المؤكد أن الولايات المتحدة تحظى اليوم بأكبر نفوذ عسكري وسياسي واقتصادي على باقي أنحاء العالم وذلك بشكل تفوقت فيه على أي قوة عظمى أخرى منذ الامبراطورية الرومانية . فهي القوة العسكرية الوحيدة التي يمكن أن تصل إلى أي مكان على مستوى العالم والتي تستطيع أن تنفق على التسليح والجنود أكثر مما تنفقه الدول الإحدى عشرة التي تليها في القوة مجتمعة. كما أن الولايات المتحدة تمتلك 27 بالمائة من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي بما يوازي مجمل الناتج الاقتصادي لأكبر ثلاث دول تليها مجتمعة. وعندما يتعلق الأمر بصادرات السينما والتليفزيون يصبح الأمر برمته في جعبتها .
بيد أن القوة لا تقود دائما إلى الزعامة، فالقوة المجردة نادرا ما تؤدي إلى تنامي الإحساس بالأهداف الدولية المشتركة، تلك الأهداف الضرورية لمواجهة المشاكل البيئية والأمراض والهجرة، أو تحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي.
تحسين الصورة
ويؤكد جوزيف ناي عميد مدرسة كيندي الحكومية بجامعة هارفارد بكامبريدج أن "القوة العسكرية أمر ضروري ولكنها ليست كافية، فعلى الولايات المتحدة أن تعنى أكثر بقدرتها على جذب الآخرين للعمل إلى جانبها".
كانت تلك تقريبا هي وظيفة لاري مور، جندي في كتيبة الشؤون المدنية رقم 489 الموجودة في نوكسفيل . في تين . فكان يخرج بشاحنته السريعة أثناء سطوع الشمس الحارقة إلى كاراباف الواقعة شمالي كابول ويبحث حوله عن جرحى الحرب في المناطق التي خربتها تلك الحرب.
الجدران القليلة التي تنتصب والمبنية من الطين مليئة بالثقوب التي أحدثتها طلقات الرصاص وهناك ثقب كبير ناتج عن انفجار صاروخ ذاتي الدفع . البنايات المحطمة المصنوعة من الطوب اللبن ذابت ثانية في الأرضية الرملية المنبسطة و في وسط القرية يرتفع مقر مدرسة مبنية بالطوب الأحمر حيث سيبدأ 1200 ولد وبنت الدراسة بها عما قريب . هذه المدرسة بمثابة مجاملة من جيش الولايات المتحدة .
وبينما يرقب أحد رجال القبائل وهو يستخدم قدوما ليسوي عوارض السقف و أخذ عدد من العمال يرتدون قمصانا طويلة وبنطلونات فضفاضة يكسون الطوب بطبقة كثيفة من الطلاء يقول الضابط مور بنبرة ملؤها الرضا : "هذه المدرسة سوف تكون شيئا ممتازا، فهي سوف تؤدي إلى حدوث أشياء مدهشة للقرية".
وتعد مدرسة كاراباف الجديدة واحدة من مئات مشروعات المساعدات الإنسانية التي يمولها جيش الولايات المتحدة في أفغانستان، والتي تم بناؤها بعد بناء مدرسة أخرى في قرية ديرمونت .
يقول مور : "منذ أشهر قلائل و دوريات الجنود الأمريكيين يرون الأطفال وهم يدرسون تحت ظلال الأشجار فقرروا أن يقوموا ببناء مدرسة . وتشكل المدرسة شعاع ضوء يشق الظلمة أتمنى أن يستطيع أطفالنا رؤيته". وينظر مور إلى عمله نظرة مثالية فيقول : "إننا نقوم بهذا العمل لإن هؤلاء الناس يحتاجون بالفعل إلى المساعدة.. إن أمريكا تمتلك قلبا طيبا".
متلازمة الحرب
تؤكد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أنها قد أرسلت 530 مليون دولار للمساعدات الإنسانية في أفغانستان هذا العام، وهو ما يجعل الولايات المتحدة أكبر متبرع لهذه الدولة التي مزقتها الحرب . إلا أن ذلك لم يؤثر في شرطي كاراباف عبدالغفار الذي قال : "إن أمامنا هدفين أولهما إعادة إعمار أفغانستان وثانيهما هو استئصال الإرهاب، والولايات المتحدة أكثر اهتماما بالحرب ضد الإرهاب، بينما نحن أكثر اهتماما بإعادة الإعمار". ويرى الكولونيل نيك باركر الضابط البريطاني الذي يشغل منصب مدير تخطيط العمليات بمركز قيادة قوات التحالف بكابول أن هذين الهدفين متلازمان فيقرر أن الولايات المتحدة لا تفعل هذا لمجرد تحقيق مصلحة الآخرين، فإن الولايات المتحدة إن لم تفعل ذلك ففي غضون خمس سنوات سوف نعود جميعا إلى هنا مرة أخرى لنحارب تنظيم إرهابي آخر".
الوجه الآخر للعملة
وعندما يحدث وتتوافق الأهداف الأمريكية مع التطلعات المحلية لن تجد أمريكا أدنى صعوبة في أن تقدم نفسها للعالم بوصفها الفتى الطيب . هذا هو المنطق الحاكم لمبدأ "التكامل" الذي أوجزه مؤخرا ريتشارد هاس مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية، والذي وصف مبدأ التكامل هذا بأنه "إقناع المزيد والمزيد من الحكومات وكذا إقناع الأفراد لأعمق درجة ممكنة بالموافقة على أفكار رئيسة من قبيل كيف يجب على العالم أن يعمل من أجل تحقيق منفعة متبادلة".
ويقرر الأستاذ ناي أن جعل بقية العالم يرغب فيما ترغب فيه الولايات المتحدة هو أحد وجهي العملة فقط، فالولايات المتحدة يجب عليها أيضا أن تقدم للدول الأخرى الأشياء التي تقدرها هذا إذا أرادت من الأجانب أن يقبلوا بالقيادة المعنوية للأمريكيين .
وفي كتابه الأخير "مغالطة القوة الأمريكية" يقرر ناي أن "الإخفاق في تقدير رأي الآخرين تقديرا ملائما وفي الاتفاق حول تصور واسع للعدالة سوف يؤدي في النهاية إلى الإضرار بنا".
ومن وجهة نظر العديد من النشطاء العالميين تتجاهل واشنطن هذا التحذير. ففي جوهانسبرج على سبيل المثال تظاهر العديد من نشطاء البيئة الكوريين ضد غياب الرئيس بوش عن القمة العالمية للتنمية المستدامة .
يقول كيم يون جي من الفيدرالية الكورية للبيئة "إن بوش مهتم فقط بحربه الشخصية ضد الإرهاب، و يريد الأمريكيون منا جميعا أن نشارك في حربهم ضد الإرهاب، أما عندما يتعلق الأمر بالحرب من أجل البيئة نجتمع نحن جميعا هنا ويقول هو لنا : معذرة فأنا في عطلة، هذا أغضبنا جميعا".
وعلى حد قول منتقدي الولايات المتحدة فإن الرفض الأمريكي للمشاركة في القضايا المهمة مثل جهودها الحالية من أجل تقويض المحكمة الدولية لجرائم الحرب، ورفضها للاتفاقية الدولية للحد من الأسلحة البيولوجية، أو رفضها تعزيز ومساندة مؤتمر ضد التعذيب كل ذلك يبدد الشعور الودي العالمي لها .
أكثر من سبب
وفي فرنسا يحذر دومنيك مواسي محلل الشؤون الخارجية البارز من أن هناك "نزعة متنامية في الرأي العام تتجه إلى رؤية الولايات المتحدة كدولة مخادعة" على حد تأكيد الموظفين العاملين لدى جاكي ريسلي، ليس هذا ما يجعل الأمريكان غير محبوبين على المستوى الشخصي .
الآنسة ريسلي والتي تتنقل بخطوات نشيطة داخل مصنعها للخزف في نيروبي، تدير مصنعها بشكل ثابت، وهي تلوم أحد خزافيها الخجولين صائحة : "ديفيد، توقف عن رسم هذه الخطوط شديدة التعرج إنها تبدو بشعة".
فهي بين مشجعة أو مصوبة أو صارخة أو مصرة على أن يؤدي كل شيء على أفضل نحو تفكر فيه، فالآنسة ريسلي الطويلة النحيلة دفعت بسبعين عاملاً من عمالها الكينيين إلى العمل بأقصى طاقة.
تقول ريسلي وهي تكشر وهي ترى حائكا يتعلثم في كرة من الخيط: "هناك إتجاه شائع هنا إلى القول : لا نستطيع أن نفعل ذلك، وأقول لهم لماذا لا تستطيعون بربكم ؟".
ويقر فيدل ناميزي فني الكمبيوتر الخاص بالشركة قائلا "إنها تمتلك أمارات الرياسة، وهي متفوقة وذات قلب طيب .. إنها أمريكية جدا".
منذ ثلاثين عاما استلهمت ريسلي ما حدث في فيلم جون واين الذي تم تصويره في سهول سيرينجتي، فارتحلت وسافرت محاولة عبور إفريقيا، في ذلك الوقت كانت حرب فيتنام قد اندلعت وقبل وصولها إلى نيروبي بوقت طويل اكتشفت ريسلي أن عددا ليس بالقليل من الأشخاص لا يحبون أمريكا .
وتتذكر ريسلي محدثة نفسها: "إن الكثير من الناس لا يحبونك بسبب الحرب فحسب، ولكن لا يهم فالمكان الموحش الذي وجدت نفسك فيه به دائما شخص ما يشكو مما حدث في فيتنام ولكنه في الوقت نفسه يسأل إذا ما كنت تستطيعين مساعدته في الحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة".
واليوم ما زالت ريسلي تلتقى بأناس من أمثال هؤلاء، ولكن الفارق الوحيد هو أن ريسلي لم تعد ترتدي حقيبة على ظهرها فهي اليوم تتولى أمر شركة ويفربيرد، تلك الشركة التي أسستها في كينيا والتي تقوم على إنتاج العديد من أنواع السجاجيد ذات الجودة العالية وستائر الحوائط وكذا الأواني والقدور التي تزين أفضل فنادق كينيا.
كما أصبحت أيضا واحدة من أشهر نشطاء المجتمع في العاصمة نيروبي وهي تقف وتثور ضد الفساد والعبثية وتتعاطف مع مسؤوليات الحكومة. وتسمع جاكي ريسلي من عمالها عن أمريكا الكثير سواء بالمدح أو بالذم .
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|