(لا تشيل همها).. إعلان تطالعنا به أكثر من قناة فضائية يروّج لخدمة جديدة للخطوط السعودية (خدمة التذاكر الإلكترونية).
لم يكن هذا الإعلان مفهوماً، ليس لي فقط، بل حتى لكثير من أفراد عائلتي المصونة وأبناء الحي والجيران. وهذا ليس عيباً فيهم، ولا نقصاً في قدراتهم العقلية، ولكن العيب في شركة (الخطوط) العزيزة، وفي أسلوب إعلانها، ودليلي على ذلك هو مأساتي التي سأرويها في السطور التالية.
كتب الله علي أن أعيش حياة العزوبية بسبب سفر زوجتي وأبنائي إلى جدة خلال الأسبوع الماضي. وأثناء حجزي لسفرهم، بعد أن تقبلت قدري وسلمت أمري، قمت - بكامل قواي العقلية - بالاتصال بالرقم الموحد المستفز لكل مسافر؛ الرقم الذي قبل أن تتصل به لابد أن تعدّ العدة للانتظار من ربع الساعة إلى ثلاثة أرباعها، وتجبر نفسك على سماع رسالة مكررة ومملة (انتظارك محل تقديرنا).
استجمعت قواي واتصلت بذلك الرقم، وبكل أمانة لم يطل انتظاري أكثر من 25 دقيقة فقط!! وأخيراً جاء الرد من الطرف الآخر وتمت عملية الحجز بكل يسر، والحمد لله، وتم تجاوز العقبة الأولى. وقبل أن أنهي المكالمة قام الموظف المحترم بإبلاغي بأن هناك موعداً محدداً لشراء التذاكر. عندها تراءت لي مأساة جديدة متمثلة في مكتب الرعب بحي المروج.
عندها قلت في نفسي: تهون 25 دقيقة انتظار بعد (انتظارك محل تقديرنا!!!) أمام ساعات سأقضيها في مكتب الخطوط السعودية.
في اليوم التالي وبعد انتظار دام أربع ساعات في المكتب المذكور، وصلت أخيراً إلى موظف شراء التذاكر، وقدمت رقم الحجز؛ فطلب مني مبلغ التذاكر؛ فدفعت؛ ضغط الموظف على أمر طباعة ثم استدار وأحضر لي ورقتين تشبهان - مع كل احترامي - أوراق لف السندويتشات، ثم قدّمها لي، وقال: (سعدت بخدمتك)!!
أعتقد أن الموظف رأى على محياي ابتسامة بلهاء فقال مستدركاً: عزيزي.. لقد طورنا نظام التذاكر ولم تعد كما كانت، بل أصبحت كما هي بين يديك.
لم أستوعب ذلك وتلفت حولي لأتأكد من أنني في مكتب الخطوط وليس في حراج بن قاسم أو مطعم في شارع العصارات، وتوجست من أن (يضيع) علي المبلغ الذي دفعته؛ فطلبت بكل أدب من الموظف أن يعطيني التذاكر التي أعرفها، ولم يكن يزعجني أن يتهمني بالتخلف والرجعية؛ فقد كنت مؤمناً بأن التذاكر الزرقاء أكثر تقدماً وحداثة من أوراق الساندوتش تلك؛ فأجاب الموظف بأسلوب قاطع بأنه لايوجد غير هذه الأوراق وانه تم إلغاء نظام التذاكر الزرقاء القديمة وأن الخطوط السعودية دخلت عصر التذاكر الإلكترونية، ولتأكيد ذلك قال لي: ألم تشاهد إعلاناتنا الترويجية لهذه الخدمة الجديدة؟! عندها فقط استوعبت ذلك الإعلان.
سلمت أمري لله وأخذت تلك الأوراق في انتظار موعد السفر بعد عدة أيام. لم تنته المأساة عند ذلك الحد، بل زادتني الخطوط مأساة جديدة. لم تكن في دخولنا أنا وأسرتي والأمتعة إلى مطار الرياض وذلك الازدحام وتلك الفوضى والضياع والسؤال عن (كاونتر) رحلة جدة، والبحث في متاهات المطار وأزقته وعبر منافذه ودهاليزه إلى أن نصل إلى مبتغانا سالمين إلى الكاونتر المطلوب. فبعد وصولي قدمت بكل جراءة تلك الأوراق التي (زُعم) أنها تذاكر إلكترونية قدمتها لموظف كاونتر المغادرة؛ فقال لي: (ماهذا؟!).
قلت: هذه تذاكر إلكترونية!!. فأجاب: (حبيب ما أعرف عنها شيء).. أحضر لي ما أعرفه.. التذاكر المعروفة عندي والمعتمدة هي التذاكر الزرقاء؛ فقلت: طال عمرك.. هذا ما أنا مؤمن به، لكن موظف شراء التذاكر قال لي: إن التحديث والتطوير الجديد في الخطوط السعودية هو تحويل التذاكر من ورق أزرق إلى ورق أبيض، واقسمت له بأني صادق وأني دفعت مبلغ التذاكر.
وبعد مداولات وأخذ ورد مع الموظف قام باتصالاته، وبعد جهد جهيد اقتنع بأن تلك الأوراق هي عبارة عن (تذاكر إلكترونية)، وتم تسفير أسرتي، والحمد لله.
ما حدث ليس (خيالاً).. وإلى المسؤولين في الخطوط السعودية أؤكد لهم أن ما تقدم ليس (خبالاً)، وها هو رقم حجز أسرتي (13128784) على رحلة الخطوط السعودية يوم الاربعاء 4-4-2007م الساعة الرابعة والنصف عصراً. وللعلم فإن تلك القصة حدثت مرة أخرى عند عودة أسرتي؛ إذ تكررت المأساة مع استبدال مطار جدة بمطار الرياض، وموظفي خطوط جدة بموظفي خطوط الرياض.
رسالة أخيرة إلى أعزائنا في الخطوط السعودية:
ال(ناس) فيهم الخير والبركة.. وال(سما) رحبة بطائرات أخرى، وشركات نقل جديدة، ودمتم..!
براء مختار -
مخرج صحفي في جريدة الجزيرة