* إعداد - محمد الزواوي
ظهرت مواقع جديدة للعوالم الافتراضية مثل Second Life أو (الحياة الثانية) وThere بمعنى (هناك)، حيث يستخدم (قاطنو) تلك المواقع نسخًا افتراضية ثلاثية الأبعاد ليعيشوا فيها ويفعلوا كل ما يحلمون به في الحياة الحقيقية، مثل شراء المرطبات أو التسوق في محلات الملابس، وسرعان ما دخلت شركات العالم الحقيقي ذلك العالم الافتراضي، مثل مؤسسات التدريب وحتى البنوك، والتي افتتحت أفرعًا لها في العوالم الافتراضية لتسويق وبيع بضائع وخدمات حقيقية.
لكن هناك مشكلة واحدة أمام تلك الشركات حتى الآن، وهي أنها لا تستطيع افتتاح سوى فرع واحد فقط في كل عالم من تلك العوالم الافتراضية، فكل فضاء افتراضي جديد يعني بناء واجهة محلات، وهو ما يعادل إنشاء صفحة إلكترونية لكل نوع من أنواع متصفحات الإنترنت.
وقد دخلت أكثر من 20 مؤسسة تقنية عملاقة في تلك العوالم الافتراضية لاستكشاف طرق التواصل مع مستخدميها، من بينها شركتا مايكروسوفت وآي.بي.إم، وتهدف تلك الشركات إلى تقنين تجارة إلكترونية (ثلاثية الأبعاد) بمعنى أوسع، توفر طرقًا جديدة أكثر شعبية وأكثر رؤية للتفاعل على شبكة الإنترنت.
يقول روبرت بلومفيلد أستاذ المحاسبة الذي يبحث في موضوع العوالم الافتراضية في جامعة كورنيل بولاية نيويورك: (لدينا أنواع مختلفة من المواقع الافتراضية، ولكن على الرغم من ذلك فإذا ما استثمرت أموالك في واحدة فإنك تصبح سجينًا فيها لا تستطيع افتتاح المزيد).
ولكن حتى بدون قدرة تلك الشركات على العمل جنبًا إلى جنب، فإن تلك العوالم الافتراضية تنمو بصورة سريعة، مثل موقع (الحياة الثانية) الذي يعد من أكثر العوالم الافتراضية اكتظاظًا بالسكان الافتراضيين، فقد كان عدد سكانه في أغسطس 2006 أقل من مائة ألف، بينما تضاعف عدد السكان في أبريل 2007 ليصبح 6 ملايين نسمة، وهم يستخدمون عملة تسمى (ليندين دولار)، والتي لها سعر صرف في العالم الحقيقي، كما يستطيع سكان ذلك الموقع شراء (أراض) على شبكة الإنترنت، إضافة إلى ملابس لشخصياتهم الافتراضية التي يتجولون بها في المدينة، كما أنشأت كبرى شركات الملابس والسيارات محال لها هناك لبيع بضائع حقيقية للمستهلكين، مثل شركات مرسيدس وشركة أميريكان أبيرال للملابس، وفي أحد الأيام العادية وصلت مبيعات ذلك الموقع الافتراضي إلى 1.2 مليون دولار (حقيقي). كما رصدت بعض المؤسسات الإخبارية بطء النمو في عدد المستخدمين مؤخرًا مع ازدياد العقارات الافتراضية، وتتوقع تلك المؤسسات أن تكون هناك فترة (كساد) تلوح في الأفق، وقد افتتحت مؤسسة رويترز ومجلة ويرد ماجازين أفرعاً لها هناك، كما افتتحت سي.إن.إن مكتبًا لها في نوفمبر الماضي.
ولكن يقول الخبراء إنه على الرغم من مؤشرات الكساد الإلكترونية تلك، إلا أن آمال تلك العوامل الافتراضية لا تزال مشرقة، وتقول مؤسسة جارتنر للأبحاث أنه بحلول نهاية 2011 فإن 80% من مستخدمي الإنترنت و500 شركة من كبريات الشركات العالمية سوف يكون لها وجود في تلك العوالم ثلاثية الأبعاد، ومؤسسة جارتنر هي مؤسسة أبحاث سوق لتقنية المعلومات في ستامفورد بولاية كونيكتيكيت الأمريكية.
ويقول الخبراء إن السبب في ذلك هو أن الاتصال المتبادل ما بين الأشخاص الافتراضيين سوف يوفر نوعًا أفضل من التفاعل وأكثر رضاء للعملاء، مقارنة بالواجهة الحالية للإنترنت ثنائية الأبعاد.
ويقول إدوارد كاسترونوفا، أستاذ الاتصالات بجامعة إنديانا في بلومينجتون: (هل تستطيع أن تتخيل أنك عندما تذهب لزيارة أحد المواقع أنه سوف يكون بإمكانك رؤية المتصفحين الآخرين وأن ترى ما الذي ينظرون إليه وتشاهد حركات الفأرة الخاصة بهم؟ إن هذا هو ما تمنحه لك مواقع العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد، فهي تجعل التصفح أكثر اجتماعية وتجعله مثل مولات التسوق للمعلومات، وهي بذلك أقل ما تكون شبهًا بقراءة الجريدة أو الكتاب مثل تصفح المواقع العادية).
وتقول بعض الشركات إن تقنيات العوالم الافتراضية يمكن أن تحسن من وسائل الاتصال؛ فعندما بدأت ليندا بان وزملاؤها في شركة آي.بي.إم في عقد لقاءات في غرف اجتماعات ثلاثية الأبعاد، اكتشفوا أنه على عكس مؤتمرات الفيديو أو المؤتمرات الهاتفية التي تنتهي عندما ينتهي الاجتماع، فإن المشاركين في العوالم الافتراضية يظلون موجودين، تمامًا كما يفعلون في غرف الاجتماعات في العوالم الحقيقية، لمناقشة الأفكار أو فقط ليظلوا مع بعضهم البعض.
وتقول السيدة بان، وهي عميلة ومنفذة برامج إستراتيجية لمشروعات شركة آي.بي.إم للعوالم الافتراضية: (من حيث الكيف، وليس الكم، فقد رأينا أن القضايا أو التحديات التي ربما استغرقنا فيها أسابيع أو أشهر لحلها، استغرقت منا ساعات أو أيام فقط في تلك البيئات الافتراضية).
أما كريس بادجر فيعقد معظم لقاءاته في غرف اجتماع افتراضية. وربما في يوم ما سوف يفضل الناس تلك البيئات الافتراضية على غرف الاجتماع الحقيقية عندما تتحسن التقنية، والسيد بادجر هو نائب رئيس شركة فورتيرا سيستيمز لشئون التسويق، ومقر الشركة بكاليفورنيا، والتي تتخصص في بناء البيئات الافتراضية.
ويقول: (يمكننا أن نعرض الأنماط المختلفة من مجموعات البيانات في بيئة ثلاثية الأبعاد، حيث تستطيع أنت كشخص افتراضي أن تسير فعليًا حول تلك البيانات، وسوف تقفز لك مربعات تظهر لك البيانات كلما سرت بجوارها، بينما في البيئة الحالية ثنائية الأبعاد على شبكة الإنترنت فإنك لا ترى ذلك، أو لا تستطيع رؤية ذلك بصورة فاعلة).
وعلى الرغم من أن مثل تلك التطبيقات من المتوقع أن تنمو بصورة مطردة؛ إلا أن العديد من الخبراء يشككون في أن العوالم الافتراضية سوف تتواصل مع بعضها البعض في أي وقت قريب.
يقول ريوبين ستيجر الشريك المؤسس لشركة Millions of Us التي مقرها كاليفورنيا، وهي شركة تساعد المؤسسات على تسويق نفسها عبر العوالم الافتراضية: (كل العوالم الافتراضية التي نجحت بالفعل لن تلتف بصورة كبيرة وراء ذلك القيد وهو الالتزام بعالم افتراضي واحد، وذلك لأنها سوف تحتاج إلى تغيرات كبيرة في ممارساتها وتغيرات كبيرة في قواعد أكوادها وتغيرات كذلك في الطريقة التي تعمل بها). ويشكك في أن العوالم الافتراضية سوف تدعم جهودها من أجل تطوير تقنيات تجعل من الصعب على المستخدمين مغادرتها إلى أخرى، ويضيف: (سوف يمثل ذلك استثمارًا ضخمًا وتضحية كبيرة أيضًا للهوامش الربحية وسوف تقل العائدات).
ويقول كريستيان ريناود، كبير مهندسي الإنشاءات في شبكة البيئات الافتراضية في شركة (سيسكو سيستيمز) بسان خوسيه بولاية كاليفورنيا إنه في النهاية، فإن المستهلكين سوف يلزمونا بأي تغير، ويضيف: (سوف يقول العملاء: انظر لقد ظللنا نتحمل نفقات صيانة أنظمة متعددة ومتوازية ولكنها لا تتحدث إلى بعضها البعض، ولن نقبل بذلك بعد الآن، فإذا أردتم أن تظلوا في بيئتكم الافتراضية فيجب عليكم أن تجدوا حلولاً لتلك المشكلة).