في منتدى التنافسية الدولي الأول الذي عقد بالرياض نوفمبر الماضي أعلن بيل جيتس مؤسس امبراطورية مايكروسوفت أمام المنتدى قائلا: إن أطفال اليوم يتساءلون باستغراب عن شريط المسجل كيف كنا نستخدمه فهم لا يعرفون سوى القرص المضغوط وفي المستقبل عندما نبتكر تقنية جديدة سيأتي من يسأل عن القرص المضغوط حيث سيوجد بالتأكيد تقنية أسهل للاستخدام.
لم يكن بيل جيتس يدري وهو يطرح تساؤله أنه سيعود بالزمن إلى الوراء ليفتش في ذكريات الحضور ممن تجاوزوا الأربعين عندما كانت أعمدة التليغراف التي تحمل لهم برقيات الأمل أحيانا والألم أحيانا أخرى.
هذه الأعمدة الحديدية المحملة بالآلاف من الخطوط السلكية كانت بالنسبة لهم إعجازا يقف أمامه المثقفون بانبهار، أما الجهلاء فكانوا يعتبرونه ضربا من المس والسحر، ودارت عجلة التقدم التكنولوجي حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من تقنيات حديثة وأصبح مرسل حفيد التلغراف والمسمى بالبريد الالكتروني بضغطة زر خفيفة تصل رسائله إلى المتلقى قبل أن يرتد جفنه! وفي محاولة جادة لرصد واقع استخدام البريد الالكتروني وأهميته في حياتنا وما يدور حوله من تساؤلات وحجم الخصوصية التي يتمتع بها صاحب البريد الالكتروني.
تقدم مجلة الاتصالات والعالم الرقمي هذا الاستطلاع بين قرائها على اختلاف أعمارهم وأجناسهم ومستوياتهم التعليمية وأهمية البريد الالكتروني بالنسبة لهم ودرجة حرصهم على الاحتفاظ بكلمات السر دون الإفصاح عنها لأحد وهل يمكن توريث البريد الالكتروني مثله مثل باقي المقتنيات الشخصية ؟
أزاح الحواجز بيني وبين ابنتي
وبالطبع استخدمنا البريد الالكتروني بجانب المقابلة المباشرة مع150شخصا لتنفيذ هذا الاستطلاع داخل وخارج المملكة وكانت الرسالة الأولى من الدكتورة نوران التي بادرت بسرعة الرد قائلة: عمري تجاوز الخمسين وقبل عامين لم أكن أتعامل مطلقا مع جهاز الكمبيوتر سواء في أي مجال سواء تصفح الانترنت او الطباعة أو إنشاء بريد إلكتروني حتى لاحظت ان ابنتي الكبرى التي تخرجت في الجامعة تقضي أوقاتا كثيرة أمام الجهاز.
في البداية لم أسألها ماذا تفعل ولكن مع حرصها الشديد على الجلوس أمام الكمبيوتر بمفردها لساعات طويلة وانهماكها في قراءة العديد من الصفحات. اكتشفت ان هذه الصفحات ما هي إلا رسائل غرامية من شاب تعرفت عليه في الجامعة وطلبت منها أن اقرأها معها لكنها رفضت فقلت لها سأقرأها بنفسي ولم أكن أعلم أن هناك ما يسمى بكلمة السر التي يجب ان أعرفها لكي أتمكن من قراءة البريد وفي هذه اللحظة قررت ان أتعامل مع الكمبيوتر وأنشأت بريدي الخاص وبدأت أراسل ابنتي وأقول لها ما لا أتمكن من قوله لها مباشرة وكان البريد احد أسباب التقارب بيني وبين ابنتي.
منعت زوجي كلمة السر فباع الكمبيوتر
أما زينب من السعودية فتقول: لم أكمل تعليمي فقط حصلت على الثانوية العامة وأمتلك موهبة الكتابة استخدمت البريد الالكتروني فترة وكان زوجي يشاركني قراءة رسائل القراء فقط كنت أنشر بعض إنتاجي في مدونة ساعدني احد المتخصصين في إنشائها، واستمر زوجي يقرأ معي الرسائل حتى فوجئت به ذات مرة يحاول قراءة بريدي بمفرده وعندما سألني عن كلمة السر رفضت لمجرد الرفض لأن بيننا ثقة عالية ولكن ما إن طلب كلمة السر حتى شعرت برغبته في محاصرتي وهذا الإحساس يثير ضيق الإنسان العادي فكيف الحال مع إنسانة مثلي ذات طبيعة شاعرية وقصصية وانتهى الأمر بقيام زوجي ببيع جهاز الكمبيوتر.
رسالة قصيرة تعيد المياه إلى مجاريها
هناك طريقة واحدة تجعل زوجتي تغفر لي ثورتي عليها بسبب غيرتي الشديدة وهي أن ارسل لها رسالة على بريدها الالكتروني لكي تصفح عني هكذا بدأ زياد الموظف بإحدى الجهات الحكومية بالمملكة رسالته ويضيف:
أنا ما زلت في العشرينات استخدم البريد الالكتروني منذ كنت طالبا في الثانوي وبعد التحاقي بالعمل ازداد حرصي على استخدامه لأنه يمثل ثورة تقنية للمحافظة على الوقت والمجهود، وأنا شخصيا أمتلك بريدين الكترونيين أحدهما للعمل والثاني لأصدقائي وأسرتي.
أعطيت زوجتي كلمة السر لبريدي الخاص حتى دون أن تطلبه وانا كذلك أحتفظ بكلمة السر لبريدها فنحن لا نخفي أسرارا عن بعضنا، أما فيما يتعلق بمن سيرث بريدي الالكتروني بعد وفاتي فأنا لم أهتم بهذه الفكرة لأن البريد الالكتروني مثله مثل عنوان المنزل، فمن ذا الذي يرسل لي خطابا وانا غير موجود.
البريد.. مصدر إلهام لكتاباتي
ومن القاهرة أرسل الكاتب والأديب عزت بدر الدين رسالة طويلة يقول فيها منذ عشر سنوات استقر بي المقام في القاهرة بعد جولات عديدة بالدول العربية والاوروبية وكان استخدام البريد الالكتروني محدود للغاية وكنت أتواصل مع أصدقائي في أنحاء العالم كله بهذا الاختراع السحري وكانت الرسائل التي تصلني مصدرا حيا لإلهام رائع لأبطال قصصي ورواياتي وأصبحت أمتلك عددا كبيرا من الرسائل لم أحذف طوال هذه السنوات رسالة واحدة واستعد الآن لإصدار كتاب يضم هذه الرسائل لأن موضوعاتها أقرب إلى استقراء لواقع العرب المغتربين في انحاء العالم وشوقهم لكي يعودوا إلى أحضان أوطانهم. ولكي أتجنب الدخول في مناقشات مع زوجتي حول بعض الرسائل فضلت إنشاء بريد آخر تحتفظ هي بكلمة السر الخاصة به، ولا أفكر مطلقا في توريث بريدي لابنائي أو أحد أفراد أسرتي.
حفظ الرسائل في ملفات أفضل
ويؤكد رضوان حواصلي مدير إحدى شركات التقنية أن البريد الالكتروني هو عصب الحياة لأية شركة تجارية، فهو يمثل وسيلة اتصال سريعة وفعالة بين الشركة وعملائها فلا يمكن تخيل وجود شركة صغيرة كانت أو كبيرة دون أن يوجد بها اكثر من بريد الكتروني سواء لصاحب المؤسسة او المسؤول عن العمل وكذلك العاملين بها.
ومسألة توريث البريد يمكن تقبلها لبريد العمل طالما استمر نشاط الشركة حيث يتسلم ابناؤه أو المدير المسؤول كلمة السر باعتبار البريد الالكتروني أحد الوثائق المهمة بالمؤسسة.
ويضيف قائلا: مسألة اطلاع الغير على كلمة السر سواء للبريد الشخصي أو بريد العمل ليست هي المشكلة وأريد هنا أن أنبه الى نقطة شديدة الخطورة يقع فيها معظم المستخدمين حيث يتركون رسائلهم محفوظة في البريد ولا يقوم بتخزينها في ملفات على حاسوبه وهو بهذه الطريقة يكون قد ترك مضمون رسائله لكي تتحكم بها الشركة مقدمة الخدمة وفي حالة وفاته فإن كلمة السر تبقى من حق الشركة فقط يعجز المتخصصون عن الوصول اليها في الوقت الذي يتاح للورثة فك كلمة السر إذا كانت الرسائل محفوظة على جهاز الكمبيوتر.
ياهو الوحيدة التي تحتفظ بكلمة السر
غادة خليفة مدير اتحاد منتجي البرامج مصر تؤكد أنه يجب ان تعامل رسائل البريد الالكتروني ككل الممتلكات التي تنتقل إلى الورثة الفرق الوحيد بينهما هو ان اسمها ممتلكات رقمية ولا يوجد مبرر لمعاملة الرسائل الالكترونية معاملة مستقلة عن الممتلكات التقليدية فكون الرسائل محفوظة على الشركة لا يغير من اعتبارها ملكا خاصا لصاحبها دون أن يكون للشركة أي حق عليها فهي مثل البنك الذي يستأجر الشخص لديه خزينة حديدية ليحتفظ بوثائقه ومقتنياته وبعد وفاته يقوم البنك بفتح هذه الخزينة وإعطاء محتوياتها لورثة المستأجر. بالرغم من وجود اتفاق بين ادارة البنك والمستأجر بالتزام البنك بالحفاظ على سرية الخزينة ومحتوياتها وتعتبر شركة ياهو الوحيدة التي يتضمن عقدها مع المستخدم على احتفاظها بسرية بيانات المستخدم بما فيها كلمة السر وعدم اعطائها للورثة إلا بموجب أمر قضائي.
فضلاً عن ذلك فإن الكثير من الشركات الأخرى المقدمة لخدمة البريد الالكتروني حول العالم مثل (America Online) و(Hotmail) و(Google Gmail) لديها إجراءات وترتيبات خاصة في حال موت أحد المشتركين لديها لنقل حساب البريد الالكتروني إلى أحد ورثة المتوفي، عندما يقوم هؤلاء الورثة بإبراز ما يثبت صفتهم واتفاقهم على الشخص الذي سينتقل البريد الالكتروني إلى اسمه.