الراصد للمشهد الجامعي بالسعودية يجد أن بعض الجامعات والكليات تتحرك بشكل جيد نحو تطوير مقتنياتها الأكاديمية تقنياً وتوفير سبل البحث العلمي وتمكين طلابها من اختصار الوقت والجهد في عرض الأعمال والبحوث أوالاطلاع عليها، وهذا التحرك مطلوب ومبهج لولا معضلتين، الاولى تكمن في بطء الخطوات وقلة الأقسام المهتمة بتطوير ذاتها معلوماتياً.. أما الأخرى فنراها في التخوف من تمكين الإناث من التعامل مع التقنية في شتى مجالاتها.
لا أنسى السنوات الأولى من تخفيض سعر الشريحة الخيالي - مقارنة بسعرها الحالي - إذ أصبح بإمكان جميع الأفراد المقتدرين آنذاك الحصول على رقم خاص، وبدأت شعبية الجوال في الانتشار, وتحول من ترف إلى ضرورة. في ذلك الوقت كان الجوال يتصدر قائمة الممنوعات التي تحرص موظفات الأمن على اكتشافها بالجولات التفتيشية المفاجئة، فتضطر الطالبة إلى إخفائه في أماكن مثيرة للضحك كدورات المياه!
هكذا استمر الحال إلى أن أطل الهاتف الجوال المزود بالكاميرا الرقمية. وأصبح الجوال (بدون كاميرا) رمزاً للشرف أمام هذا الجديد وبعد دخول تقنية البلوتوث وضع بعضهم أيديهم على جباههم منذرين بهلاك الناس، رغم ذلك كله، كان هناك مرونة في التجاوز عن الجامعيين مقارنة بالجامعيات اللاتي لا يدركن حتى هذا اليوم السبب المقنع في منعهن من التحدث بهواتفهن (الخالية من الكاميرات) بحرية ومنعهن من اصطحاب أجهزة الكمبيوتر المحمول بعد إذعانهن لاحتمال استخدام زميلاتهن (لجوالات الكاميرا) بطريقة سلبية.
لقد أصبح الكمبيوتر وسيلة مهمة لا غنى لطالبات البكالوريوس والدراسات العليا عنها فقد كفاهن عناء الاستعانة بمكاتب خدمات (الطالب) التي تستنزف الكثير من الوقت والمال لأجل طباعة عابرة لبعض الأوراق أو مسحها وحفظها في أقراص سي دي. فضلاً عن توفيره لفرص تعاون الطالبة مع زميلاتها بشكل مستمر والتعديل والإضافة مباشرة دون وسيط قد لا يفقه المطلوب والمقصود ويغنيها عن طلب أحد أفراد أسرتها أو السائق للتفرغ لمشاوير المكاتب الخدماتية فيما لا حاجة له بحيازة الجهاز واستخدامه.
فلماذا هذا التفريق في التعامل بين الطلاب والطالبات في جامعة واحدة وقسم واحد ؟ وأي عذر يمكن للطالبات اختلاقه لإقناع أنفسهن بهذه القرارات التي لا تستند إلى أي منطق ؟ ولماذا لا توفر تلك الأقسام أجهزة كمبيوتر وإمكانية الاتصال بالشبكة العنكبوتية إذا كانت تصر على حرمان الطالبات من استخدام تلك التقنيات على حسابهن الخاص, وأتذكر الآن الخبر الذي قرأته عن تلف مئات الأجهزة والطابعات بسبب سوء التخزين وإهدار ملايين الريالات التي خصصتها الدولة لتشجيع التعليم الإلكتروني لطلاب الثانوية.
من أسخف الأسباب التي تعللت بها إحدى الموظفات هو ظنها بأن الطالبات يحضرن جهاز (اللاب توب) من أجل متابعة (فيلم) مع بعضهن بعضا، أما علم الذين يُصدرون ويطبقون تلك القوانين بأن ذاكرة الفلاش Flash memory التي لا تتجاوز حجم أصبع اليد ورقائق الذاكرة الأقل منها حجماً كفيلة بحمل أكثر من فيلم في وقت واحد وبأن الطالبات لن يرغبن بمتابعة سينمائية في رُواق مزعج كهذا ولو أردن تبادل الأفلام فلن يردعهن شيء؟! أم أنها تقف في صف الهاتفين بأن (المرأة مدانة حتى تثبت براءتها)!
القادم في العالم التقني أكثر إثارة وإبهاراً، ولا يمكن السيطرة عليه، ولهذا فإن الرسم الإيجابي للخطوط العريضة والواضحة لحل هذه المشكلة بما يتوافق مع الدين الإسلامي القاضي بتقدير المرأة وتشجيع الرقي الأكاديمي وتهميش المعتقدات الخاطئة كفيل بتوفير حرم جامعي صحي بمخرجات ذات كفاءات عصرية تدعم وتقوي حضورها العالمي.