انتهت أعمال المؤتمر الوطني للتعاملات الإلكترونية الذي انعقد على مدى ثلاثة أيام بمدينة الرياض كانت حافلة بالمناقشات العلمية، كما كانت مناسبة وفرصة لعديد من شركات القطاع الخاص لعرض ما لديها مما توصلت إليه تكنولوجيا المعلومات الإلكترونية من أجهزة وبرمجة، وغاب عن ذلك تماماً البعد التنظيمي والقانوني للتعاملات الإلكترونية الذي سوف يمثل في المستقبل القريب والحاضر عقبة في مجال ضبط التعاملات الإلكترونية التي تنطوي على قدر كبير من المخاطرة.
ولقد تفاءلتُ من عقد مثل هذا المؤتمر واعتبرته خطوة مهمة على طريق جديد لم يتم تمهيده بالشكل الذي يطمئن له المتعاملون فيه، وهو سوف يهم الجميع. وعلى المستوى الشخصي كان اهتمامي بالحضور من مقر دراستي في بريطانيا، كما جاء آخرون أيضاً من خارج المملكة من مقار دراستهم يجمعنا اهتمامنا بمجال دراستنا الذي يمثل المؤتمر جانباً مهماً منه، ألا وهو الحكومة الإلكترونية والإدارة الإلكترونية.
على هامش جلسات المؤتمر كانت هناك أحاديث ومناقشات مهمة اشترك فيها بعض المسؤولين في إدارات الحاسب الآلي، وقد شدّ انتباهي ذلك النقاش الذي اشترك فيه الدكتور سلمان بن عبد الملك آل الشيخ مدير عام الإدارة العامة للحاسب الآلي في وزارة العدل، وهي إحدى الوزارات ذات العلاقة المباشرة بالجانب التنظيمي والقانوني للتعاملات في مجال التطبيق الإلكتروني، وقد كان مدركاً لهذا الجانب المهم الذي كنت شديد الحرص على إثارته، وفي نظري أنه يحتاج إلى عقد مؤتمر خاص بهذه النواحي، وأعتبر طرح هذا الموضوع مناسبة إلى الدعوة لعقد مثل هذا المؤتمر.
ولكي نتصور مدى أهمية الجانب التنظيمي والتشريعي للتعاملات الإلكترونية في مجال المعلومات دعونا نشير إلى ما حدث مثلاً في سوق الأسهم مؤخراً، حيث تعرض كثير من المتعاملين في هذه السوق لتسييل محافظهم الاستثمارية مباشرة من قبل البنوك الضامنة لهذا التعامل. لقد تم استخدام التعاملات الإلكترونية في هذا الشأن دون أن يكون لدى هؤلاء المستثمرين الوعي والخبرة القانونية لما سيترتب عليه تسييل محافظهم بشكل مباشر بل وفجائي بالنسبة لهم. إن التعامل الإلكتروني لا يتطلب أن تكون موجوداً في موضع التعاملات، بل يتم وأنت خارج البلاد وفي أي مكان في العالم. هذه الإشكالية القانونية التنظيمية وغيرها مما لا يتسع المجال لشرح تفاصيله هنا تفاجئنا دون أن نعلم ومن ثم نسأل ماذا نفعل.
وعلى الجانب الآخر، وبنفس القدر من الأهمية، حدَّثني أحد الأصدقاء عن أن هناك نظاماً في إحدى شركات الاتصالات في المملكة يتيح تخزين المعلومات الموجودة على جهاز الجوال من أرقام ورسائل وغيرها من المعلومات في الجوال، ومعنى ذلك أن هذه الشركة تقوم بتخزين هذه المعلومات في أجهزة الحاسب وتقوم باسترجاعها عند طلب العميل. من الوهلة الأولى تبدو هذه الخدمة جيدة جداً ومفيدة لكثير من الناس الذين يفقدون لسبب ما ذاكرة أرقامهم المهمة ومعلوماتهم المقيدة على الهاتف، ولكن من جهة أخرى لهذه الخدمة الجيدة جانبها المظلم إذا ساء استخدامها، فمَن المسؤول حينها؟ وما الجهة التي تتولى تنظيم مثل هذه المشكلات؟ وما التشريع القانوني لذلك الذي يسمح بقدر من التحكم واستعمال معلومات خاصة؟! هذا مجرد مثال آخر على حماية وأمن المعلومات. أيضاً هناك قطاعات أخرى ستعاني من نفس السلبيات في ظل تطبيق الحكومة الإلكترونية، فما الجهة التي ستقوم بمحاسبة كل مَن تسوِّل له نفسه تسريب معلومات مهمة وخاصة وحساسة؟ إذن من المهم نشر الوعي والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة؛ فالاتحاد الأوروبي له تجربة رائدة في هذا المجال.
في نهاية الأمر، أنا لست ضد التعاملات الإلكترونية أو التجارة الإلكترونية، بل على العكس أنا من أشدّ المهتمين بها، وهي مجال دراستي، والدول الأوروبية قطعت مراحل في تأسيس آلياتها القانونية والتشريعية، وأصبح الكثير من تعاملاتها الإلكترونية محمياً تحت ظل القوانين والأنظمة التي تحكم هذه الخدمات المهمة في حياتنا، وجاء الوقت الآن لكي نسارع إلى الانتهاء من بناء منظوماتنا القانونية والتشريعية لحماية أمن المعلومات والتجارة الإلكترونية.
ماجستير قانون الاتصالات وتقنية المعلومات
yasser_almajed@hotmail.com