بالرغم من أن الموضوع رمزي تماماً لكنه حتماً يثير المخاوف، فقد قامت جماعة العلماء الذرّيين بتحريك عقرب الدقائق في ساعتها الخاصة بما أطلقوا عليه موعد نهاية العالم دقيقتين أقرب إلى منتصف الليل، ووفقا لهذه الساعة التي تبلغ 60 سنة، يعتبر منتصف الليل الدمار النووي، ونهاية الحياة كما نعرفها.
وكنا قد أشرنا في عددنا السابق إلى أن علماء الفيزياء الذين طوّروا القنبلة الذرّية للولايات المتحدة قد قاموا بتصميم الساعة في 1947، وذلك بعد أن أبادت قنابلهم هيروشيما وناجازاكي نهاية الحرب العالمية الثانية.
منذ ذلك الحين اضطر علماء الذرّة التابعون للجنة (بي. أي. إس) الأمريكية، والتي تفتخر بانضمام 18 فائزاً بجائزة نوبل بين رؤسائها، إلى تحريك يد الساعة 18مرة. ويمثّل كلّ تحرّك تحليل المجموعة الحالي لفرص العالم في البقاء في مواجهة التطورات البيئية والسياسية والتكنولوجية. ويعتبر العامل الأكثر أهمية بالنسبة لمراقبي الساعة حالة الشؤون النووية، سواء كان العالم في اتجاه انتشار أو نزع السلاح النووي.
الساعة11.55مساءً
وبعد آخر تعديل ليد الدقائق في الساعة الكونية تصبح الساعة الآن 11:55 مساء، في ثاني مرة يقترب فيها عقرب الساعة من منتصف الليل ويتضمن إعلان لجنة العلماء الذرّيين العديد من الأسباب التي يرون أنها تبرر إقدامهم على هذا التقديم الزمني.
كان من أهم هذه الأسباب فيما يعتقد العلماء أن العالم دخل العصر النووي الثاني حيث انتهى العصر النووي الأول بتوقيع معاهدة تخفيض الأسلحة الإستراتيجية في 1991 من قبل الولايات المتحدة وروسيا.
منذ ذلك الحين ابتعد المدّ ببطء عن قرار عالمي لتقييد تقنية الأسلحة النووية واقترب من تأسيس الدول النووية الجديدة، وتمتلك الولايات المتحدة وروسيا أكثر من 26.000 سلاح نووي جاهز حاليا للإطلاق في أي لحظة، وأسّست الولايات المتحدة سياسة مؤخرا تجعل من القنابل الصغيرة النووية أسلحة قابلة للتطبيق ضدّ بعض التهديدات الأمنية.
في هذه الأثناء تقول نشرة العلماء الذرّيين: إن مراقبي ساعة العالم النووية لم يقوموا إلا بالقليل من الاحتجاج، ونتيجة لذلك يواجه العالم المناخ النووي الأكثر خطورة منذ الحرب الباردة.
وبينما وقفت كل من الهند وباكستان موقف المواجهة النووية خلال السنوات الخمس الأخيرة، أعلنت كوريا الشمالية نفسها عضواً جديداً في هذه المجموعة بتفجير قنبلة نووية؛ بينما تعتقد إيران أنها على الطريق إلى سلاح نووي.
وهذا الوجود المتزايد لا ينبع فقط من الترسانات النووية لكن تقنية محطات الكهرباء النووية التي جعلت من عمليات بيع وامتلاك المواد النووية مستحيلة تقريبا لتعقبها وتنظيمها، ففكرة قيام مجموعة صغيرة بوضع يديها على البلوتونيوم أو اليورانيوم الغني تعتبر أكثر واقعية اليوم.
المخاوف النووية
وقد شملت المخاوف النووية معظم العوامل التي تعمل دائما على تحريك عقرب الساعة، ولكن في العام الحالي، بدأت مشكلة تغير المناخ تنافس فعلياً وللمرة الأولى المشكلة النووية التي كانت توصف بالتهديد الأعظم، فمع تحرك عقرب الساعة إلى 11:55، قدمت نشرة العلماء الذرّيين الوضع الصعب للقوّة التدميرية الناجمة عن تغيير المناخ، وحالياً تعتبر المنظمة ارتفاع درجة الحرارة العالمي على تهديد أقل قليلاً لمستقبل الحياة على الأرض عن المحرقة النووية.
ومن خلال الاستشهاد بظاهرة ذوبان الجليد في العديد من مناطق العالم, وتصحر المناطق الخصبة سابقا، وتلوث الهواء والمحيطات والكوابيس البيئيّة الأخرى، تعتقد نشرة العلماء الذرّيين أنّ تغيير المناخ سيؤدّي إلى الحروب النووية الواسعة الانتشار في النهاية على الأرض الصالحة للسكن التي ستنتهي بتدمير أي شيء متبق على الأرض.
إنّها توقعات مريعة على أية حال، فبالإضافة إلى المخاوف النووية والمناخية، تشير نشرة العلماء الذرّيين أيضا إلى التقنيات الصاعدة في مجالي العلوم الحيوية وعلم الصغائر على انها تسهم في (الدقائق الخمس حتى النهاية) الرمزية.
فالاستعمالات النهائية للتقدّم العملاق الأخير في كل من علم الوراثة وتكنولوجيا الصغائر لم يتم تحديدها حتى الآن. فهندسة الجينات قد تعالج السرطان وقد تخلق أيضا سلاحاً بشرياً متفوقاً للغاية فتكنولوجيا الصغائر قد تبني مركبة فضائية أو قد تفيد في أداء جراحات أكثر دقّة؛ وهي قد تؤدّي أيضاً إلى قنبلة بحجم البعوضة.
لمحة أمل
بالرغم من كل هذه الأدلة على قرب حلول الدمار بالعالم، إلا أن العلماء الذريين لم يفقدوا الأمل، فهناك بعض التغييرات التي توصّي بها النشرة يستطيع العالم القيام بها لكي يحرّك ساعة نهاية العالم إلى الوراء.
يذكر أن أقرب وقت كان فيه عقرب الساعة الكونية يقترب من النهاية هو في عام 1953 من القرن الماضي حيث وصل إلى 11.58مساء، وهي تلك السنة التي قامت خلالها الولايات المتحدة وروسيا باختبار القنابل الهيدروجينية.