نص مسؤولية راضية عبد الرحمن غانم
|
اسمها راضية .. لم تتعدّ السبع سنوات .. جميلة الملامح، يبدو جمالها للناظر رغم كمّ الأوساخ التي تغطِّي وجهها الجميل ويديها الصغيرتين .. تعبر الشارع مسرعة غير آبهة بحركة السيارات، إنّها تعتاد الشارع، فقد أمضت الكثير من عمرها القصير تنتقل بين الحوانيت لشراء ما يطلبه سكان العمارة التي يعمل أبوها حارساً لها، كما أنّها تساعد أباها في تنظيف سيارات السكان لهذا كان تعاملها مع الشارع شيئاً طبيعياً. على الجانب الآخر من الشارع طفلة صغيرة في حوالي الخامسة .. مظهرها يتسم بالمبالغة في النظافة والترتيب. شعرها عقص إلى الخلف على هيئة ذيل الحصان وتحمل في يدها دمية غالية الثمن. تتمشّى على الطوار المقابل للعمارة إلى وجهة غير معلومة. جرت إليها راضية الصغيرة وكلّمتها بلطف لا يخلو من اهتمام .. ست سامية .. يا ست يا سامية، عودي معى إلى العمارة. ردّت سامية بعدم اكتراث: وما شأنك أنت؟ ربما تضيعين ولا تستطيعي العودة إلى المنزل، قالتها راضية وهي تتوسّل. لن أعود الآن أريد أن أتمشى بمفردي وأعود وقت أشاء .. ردّت سامية وهي تزم شفتيها وترفع كتفيها حتى يخال من يسمعها أنّها بالغة راشدة. أمسكت بها راضية وقالت: لن أتركك، وأطبقت على يدها وتسمّرت في مكانها وهي تنادى أباها .. يابا .. يابا .. تعال لترى ماذا فعلت الست سامية. في تلك اللحظة خرجت أم سامية من العمارة لترى هذا المشهد أمامها .. راضية وقد أمسكت بسامية والأخيرة تصرخ أنقذيني يا أمّاه .. تعالي وانظري ماذا تفعل هذه الغبية. عبرت أم سامية الشارع مسرعة متجهة نحو البنتين .. هنا أفلتت راضية يدها وانتظرت اليد التي تهوي على خدها الغض .. كانت صفعة تحمل في طيّاتها كلّ معاني التعالي والفوقية .. عبر أبو راضية الشارع واحتضن ابنته قائلاً: لا عليك يا بنيّتي .. ردّت راضية وهي تجهش بالبكاء: خشيت أن تضيع فأحاسب .. قالتها وكأنّها بسنواتها السبع مسئولة عن كلِّ سكان العمارة.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|