مسرحية.. أوشك أنفجر منها.. فهد ردّة الحارثي
|
مسرحية (يوشك أن ينفجر) كانت شيئاً مختلفاً، ومختلفاً جداً منذ لحظة البداية، كانت الأجواء غير مناسبة لي، كان عملاً متمرداً جداً، لقد عرفت ذلك منذ لحظة الكتابة الأولى له، كان يكتبني ولم أكن أكتبه.
في (البروفة) الأولى حاولت تبسيط الأشياء والتدخل نقاشاً وحواراً كما تعودت دوماً، لكن الفكرة لم ترق لعبد العزيز ولا لسامي، عرفت عندها أنها مسرحية مختلفة وأنها ترفضني، لكني حاولت مرة أخرى، كان النقاش هذه المرة حول بعض الأفكار الإخراجية، فشلت في إقناعهم بها، عرفت ماذا تريد مني هذه المسرحية، فتركتها بعدها متجهاً نحو عمل كنت أخرجه للصديق مساعد الزهراني، انقطعت علاقتي بالمسرحية ولم أشاهدها إلا بعد أن كبرت ونضجت يوم عرضها، تعاملت معها ككائن منفصل عني كنت بعيداً عنها أو هكذا تظاهرت، كنت أعتقد أني أعاقبها، بينما كانت هي من يفعل ذلك.
كانت بالفعل تعاقبني تتمرد عليّ، رفضت أن أكون معها في كل مكان، ففي كل مرة كانت تنفذ فيها (بروفة) لها كنت أصطدم بوجود عمل لدي في نفس الوقت، لم يكن ذلك حلماً، كان واقعاً يتأكد يوماً بعد الآخر، حتى في العروض كانت ترفض أن أرافقها، ففي كل عرض كان هنالك دوماً عمل لدي في نفس التوقيت في عروضها في الطائف وجدة والرياض والفجيرة، كانت القصة تتكرر.
لذلك كان من المهم أن أكسر هذا الحاجز وأن أحاول إيجاد صيغ جديدة للتصالح مع هذا الكائن المسرحي العجيب، سافرت معها إلى القاهرة لمتابعة عرضها في الدورة الخامسة من فعاليات المسرح العربي، كنت أعتذر لنفسي عن تنازلي أمامها بإصرار الزملاء على مرافقتهم، بينما كانت الحقيقة أني بحاجة ماسة إلى إعادة التعامل مع هذا العمل.
طوال الطريق من الطائف نحو جدة كان سامي يحدثني عن المسرح، كان يستدعي تفاصيل وحكايات أعرفها ولا أعرفها.
في المطار كانت صالة السفر تجمعنا؛ سامي وعبدالعزيز وأنا.
هل كانت تجمعنا فعلاً أم كنا نجمعها..؟ ما زال حديث المسرح طازجاً.
حتى في الطائرة، حاولت أن أتحاشى الحديث عنها، أردت أن أثير غيرتها بالحديث عن المسرح لا عنها.
القاهرة تبدو كما هي مزدحمة، معلبة، حميمية، ضجرة، مبتسمة، ملوثة، القاهرة لا تزال كما هي.
لا تكاد حقائبنا تلامس بهو الفندق حتى نسارع بالخروج نحو مسرح الجمهورية لمشاهدة عرضين، في صالة المسرح تقابلنا أسماء كثيرة بعضها نعرفها جيداً ونرتبط معها بعلاقات قديمة، بعضهم نتعرف عليه من خلاله أو من خلال وسيط.
حالة من الدفء تجمعني مع صداقات من المسرحيين في مصر والجزائر وتونس وليبيا وقطر، أتعرف للتو على شخصيات أخرى من سورية والأردن نتقاسم معاً رغيف المسرح.
جرس الدخول الأول يدفعنا نحو مقاعدنا، أشعر أني أعرف أشياء كثيرة هنا، فقد سبق لي تقديم ثلاثة أعمال مسرحية على هذا المسرح العريق: لعبة كراسي - المحتكر - أبناء الصمت.
عملان منهما كنت أتعايش فيهما مع كل تفاصيل هذا المسرح، من باب الوفاء ألقي التحية على كل ما لمست يدي بهذا المسرح.
الدكتور عمرو دوارة مدير المهرجان يقبل مرحباً ثم يعلن من على خشبة المسرح خبر وصول الوفد السعودي، ويعد الجمهور بمشاهدة مسرحية ممتعة.
يوم عرضنا كانت الأشياء تبدو مزدحمة عندما نصل إلى لحظة (البروفة) يرفض العمل مرة أخرى بقائي معه، يمارس نفس لعبته المعتادة، هو يريد أن يثبت لي أنه قادر على تشكيل نفسه دوني.
تتم دعوتي مع بداية (البروفة) لإلقاء ورقة عمل حول المسرح السعودي، ومن ثم فتح باب النقاش حوله.. مضى الوقت دون أن أشعر، كان النقاش طويلاً، وتناول تفاصيل للأسماء والتواريخ والأعمال للمنهج والشكل، مرة أخرى جرس بداية دخول المسرح يعلن عن بداية العرض، إنه يفعلها للمرة الرابعة أو الخامسة، يبعدني عنه حتى يتهيأ لتقديم نفسه بالصورة التي يريد، أجلس على مقعد في الصفوف الأولى منفصلاً عنه، أشاهده ككائن لا ينتمي إليَّ، يبدأ العرض يتعملق، سامي يؤدي الدور بشكل متفوق، وكأني أشاهده للمرة الأولى، يشعرني تفاعل الجماهير معه بقيمته الفنية كممثل من الطراز الأول مسرحياً، ينزل للصالة، يختلط بالجمهور، يحرك الصالة كيفما يريد، تصفق الصالة عدة مرات، أشعر بالانتشاء، هذا ممثل سعودي يتألق بمسرح الجمهورية بمصر وسط حضور مسرحي عربي، أكتشف جماليات جديدة في العمل، أعيد قراءة عبدالعزيز كمخرج لديه حلول جميلة لكل شيء، هذه هي صفات المخرج الناجح.. إنه يمتلك الحلول الخاصة به التي لا تتوقعها.. ما أروعك أيها المخرج هكذا سمعتها من مسرحي عربي كان يناقش عبدالعزيز في العرض.
عندما انتهى العرض لم نلتق أنا وعبدالعزيز وسامي إلا بعد ساعة كاملة، كان كل شخص منا مشغولاً بالحديث مع مجموعة من المسرحيين.
في الندوة النقدية للعرض قيلت قصائد في العرض إجمالاً وفي إمكانيات سامي الزهراني كممثل.
صدى العرض يلاحقنا إلى الفندق، نقاشات متوالية في العمل في بهو الفندق.. من الوفود العربية الدكتور عزيز خيون والدكتورة عواطف نعيم والمشرق داود أبو شقرا والمنصف السويسي والمسرحي حربي الطائر والسينمائي هيثم التميمي والمسرحي السوري تمام العوني وأسماء كثيرة لعل أجملها كان فريق المنصف السويسي المسرحي الذي كون معنا فريقاً واحداً لم يكن يفترق إلا وقت النوم، حالة الانسجام لم تكن غريبة فطريقة عملهم وتكوينهم كانت تشبه تماماً طريقة عمل الورشة لدينا، الوجوه تتشابه، الصفات، العلاقات، ومن ثم الارتباط.
عدت للمسرحية مرة أخرى، حاولت التصالح معها، أخبرتها أنها مني وأنا منها، لم تهتم كثيراً بي.
عندما كنت أقف أمام الملصق الإعلاني لها، شعرت بالفعل أنها تتمرد عليَّ، وأنها نجحت في ذلك، وحققت ذاتها بالطريقة التي تريد، لا بالطريقة التي أريد، لكنها حققت ذاتها ونجحت وليس أمامي إلا أن أقول لها: لن أنفجر من بعدك. أنت في الحقيقة تجربة جميلة لها مزاجياتها وظروفها وطريقة التعامل معها.
وفي الأحوال كلها ستبقى مساحة التعامل معك ككائن حي هي الحالة التي تزيدني طرباً وفرحاً وسعادة.
وتحية حب وعرفان بالإبداع لعبدالعزيز عسيري مخرج العرض، وسامي الزهراني ممثله الوحيد، وأشرف عريشي منفذ الإضاءة الجميل في خلقه وحسن تعامله.
وتحية لك أيتها المسرحية الرائعة مهما اقتربت أو ابتعدت عني.
ورقة توت
هي لن تسترك، ولن تفضحك، بل ستتركك مثل ذلك الذي أثار الغبار حول نفسه، دون أن يمنع ذلك القضاء عليه، مشكلتك الأساسية أنك تريد أن تسرق زمنك وزمن غيرك، ومن أجل ذلك تكذب، تراوغ، تخادع، تزور، تموت خلف ابتسامة صفراء مجانية تمنحها لمن تريد ولا تريد.
ورقة التوت لن تسترك، لكنها تفضحك أمام نفسك والآخرين، فتمدد كما تشاء، فلن ينكمش غيرك!!
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|