المرتكزات النقدية في كتاب (أسرة الوادي المبارك) الخطراوي (1-2) د. أسماء أبوبكر أحمد
|
إطلالة أولى:
يضم كتاب أسرة الوادي المبارك عدداً من الأدباء الذين تبنوا فكرة تأسيس جماعة أدبية. والكتاب بمثابة موسوعة أدبية، تؤرخ لمرحلة مهمة من مراحل تطور النهضة الأدبية في المملكة وعلى وجه التحديد في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اقتصرت هذه الموسوعة الأدبية على انتقاء بعض من الأصوات الأدبية المتميزة دون أن تجمع إليها رساً أو هزيلاً من خلال أطروحة أدبية تجمع إلى جماليتها وجهة نظر نقدية.
وهو جهد اختص به الشاعر نفسه وكرس له وقته ومنحه عنايته لينهض بعبء هذا العمل الذي كان يستلزم أن تنهض به جماعة لا شخص واحد، كما يستلزم جهداً مؤسساتياً مدعماً مادياً وأدبياً تتآزر فيه الجهودات لتخرج هذه الموسوعة الأدبية كما نراها الآن، وهو ما تعهد به الشاعر نفسه منفرداً بتحمل لواء هذا العمل الضخم وإنجازه بهذه الكيفية.. وما سجله من النتاجات الأدبية لتلك الرموز أحياء وأمواتا سواء المنشور من نتاجاتهم أو المخطوط مما يجعلها تفتح آفاقاً لإثراء القيم المعرفية والثقافية.
ومن ثم فإن هذه الموسوعة تعد كتاب تاريخ وثقافة أدب وفنا موسيقيا وشعرا وفلسفة ورياضة ومسرحا.. وهي بمثابة معجم لبعض الأدباء يعرض لتاريخهم عبر المكان الأثير ويرصد الآراء النقدية والأدبية ومن ثم يترجم الكتاب لتاريخ الأدب والثقافة ويرصد ولادة اتجاه أدبي ونقدي له أطروحاته ومفاهيمه، كما تلتقي الكتابة عند الأسرة بحركات علمية وأدبية سابقة ولاحقة لها ليمتد هذا الكتاب معبراً عن تلاحم الأجيال سابقها بلاحقها حاضرها بماضيها، تراث الشيوخ بمنجزات الأبناء لتجدل هذه الموسوعة الأدبية سلسلة من الأمجاد المتلاحقة والمتفاعلة؛ ما جعلها تعطي صورة شبه كاملة عن المشهد الثقافي والأدبي في المدينة المنورة.
فبالإضافة إلى كونها ببلوجرافيا أدبية فهي تكتنز مستويات معلوماتية أخرى؛ إذ ترصد حركة الشعر كنموذج لمسيرة الأدب والنقد وتطورهما في المملكة من خلال طرح استراتيجي لقضايا الأدب واللغة، ورصدهما من خلال التحولات الثقافية التي يمر بها المجتمع المحلي والعربي، متواكبة مع حركة النهوض والرقي التي يمر بهما العالم العربي، كما يرصد الكتاب أبرز الرموز الشعرية العربية التي زامنت شعراء أسرة الوادي المبارك.
هذا بالإضافة إلى كون هذا الكتاب يطرح أسماء شعرية ونثرية قد تكون مجهولة لبعض القراء، وبذلك يكون قد حرّك الساكن وفتح للنهر مجرى ليصب في الأنهار الأخرى ويتدفق معها.
هذه الإطلالة.. تلكم القراءة تمثل حالة من حالات التفاعل مع الخطاب النقدي في الكتاب.
فعلى الرغم من أن شعراء هذه الأسرة يمثلون الاتجاهات الأدبية العامة كالكلاسيكية والرومانسية والواقعية ومثول سماتها في نتاجاتهم النظرية والتطبيقية إلا أن الكتاب يكتنز بعضاً من المرتكزات النقدية التي تتشاكل في بعض أنماطها مع بعض الأطروحات النقدية الحديثة؛ ما قد يستوجب دراسة مستقلة تتناول الكتاب من جانبيه النظري والتطبيقي تربط المفاهيم النقدية للأسرة بالمفاهيم النقدية الحديثة وقوفاً على المنجز الجمالي الذي يمثل رؤية نقدية تستشرف المستقبل المزامن لها لتبشر بملامح نقدية حديثة؛ ما يؤكد فرادة العقل العربي بما يحتفظ به من ذاكرة الأجداد وما يبثه من تراث ماض يحقق به هذا الكتاب منجزه الثقافي والأدبي، ومن ثم سوف تقف هذه القراءة عند ثلاثة محاور:
الأول: ماهية النقد.
الثاني: وظيفة الناقد والنقد الجديد.
الثالث: تعدد مستويات التلقي.
أولاً: ماهية النقد
تتمثل ماهية النقد في كتاب (أسرة الوادي المبارك) من خلال الوظيفة النفعية والجمالية للأدب، فالوظيفة الأولى ترتبط بالمدرسة الواقعية وما تفرضه من التزام الأديب بمعالجة قضايا الواقع المعيش وإبرازها في النص الأدبي من خلال مستوى جمالي تحققه التشكيلات اللغوية، وقد تمثل ذلك عند صالح محسن الحيدري؛ إذ يحدد ماهية النقد بأنها تنقيح للآراء ومعرفة صحيح الروايات من زائفها والتمييز بين الجيد والرديء من خلال وجهة نظر فلسفية تقف على آثار النقد وفوائده، ثم يحدد الكاتب وظيفة النقد ويوجهه باتجاه أدعياء الأدب ليؤدي النقد وظيفته بكل نزاهة، وهو بذلك يربط ماهية النقد ووظيفته بالمستويات النمطية والكلاسيكية للنظرية.
وقد تمثل ذلك أيضاً في بعض آراء الخطراوي الماثلة في الكتاب في مقاله (تعقيم النص)، وعلى الرغم من أنه يكتب بلغة علمية معجمها كيميائي طبي إلا انها تدخل في تشكيلات لغوية مبهرة تكشف وترمم وتربط بين تعقيم معاني النص وتخصيبها، وبين تعقيم معاني الحياة وهو ما يتوافق مع آراء الناقد التاريخي (هيبوليت تين) الذي يرى أن الآثار الإنسانية صارت مثل النبات تخضع للبحث والتحقيق، وهو ذاته ما يطرحه الخطراوي من خلال تجادل زمنين أحدهما تراثي والآخر معاصر، وعبر تحليل وصفي يطرح من خلاله قضيته الأدبية التي تتصارع فيها دلالتان، دلالة دينية والأخرى حياتية، ويبرز فيهما مستويان أحدهما علمي والآخر أدبي، ويتبلور ذلك في مفاهيم نقدية لها مذاقها الخاص كالتعطيل والتطهير والتهطيل، وهو ذاته ما يتناص مع مفهوم النقد عند جماعة الديوان من حيث كونهم يهتمون بالآثار الأدبية بما يعد مزية تستحق الاهتمام.
كما ترتبط ماهية النقد أيضاً بالتصور الإسلامي للكون الحياة والإنسان، وأسرة الوادي المبارك بحكم مثاقفتها الزمانية بالمكان الديني كان شعراؤها من أبرز الشعراء الذين تمثل في نتاجاتهم التصور الإسلامي سواء للأدب أو للنقد، فلم نلحظ ظهور أي من الاتجاهات المناوئة للإسلام سواء أكان ذلك في تعاطيهم للقضايا الأدبية أم النقدية، وعلى خلاف ذلك برز التصور الإسلامي من خلال الاقتباسات والتضمينات القرآنية على المستويات الإفرادية والتركيبية والصورية سواء للقرآن الكريم أم للحديث الشريف، وتمثل ذلك أيضاً عند عبدالسلام هاشم حافظ ومحمد العامر الرميح وحسن صيرفي وعند عبدالرحمن الشبل وغيرهم، وهو ما يشكل طرحاً رؤيوياً لنظرية نقدية تتمتع بطابعها الإسلامي.
كما تتحدد ماهية النقد بالدور الذي يلعبه الأديب، وهو ما يتمثل في الظلال النقدية التي يطرحها على النص، ولكن من خلال تعليق الدور الذي يلعبه هذا المبدع في واقعه المعيش وتمثل ذلك عند عبدالسلام هاشم حافظ الذي يرى ان الأدب هو ضمير الأمة ووجدانها الواعي المتطلع إلى الخلق والإبداع وهو رسالة حياة ومسؤولية فكر فلا يعيش الأدب على هامش حياة صاحبه وإنما الأدب هو صلب الحياة. كما يرى الكاتب ان الموهبة النقدية وحدها لا تكفي وإنما يجب أن تثقل بالمعرفة.
كما يحدد الكاتب التقييم النقدي للأديب بأنه إنسان غير عادي يرتقي برسالته إلى المثالية، وهو ما يوجه النقد باتجاه المذهب المثالي، ولكن ليس بمفهومه الغربي المناهض لقيمنا الإسلامية ولكن بمفهوم إسلامي يحدد دور الأديب بالتزامه برسالة لا يتقيد بها في الحياة فقط، وإنما يشتغل بها وهو ينتج فناً يستحق أن يعيش ومن ثم يسهم في النهوض بالحركة الفكرية.
بينما يبرز في كتاب أسرة الوادي المبارك مفهوم آخر تتحدد من خلالها ماهية النقد ألا وهو (التحيز وجودة الأدب المحلي)، وهو ما يستقطب حركة النقد الأدبي ويوجهها باتجاه النتاج المحلي بطابعه العربي الأصيل سيما في ارتباط هذا المحلي بتراث المدينة المنورة الأدبي، وهو بذلك يحرر النظريات النقدية المستوردة والمعرّبة من طابعها الغرائبي، وتمثل ذلك على الجانبين النظري والتطبيقي، فنجد عبدالسلام حافظ على سبيل المثال يطلق الأدب السعودي الحديث من قفصه متهماً أقلام المتزمتين الغافلين بأنها السبب في ذلك حين تجاهلوا ميزات النقد ونفحاته القيمة التي تعبر عن الشخصية العربية التي منحت الأدب أصالته وتميزه وجعلته يواكب حركة الأدب العربي المعاصر وإن كان ذلك على نطاق ضيق، وبالتالي تتحدد ماهية النقد بالشخصية العربية والبحث عن مقوماتها الفاعلة في النتاجات الأدبية الزكية.. والكاتب متأثر في ذلك بكتابات طه حسين ومزاوجته بين التراث والمعاصرة.
كما يبرز ذلك أيضاً عند عبدالعزيز الربيع في مقاله (الأدب السعودي والذيوع) إذ يتحيز للأدب المحلي ويؤكد جودته وأنه يحمل في داخله عناصر الشهرة والذيوع لافتاً الأنظار بذلك إلى التراث العظيم الذي يتكئ عليه هذا الأدب، مؤكداً أنه لا يقل في مستواه عن مستوى الأدب في أي مكان آخر، وهو قادر على شق طريقه إذا ما أتيحت له الفرصة وأزيلت العقبات سيَّما أنه أدب مظلوم بين أهله وذويه - على حد قول الكاتب - وأن التطلع لغيره لم يكن لعيب فيه ولكن نتيجة لعقدة الاستيراد وعدم الإيمان بالذات، وهو بذلك يوجه النقد إلى التطبع بالطابع القومي المحلي والعربي.
يتبع
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|