بمناسبة بغداد عاصمة للثقافة العربية للعام 2013 ظهرت على مسرح مؤسسة السينما والمسرح ممثلة مسرحية ألمانية وهي تؤدي مونو دراما تخلع فيها مع تصاعد الأداء ملابسها قطعة قطعة، وبحرك معينة مع الإضاءة وبعد أن أصبحت عارية خفت الضوء فلبست ثوبا لحمي الشكل يلتصق على جسدها كجسد ثان فتبدو عارية مثل ما نزعت ثيابها ونزلت من المسرح إلى الجمهور ضمن إنارة خافتة فما كان من مسؤول الإنارة مع صياح الجمهور وإثارته إلا أن فتح إضاءة الصالة كي يزيد الجمهور متعة بالجسد الألماني.
كان يحضر المسرحية عدد من رجال الدين فهرعوا مغادرين المسرح ولكن بعد أن عادت الممثلة إلى المسرح وأسدلت الستارة!
تناقل الناس النبأ ووصل الخبر للمرجعية الدينية التي عنفت الحكومة ورئاسة الوزراء الذي نقل استياءه لوزير الثقافة، فتدهورت سمعة الثقافة العراقية التي لم يحصد من فرصتها سوى الأمييين وتنحى المثقفون جانباً حفاظاً على سمعتهم!
مؤسسة السينما والمسرح بالتأكيد هي المسؤولة عن هذا الحدث لأنها لم تتعرف على المسرحية، لم تقرأها لم تشاهدها وتركتها لكي تقدم عريها على المسرح.
الغريب في الأمر أن مجموعة أخرى من رجال الدين زاروا المسرح في اليوم التالي، يوم الختام وهم يحملون قلادة تكريم لمدير عام مؤسسة السينما والمسرح لجهوده في إدارة المسرح العراقي والسينما العراقية.
تساءل الناس إذا كان مدير المسرح والسينما قد أساء إلى الدين وثارت ثائرة الرجال فكيف تأتي مجموعة أخرى لتكرمه. اتضح فيما بعد أن ثمة رجال الدين مزيفين وهم للإيجار يباركون من يستأجرهم ويشجبون من يستأجرهم. وهذه ليست نكتة حيث هناك ممثلون بأزياء رجال الدين ويمكن أن يرتدوا أزياء رجال العشائر أيضا لحل المشكلات ولكن بأجور.
كل شيء يمكن أن يحدث عندما تعم الفوضى في بلد ما، ولكن أن يحدث ذلك في مجال الثقافة فهو أمر مخجل، فكيف لمؤسسات ثقافية مهامها تتعلق بقراءة الواقع وكشف الواقع بموضوعية أمام عين المتلقي، فتعيش هي نفسها حالة الزيف والغش، وبدلا من إخراج مسرحية أو فيلم سينمائي عن رجال دين للإيجار وشيوخ عشائر للإيجار تقوم هي نفسها باستئجار رجال دين لمباركة مدير المسارح والسينما لمباركته عن جلب ممثلة ألمانيا تتعرى أمام الجمهور وتنزل الصالة!
فإذا كانت مهمة الثقافة كشف الغش الاجتماعي والزيف الاجتماعي فمن يا ترى يكشف واقع المؤسسات الثقافية عندما تقوم هي بالغش والزيف الثقافي. فهؤلاء الذين صعدوا المسرح كما كشف الأمر ليسوا سوى ممثلين والأزياء التي يرتدونها هي من أزياء مؤسسة السينما والمسرح! لكنهم يعيشون خارج إطار هذه المؤسسة لأنهم للإيجار لمن يرغب باستئجارهم!
لقد عملت الأيديولوجيا السابقة لنظام الدكتاتور على تثقيف المؤسسات الثقافية بسيكولوجية الانتفاع حتى بات الانتفاع سمة من سمات الثقافة والمثقفين، وكان كل شيء يتم وفق إجراءات قمعية لا تسمح حتى بالإشارة إلى الخلل. واليوم وبعد أن انكسر حاجز الخوف بسقوط الدكتاتور سادت الفوضى على صعد شتى ومنها الفوضى الثقافية، فظهر ممثلون في الحياة وظهرت مؤسسات تأجير أزياء في الحياة. هؤلاء يلبسون حتى لبوس الدين المقدسة والعمائم المقدسة، وبات عسيراً على الجمهور معرفة الحقيقة.
لقد تم فصل مدير المسارح والسينما من وظيفته، ولكن لم تكن الممثلة الألمانية العارية هي السبب ولا رجال الدين الممثلون هم السبب، بل السبب يعود إلى أن النهج الثقافي والأداء الثقافي لم يتغير مع سقوط الدكتاتور. هو نهج الانتهازية وتقديم ثقافة الغش. وهذه النتائج هي طبيعية، وما ظهور الممثلة عارية سوى القشة التي قصمت ظهر البعير. ترى من يستطيع فصل الممثلين، ليس ممثلي المسرح بل ممثلي الواقع الذين يتم استئجارهم، كنا نعتقد بأن هذه الدكاكين هي مافيات سيتم التخلص منها ليتخلص المجتمع من ظاهرة خطيرة وهي ظاهرة فرق مسرحية تمثل أدوار العشيرة وأدوار رجال الدين ولها حمايات وسيارات مسلحة ابتلي بها المجتمع ولكن أن تدخل عالم الثقافة وتهدي قلائد الأولياء تثمينا لموقف مسرحي حتى وإن كان يمثل امرأة تتعرى وتنزل من المسرح إلى الصالة. فيتقدمهم مدير المسرح حاملا قلادة الزهراء ثمنا ومباركة في جهوده في جلب ممثلة من ألمانيا كي يزدهر المسرح العراقي.
إن المثقف هو إنسان ينظر إلى الحاضر بعين المستقبل، فكيف لفنان ينظر إلى الحاضر بعين المستقبل وهو مصاب بالعمى!؟
نتمنى من الإدارة الجديدة لمؤسسة السينما والمسرح، وهي التي أنجزت معرض الكتاب وأماسيه الثقافية الأدبية والفنية بنجاح منقطع النظير أن تحول طرائق إنجاح المعرض والأماسي في إنقاذ مؤسسة السينما والمسرح مما كانت تعاني منه.
لقد التقيت السيد وزير الثقافة وهو نفسه يدير وزارة الدفاع وبحثنا شؤون المسرح والسينما في العراق، فشكا لي ما كنت أنوي أن أشكوه إليه. وصراحة وجدت فيه المثقف والحريص على الثقافة والوطن، وهو يدير أيضا وزارة الدفاع وكالة. تم اللقاء بيننا في وزارة الدفاع لأنه يدير وزارة الثقافة من وزارة الدفاع فأتمنى له أن يدير وزارة الدفاع من وزارة الثقافة!
سينمائي وكاتب مقيم في هولندا - حاليا في العراق
k.h.sununu@gmail.com
بغداد