Culture Magazine Thursday  30/05/2013 G Issue 408
فضاءات
الخميس 20 ,رجب 1434   العدد  408
 
سوريا..حكومة الطائفة
عبدالله العودة

 

لماذا يصرّ النظام السوري دائماً على حكاية «الجماعات الإرهابية المسلحة».. والتوصيف الطائفي للمشهد.. حتى في أبكر لحظاته ومنذ سنتين؟ ولماذا يصرّ على التوزيع الطائفي للمشهد السوري والإقليمي.. وتقديم هذا النموذج التفسيري المذهبي للحدث؟ باختصار لأنه الشيء الأهم الذي يكسبه المشروعية.. ويقدّمه أمام بعض المتعاطفين معه كحامي للطائفة والأقليات من مجموعات تستهدفه طائفياً.. على حين أنه الشخص الذي لم يكن يوماً متديناً أصلاً.. ولم يكن منتمياً للطائفة بالمعنى التقني والمدرسي.

لقد قالها ذلكم الفيلسوف الذي ولد جنوب إدلب فيما يعرف الآن بسوريا.. شيخ معرّة النعمان.. أبالعلاء المعرّي في بيته التوصيفي الذكي والدقيق:

إنما هذه المذاهب أسبابٌ

لجلب الدنيا إلى الرؤساءِ

لأجل هذه فإن التعامل الطائفي.. وحرب جرائم النظام لدوافع طائفية هو أمر كارثي يصبّ في النهاية في خدمة الرواية الرسمية في سوريا في توصيف المشهد بهذا الشكل.. بل وتقديمه على هذا الأساس.

ليس غرض هذا المقال بحث السؤال الكبير «من المسئول عن الطائفية» لأن الغرض هو الوقوف بشكل واضح أمام أي طائفية تستغل المشهد وتعبث به، وتؤجج صراعاً بين مجموعات داخل المجتمع عاشت لآلاف السنين بشكل طبيعي، فالمعركة ليست بين فرقة وفرقة اخرى.. ولا طائفة وطائفة أخرى بل بين ظالم ومظلوم.. بين قاتل ومقتول.. بين شعبٍ صاحبِ حق.. ونظام مغتصبٍ مجرمٍ جائر.

ولأن الطائفية بحد ذاتها مشكلة فإن الإدانة ينبغي أن تكون لكل طرف مدفوع طائفياً.. فالمجموعات التي تستهدف القرى العلوية بمدنييها وأطفالها ونسائها هي ترتكب جريمة شنيعةً بحق شعبها وناسها قبل كل شيء.. والمجموعات الأخرى التي تستهدف القرى السنية بسبب الانتماء للمذهب تمارس جرائم بشعة في حق التاريخ والمستقبل.. وكلاهما المدفوع طائفياً يخدم النظام المجرم وشبيحته بشكل مباشر أو غير مباشر في خدمة أغراضه وتقديم المبررات له، وإعطاء مصداقية لروايته التقليدية المكرورة في توصيف الموضوع بشكل طائفي صرف.

وفي نظر المراقب.. يمكن القول بأن أفضل طريقة لخدمة هذه الثورة السورية الشريفة هو في دعم أغراضها المشتركة بين كل أطيافها في العيش الكريم الحر.. والأهداف المتفق عليها بين كل الأطياف في حماية الجميع والحفاظ على الأرض والتاريخ والتعايش المشترك الذي كان يجمعها لآلاف السنين حتى فجّرته الأنظمة الطائفية.

الطائفية.. لن تكون مسئولية طرف دون آخر بل مسئولية الجميع في حماية المجتمع منه وبثّ الوعي حول كارثيته على المدى البعيد في استقرار المجتمع وبناء نهضته وقوّته.

الانتماء لأي طائفة أمر طبيعي في أي مجتمع وحتمي ضمن طبيعة المجتمعات فلم تستطع كل مجتمعات الأرض التخلص من أي طائفة.. وحتى تلك الحركات اللادينية الحديثة والأكثر حداثة مثل حركة الملاحدة الجدد فيمابعد الحداثة بأمريكا وأروبا (New Atheists) قدموا مشروعهم كحرب لأي طائفة دينية ولأي دين لأنهم يرون أن الانتماء لأي طائفة بحد ذاته أمر يؤسس للجمعيات الطائفية والسياسيات الطائفة وبالتالي الاقتتال الطائفي.. حركة لم ولن تنجح.

هذا الطرح يفتقد لأبسط الأحداث التاريخية والمعاصرة.. فليست المشكلة في وجود أي طائفة أو مدرسة دينية ما.. أو في وجود فكرة الطوائف.. وإنما المشكلة في العلاقات بينها، لأجل ذلك يرى الفيلسوف التشريعي الكبير رونالد دوركين.. أن المجتمع المتدين والمتسامح مع الأديان والطوائف الأخرى بشكل كامل والمتسامح مع اللادين.. يصل لنفس نتيجة المجتمع اللاديني المتسامح مع فكرة الدين ومع الأديان الأخرى.

لذلك فالمشكلة الكارثية هي في إحدى حالتين: في مجتمع لاديني لايتسامح ولايتفهم الشعور الديني ولايحترمه ولايتيح له فرصة العيش والوجود والحياة.. أو في الحالة الثانية.. في مجتمع ديني لايتسامح ولايسمح بوجود ولا بعيش ولا باحترام الأديان والطوائف الأخرى أو عدمها.

وعودةً على فكرة «الطائفة» في سوريا.. فإن الكارثة أسسها بشكل ابتدائي النظام المجرم الذي استخدم موضوع الطائفة في تأسيس الدولة وتشكيل الجيش.. والحياة السياسية، وداعميه بشكل طائفي سياسي في الحرب على شعبه مثل إيران وحزب الله.. وبالمقابل فإن الحل لن يكون في استخدام ذات اللغة والاعتداء على التنوع الطائفي في سوريا.. فإن هذا جريمة مقابلة تخرق أبسط القواعد الأخلاقية والدينية ففي أحلك اللحظات في المعركة للدفاع عن النفس التي شرعها الإسلام نهى عن الاعتداء على مايسمى باللغة المعاصرة المدنيين أو الأماكن الدينية أو استهداف غير المقاتلين المعتدين (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين). وفي حديث بريدة « اغزوا ولاتغلّوا ولاتغدروا ولاتمثّلوا ولاتقتلوا وليداً ولا أصحاب الصوامع».. ولأجل ذلك كان معظم من دخل في الإسلام تاريخياً كانوا بسبب أخلاقيات الحرب العظيمة في الإسلا م أكثر من الحرب ذاتها.. وهي تلك الأخلاقيات التي تؤمن بها على الأقل نظرياً قواعد القوانين الدولية المعاصرة والأعراف الأخلاقية للحروب وحقوق الإنسان.

abdalodah@gmail.com الولايات المتحدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة