(وخامس الأخماس يا سيّدي الحسّاس

إني أنا كلّي ما عاد بي إحساس)*

* * *

يخرج قطار العمر عن مساره أحياناً، ولا يعود أحياناً إلا بصدمةٍ تحيل كلَّ من فيه موتى مجرّحين، ولكن الحياة لا تنتهي أبداً.. والقطار لا يتوقف أبداً..

- هل ركبتَ قطاراً هذا العام؟

- كلّ الأعوام قطاراتٌ، وكلنا ركّاب.

- ألستَ من قال مرّةً:

(يمحونا اللونْ..

كما تمحو الطرقاتُ الضيقةُ

براحَ الكونْ..

ترتفع رؤوسٌ، دونَ رقابْ

الشارع.. يدخل في الأبوابْ

والماء سيبتلع الزيتون..

فمن ذا يختبر التطوافَ

وخبرته: البيت المسكونْ)..؟

- كنتُ غشيماً حدَّ البراءة، كنتُ شقياً ببراءةٍ ليست من صنع خطواتي.. كنتُ أمشي فقط، حسبما يأخذني المشيُ، بلاداً فبلاداً، وسواداً أقابله ببياضٍ من فاقدٍ.. ولا خيار أمامي سوى أن أكون جاداً في متابعة الخطو بإخلاصٍ إلى حيث لم أختر، ولا أعرف كيف تكون الخياراتُ والمساراتُ متشابهاتٌ:

(ستمرُّ سماءٌ فوقَ النجمةِ

سوفَ تمرُّ الغيمةُ أيضاً

تحتَ النجمةِ، سوفَ تمرُّ الأرضْ

ويصير الطولُ مغالطةً لقوام العرضْ)!

- تستعرض (مقدمة الكتاب الأخير)، بعد أن مرَّ على صدوره أكثر من أحد عشر عاماً ولم يقرأه أحدٌ غيرك؟

- بل أستعرضُ عجزي عن إتمام (كتابيَ الأخير) بعد أن استنزفتُ روحي في بعض مقدمته (بين المنحنى والظل): كلُّ قصيدةٍ لا تتعمّد المديحَ جنايةٌ، وكلُّ جناية ارتكبتها سمعتُ من يصفها بأنها (حلوة) وكأني لستُ أعرفها، كأن أحداً لم يقترب منها سواي.. وحدي من يعرف مرارتها وكأني لستُ أعرف شيئاً عن الحلاوة والمذاق، وحدي من يشعر بالمعاناة الكامنة في جسد القصب حين يتمدد ويعتصر، وحدي من يحسّ بالصحوة المجنونة المغطاة بالأجفان: كنا صغاراً، نكسر الطرقات ذهاباً وذهاباً.. إلى أن كبرنا انكساراً.. انكسرنا كباراً.. لماذا كبرنا؟

بينَ الجبال جئتُ وقلتُ صرختي الأولى، وفي الصحراء ضعتُ وضاعَ صوتي.. لم أجد أحداً بين الجبال، ولم يجدني أحدٌ في الصحراء. فاقترب مني.. تعبتُ أتبعكَ وتعبتَ تتبعني؛ أجبني: لماذا كبرنا؟؟

- خلّصني من هاتين الكلمتين، الآن.. الآن، وخلصني منك لتتخلص مني.. أو ابقَ معي نستمع إلى الأغنية فقط، وتأمّل وحدكَ في العنوان: (ما عدت أنا أهتم).!

* المقطع الأول والعنوان، من أغنية لنوال الكويتية، كلمات: هتان.