تقوم الأندية الأدبية بدورٍ فاعلٍ في المجتمع، أو بالأحرى هي تُحاول أن تفعل ذلك، وتسعى إلى عقد صلات مع أفراد المجتمع بأطيافه وفئاته كافة، صحيحٌ أنَّها في الغالب تُخاطب النخبة منهم، غير أنَّها تعي تَمَاماً أنه لو انحصر خطابُها على هذه الفئة لفشلت في التواصل مع البقية، وفقدت السواد الأعظم الذي يَحتاج إلى أن يُخاطب بلغةٍ مفهومة، بعيداً عن الخطاب النخبوي، وأن تُعقد له البرامج والموضوعات، وتُصاغ الأفكار التي تقترب منه، وتتلمَّس حاجاته، وتُحاول أن تؤثِّر فيه، وهي بذلك تؤدِّي الدور المنوط بِها، وتُحقِّق الأثر المأمول منها، خصوصاً في ظلِّ تلك الميزانيات الضخمة التي أقرَّتها حكومتنا الرشيدة لَها، خدمةً للثقافة في هذا الوطن المعطاء.
وقبل الولوج في هذا الموضوع لا بُدَّ من أن أشير إلى أمرين لا أظنُّ أنَّ اثنين سيختلفان فيهما، الأول: أنَّ هذا الوطن يزخر بكثيرٍ من الشعراء والأدباء والنقاد والمثقفين والمفكرين وأصحاب المؤلفات والدواوين التي تَحمل قيماً دلاليةً وفنيةً عالية، كما أنَّهم في الغالب من أهل الخبرات العلمية والقدرات البحثية القادرة على إنتاج ما يساعد على تطوُّر الفكر والثقافة في مَملكتنا الغالية.
أما الأمر الثاني فهو الإيمان التامُّ بأنَّ جامعاتنا السعودية تَحتضن كثيراً من الطلاب المبدعين، الذين يَمتلكون فكراً ورؤى متميزة، والقادرين على إنتاج بُحوثٍ علميةٍ ترتقي بِمستوى الثقافة في هذا الوطن، غير أنَّهم يُعانون من مشكلاتٍ كثيرة ومُعوِّقات عديدةٍ تؤدِّي إلى تأخير مسيرتِهم العلمية، وربَّما تدنِّي إنتاج بعضهم؛ ليس بسبب عدم وجود الدعم المادي أو المعنوي، وإنَّما بسبب عدم وجود الدعم الثقافي والعلمي الذي يُنتظر من المؤسسات الثقافية والفكرية، وأهَمُّها في هذا السياق الأندية الأدبية المنتشرة في كثيرٍ من المناطق.
وأعتقد أنَّ الأندية الأدبية حين تؤمن بِهذين الأمرين، وتعي وجودهُما، فإنَّها ستكون قادرةً على التواصل مع طلاب الدراسات العليا من خلال الربط بينهم وبين كثيرٍ من المثقفين والأدباء الذين سيثرون موضوعات الرسائل العلمية، ويُفيدون هؤلاء الطلاب في إنتاج موضوعاتٍ علميةٍ وثقافيةٍ وفكريةٍ ذات جودةٍ وقوَّة، وتلامس هُموم المجتمع، وترتقي بذائقتهم، وليست مُجرَّد موضوعات ضعيفة لا تُقدِّم جديداً، وهدفها نيل الدرجة العلمية فحسب! وهذا الأمر بلا شك سينعكس إيجاباً على مستوى الثقافة والفكر بين أفراد المجتمع.
وخشيةً من أن يتشعَّب الموضوع وتكثر الهموم فقد أردت في هذه الأسطر أن أسلِّط الضوء على هذه الفئة التي تُعدُّ من النخبة التي ينبغي أن يكون خطاب الأندية الأدبية مُوجَّهاً إليها بالدرجة الأولى، وهم طلاب الدراسات العليا في الجامعات، غير أنَّ المتأمِّل في واقعنا الثقافي سيلحظ أنَّ هذا التواصل ضعيف، بل يكاد يكون معدوماً، خصوصاً مع أولئك الذين يطمحون في دراسة التخصصات الأدبية والنقدية وغيرها من التخصصات النظرية التي تتصل باللغة العربية من قريب أو بعيد.
ولو اقتربت الأندية الأدبية إلى واقع طلاب الدراسات العليا وحاولت أن تتعرَّف إلى هُمومهم ومشكلاتِهم، وتسعى إلى معايشتها والبحث عن حلولٍ لَها؛ تسهيلاً عليهم في رحلتهم البحثية، وتذليل الصعاب التي تواجههم وهم يبدعون إنتاجاتِهم العلمية ومشاريعهم البحثية، ورغبةً في تَحسين إنتاجهم في هذه المرحلة المهمة من دراستهم، وحرصاً على فتح أبواب التواصل مع هذه الفئة المهمة في مُجتمعنا، فهم علماء المستقبل، ومتقلدوا المناصب القادمون، ولعلي في الجزء الثاني من هذا المقال أكشف عن بعض الآليات والأساليب التي يُمكن من خلالِها تفعيل دور الأندية الأدبية، وفتح أبواب التواصل مع هذه الفئة المهمة من الطلاب.
Omar1401@gmail.com
- الرياض