تحدثنا في الحلقة الماضية عن مؤسس الرواية التاريخية، ولتر سكوت، وسنتحدث عمن تحدثوا عنه من النقاد الغربيين ومن تأثر به: يقول عنه النقاد الدارسون إن رواياته كانت تحجز قبل خروجها من المطبعة(14)، ويقول عنه آخرون أن كل مثقف في ألمانيا كان يقرأ وفرلي قبل النوم.
وإذا كانت هذه الشهرة قد وصلت إلى ألمانيا، فما بالك بأبناء المملكة المتحدة، فقد تأثر به الكتاب في القرن التاسع عشر، وحققوا شهرة عالية في هذا المجال، ومنهم الكاتب الروائي الكبير(جورج إليوتG0erge Eliot، ولم يقتصر تأثير السير ولتر سكوت على بريطانيا والناطقين باللغة الإنجليزية، بل تعدت إلى بقاع العالم، ففي فرنسا كتب الرواية التاريخية (ألكسندر دوماس الأب1802-1870)، وهو صاحب الروايات التاريخية المشهورة التي سجلت تاريخ فرنسا، ووصل بها إلى العالمية، فكتب الرواية التاريخية ما بين عامي (1844 و1852) مسجلا بها التاريخ الفرنسي، من عصر لويس الثالث عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر، وقد أثر دوماس في الكاتب الفرنسي الشهير((فيكتور هوجوVictor Hugo) 1802-1885، الذي لم يزد على روايتين عالميتين في مجال الرواية التاريخية، ترجمت إلى لغات العالم وأثرت في كل أديب وروائي على وجه الأرض، بين الأولى والثانية 42 اثنان وأربعون عاما، الأولى (نوتر دام دي باري،Notre- Dame De Paris المعروفة في اللغة العربية باسم أحدب نوتردام 1831 والثانية (كاتر فان تريز1873)، وكان اثر هؤلاء قد امتد إلى الشرق والغرب فاثروا في الكاتب الروسي المعروف (ليو تولستوي 1828-1910) صاحب الرواية العالمية(الحرب والسلام)War and Peace، التي تناول فيها أحداث أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، وخاصة غزو نابليون لروسيا في عام 1812.
(15) لقد أثر هؤلاء في الأدب الإنساني في مجال الرواية التاريخية، والرواية بشكل عام، وتأثر بهم كتاب الرواية في العالم، ومنهم كتاب الرواية التاريخية العربية، وسنأتي على بعض منهم في الفترة اللاحقة والمعاصرة لبعضهم، ولكن هل كانت هذه الرواية على منوال الرواية الأوروبية بكل معطياتها التاريخية، أم أن الكاتب العربي كان ينتخب بعض الأحداث ليصوغها في قالب روائي روما نسي كما فعل تولستوي في الحرب والسلام، وهوجو في أحدب نوتردام، قد يكون ذلك مما اقتدى به الكتاب العرب في التاريخ العربي الإسلامي ولنا أن نرى ماذا كتبوا، كانت الرواية الشفوية في عهود مضت هي المسيطر الأول على النص المحكي، بما فيها من إضافات تناسب مقام الحديث الشعبي، من عادات اجتماعية، وظروف سياسية تناسب مجالس علية القوم وما يريدون أن يتحدث به الناس من حولهم، من بطولات أجدادهم وقومهم، وغالبا ما يختم الحديث المروي بقصيدة تعزز موقفه، وموقف المتحدث عنه، وكل ذلك يدور في سياق مقبول للجميع، من الناحية القصصية، وسياق آخر تاريخي ممتد من عهد معين، وسياق ثالث يتعلق بالقص نفسه على شكل أفقي ليس فيه عقدة ولا يتطلب جهدا من الراوي ولا المتلقي للبحث عن فلسفة تؤل النص، فالحديث مكشوف يلونه الراوي بأسلوب جذاب يراعي فيه مستوى الحضور ليخاطبهم بقدر ما يفهمون، ويطعم حديثه بشخصيات تاريخية معروفة لديهم، أبو نواس، هارون الرشيد، جحا، وغيرهم، كما يلونها ببعض النكات المعروفة على بعض الفئات من الشعب، أو الطبقات الاجتماعية، أو حتى الحكم والمواعظ، وعلى أي حال كان هذا الموروث التاريخي الشعبي مادة استثمرها الكتاب في القرن التاسع عشر عندما ظهرت الصحافة، وكثر عدد المتعلمين للقراءة والكتابة، ووجدوا أساليب تختلف عما كان يقدمه الرواة الشعبيون، ولا شك أن هؤلاء الكتاب قد استفادوا من الكتاب الغربيين، وخاصة منهم من يجيد اللغات الأوروبية والشرقية.
إذا سلمنا- كما مضى- بأن الرواية التاريخية تستقي مادتها من أحداث التاريخ الحقيقية، فإن أحداثها تختلف عما يقدمه المؤرخ، فهي ممزوجة بخيال الكاتب الروائي، وليس بأسلوب المؤرخ، فالشخصية الرئيسة واحدة، لكن تحيط بها شخصيات ثانوية، يقوم عليها العمل الروائي في تصاعد عمودي، نتيجته عقدة من صنع الروائي بمساعدة الراوي، فإن السؤال الذي يفرض نفسه، يقول: هل هناك فرق بين الرواية التاريخية الغربية- التي قدمنا لها قبل قليل- والرواية العربية؟؟
- الرياض