القصد عامل معنوي نسبه أبوالقاسم السهيلي إلى أستاذه أبي الحسين سليمان بن محمد بن عبدالله المالَقي الملقب بابن الطراوة، فمن المنصوب بالقصد إليه لا بعامل لفظي المصادر التي تستعمل من غير أفعالها، قال السهيلي(1) «وضرب لا يحتاج إلى الإخبار عن فاعله ولا إلى اختلاف أحوال الحدث؛ بل يحتاج إلى ذكره خاصة على الإطلاق مضافًا إلى ما بعده، نحو: سبحانَ الله، فإن سبحانَ اسم ينبئ عن العظمة والتنزيه، فوقع القصد إلى ذكره مجردًا من التقييدات بالزمان أو بالأحوال؛ ولذلك وجب نصبه كما يجب نصب كل مقصود إليه بالذكر». ومن المنصوب بالقصد ما استعمل للتحذير «نحو (إيّاك)»، والمصادر المستعملة في الدعاء «نحو (ويلَ زيدٍ وويحَه)، وهما أيضًا مصدران لم يشتق منهما فعل، حيث لم يحتج إلى الإخبار عن فاعلهما، ولا احتيج إلى تخصيصهما بزمن، فحكمهما حكم سبحان الله ونصبهما كنصبه؛ لأنه مقصود إليه». ومن ذلك المنصوب المشتغل عنه فعله بضميره، قال السهيلي «ومما انتصب لأنه مقصود إليه بالذكر: (زيدًا ضربته)» فليس منصوبًا بفعل مقدر يماثل الفعل المذكور كما هو في قول النحويين، قال السهيلي «وهو مذهب شيخنا أبي الحسين»، ويجعل منه المفعول به المقدم على فعله، قال السهيلي «وكذلك (زيدًا ضربت)، بلا ضمير، لا يجعله مفعولاً مقدمًا؛ لأن المعمول لا يتقدم على عامله، وهو مذهب قوي». ومع تقوية السهيلي قول أستاذه يتوقف فيه بعض التوقف؛ إذ يقول «ولكن لا يبعد عندي قول النحويين أنه مفعول مقدم، وإن كان المعمول لا يتقدم على العامل. والفعل كالحرف لأنه عامل في الاسم وذلك على معنى فيه، فلا ينبغي للاسم أن يتقدم، كما لا يتقدم على الحرف؛ ولكن الفعل في قولك: (زيدًا ضربت)، قد أخذ معموله وهو الفاعل، فمعتمده عليه، ومن أجله صيغ، وأما المفعول فلم يبالوا به، إِذ ليس اعتماد الفعل عليه كاعتماده على الفاعل، ألا ترى أنه يحذف والفاعل لا يحذف، فليس تقديمه على الفعل العامل فيه بأبعد من حذفه. وأما (زيدًا ضربته) فينصب بالقصد إليه، كما قال الشيخ». ولا أجد أحدًا احتفل بمذهب ابن الطراوة هذا؛ لأن العوامل المعنوية غير مقدمة في النحو البصري الذي ساد في معظم التناول النحوي، ولأن مذهبه هذا ربما يفسر النصب ولكن هذا لا يكفي؛ إذ الإعراب ليس تفسير التصرف الإعرابي لفظًا بل بيان وظيفة اللفظ وعلاقته بعناصر الجملة الأخرى، فالمنصوب في جملة الاشتغال (زيدًا أكرمته) مفعول به الضرب، ولم يمنعالنحويين جعله مفعولاً به مقدمًا سوى وجدانهم الفعل اتصل به ضميره، وهم يمنعون أن ينصب الفعل الظاهر وضميره معًا؛ لأن الفعل له مفعول واحد، وهذا الذي ألزموا أنفسهم به وذهبوا إليه ضرب من التحكم أدى إلى زعم لا دليل عليه ولا حاجة إليه، وهو افتراضهم نصب الظاهر بفعل آخر، والأولى القول مع المحدثين إن هذا المقدم مفعول به، وإن اتصل بالفعل ضمير يدل عليه، فالمعوّل على المعنى والوظيفة؛ بل إن الاسم لينتصب مقدمًا إن كان من سبب المفعول به، نحو: زيدًا أكرمت والده، فهذا المنصوب مضاف إليه ولكنه نصب مقدمًا دلالة على ارتباطه بالمفعول به وأنه جزء لا يتجزأ منه.
(1) كل النصوص المقتبسة من نتائج الفكَر للسهيلي، بتحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض، ص 57، 58.
الرياض