في أحد مطاراتنا احتشد آلاف الأشخاص لكي يستقبلوا لاعب كرة قدم انتقل إلى ناديهم، وكاد أن يختنق بين الجمهور الغفير الذي أطبق عليه من كافة الجهات الأصلية والفرعية، وعلى بعد أمتار معدودة كانت تقف سيارة فارهة ذات قيمة مالية خيالية، وكأنه آيب من رحلة فضائية شارك من خلالها في رفع اسم الوطن الغالي عاليا، مما يعني أن السفه قد سيطر على تفكيرهم، وأن الرشد قد غاب عنهم وربما لن يعود ما دام تفكيرهم وأحلامهم بهذا القدر من الضحالة، وقد حدث هذا ويحدث ما هو أكبر منه، بل وأكثر خطرا، من غير أن يستثير حفيظة من يصفون أنفسهم بـ «الدعاة»، إذ الكرة شيء كمالي يدخل في إطار الترف أو حتى الهواية، لكنها لا ترفد مصالح الوطن، ولا تشارك في بنائه، بل إن في مجتمعنا من يظن أنها وليدة تخطيط يهدف إلى تعطيل قدرات الشباب بالاشتغال بالصراعات والتعصبات الكروية، ولكم أن تعجبوا ممن جاءه خاطب لإحدى بناته، فلم يسأله عن عمله أو عن إمكانياته الحياتية من باب الاطمئنان على حياة ابنته في بيت الزوجية، وإنما سأله عن النادي الكروي الذي يشجعه!
وقد يقول قائل: إن هذا ما يحدث على مستوى العالم، لكنه ينسى أننا أمة ذات خصوصية تأمرها بالتأثير في العالم بأسره، وعند ما تخلينا عنها أضحينا مفتونين بما لدى الأمم الأخرى حتى لو كان تافها وحقيرا، وبدلا من أن نكون متبوعين صرنا تابعين.. وما لم ينظر المجتمع للكرة نظرة سُراة القوم وعقلاء المجتمع، فسوف تحمل الأيام القادمة ما يلحقنا بما حدث في بور سعيد المصرية عند ما سُفكت دماء شباب في عمر الزهور من أجل «بالونة مملوءة بالهواء»، ولئن كان ما حدث هناك حراما فإن ما يؤدي إليه حرام - كما تقول القاعدة الفقهية - ولعمري أن الهوس الكروي يعد حراما ومنكرا لما سفكت فيه من دماء وكأن الضحايا قُتلوا دفاعا عن الدين أو العرض أو الأرض!!
يا قوم.. وجهوا الشباب إلى النافع من الجهود المرتكزة على النضج بدلا من التحول البليد إلى غوغائيين، فذلك أعوض بكثير من الانخراط في اهتمامات أقل سيئاتها السب واللعن والبذاءة والتعصب الأعمى الذي يضر ولا ينفع.. فهل من مدّكر؟!
الباحة