في إضمامة سردية متناهية الرشاقة، ومفعمة بالحضور اليومي يطل الكاتب القاص الدكتور عبدالعزيز النخيلان على القارئ بقصص قصيرة وسمها بعنوان «رسالة فارغة» مستشعرا أهمية الاقتضاب والومض في هذا الزمن المتسارع، الذي لا يقبل الإطالة، أو حتى يطيق التأمل العميق، فالقاص النخيلان يذكي رغبة قوية في القارئ كي يتأمل المضمون أو المراد خلف تلك السطور القصصية المتوامضة.
فالقصة القصيرة والكاتب النخيلان على علاقة قوية ونابهة تستميل الذائقة وتستدرج الاهتمام وتسجل حضورها الوجداني في الذاكرة لكي لا تكون هذه القصص مجرد أحاديث عابرة بل نراها وقد رسخت مفهوم البيان الإنساني المفعم بالوعي والحديث الجاد ليخرج القارئ من هذه السطور برؤية متكاملة يدرك من خلالها المعنى.
عناصر السرد في مجموعة «رسالة فارغة» تأخذ بعداً فنياً معتاداً، إذ تتمحور هذه العناصر حول فضاء الزمان المترامي الذي يستعيد فيه البطل حكاياته وطرفه في عالم جديد، يعيد للماضي شيئاً من الحنين، فكما في قصة «رسالة فارغة» التي تحمل اسم المجموعة فإن القاص النخيلان يستدرج الزمان من رفوف الماضي حينما تومض الرسالة الفارغة في هاتفه المحمول بعلاقة قديمة تؤكد وجود الزمن في النص كحقيقة مهمة يتبعها في هذا السياق قصة «إلى نيويورك» التي يستعيد معها تفاصيل علاقة قديمة يعيدها الموقف كشكل وامض.
أما حيز المكان في هذه القصص فإنه يظل مسكونا بتفاصيل الحاضر ومعاناته، إن مدينة، أو حي من أحياء المدن المكتظة بالحياة والناس، أو مطار، أو غرفة اجتماعات، أو ردهة فندق أو نزل، أو ممرات مشفى، أو في عرض أي طريق.. فالمكان واضح المعالم تدور فيه الأحداث البسيطة، ولا تحتاج إلى ربط ذهني طالما أنها أعدت من قبل الكاتب على هذا النحو.
وكثيرا ما يعول الراوي للحكاية في هذه القصص على عنصر المفاجأة واندماج حيزي الزمان والمكان بعضهما ببعض نظرا لقدرتهما القوية والمؤثرة على بناء معادلة الحياة التي تحمل تنوع الحكاية وكمالها. فهب أن الزمان كان غائبا عن حكاية ما فلن تستجلي منها ما هو مفيد، وكذلك عنصر المكان إن غاب أو غُيِّب عن فضاء السرد وتفاصيل الأحداث فلن يكون المشهد مثمراً أو مفيداً لأن لغة المكان حميمية ومهمة في السرد لا سيما في الفن القصصي الحديث الذي يتطلب وجود حيزي الزمان والمكان كعنصرين مهمين في بناء أي نص وهذا ما عمد إليه الكاتب حينما عمل على استحضارهما.
لغة القصص تميل إلى استحضار مفهوم الواقعية في بناء اللغة الموائمة للنصوص، فالكاتب النخيلان يعمد إلى تقديم رؤية مناسبة لكل نص فحينما يكون النص أنثويا على نحو سرد قصة «القصر العاجي» فإن اللغة تأتي مفعمة بعبارات مفخمة وبلغة شاعرية حالمة وبأوصاف لها دلالاتها الكبيرة لتتساوق مع الحدث الذي يرد على هيئة عرض باذخ لامرأة تمتلك قشور الحياة ومفاتن الدنيا الزائلة والناس من حولها أم حاسد فيرمقها بنظرات نارية، أو محب فيتودد لها.
أما بيئة القصص في هذه المجموعة فإنها تذهب إلى نبش حكاية الحياة الاجتماعية الملونة والمتعددة.. تلك التي تحتاج من الراوي حسن تدبر وإمعان في نقل فضاءاتها على نحو قصة «الشيخ سفاح».. حيث تحمل القصة في طياتها حضور بيئة الريف وإن كانت داخل بناء عصري.. فالعقل هو من يتطور إلا عند الشيخ سفاح.. هذا الرجل الذي يتناقض في حياته وعلاقاته مع من حوله.
يمكن لنا أن نشير إلى أن النصوص تحكمها مساحة من الهجس الإنساني المبطن بلغة النقد اللاذع للكثير من المواقف، فكل نص من هذه النصوص له هويته أو فكرته الخاصة التي لا تشبه بأي حال من الأحوال القصص أو الحكايات الأخرى، حتى أن النخيلان عمد إلى أن تكون فكرة النص مشفوعة برؤية واقعية وليست فرضية، أي أن الحلول ممكنة جدا لأي مشكلة أو عقدة يبنيها، والوضوح في هذا السياق السردي يحدد أبعاد النص ولا يمكن للقارئ أن يذهب بعيد في خياله أو يسترسل في حدسيات جانبية إنما هي قصص متكاملة في رسمها ورؤيتها ومعالمها التي لا تقبل الجدل أو التأويل.
كما أن هذه القصص تحمل رسالة إنسانية غاية في الجمال والود وترقب الذوق العام وتسهم في خلق فضاء جمالي للأحداث، وتبدو من صنف وطبيعة القصص التي تعد تجارب ذاتية صادقة، يمكن القياس عليها والتعاطي معها كقضايا يومية يستمد منها الدكتور النخيلان مادته السردية في هذا المشاهد المشبعة بحكاية الإنسان البسيط.
* * *
إشارة:
* رسالة فارغة (قصص قصيرة)
* د. عبدالعزيز النخيلان
* النادي الأدبي بحائل (ط1) 1433هـ
* تقع المجموعة في نحو (54 صفحة) من القطع المتوسط