Culture Magazine Thursday  03/01/2013 G Issue 392
فضاءات
الخميس 21 ,صفر 1434   العدد  392
 
صدى الإبداع
العلاقة الجدلية بين الرواية – والتاريخ: 3-8
ما هي الرواية التاريخية؟
د.سلطان بن سعد القحطاني

 

إذا عرفنا – كما ذكرت من قبل- أن المؤرخ يعتمد على نقل الخبر، وهو راوي الخبر في الوقت نفسه، فإن الروائي التاريخي يبني أحداثا على الخبر التاريخي بأسلوب روائي يختلف عن أسلوب المؤرخ، ينقلها عن الزمن الماضي في أسلوب أدبي في اتجاه عمودي (رأسي) بصيغة متحركة تعالج الأحداث بأسلوب روائي، يتضمن راويا ضمنيا وروائيا ينقلها بأسلوبه ألأدبي، وقد عرفها الباحثون بتعاريف مختلفة، لكن أقرب هذه التعريفات كان تعريف الباحث (جورج لوكاتشG.Lukatch) الذي يقول: إنها رواية تثير الحاضر ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق للذات (11) وهي بالتالي عمل فني يتخذ من التاريخ مادة له، ويوظف الفن الروائي- الزمان والمكان والخيال الفني في خدمة الحدث التاريخي والشخصية التاريخية والمكان الذي دارت عليه الأحداث المدونة والمنقولة على شفاه الرواة والمؤرخين تضم في داخلها عددا من الشخصيات المختلفة من صنع الروائي، قد لا تكون موجودة أصلا في النص التاريخي.

ومن هذا المنطلق يتضح الفرق بين المؤرخ الذي ينقل الحدث بطريقة الخبر الجاف كما هو، والروائي الذي يوظف الموهبة الروائية في خدمة الحدث، فيخلق نصا تاريخيا جديدا في ثوب روائي بزمانه ومكانه وشخوصه وشخصيته المحورية,

ولو طرحنا على أنفسنا هذا السؤال، لماذا لجأ الروائيون إلى كتابة الرواية التاريخية؟؟ لوجدنا الجواب في غاية السهولة والبساطة، وقد يغيب عن أذهان كثير من المتابعين لأحداث التاريخ، فالإنسان يجذبه الحنين إلى الماضي بحسناته وسيئاته، ويتذكر (وأنى له الذكرى) ويبحث عن جذوره ومفاخر أجداده، والقدوة الحسنة في سير العظماء والعلماء، ورائحة المكان، وغير ذلك، وبالرغم من هذا كله يعتريه الملل والسأم وهو يقرأ نصا تاريخيا جافا مملا مكررا، متضاربا في رواياته وأسلوب رواته، وكان المنقذ من هذا الجو المنفر ظهور الرواية التاريخية، أي أن التاريخ قُدم بأسلوب روائي جذاب مع وجود روح الحدث التاريخي، إضافة إلى ركن مهم من أركان الرواية تحت مصطلح (العقدة) وهي التي يعرف النص بها، إن كان رواية أو نصا سرديا، أيا كان نوعه، كما لاحظ ذلك الناقد الإسكوتلاندي إدوين ميور، في كتابه، بناء الرواية (12) وتأتي العقدة في رأس الهرم، وهي الحد الفاصل بين السرد العادي، من حكايات وسير وتواريخ، في قالب (أفقي) ذي بداية ونهاية، كما حددها النقاد الغربيون في دراساتهم (13) ويكمن في العقدة راو غائب، وروائي يقود القارئ إلى البحث عن ذلك الراوي الضمني ليحل عقدة الحدث عندما يجد مكمنه، وذلك بعكس القص التاريخي أو القصة الطويلة ذات الاتجاه الأفقي الواحد، التي تبدأ وتنتهي مجرد خبر عادي.

كانت هذه الفكرة قد ظهرت على يد شاب أتقن اللغة الإنجليزية على الحدود بين مقاطعتي أسكوتلاندا وإنجلترا، وأصيب بداء الشلل غير الكامل، فأرسله والده إلى منزل جده في إحدى ضواحي إدنبرة Edinburgh، فوجد كتب التاريخ في منزل الجد، وساعده على ذلك عاملان: الأول: حبه للتاريخ، والثاني ظروفه الصحية التي أجبرته على الجلوس كثيرا في المنزل في ضاحية (ميلروزMelrose)، ذلكم هو الشاب ابن قاضي عاصمة أسكوتلاندا، ولتر سكوتWalter Scott1771-1832، عكف ولتر سكوت على قراءة التاريخ، وركز اهتمامه على تاريخ الحروب الصليبية، واستنتج منها مادة تاريخية جميلة استطاع أن يقدمها في أسلوب روائي جذاب، فألف روايته الأولى (وفرليWaverly ، ونسب عنوانها إلى أشهر ميدان في قلب مدينة إدنبرة ، سنة 1814، وبعدها بخمس سنوات كتب روايته الثانية (إفانهوIvanhoe)1819، والجدير بالذكر أن هذه الروايات التي كتبها السير ولتر سكوت وحصل من خلالها على لقب (Sir كانت باللغة الإنجليزية التي أتقنها وتم انتشارها في العالم على غير عادة قومه في لغتهم (القيلكGaelic) اللغة القومية لأسكوتلاندا، وبالرغم من أن الباحثين ركزوا اهتمامهم على روايتيه (وفرلي وأفانهو) وكتابه عن نابليون بونابرت، إلا أنني أخالفهم الرأي ، حسب تخصصي في الرواية، ودراستي لهذا لكاتب في مرحلة الدكتوراه- فروايته التي ترجمها بعض الباحثين إلى (الطلسم) وأنا أرى أن ترجمتها إلى (التعويذة) في اللغة العربية أنسب من الطلسم، التي ظهرت في عام 1825، كانت الرواية التاريخية التي تجرد فيها الكاتب عن العواطف الدينية، ووصف فيها شخصيات الرواية،الملك ريتشارد قلب الأسدking Richard Heart Of Leon،1157-1199، وصلاح الدين الأيوبي1138-1193، والفارس الأسكوتلاندي الشهير (السير كينيث،) ويظهر السير ولتر سكوت أبطاله –عادة- من النبلاء ولا يصورهم أعداء هدفهم الانتقام، بل نبلاء يظهر كل منهم قوته في الانتصار على خصمه، ويصور القائد النبيل صلاح الدين الأيوبي في صورة العالم المسلم الذي صدرت بلاده الحكمة والعلم إلى العالم، حيث يتسلل ليلا بين جموع الصليبيين ليصل إلى ريتشار قلب الأسد فيقدم له الدواء، ويعقد معه صلحا لمغادرة البلاد وعدم احتلال القدس، وذلك ما حصل، ثم يعود إلى المعسكر ليعطي الفارس كينيثKenneth التعويذة كي لا يعود إليه المرض مرة ثانية. وهكذا كان أسلوب السير ولتر سكوت في تصوير أحداث التاريخ، بأن كل أبطالمن النبلاء الذين يتمتعون بالحكمة وبعد النظر، وهذا ما جعله صاحب مدرسة الرواية التاريخية في العالم. وللحديث عنه بقية.

- الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة