يطل الكاتب محمد الفوز على القارئ من خلال كوة السرد التي يرى في تفاصيلها أنها تحتاج إلى مزيد من الإنصات والمتابعة لحكاية المرأة الجديدة التي يبدو أنها باتت معقدة، وتحتاج منا إلى حسن تدبر وتأمل وهذا ما سعى إليه في تفاصيل هذه الرواية التي وسمها بعنوان» لا تثقوا بامرأة» متيقنا أن هناك ما لم يفصح عنه حتى الآن عن تلك الحكاية الجدلية المتوارثة بين المرأة والرجل بوصفهما عنصرا ضد تتميز فيها الحياة وتزدهر.

في الرواية إيذان باقتفاء حساسية هذا الخطاب الجدلي منذ أن خلق الله الرجل والمرأة، فكانت فاتحة الحكاية هنا، أو الرواية بين أيديكم هي أن وضع الإهداء إليها رغبة منه في خلق مسرب نهائي للتلاقي في آخر نفق هذا الجدل، أو المشاكسة الحميمية في منعطفات هذا البوح السردي العاصف والمكتظ بالعديد من الصور المتباعدة، والتجارب المتشابكة.. تلك التي صاغ منها «الفوز» لوحاته الحكائية، ليضع المرأة محوراً تدور حوله تفاصيل التجربة الحياتية في هذا الزمن المعاصر.

تنهل الرواية من معين حكاية الأنثى المأزومة على لسان الراوي الذي لا يترك أي شاردة، أو واردة إلا ويذكرها عن «نوف» وعوالمها الغريبة.. تلك الشخصية التي يتفتق ذهنها عن كثير من صور الرفض والممانعة وحب الذات والهلع من الرجل، فهي وإن كانت بسيطة ومتواضعة إلا أنها تظل في مواضع أخرى معاندة وصعبة القياد، فالروائي «الفوز» يدفع بكل أوراق المفارقة على لسان الراوي المتمكن من منقولاته، والبارع في مروياته والمتفنن في وصفياته حول هذه الأنثى التي تسكنها الكثير من الهواجس المتباينة عن الرجل ممثلا بطليقها «كحيلان» أو ما سواه من الرجال الذي تتقاطع تجربتها الحياتية معهم، حتى أنها تذهب في ممارساتها اليومية إلى حدود التيه والعدمية.

عُني «الفوز» ببناء شخصيات أخرى في هذه الرواية تجاري وتنافس شخصية «نوف» وتتقاطع معها بالضرورة الفنية وبالسياق الإنساني، بل تتصادم بعض الأحيان مع قناعاتها، مع ما يعززه عنصر السرد من إهالة مفترضة على هذه المواقف من تداعيات وجدانية وآهات أنثوية وخواطر مجنحة تستسلم لهامش البوح الذي تواتر في النص على هيئة خطاب استدراكي على حياتها وتفاصيل يومها.

وقد أشبع النص بصور إنسانية شتى حتى تماهي في المقولة ليجمع بين ما أختلف وما تنافر بغية أن يتكامل السر في منهج الأنثى الذي جاء من ألفه إلى يائه محملا على المعادلة الأنثوية الشائكة.

عنوان الرواية وإن جاء صادما، فهو لا يقل صراحة عن أهمية وضرورة كشف وجه آخر للرجل في عدم الثقة وتقلب المزاج وتأرجح المبادئ وغياب الرشد في وارد: (للذكر مثل حظ الأنثيين) كما ورد في الرواية (ص34) على لسان الراوي في جمل وجدانية متدفقة.

عناصر السرد في هذه الرواية تظهر ميلا شديدا لحيز الزمان المترامي في ذاكرة الراوي، حتى أصبحت الحكاية هاجسا زمنيا متحولاً من حقبة إلى أخرى، فيما يظل حضور المكان عاماً ويتكئ على الحالة الوصفية في أماكن مختارة حول البطلة «نوف» أو من خلال سياق السرد للقصص والمواقف التي تتوارد حاملة شعار الوصف العابر على نحو وصف سجن طليقها كحيلان، وعوالم سيطرة الجشع في هذا العالم من حولنا.

لغة السرد هنا تأتي مترافقة مع هذه المشاهد المتزاحمة فهي المزيج المتواتر من خطاب وجداني مترقرق، يدون كل شاردة وواردة ويسبغ عليها من كرم نعته الكثير من الأوصاف حتى بات النص الروائي بمثابة قاموس لغوي يظهر فيها امتزاج اللغة واللهجة والحديث والإشارة والنحت واستقدام شذرات من لغات أخرى بغية أن يكون النص متوائما مع حالة البوح التي تسكن الشخوص وتتلبسهم.

وبما أنه استخدم لغة سردية فائقة البساطة في سبر أغوار الحكاية، إلا أنه برع في وصف الكثير من المواقف بأسلوب يمازج بين الفصاحة والعامية، بغية أن يصل النص إلى مستواه الجمالي وأن لا يؤثر الحضور السردي في بناء اللغة الجميلة التي تناوش الشعر لتجعل من حضوره في بعض الأحيان ضرورة يراها الكاتب على نحو استدعاء بعض القصائد في الرواية إضافة إلى فضاءات المواقف الشاعرية التي تتطلب من الراوي ذكرها على لسان «نوف» ومن حولها من شخوص مسكونين في حالة كشف خبايا كثيرة في حياة المرأة، فهم المجندون على هامش الرواية من أجل أن يقولوا كل شيء في حضرة «نوف» أو في غيابها.

***

إشارة:

* لا تثقوا بامرأة (رواية)

* محمد الفوز

* دار مسعى للنشر ـ البحرين ـ (ط1) 2013م

* تقع الرواية في نحو (156صفحة) من القطع المتوسط

* يعد هذا العمل ـ الفصل الأول ـ من ثلاثية «أعمار ناقصة» للكاتب.